من أسمائه الحسنى جل وعلا: "الـمُصَوِّرُ" فيُصَوِّر تعالى مخلوقاته على هيئات وأشكال (=صور) مخصوصة أو قل: يُخَصِّص تعالى وجود مخلوقاته في الخارج بصور وكيفيات جسمية محددة..
نعم..فلك يا عبد الله أن تسأل: لمَ كانت صورة الإنسان على هذه الهيئة المعروفة مع أنه يجوز عليه عقلا أن تكون صورته على صُوَر وجودية أخرى مغايرة؟!..ولم كانت عين الإنسان على هذه الهيئة المخصوصة مع أنه يمكن أن تكون على هيئة مخالفة كعين الذبابة المنقسمة مثلا: تغطي معظم الرأس وتحتوي على آلاف من العدسات السداسية الشكل؟!..الخ وهكذا: فالعقل يُجَوِّز ولا يمنع أن تكون الشمس على شكل آخر غير شكلها المكوَّر الحالي..ويمكن أن يكون حجمها أكبر أو أصغر من حجمها الحالي المحدد..ويجوز أن يكون عدد أرجل الحيوان الفلاني أكثر من كذا أو أقل من كذا وكذا..الخ
فهذا التخصيص دليل عقلي قاطع وبرهان رباني ناصع على ثبوت صفة الإرادة الإلهية..هذه الإرادة هي صفة تخصيص..تخصِّص المخلوقات ببعض ما يجوز عليها من وجوه الممكنات..
إذن: فكل مُصَوَّر بهذا المعنى فهو قطعا محدث مسبوق بعدمه ووجوده يفتقر إلى صورة يقوم عليها في الخارج..وتخصيصه بهذه الصورة دون غيرها يحتاج إلى مُخَصِّص خصَّصه بالهيئة والشكل الفلاني دون غيره من جملة الهيئات والأشكال الأخرى المحتملة في حقه..فالصورة دليل قاطع على وجود الصانع الـمُصَوِّر..وعلى هذا فيستحيل أن يكون الـمُصَوِّرُ سبحانه وتعالى ذا صورة كمخلوقاته..لأن الصورة دليل حدوث كما ترى..
ولا يستقيم أن يحتج القرآن الكريم بمعاني الصورة الجسمية القائمة في المخلوقات فيستدل بها على عظمة مُصَوِّر هذه الصُّوَر سبحانه وتعالى إذا كان الخالق الـمُصَوِّر جل وعلا يشارك المخلوقات الـمُصَوَّرة في معاني الصورة الجسمية هذه؟!..وتأمل قوله تعالى: مخاطبا عبده: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)}[الانفطار:6-8] فكل مُصَوَّر فهو مُرَكَّب محدث يحتاج إلى من رَكَّبهُ على الصورة التي هو عليها وهو الله سبحانه وتعالى..ولتنظر في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ}[آل عمران:6] وقوله: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ}[غافر:64]..ولو قامت الصورة به تعالى للزم أن يُصَوِّرَ تعالى نفسه ألم يقل ربنا: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر:24]؟!..وهذا لازم بيِّن البطلان يستغنى بشناعة حكايته عن الاشتغال برده..فسبحان مَن يُصَوِّر وَلَا يتَصَوَّر..
وهذا التقرير يبطل دعوى التيمية المجسمة في نسبة الكيفية الجسمية والصورة بمعنى الهيئة والشكل الخارجي لربهم تعالى ربنا وجل عن إفكهم..
كتبه الشيخ / ياسين بن ربيع حفظه الله