قال لي: كيف تحتفلون بالمولد النبوي مع أن يوم المولد هو نفس يوم وفاة النبي؟
قلت له: هل صح أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- صام يوم الاثنين يوم مولده؟
قال لي: نعم.
قلت له: هل تصوم يوم الاثنين كما كان رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- يصوم يوم مولده.
قال لي: نعم أحيانا.
قلت له: وكيف تصوم يوم الاثنين مع أنه ثبت بالاتفاق أنه هو اليوم الذي انتقل فيه؟
قال لي: أنا لا أصوم لكونه اليوم الذي توفي فيه، بل لأنه اليوم الذي ولد فيه.
قلت له: وهكذا كل أهل المحبة لرسول الله يحتفلون بيوم المولد لا بيوم الوفاة، ولا يجوز أبدا لك ولا غيرك أن يحكم على المسلمين أنهم يحتفلون بيوم الوفاة.
قلت: إن من أسخف استدلالات المنكرين للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، قولهم: أن يوم المولد هو يوم انتقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وهذا لعمري استدلال لا يدل إلا على وقاحة وقبح، لأنهم يعلمون أن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إنما يحتفلون بمولد رسول الله لا بوفاته، ولا يخطر في قلب محب أنه يفرح بموت رسول الله في يوم الاثنين، هذا غير كائن في قلب مسلم، وإنما هذا إن وجد فهو عند المنافقين والزنادقة الذين فرحوا حينما انتقل رسول الله إلى الرفيق الأعلى.
فاستدلالهم ساقط وقبيح عقلا وشرعا.
فقد اتفق العلماء أن رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- ولد في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول لكن حصل خلاف على أي يوم من شهر ربيع ولد فيه، والجمهور على كونه في يوم الاثنين في الثاني عشر من ربيع الأول.
والثابت بالاتفاق أنه في يوم الاثنين، وقد كان رسول الله يصوم يوم المولد أي يوم الاثنين من كل أسبوع، ولم سئل عن صيامه قال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ - أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ -»، والمسلمون من الصحابة فمن بعدهم يعظمون يوم الاثنين ويصومونه شكرا لله -تعالى- أن رسول الله ولد في هذا اليوم وفيه أنزل عليه القرآن أو كان يوم بعثته الشريفة.
فهل كان يخطر في قلوب الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين وأتباع التابعين إلى يومنا هذا، أنهم يصومون يوم الاثنين لكون أن سيدنا رسول الله توفي في هذا اليوم!!! حاشا وكلا فهذا لا يصدر من مسلم يومن بالله ورسوله.
فلا يلحظ مسلم أبدا في صومه يوم الاثنين أن هذا اليوم كان يوم وفاته، وإنما يلحظ أنه يوم المولد الشريف تأسيا بسيد الخلق -صلى الله عليه وآله وسلم-.
والثابت بالاتفاق أن سيدنا رسول الله أنه انتقل إلى الرفيق الأعلى يوم (الاثنين) في شهر ربيع لكن حصل خلاف بين العلماء في أي يوم كان من ربيع.
ففي "عيون الأثر" (2/ 408(:
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ يَوْمُ الاثْنَيْنِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ: فَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ وَجُمْهُورُ النَّاسِ أَنَّهُ: الثَّانِي عَشَرَ. قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ سَالِمٍ: وَهَذَا لا يَصِحُّ، وَقَدْ جَرَى فِيهِ عَلَى الْعُلَمَاءِ مِنَ الْغَلَطِ مَا عَلَيْنَا بَيَانُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَهُ السُّهَيْلِيُّ إِلَى بَيَانِهِ، لأَنَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ كَانَتْ وَقْفَتُهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَلا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ يَوْم الاثْنَيْنِ ثَانِي عَشَرَ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، سَوَاءَ أَتَمَّتِ الأَشْهُرُ كُلُّهَا أَوْ نَقَصَتْ كُلُّهَا، أَوْ تَمَّ بَعْضُهَا وَنَقَصَ بَعْضُهَا. قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ مَضَتَا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخُوَارَزْمِيُّ: أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْهُ، وَكِلاهُمَا مُمْكِنٌ.
وفي "السيرة النبوية" لابن كثير (4/ 509):
فَائِدَةٌ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ مَا مَضْمُونُهُ: لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ وَفَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَام يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سنة إِحْدَى عشرَة.
وَذَلِكَ لأنه عَلَيْهِ السَّلَام وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ; فَكَانَ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ يَوْمُ الْخَمِيسِ، فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تُحْسَبَ الشُّهُورُ تَامَّةً أَوْ نَاقِصَةً أَوْ بَعْضُهَا تَامٌّ وَبَعْضُهَا نَاقِصٌ، لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
فقول الأكثرين أنه توفي في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول لا يستقيم مع الحساب واقرأ بتمعن ما جاء في "إمتاع الأسماع" (14/ 543):
قول أبى الربيع أن الأشهر الثلاث التي بقيت من عمره -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا كانت تامة كان الثاني عشر من ربيع الأول وإنما هو الأحد فإنه يكون أول ذي الحجة الخميس، وآخره يوم الجمعة، وأول المحرم يوم السبت، وآخره الأحد، وأول صفر الاثنين، وآخره الثلاثاء، وأول ربيع الأربعاء، فحينئذ الثاني عشر الأحد، وإن نقص شهران فتم شهر كان أول ربيع الاثنين، وثاني عشر الجمعة، وإن نقص الأشهر الثلاث كان أول ربيع الأحد، والثاني عشر الخميس.
إذن ما يثيره هؤلاء من التشويش على المسلمين والطعن فيهم بكونهم يحتفلون بيوم وفاة سيدنا رسول الله كلام شنيع في تكفير من طرف خفي لجموع المسلمين من قرون عديدة.
وكلامهم باطل لا يلتفت إليه ولا ينظر فيه لشناعته ووضوح قبحه، وسوء الظن بالموحدين.
كتبه: الشيخ العلامة أبو صهيب الحجيري.