حوار هادئ مع منكر عاقل
1-هل ترى جواز الاحتفال بالمولد النبوي؟
نعم
2-هل فعله النبي وأصحابه والقرون الثلاثة الأولى؟
لا
3-إذن هذا دليل على التحريم؟
لا، لأن السلف لم يستوعبوا كل صور الخير الموجودة في الكون، وإلا ترتب على ذلك أن كل دعاء من أدعيتنا محرم لأنه لم يدع به السلف، وكل صوة من صور الخير لم يفعلها السلف فهي محرمة.
4-لكن رسول الله تركه؟
ترك رسول الله للشيء قد يكون مقصودا فيكون الترك للتحريم أو الكراهة، أو للتخفيف كما في التراويح.
5-لكن هذا الاحتفال من المحدثات وهي بدعة محرمة؟
المحدثات إما أن تخالف نصا أو إجماعا فهي بدعة محرمة، وإما ألا تخالف نصا ولا إجماعا بل تندرج تحت نصوص عامة تشملها فتصير سنة حسنة.
6-من الذي قال ذلك؟
الإمام الشافعي في تعريفه للبدعة.
7-لكن الحديث يقول: "وكل بدعة ضلالة"؟
اقرأ شرح الحديث للنووي تجد قوله: " هذا من العام المخصوص فليست كل البدع ضلالات" بمعناه لا بلفظه.
8-وهذه النصوص العامة التي يندرج تحتها المولد هل علمها النبي وأصحابه أم جهلوها؟
علموها.
9-وإذا علموها فلماذا لم يعملوا بمقتضاها ويحتفلوا؟
لأن العمل بمقتضى النص العام لا يعني أن يستغرق العامل كل الصور التي تندرج تحت ذلك النص اندراجا مستغرقا.
10-هات مثالا؟
مسابقات حفظ القران، فهي خير وتندرج تحت النصوص العامة الدالة على مشروعيتها، ولكن لم يفعلها النبي ولا أرشد إليها مع قيام المقتضي وانتفاء المانع، فلو سايرنا القول بأن كل ما لم يفعله النبي بدعة لصارت مسابقات القران بدعة، ولصار تدوين السيرة النبوية وعلم الفقه والتفسير وعلم المصطلح وعلم الاعتقاد بدعة لأن النبي وأصحابه لم يفعلوه ولا أرشدوا إليه ولصارت غالب أدعيتنا اليوم التي ندعو الله بها بدعة لأن النبي وأصحابه لم يقولوها بنصها.
11-لكن هذه الأمور لها شواهد تدل عليها من الشرع بينما المولد لا، فكيف تدعل له أصلا؟
النصوص التي يندرج تحتها كثيرة، كقوله تعالى: "وذكرهم بأيام الله" ويوم ميلاد النبي هو يوم من أيام الله المعظمة شرعا لأن النبي كان يصومه.
وكقواله تعالى: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا" ولا شك أن النبي فضل ورحمة فيندرج تحت عموم النص لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
كقوله تعالى: "وافعلوا الخير لعلكم تفلحون" ولاشك أن إطعام الطعام وإظهار السرور بمولد رسول الله الذي هو رحمة للعالمين هو من الخير، ولاشك أن جمع الناس يوم مولده وتذكرهم بسيرته وسنته هو من الخير.
12-وهل سَلَفَ من الأئمةِ من يقول بذلك؟
نعم، الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، والإمام المحدث أبو شامة رحمه الله تعالى، والإمام ابن الجزري شيخ القراءات المعروف رحمه الله تعالى، والإمام ابن كثير الذي استحسن عمل المولد وأثنى على صانعيه في البداية والنهاية رحمه الله تعالى، والإمام ابن ناصر الدمشقي الذي كان منافحا عن ابن تيمية رحمه الله تعالى، والإمام ابن دحية الذي قال عنه الذهبي إنه الشيخ المحدث العلامة المتفنن، وغيرهم كثيرون.
13-وهل قال أحد ببدعيته؟
نعم، الإمام ابن تيمة رحمه الله تعالى، والإمام ابن الحاج المالكي في كتابه المدخل،وغيرهما كذلك.
14-ولماذا تأخذ برأي المجيزين؟
لأنني أراه أقرب لموارد الشرع، ولأن الخلاف يسعنا مادام وسع أئمتنا، فمن رآه مشروعا فله سلف ولا ينكر عليه، ومن رآه غير مشروع فله سلف ولا ينكر عليه، هذا بشرط خلو الاحتفال من المنكرات والمستقبحات شرعا، والمتطاول من الفريقين متحجر جامد، ومن لم يسعه ما وسع السابقين من أئمتنا فلا وسع الله عليه.
كتبه الدكتور عبدالله رشدي
#الأزهر_قادم