مذاكرات الأحباب
س: ما هو سبب عزلة بعض كبار الصوفية كالشيخ عبد القادر الجيلاني وأبو الحسن الشاذلي و هل ينطبق ذلك مع الجميع ؟
***
الجواب وبالله التوفيق: من قال لحضرتك أنهم كانوا منعزلين, شيوخ التربية لم يكونوا منعزلين قط عن المجتمع وإصلاح النفوس وتربية الأجيال.
من قال لحضرتك هذه المعلومة الكاذبة فهو لا يعرف سيرهم وتاريخهم.
وسيدى عبد القادر , وسيدى الشاذلى كانوا من كبار شيوخ الطريق المربين.
فكيف ينعزلون؟!
احيلكم على كتاب الامام عبد الحليم محمود, المدرسة الشاذلية لتقف وقوفا صحيحا على حياة سيدى الشاذلى, وتدفع عن نفسك الاوهام والاكاذيب التى تروج حولهم.
لكن العزلة والخلوة من وسائل التربية, عند شيوخ القوم, يستعملونها مع المريد بحسب حاله, ولهم فى ذلك طرائق ومشارب متنوعة,
بل هناك من شيوخ القوم من يرى أن الخلوة فى الجلوة, وخلوتنا فى جلوتنا وقد شرحناه فى منشور سابق, وإليه ذهب النقشبندية فى طريقتهم, واختاره مولانا الإمام على جمعة أطال الله بقاءه فى صحة وعافية فى منهجه الصوفى.
ولكنها عند من قال بها وجعلها جزءا من منهجه التربوى مؤقتة ومحددة بمدد تتفاوت طولا وقصرا بحسب حال المريد وبما يقرره الشيخ المربى.
والأصل فى العزلة لمن اختاره ما صح فى السنة النبوية من اختلاء النبى صلى الله عليه وسلم بغار حراء, ومن الاعتكاف فى رمضان, ومن أمره بالعزلة أيام الفتن, ونحو ذلك.
وكل هذا صور للعزلة المؤقتة المحددة الوقت , ولها فوائد تربوية جمة, وتعين المريد على مجاهدة النفس وقطع العوائد والمألوفات.
أما من اختار الخلوة فى الجلوة, فقد جمع بين الخلوة القلبية بحيث يحفظ قلبه عن التأثر بظلمات الوقت وفتن الزمان, وفى نفس الوقت يخالط الخلق ويصبر على أذاهم, ويقضى حوائجهم, ويشارك فى عمران الكون, ويقوم فيما أقامه الله فيه من الأسباب والمعايش, وهذا هو الأشبه بحال النبى صلى الله عليه وسلم وحال كبار أصحابه.
أما العزلة التامة والمستمرة عن الخلق أجمعين , فلا تعرف لأهل الكمال والتكميل, والتربية والتسليك, وربما وقعت لأهل الفناء الذين حبسهم الله فيه ولم يرجعوا إلى البقاء, بل أقامهم الله مع الحق, ولم يردهم إلى الخلق, ولا يخفى أن البقاء أتم وأكمل من الفناء.
-------------------
#مذاكرات_الأحباب:
بقلم الشيخ الدكتور عصام أنس الزفتاوى حفظه الله