الحركة في الحضرات ..الانصاف بين الصوفية والوهابية
السؤال : هل تجوز الحركة اثناء العبادة ! وما التخريج الفقهي لها ؟
الجواب : نعم يجوز على اية هيئة كانت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللهِ فَهُوَ لَعِبٌ ) النسائي(8889) بسند صحيح وهذا فيه ذكر الله فهو كما صرح الحديث ليس لعبا (!!) ... فاياكم اياكم بوصفه لعبا ورقصا ان فيه ذكر الله !! ولذكر الله أكبر ! لو كانوا يعلمون ... فالذكر المطلق غير المقيد في كل حال ومقام محل مدح من الشرع القويم ... واتفق اهل السنة على قاعدة القياس لما ليس له دليل خاص يحرمه وانما ادلةعامة وهي: (مساواة فرع لأصل في علة حكمه)
(1) ولو كانت سوء ادب مع الله لما اجازها الشرع في لب عبادتين كالحج والصلاة ...
فمثلا الحاج يهرول في الطواف ويهرول اثناء السعي !! ثم اليس الركوع والسجود كفعل محض هو حركة (!!) ...
إن التصوف يعني الذكر، والذكر يعني طهارة القلب وصفاء السريرة، والخروج من ظلمة الغفلة إلى نور اليقظة ....
والحركة اثناء الذكر وجب معرفته انه ليس بالواجب او الفرض الذي لا يصح قبول الذكر الا به !! انما وسيلة لتنشيط النفس وتحفيز الهمة لمواصلة واستدامة المجلس الذي يطول وقتا في كثير من الحضرات امتثالا لقوله تعالى ويذكرون الله كثيرا ....
ولو كان الذكر مع الحركة سوء ادب لما قرأ رسول الله في حضن زوجاته وهن حائضات !! فعن ام المؤمنبن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم : ( يَتَّكِئُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ) رواه البخاري ومسلم..
ولو كان الذكر مع الوقوف سوء ادب لما قرأنا القران في الصلاة وقوفا !! ولما كان دعاء القنوت وقوفا ...
ولو كانت صلاتنا كصلاة اهل الكتاب جلوس على مقاعد!!
(2) ولو كان يخرم المروءة !! لانكر رسول الله على الصحابة حجلهم امامه وبيّن لهم ولما تاخر عن بيان الحكم : عن علي قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وجعفر وزيد فقال لزيد أنت أخونا ومولانا قال فحجل ثم قال لجعفر أنت أشبهت خلقي وخلقي قال فحجل وراء حجل زيد ثم قال لي أنت مني وأنا منك فحجلت وراء حجل جعفر صححه ابن حجر واحمد شاكر واخرون (فتح الباري12/66) والحجل أن يرفع رجلا ويقفز على الأخرى من الفرح اشبه ما يكون بالرقص للرجال بدون تثني تشبها بالنساء ...(الامام البيهقي في كتابه الاداب ص 257)
فهل انت تستدرك على الشرع ؟... واي فتنة عليك أَنْ ترى أنك قد سَبقتَ إِلَى فضيلة قد قَصَّرَ عنها الشرع !! ؟ وقد تمت كلمة ربك كما ارادها وبلغها النبي !! {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ?}
(3) ومن العلماء من اجازه لما ظهر وانتشر بين الطرق الصوفية منهم سلطان العلماء فالمشهور عن الامام ابن عبد السلام أنه كان يتواجد ويتحرك اثناء الحضرات لما كان يدعى لها ويحضرها ولو كان ذلك منكرا لما تساهل او توقف عن بيان الحكم ... فمن شك في ذلك فقد اتهم العلماء زاسقط هيبتهم امام العامة...!! بل انه رحمه الله سئل عن الآلات كالدف وغيرها في الحضرات فقال: مباح .... ولما سمع الشيخ شرف الدين التلمساني: يقول عنه انه يقصد أنه لم يرد دليل صحيح من السنة على تحريمه، فسمعه الشيخ عز الدين، قال: لا، أردت أن ذلك مباح... ذكره غير واحد عنه في طبقات الشافعية كالأسنوي والسبكي
قيل للشيخ ابن دقيق العيد: ما تقول في هذا الأمر؟ قال: لم يرد حديث صحيح على منعه، ولا حديث صحيح على جوازه، وهذه مسالة اجتهاد: فمن اجتهد وأداه اجتهاده إلى التحريم قال به، ومن اجتهد وأداه اجتهاده إلى الجواز قال به (فرح الاسماع /ابن زغدان المالكي ص75)
ومنهم الشيخ: تاج الدين الفزاري شيخ دمشق ومفتيها والإمام الحافظ الورع المجتهد: تقي الدين بن دقيق العيد والإمام قاضي القضاة: بدر الدين بن جماعة والامام شمس الدين الأصبهاني والإمام قاضي القضاة: شمس الدين البساطي رحمهم الله جميعا
وقد ذكر الحافظ بن حجر الهيتمي في كتاب " الفتاوى الحديثية ( ص 212 )
والامام السيوطي : في كتاب " الحاوي للفتاوي " للسيوطي ( 2 / 234 ) :
" وقد ورد في الحديث رقص جعفر بن أبي طالب ...... ولم ينكر ذلك عليه النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فكان هذا أصلا في رقص الصّوفيّة لما يدركونه من لذّات المواجيد ، وقَد صحّ القيام والرقص في مجالس الذّكر والسّماع عن جماعة من كبار الأئمّة ، منهم شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام)أهـ
أيعقل كل هؤلاء على ضلالة الا ابن عبدالوهاب واتباعه !!
ومنهج اهل السنة في استنباط الاحكام التي لم يرد فيها نص يحسم المسألة هو القياس على أدلة عامة ... واتفقوا ان القاعدة في ذلك هو مساواة فرع لأصل في علة حكمه، فيقاس على الأصل: فعل الحبشة، وفعل علي حين حجل هو ومن شاركه في فعله من الصحابة ولادلة عامة كما يلي ... فاجازوا الحركة في مجالس الذكر والحضرات الصوفية
أ ) - قال تعالى : {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} والواو حالية على اي حال كانت كما عليه المفسرون.. وقد اخفى القران الهيئة للذاكر وذلك بتنكير قياما وقعودا في الاية
فيفهم منها العموم باي شكل وباي طريقة فلا تضيق واسعا ولا تقيد مطلقا
ب) - حديث : عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه)؛ رواه مسلم وهو على العموم والمشي يدخل في حيز العموم وهذا حركة !!
ج) - قال تعالى : ? فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) عام لا يخصص الا بقرينة تصرفه عن ذلك !! واشترط اهل السنة ضابطا للقرينة ان تكون صريحة وصحيحة ولا لُبس فيها في ذات المسألة !! بان لا يتطرق اليها الاحتمال والا فانه ما يحتمل بَطُل به الاستدلال!!
د) - حديث عن ابن عمر بلفظ ( كان يسبح على ظهر راحلته ) فلو كانت الحركة سوء ادب مع الله لما صلى النبي على راحلة تتحرك بل لما صلى على البهائم !!
هـ) - حديث فصلَّى ركعتي الفجر، ثم خرج إلى الصلاة، وهو يقول: "اللهُمَ اجعلْ في قلبي نوراً ....) الشاهد يقول الذكر وهو يمشي في حركته .. وهو في مسلم وعند ابي داود بسند صحيح
و)- حديث كان يَخرج في العيدين مع الفضل بن عباس وعبدالله والعباس وعلي وجعفر والحسن والحسين وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة وأيمن ابن أم أيمن رضي الله عنهم - رافعًا صوته بالتهليل والتكبير... الشاهد ذكر مع حركة .. لذلك كان ابن عمر إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى وهو يمشي !! روى ابن أبي شيبة عن الزهريِّ قال: كان الناس يكبِّرون في العيد حين يخرجون من منازلهم حتى يأتون المصلى ... فالذكر ليس مقتصرا على الجلوس فانه يجوز مع الحركة كذلك ...
(2). تتلاقى مع الملحدين فهم عند طعنهم في الصلاة يذكرون انها حركات اكروبات !! او رياضة ! لانهم نظروا الى ظاهر الفعل ونسوا ما به من اذكار وايات قرانية ...
فلا تكن ممن يعينون الملاحدة على تثبيت افتراءهم هذا (!!)
(3). تتلاقى مع اصول المعتزلة الذين خالفوا اهل السنة في مسألة التحسين والتقبيح فالافعال هي للشرع وليست خاضعة للعقل ..فما رآه الشرع حسنا فهو حسن ولا يتنافر مع العقل او تأباه وتنفر منه النفس!!
فلا تكن ممن يستقبحون الفعل عن هوى نفس وقلة علم ان هذا من اصول المعتزلة..
فالحركة في العبادة ليست سوء أدب مع الله كما يقول المتطرفون ما دامت شرعت لنا في عبادة !!
(4). التمايل هو وسيلة ... والقاعدة عند اهل السنة اذا كانت الغاية حسنة ومباحة فالوسيلة حسنة ومباحة ما لم تصطدم مع الشرع بنص صريح لا التباس فيه يحسم المسألة ...
(5) مصطلح العبادة توقيفية يحتاج الى تحرير وضبط فليس كل عبادة توقيفية الا ما قيد منها وهناك عبادة مطلقة .. ومنها الاذكار ... لا تخضع لمكان ولا لزمان ولا لهيئة ولا لعدد ولا لالفاظ محددة فلك ان تذكر الله بالطريقة التي تراها ...
(6) الذكر الجماعي جائز ولا مانع من ذلك وحررنا بعض النصوص الصحيحة (الرابط في التعليقات)
(7) المديح بالضرب على الدفوف وللرجال داخل المسجد جائز وقد بينته في منشور سابق ( الرابط في التعليقات )
واخيرا وليس آخرا اقول :
لا يوجد دليل خاص في تحريم المسألة وانما يخوض بها الوهابية بادلة عامة ولذلك اقول لهم فهمكم للادلة العامة لا يلزم الامة بكاملها فكل لديه دليل عام يستند عليه من الكتاب والسنة كما بينت اعلاه
فلا تلزموا الامة بالزامات يا اصحاب الفقه الاوحد بادعاء ان ذلك السنة وغيره الضلال المبين !!
واحذروا ان تاتوا يوم القيامة تطلبون من هؤلاء انتظارهم وقد سيق بهم الى الجنة كما قال تعالى: {انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} فينهاهم الملائكة ارجعوا فالتمسوا النور ممن جعلتموهم أحب إليكم من الله ورسوله، ومن الشبهات التي صدتكم عن نور الله ....
-----------
كتبه : زياد حبوب ابو رجائي