حول دعاء ليلة النصف من شعبان ( اللهم يا ذا المنّ )

 ربما تحتوي الصورة على: ‏‏منظر داخلي‏‏

حول دعاء ليلة النصف من شعبان ( اللهم يا ذا المنّ )
.................................................:
1 - أمَّا الدعاء المشهور، فقد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف (68/ 6)، وابن أبي الدنيا في الدعاء عن ابن مسعود رضي الله عنه، وورد كذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
ما دعا قط عبدٌ بهذه الدعوات إلا وسع الله عليه في معيشته: (يا ذا المنّ فلا يمن عليه، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، لا إله إلا أنت، ظهر اللاجئين، وجار المستجيرين، ومأمن الخائفين، إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيّاً، فامح عنّي اسم الشقاء، وأثبتني عندك سعيداً، موفقاً للخير، (وإن كنت كتبتني عندك في أمِّ الكتاب محروماً أو مقتراً عليَّ في الرزق فامح حرماني، ويسّر رزقي، وأثبتني عندك سعيداً، موفقاً للخير)، فإنّك تقول في كتابك الذي أنزلت (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)) (23).
2 - وأخرجه ابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن مسعود أيضاً بلفظ: (اللهم إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني في السعداء، وإن كنت كتبتني في الأشقياء فامحني من الأشقياء وأثبتني في السعداء، فإنَّك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب) (24). ونقله الإمام اللغوي المحدِّث السيد مرتضى الزبيدي في شرح الإحياء بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأقرَّه.
- نقول: ومثل هذا الدعاء مع الإخبار بأنَّ الداعي به يوسع عليه في رزقه .. إلخ، لا يكون أبداً إلا بتوقيف نبوي، فليس من شأن صحابي ولا غيره أن يخبر بجزاء عمل غيبي [فيكون بذلك له حكم المرفوع]، وبخاصّة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيٌّ، والوحي مخصوص به، لا ينزل إلا عليه؟! وآداب الصحابة لا تأذن لهم بأن يقدموا بين يدي الله ورسوله.
كما أن بعض المراجع (25) تسند بعض ألفاظ هذا الدعاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه (26)، فيكون معنى هذا أنّه دعاء كان معروفاً للصحابة متداولاً بينهم، ولم ينكره منهم أحد، والله تعالى لا يشترط في استجابته للدعاء أن يكون نبويّاً.
4 - أمَّا بقية الدعاء من عند قولهم: (إلهي بالتجلي الأعظم) إلى نهايته؛ فقد زاده الشيخ (ماء العينين الشنقيطي) وذكره في كتابه (نعت البدايات)، ولا بأس به، فالاجتهاد في الدعاء سُنّةٌ نبوية مقررة.
وعلى الداعي أن يتجاوز عن العبارة التي أثارت الخلاف منه، وهي قوله في وصف ليلة النصف (التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم)، والراجح أنها مدسوسة عليه، أو أنّه سار فيها على الرأي غير المشهور؛ إذ النص القرآني على أن هذا الفرق يتم في ليلة القدر.
والتعبير بالمضارع في (يفرق) يدل على الاستمرار، وفيه الرد على من قال: إنَّ ليلة القدر كانت مرة واحدة لا تتكرر، فلا داعي للاهتمام بها أيضاً (عندهم)!!، ونعوذ بالله من تجلط الفكر، ولزوجة الذهن وضيق الأفق العلمي.
.......................................................
الكتاب: ليلة النصف من شعبان
المؤلف: فضيلة الأستاذ الإمام السيد محمد زكي إبراهيم
رائد العشيرة المحمدية في مصر المحمية
عَلَّق عليها وخَرَّج أحاديثها: محيي الدين حسين يوسف الإسنوي
............................
الهوامش :
(23) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (68/ 6)، وابن أبي الدنيا في الدعاء، وأورده السيوطي في الدر المنثور (661/ 4)،
والألوسي في روح المعاني (169/ 13).
وأخرج ابن جرير الطبري في تفسيره (167/ 13)،
وأبو نعيم في الحلية (103/ 4) عن شقيق بن أبي وائل قال: كان ممَّا يكثر أن يدعو بهؤلاء الدعوات: اللهمَّ إنْ كنت كتبتنا أشقياء فامحنا واكتبنا سعداء، وإنْ كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا فإنَّك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أمّ الكتاب.
(24) أورده السيوطي في الدر المنثور (664/ 4) وعزاه لابن جرير وابن المنذر والطبراني.
(25) في النسخة المخطوطة (كما أن القرطبي أسند نحو هذا الدعاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه من طريق أبي عثمان النهدي).
(26) قال شيخنا رحمه الله: (ذكر القرطبي ذلك عند شرحه لقوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت)، وقرر أنَّ عمر كان يدعو بهذه الدعوات باكياً يطوف بالبيت).
قلتُ: وهو ما أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (168/ 13) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّه قال وهو يطوف بالبيت ويبكي: (اللهمَّ إن كنت كتبت عليَّ شقاوة أو ذنباً فامحه فإنَّك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أمُّ الكتاب فاجعله سعادة ومغفرة). وعزاه السيوطي في الدر المنثور (662/ 4) إلى عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وأورده ابن كثير في تفسيره (520/ 2).
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان (488/ 7)، والديلمي في فردوس الأخبار (252/ 3) عن عمر رضي الله عنه أنَّه ذكر خطبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيها: (استعينوا بالله على أعمالكم فإنَّه يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب).