حقد الوهابية على المذاهب والأئمة

وما زال يسألني كثير من أهل العلم عن سبب حقد الوهابية على المذاهب والأئمة وخاصة على الإمام الأعظم ( أبو ) حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه وتحاملهم المميت وغيظهم الفاجر على مذهبه الذي سيقضي عليهم بإذن الله تعالى ( قل موتوا بغيظكم ) ...!!!

أقول : كنت قد كتبت في ذلك ردا مبسطا على سؤال سألنيه أخ فاضل وعالم كامل وتحديدا عن سبب حقد الألباني الذي كل أهله حنفية كرام ، تتباهى بهم بلاد الشام ، ومنهم سيدي الشيخ العالم الجليل وهبة سليمان غاوجي الألباني الدمشقي رحمه الله تعالى ...

ولا يخفى أن حقد هذا الألباني وغيره على الإمام الأعظم والفقيه المعظم في أمة سيد المرسلين صلى الله تعالى عليه وسلم ، ليست وليدة اليوم ، وليست بنت الأمس القريب المعاصر ، بل هي قديمة من زمن محمد بن عبد الوهاب النجدي الصحراوي الذي تصحر عقله وتحجر قلبه وتبلدت أحاسيسه الدينية والروحية وأعماه الله عز وجل وأصمه عن رؤية وسماع الحق ، فقد نقل عنه أستاذه وسيده ومولاه مستر همفر في مذكراته ما يلي :
ووجدت في (محمد عبد الوهاب) ضالتي المنشودة، فإن تحرره وطموحه من مشايخ عصره، ورأيه المستقل الذي لا يهتم حتى بالخلفاء الأربعة أمام ما يفهمه هو من القرآن و السنة، كان أكبر نقاط الضعف التي كنت أتمكن أن أتسلل منها إلى نفسه، وأين هذا الشاب المغرور من ذاك الشيخ التركي الذي درست عنده في تركيا؟ فإنه كان مثال السلف كالجبل لا يحركه شيء. إنه كان إذا أراد أن يأتي باسم أبي حنيفة (كان الشيخ حنفي المذهب) قام وتوضأ ثم ذكر اسم أبي حنيفة، وإذا أراد أن يأخذ كتاب البخاري – و هو كتاب عظيم عند أهل السنة يقدسونه أيما تقديس – قام وتوضأ ثم أخذ الكتاب. أما الشيخ محمد عبد الوهاب فكان يزدري بأبي حنيفة أيما ازدراء. وكان يقول عن نفسه أني أكثر فهما من أبي حنيفة، وكان يقول إن نصف كتاب البخاري باطل.

قلت : فانظر في الشيخ التركي وتعظيمه للإمام الاعظم أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه الذي كان يتوضأ لكي يذكر أبا حنيفة ويتحدث عنه ، فاعجب بهذا الأدب الجم والخلق الفريد والتعظيم الكريم لأئمتنا في الدين وزبدة العلماء العالمين والفقهاء الربانيين ... ولا يخفى أن أسلافنا بهذا الأدب والخلق والتعظيم ، قد حكموا الدنيا وملكوا العالم وسادوا الأمم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم .

ثم انظر إلى هذا البدوي التافه كيف كان يزدري بالإمام الأعظم أبي حنيفة وكيف يقول عن نفسه أنه أكثر علما منه ... كما زادنا هذا النقل عن سيدهم مستر همفر فائدة أخرى ، وهي أنه كان يقول بأن نصف كتاب البخاري باطل ... فكيف يا ترى بغيره من الصحاح والسنن وبقية المسانيد ، لذا فلا تتعجبوا من جرأة الألباني في تهجمه على تضعيف الأحاديث وردها ، وتصحيح ما يوافق عقيدة التجسيم والتكفير ولو كانت في نهاية الضعف ووجوب ردها وترك العمل بها ...

وقد تعودنا دائما في كتاباتنا ألا نخاطب إلا العقل ، وألا نتكلم إلا بما هو علم وعدل ، ولئلا يعترض من لا علم عنده سوى الجهل ، على قولنا السابق الذي ربما لا يصدقه أمثال هؤلاء الأباله ، ويشككون فيه لأنه من كلام مستر همفر الذي لا يعرفه إلا القليل ، مع أنني لا أشك بصحة ونسبة الكتاب إليه ، وحقيقة ما جرى له مع محمد بن عبدالوهاب ، لذا نقول :

إن الواقع المشاهد من حقدهم على المذهب الحنفي ، بل على المذاهب كلها ، كما يظهر ذلك في دعوتهم إلى نبذ المذاهب والتحرر منها ، وهذا لا يخفى على أحد ، فقد شغلوا مساحة واسعة من الزمن في رد العلماء على هذا الهراء ، وكان من آخرها كتب للعالم العلامة والمتكلم النظار والمحقق المدقق الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله تعالى ورضي عنه ومن أهمها كتابه ( اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية ) وهناك مقالة قيمة وجليلة للإمام الجليل محمد زاهد الكوثري رضي الله تعالى عنه سماها ( اللامذهبية قنطرة اللادينية ) فتأمل خطر الدعوة إلى ترك المذاهب وعدم الرجوع إليها والأخذ منها ، فما نتج عن هذه الدعوة إلى التحرر من المذاهب إلا الفوضى الدينية والأخلاقية والفقهية والعقائدية وحتى العلمية بل حتى في إنكار البديهيات

ونقول لهؤلاء الوهابية وللمعجبين بهم من الهالكين معهم في الهاوية :
إن من أثنى عليه سيد الأنام بصحيح الأخبار ، وأجمعت الأمة على أنه سيد الأمة في هذا المضمار ، بل قل في التقوى والورع والزهد الذي لا يلحق به إلا الجهابذة الكبار ، لا يضره نباح كلاب في آخر الزمن ، الذين لم يظهر منهم إلا البلاء والفتن ، وما عادوا على الأمة إلا بالشر والفساد والمحن ... فهؤلاء الأئمة الشاهد منهم والمشهود لهم قد شهدت لهم الأمة وأعلى الله ذكرهم في الدنيا وإلى قيام الساعة ، أما أنتم أيها الصراصير الصافرة والبغاث التافهة والحقيرة ، فمن شهد لكم ، وهل مدحكم وصدقكم إلا المستفيد من أموالكم ، أو الجاهل بأحوالكم ، أو المغشوش بذقونكم المسبلة أو المعجب ببطونكم المنتفخة أمامكم والمتدلية ...

أتحداكم أن تأتوا بشيخ قد أثنى أو يثني عليكم ، إلا كان ثناؤه جهلا منه ، وعيبا فيه وعليه ، وكان هو وثناؤه بلاء عظيما على الأمة ، عندما صدقه وأخذ بكلامه فيكم من لا علم له به وبكم ...!!!

وأما مدح النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لأبي حنيفة فهو ما ورد من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : ( لتفتحنّ القسطنطينية فلنعمَ الأمير أميرُها ولنعمَ الجيشُ ذلك الجيش" (رواه الإمام أحمد في مسنده). فإن مدحه وثناءه صلى الله تعالى عليه وسلم على هذا القائد المظفر وجيشه المكرم ، وجميعهم إلا القليل منهم ، كانوا حنفية وماتريدية وأشعرية وصوفية ، وفيهم الأولياء والعباد والأتقياء والفقهاء والعلماء وأصحاب الكشف والكرامات الباهرة والمناقب الفاخرة ... وثناؤه صلوات الله تعالى عليه وسلاماته على ذلك الأمير والسلطان ( محمد الفاتح ) وجيشه الصالح والفالح هو تزكية أيضا لهؤلاء الأئمة المرضيين ، وثناء كريم على أولئك الفقهاء المتقين ، والعلماء العاملين رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، وإذا شكك هؤلاء الوهابية بهذا الكلام فليشككوا بعقولهم ودينهم المهترئ وليخرجوا من دين الإسلام إلى دين غيره ، إذ ما يتبجحون به من أنهم لا يأخذون إلا بالحديث الصحيح ، وخاصة فيما يزعمونه من الأخذ بصحيح البخاري ، فإن معظم من أخذ عنهم البخاري وروى عنهم هم حنفية وصوفية ، وهم أساتذة أساتذته شاء البخاري نفسه أم أبى ، وشاؤوا هم أم أبوا ...!!!

وقال الإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى ورضي عنه : « قد بشر الرسول صلى الله عليه و سلم بالإمام أبي حنيفة في الحديث الذي أخرجه أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « لو كان العلم بالثريا لتناوله رجال من أبناء فارس».

وقال وكيع بن الجراح وهو شيخ الإمام الشافعي: «كان أبو حنيفة عظيم الأمانة، وكان يؤثر رضا الله تعالى على كل شيء، ولو أخذته السيوف في الله تعالى لاحتملها».

وقال الإمام الشافعي: سئل مالك بن أنس: «هل رأيت أبا حنيفة وناظرته؟»، فقال: «نعم، رأيت رجلاً لو نظر إلى هذه السارية وهي من حجارة، فقال إنها من ذهب لقام بحجته». (أي لأقنعك من قوة حجته)

وقال الإمام الشافعي: وقال: «من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة، كان أبو حنيفة ممن وُفق له الفقه».

وقال الإمام أحمد بن حنبل: «إن أبا حنيفة من العلم والورع والزهد وإيثار الآخرة بمحل لا يدركه أحد، ولقد ضُرب بالسياط لِيَليَ للمنصور فلم يفعل، فرحمة الله عليه ورضوانه»
فهذا نقطة مما ورد في فضله وعلمه وثناء بعض الأئمة عليه رضي الله تعالى عنه ...

فهل بعد هذا يؤثر نباح كلب أجرب عليه؟؟، لا والله و لو نبح ليلا نهارا ...!!!
......

بقلم : عبدالخالق زكريا الجيلاني الماتريدي الحنفي تولاه الله تعالى بلطفه وفضله الجلي والخفي .