أيّهما الأعلم !!

أيّهما الأعلم في العقيدة الإمام أبو حنيفة أم الإمام الماتريدي ...؟؟
وأيّهما الأعلم في العقيدة الإمام الشافعي أم الإمام أبو الحسن الأشعري ...؟؟
وأيّهم الأعلم في العقيدة الإمام أحمد بن حنبل أم الأثرم / أم التميمي أم السجستاني أم ابن عقيل ..؟؟
وأيّهم الأعلم في العقيدة الإمام مالك أم الإمام عبد المؤمن / أم الإمام الباقلاّني ...؟؟

لم يكن هؤلاء الأئمّة الكبار ينظرون في مسائل الكلام والعقيدة ولا يعرفون شيئا من تفاصيل العقيدة الدقيقة ... فقد كانوا أئمّة في الفقه والأصول والحديث واللغة ويفوّضون أمور العقيدة إلى الله تعالى ... وما كانوا يشاكلون الخصوم بكلامهم و أدواتهم ..

فانظر مثلا في الأئمّة المالكية ... لم يعرف عنهم أنّهم كتبوا في العقيدة وشؤونها كتبا تفصيلية .. بحيث يوردون الشبهة ويحلّونها ... فلم يكونوا يكتبون في غير الفقه وأصوله واللغة والحديث ...

فهل كَتب الأصيلي أو الطلمنكي أو القيسي أو الفرضي أو الداني / وغيرهم ما شاء الله من أئمّة عظام كبار من المالكية في العقيدة وأمورها أو نظروا في شؤونها وأحوالها ...!! ولولا ابن تومرت ما تكلّم أحد من متأخّري المالكية في العقيدة وتفاصيلها أصلا ...!!

وكذا الحال عند الشافعية ... فخذ مثلا الإمام الكناني .. وهو صاحب الشافعي والملازم له .. وهو الأعلم من بين أصحاب الشافعي بكتاب الله وشؤون العقيدة ...

وانظر في مؤلّفاته ومناظراته ... نراه يخرج عن مذهب أهل السنّة ويقول بمذهب المعتزلة في الصفات .. فيقول : وصفات الله تعالى لا تعلّل ... فلا يقال يسمع بسمع أو يقدر بقدرة ... فهذا ما جاء في كتاب الله أو سنّة نبيّه فنتوقّف فيه .. ولا نثبته لله .. ولا نتعدّى حدود ذلك بعقولنا ...!!

ألم يقل نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم ( أنزلوا الناس منازلهم ) يقول الإمام مسلم في صحيحه في شرح هذا الحديث كلاما كثيرا مفيدا مختصره :
هذا حديث عظيم يدلّ على أنّ الناس متفاوتون في علومهم وأحوالهم فلا يلزم تقدّم أحدهم في علم تقدّمه في كلّ العلوم ... ولا يلزم من كون راوي الحديث صادقا أن نقبل حديثه مطلقا فقد يكون ضعيف العقل أوالحفظ ...!!

يقول الإمام السبكي بعد أن أثنى على شيخه الذهبي في الحديث وعلومه : وكان شيخنا على إمامته في الحديث لا يُحسن دلالة الألفاظ ...!! وضرب عشرات الأمثلة على هذا ...!! وخصوصا في الأسماء والصفات ...

ألم يقل صلّى الله عليه وسلّم : ربّ مبلّغ أوعى من سامع / وربّ حامل فقه ليس بفقيه / ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ...

ويقال إذا أردتَ أن تعرف قدر العالم فانظر في شهادة علماء فنّه ... فلا يعقل أن يجتمع جميعهم على ذمّه حسدا من عند أنفسهم... فكم من عالم كبير في زمن أحمد بن حنبل لم يكن يراه فقيها بله كونه مبرّزا في العلوم العقلية والعقديّة ... وكم من عالم قتل لأجل هذا ...!! كما حصل مع الإمام الطبري ...!!

ما عليك سيّدي إلاّ أن تفتح كتاب الحيدة للإمام الكناني صاحب الشافعي واقرأ على مهل مناظرته لبشر المريسي وقارن بينها وبين مناظرة أحمد بن حنبل لبشر المريسي واحكم أيّهما الأعلم في العقيدة والتفسير الإمام الكناني أم الإمام أحمد بن حنبل ...؟؟

فقد حبس أحمد بن حنبل وجلد بعد مناظرة ضعيفة جدّا هزم فيها أحمد في بعض شؤون العقيدة ... في حين أنّ الإمام الكناني رجع لبيته معزّزا مكرّما ومعه 10000 درهم ...!!
فقد قال المأمون للكناني كما ذكر الكناني في الحيدة : قد هزمت بشرا وظهرت حجّتك عليه ... وما تقدّم واحد منكم لمناظرته وهزيمته ... وقد اعتقدنا أنّكم تهربون منه خوفا من ملاقاته ..
يقول الكناني : وقد وجدتُ علماء بغداد يهربون من مناظرة المريسي ويقولون عنه هو شيطان ... لأنّه مجادل عنيد قوي ...!!
فمشكلة أهل السنّة مع المأمون كانت من ضعفهم ولم تكن من قوّة المريسي وابن أبي دؤاد ..
يقول الكناني : دخلت على المأمون وقلبي يكاد ينخلع خوفا منه ... فلمّا رآني خائفا أجلسني وصار يسألني عن نسبي وعن مكّة وأحوالها لكي يهدأ قلبي ...
ثمّ تكلّم مع الحاضرين طويلا ... لأجل أن يرتاح قلبي ويذهب خوفي ... !! ولم يبدأ بسؤالي عن معتقدي حتّى رأى أنّ خوفي قد ذهب ورجعت نفسي إلي ...!!
وكان المأمون في غاية الرقّة والأدب مع الكناني / يقول المأمون : يا كناني إن هزمت المريسي أعطيناك جائزة وإن هزمك فإمّا أن تتوب فترجع لبيتك أو تتكبّر فنقتلك ...!!

فهل هذا قول ملك جبّار ...!! أم أنّ أهل السنّة لم يكونوا يحسنون الدفاع عن عقيدتهم ...!!

المقصود .. لا يلزم من تقدّم زيد في الحديث أن يكون متقدّما في علوم العقيدة أو الفقه أو التاريخ وغيرهذا من علوم ...

خذ هذا المثال وتفكّر فيه وستعلم يقينا صدق حديثي ...
افتح كتاب الردّ على أصحاب الوحدة لابن تيمية المتفنّن في العلوم كلّها كما يقول أصحابه ...
وافتح كتاب الردّ على الملحدين لعلاء الدين البخاري المعاصر لابن تيمية ...
واقرأ ردّ ابن تيمية على ابن عربي واقرأ ردّ البخاري على ابن عربي ...
وسترى بأمّ عينك أنّ كلام ابن تيمية الكثير لا طائل تحته ... إنّما هو كلام كثير من غير فصول أو أبواب أو ترتيب أو تهذيب ولا يوجد فيه غير فكرتين :
1- الله موجود مطلق .
2- الأشياء ثابتة في العدم .

ولا يوجد شيء آخر ... في حين أنّ لإمام البخاري ما ترك شيئا في فلسفة ابن عربي إلاّ وأصّلها وردّ عليها كلمة كلمة وحرفا حرفا ...
وستجد أبوابا وفصولا وملاحظات وتقريرات وكلام مثل الفل في المنطق والفلسفة واللغة وغيرها ممّا يحيّر اللبّ والله ...
فستمسك بكتاب ابن تيمية وسترميه من النافذة بمجرّد أن تقرأ كتاب البخاري معاصره .. وستعلم أنّ السّلفيّين يعيشون في وهم اسمه ابن تيمية ...!!

يُقال عندنا في الأردنّ : اترك الخبز للخبّاز ولو أكل نصفه ... ومن كثر التفاته قلّ تحصيله ...!!

كتبه الدكتور بلال إسماعيل التل