صلاة الضحى شبهات وردود

صلاة الضحى شبهات وردود
بسم الله الرحمن الرحيم
إن موضوع صلاة الضحى قد اكتنفه شيء من الغموض فأرى أن أكتب شيئاً في توضيحه بإيجاز ، فأقول وأنا أبرأ إلى الله تعالى من حولي وقوتي طالبا منه سبحانه الهداية والسداد  تمهيد : قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن صلاة الضحى : بدعة ، ونعمت البدعة . وقال : إنها محدثة ، وإنها لمن أحسن ما أحدثوا.
وهذا ثابت عن ابن عمر ، وهو بخلاف قول من لا يفرقون بين درجات المحدثات.

صلاة الضحى سنة مؤكدة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله ، فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه : أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهنَّ حتى أموت : صوم ثلاثة أيام من كل شهر ، وصلاة الضحى ، ونوم على وتر(1) .وقالت عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله (2) . فصلاة الضحى سنة ، وليست بمحدثة ولا بدعة .

فما الذي جعل عدداً من الصحابة يقولون ما يفيد ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي صلاة الضحى ؟؟ .

حدث في خلافة عثمان رضي الله عنه أن كثيراً من الناس اعتادوا أن يمروا بالمسجد عقب خروج وقت الكراهة فيصلوا صلاة الضحى ، وشاع هذا الاستعمال على الألسنة حتى طغى هذا المصطلح الجديد ، وصار لا يفهم من قولك صلاة الضحى أو سبحة الضحى إلا أن تتوجه إلى المسجد بُعيد الشروق فتصليها فيه , بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث على صلاتها اذا رمضت الفصال بالهجير.

ومن القرائن الدالة على ذلك قول ابن جريج رحمه الله : وقال ناس : أول من صلاها أهل البوادي ، يدخلون المسجد إذا فرغوا من أسواقهم . وقول طاووس : إن أول من صلاها الأعراب ، إذا باع أحدهم بضاعة يأتي المسجد فيكبر ويسجد (3) .
ويؤكد ذلك ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه , فقد قال مسروق بن الأجدع : كنا نقعد في المسجد فنثبّت الناس في القراءة بعد قيام ابن مسعود , ثم نقوم فنصلي الضحى , فبلغ ذلك ابنَ مسعود , فقال : عبادَ الله , لا نحمّلوا عباد الله ما لم يحملهم الله , إن كنتم لا بد فاعلين ففي بيوتكم  (4) .
وفي ظل المصطلح الجديد ـ على ما يبدو ـ يأتي جواب ابن عمر عن سؤال مورّق العجلي ، قال مورق : قلت لابن عمر : أتصلي الضحى ؟ . قال : لا . قلت : فعمر ؟ . قال : لا . قلت : فأبو بكر ؟ . قال : لا . قلت : فالنبي صلى الله عليه وسلم ؟. قال : لا إخاله . وكذا قول عبد الرحمن بن أبي ليلى : ما حدثنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانئ ، فإنها قالت : إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثماني ركعات (5).
وكذا رواية نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان لا يصلي من الضحى إلا في يومين : يوم يقدم مكة ، فإنه كان يقدمها ضحى فيطوف بالبيت ثم يصلي ركعتين خلف المقام ، ويوم يأتي مسجد قباء ، فإنه كان يأتيه كل سبت ، فإذا دخل المسجد كره أن يخرج منه حتى يصلي فيه(6) .
وكذا قول عائشة رضي الله عنها : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سبّح سبحة الضحى ، وإني لأسبحها (7) .
وكذا جوابها لعبد الله بن شقيق حين سألها : أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ؟ . فقالت : لا , إلا أن يجيء من مغيبه (8).

إذا عُلم هذا فإن ابن عمر عندما كان يُسأل عن صلاة الضحى - وهذا يعني عندهم المعنى الذي صار متعارفا ً عليه - فإنه يقول إنها بدعة وإنها محدثة ، أي من حيث تخصيص العبادة بمكان و زمان لم يخصصهما لها الشرع .

هذا وقد روى أربعة من التابعين عن ابن عمر قوله في حكم صلاة الضحى :
- فأما مجاهد فإنه دخل المسجد فإذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جالس إلى حجرة عائشة ، وإذا ناس يصلون في المسجد صلاة الضحى ، فسأله عن صلاتهم ، فقال : بدعة (9) .
وجاء عنه عن ابن عمر أنه قال : إنها محدثة ، وإنها لمن أحسن ما أحدثوا (10).

- وأما الحكم بن الأعرج فقد سأل ابن عمر عن صلاة الضحى وكان جوابه - حسب رواية أحد الراويين عنه - أنه قال : بدعة . وكان جوابه – حسب رواية الراوي الثاني عنه – أنه قال : بدعة ، ونعمت البدعة(11).

- وأما سالم بن عبد الله بن عمر فقد روى عن أبيه أنه قال : لقد قتل عثمان وما أحد يسبحها ، وإنها لمن أحب ما أحدث الناس إليّ (12).

- وأما سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي فقد روي عنه أنه قال : أَتْبعني أبي عبدَ الله بن عمر لأتعلم منه ، فما رأيته يصلي السبحة ، وكان إذا رآهم يصلونها قال : من أحسن ما أحدثوا سبحتهم هذه (13).

- و كما أثنى ابن عمر على ما أحدثه الناس من صلاة الضحى فإن علياً رضي الله عنه كان يُذكر له هذه الصلاة التي أحدث الناسُ فيقول : صلوا ما استطعتم ، فإن الله لا يعذب على الصلاة (14) .

وخلاصة الأمر أن الناس أحدثوا أمراً جديدا في صلاة الضحى ، وهو التزامهم بأداء هذه العبادة في أول وقتها في المسجد ، وأن ابن عمر يحكم على فعلهم هذا بأنه بدعة ومحدثة ، وأنه هو ما كان يصليها كما يصليها الناس ، ومع ذلك فقد أثنى على ما يفعلونه بأنه نعمت البدعة ، وأنه من أحسن ما أحدثوا . ولعل ذلك لما رأى من نشاط الناس لأداء هذه العبادة في المسجد ، ولتوقعه أن كثيراً منهم لو حُذِّروا من أدائها في المساجد وأُلزموا أن يفعلوها في البيوت لأصابهم الفتور ، ومن ههنا تحققت الخيرية لما ألزم الناس أنفسهم به .
 ( انتهى بتصرف يسير )
من كتاب البدعة المحمودة بين شبهات المانعين و استدلالات المجيزين
 للشيخ الدكتور/ صلاح الدين بن أحمد الإدلبي
 --------------------------------
 (1) صحيح البخاري : التهجد ، باب صلاة الضحى في الحضر ، برقم 1178 .
(2) صحيح مسلم : مسافرين , باب استحباب صلاة الضحى , 1/ 497 برقم 719 .
 (3) انظرهما في مصنف عبد الرزاق : 3 / 79 ـ 80 . برقم 4869 , 4872 .
(4) مصنف ابن أبي شيبة : 2/ 405 – 406 بسند صحيح . وروى عبد الرزاق في مصنفه 3/ 71 هذه القصة على نحو مختلف لكن من طريق راو متروك .
(5) صحيح البخاري : التهجد ، باب صلاة الضحى في السفر ، برقم 1175 ، 1176 ، لكن جواب أم هانئ كان حسب المراد منها على الاطلاق لا على الاصطلاح الجديد . وحديث ابن عمر هو كذلك في مصنف ابن أبي شيبة : 2/405 . و في المحققة : 3/413 .
(6) صحيح البخاري : فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة ، باب مسجد قباء , برقم 1191 .
(7) صحيح البخاري : التهجد ، باب من لم يصل الضحى ورآه واسعاً ، برقم 1177 . صحيح مسلم : 1/497 برقم 718 . مصنف عبد الرزاق 3 / 78 . و هذا يعني أنه لم يكن يصليها في المسجد ، و أن عائشة كانت تخرج من باب حجرتها و هي ملاصقة للمسجد فتصليها فيه .
(8) صحيح مسلم : 1/496 – 497 برقم 717 ..و ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان يدخل المدينة عند رجوعه من السفر أول النهار فيبدأ بالمسجد ويصلي فيه قبل أن يدخل بيته .
(9) صحيح البخاري : العمرة ، باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم ، برقم 1775 . المعجم الكبير للطبراني : 12 / 413 - 414 برقم 13524 .
(10) قال ابن حجر : روى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن مجاهد عن ابن عمر . فذكره . فتح الباري : 4 / 84 ، طبعة آل مكتوم ، كتاب التهجد ، باب صلاة الضحى في السفر.
(11) مصنف بن أبي شيبة: 2/406 ، 405. وفي المحققة : 3/414 ، 413. والسند صحيح.
(12) مصنف عبد الرزاق : 3 / 78 - 79 . بسند صحيح .
(13) مصنف بن أبي شيبة : 2 / 408 . وفي المحققة 3 / 417 . والسند لين ، ولكنه يصبح حسناً بما سبق .
(14) مصنف عبد الرزاق : 3/78 برقم 4865 . والسند معضل ، إذ فيه انقطاع بين جعفر الصادق و جد جده علي رضي الله عنه .