الحشو والحشوية ...!!

الحشو والحشوية ...!!

هذا كلام مجمل عن الحشو ..

كتاب – نقض المنطق – للشيخ ابن تيمية مجلد كبير لا يقلُّ عن خمسمائة صفحة .. يكفي أن تحذف الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة وتعليقات الشيخ عليها لتجد هذا الكتاب الكبير يصغر فجأة ليصل إلى خمسين صفحة ..!!

ولو حذفت ما نقله الشيخ عن المناطقة لنزل الكتاب إلى 20 صفحة .. وهذه عادة الشيخ في كلّ ما يكتبه ..!!

وقد ذكر الشيخ أبو زهرة في كتابه – ابن تيمية – أنّ ابن تيمية كثير الحشو وهذا ما اعترف به كثير من أتباعه ولكنّهم لا يسمّونه حشوا – لبشاعة الاسم- ويسمّونه - طول نفس - ويقولون : إنّ فيه دلالة على تعمّق الشيخ فيما يتكلّم به ..!!
ُ
وقد قرأت لأحد الحمقى شيئا طويلا قال فيه إنّ ابن تيمية يتعمّد هذا التطويل في كتبه لنكتة مهمّة وهي أنّ الشيخ يريد أن يقول للفلاسفة إنّ أتباع السلف والسلفية يعرفون علومكم أكثر منكم ..!!

وأذكر أنّي قبل حوالي عشر سنوات قرأت كتاب الصفدية للشيخ ابن تيمية وهو كتاب من جزأين وسبب تأليف الكتاب هو سؤال وجّه للشيخ حول العلاقة بين السحر وقول الفلاسفة بتصرّف النفوس – نفوس الأنبياء- بالهيولى ..؟؟

وهو سؤال جيّد وقوي فبدأت بالقراءة وبعد أن قرأت حوالي 100 صفحة حول مسائل فقهية أوردها الشيخ في كتابه نسيت الموضوع الأصلي للكتاب وظننت أنّي أقرأ في كتاب فقهي وليس كتابا في العقيدة ..!!!

وهذا مثال على الحشو عند الشيخ ابن تيميّة وغالبية كتب الشيخ على هذا المنوال ..!!

وكلمة الحشوية ظهرت مع بداية القرن الهجري الثاني مع قول بعض الفرق أقوالا تجسيمية بأدلة ضعيفة وقد قيل إنّ أهل العلم كانوا يُرجعون هؤلاء – ضعاف العقول – إلى حشو المجالس أي آخرها .. أي لا يُقدَّمون في المجالس العلمية لقلّة عقولهم وضعفها في استيعاب الأدلة..

وأصل الحشو هو الشيء الذي لا قيمة له يوضع داخل الوسائد ونحوها فاستعير لهذا المعنى وأصبح الحشو يُطلق على ضعاف العقول ولمن لا قيمة له في العلم ..

وقد نُقلت كلمة الحشو بعد ذلك من حقيقة حشو الوسائد إلى استعارتها في ضعاف العقول ثمّ بعد ذلك أصبحت – نقلا – إلى المجسّمة وعلما عليهم .

والفرق بين الاستعارة والنقل أنّ الاستعارة يبقى اللفظ الوضعي للمعنى المستعار منه وأمّا المنقول فيصير علما على المعنى الموضوع له ثانيا ..!!

فهو حقيقة في حشو الوسائد ونحوها واستعارة في ضعاف العقول وعلم على المجسّمة ..!

وقد يُطلق الحشو في علوم الاجتماع ..

فيقول أهل العلم إنّ أشدّ الناس نجاحا – اجتماعيا – أكثرهم حشوا ..!!

فإنّ فنّ إدارة الحوار حشو ..!! وهذا بحث قيّم ..!! فهو حشو مفيد لأنه تكرار لأحداث وقعت مع قدرة على إعادة صياغتها بما تحويه من متعة ولمسة شخصيّة .

ويقسّم العلماء الحشو المدرج في الكتب إلى :

1- الحشو القبيح : وهو كلام مدرج وخارج عن المبحث الأصلي لا فائدة فيه سوى تسويد الصفحات وتكثيرها .

2- الحشو الحسن : وهو إدراج كلام خارج عن الموضوع المبحوث فيه مع علاقة قريبة به مثل البحث عن تربية الأبناء تربية صحيحة عند الحديث عن أحكام الزواج .

3- حشو متوسّط : وهو إدراج كلام له علاقة بالمبحوث عنه ولكنها علاقة بعيدة مثل الكلام عن التكافل المجتمعي عند الحديث عن أحكام الزواج .

4- حشو مفيد لكنه قبيح : وسبب فائدته أنّه يعطي القاريء إفادات نادرة ونكتا جميلة ولكنها خارجة عن أصل الموضوع ( مثل حشو ابن تيمية ) .

ولكن الحشو في الفلسفة الغربية له وقع جيد وهو من الأمور الجيدة التي يسعى كثير من الباحثين لتعزيزها وقد قاموا بتحليلها بما يؤدي الغرض المفيد وهو يعني عندهم – تكرار الشيء المقول – وهو كثير في كتاباتهم الفلسفية وذلك يرجع إلى تداخل فلسفاتهم وابتناء بعضها على بعض ..!! كفلسفة هيجل مثلا مليئة بحشو ( فخته ) ..!! ولكنه حشو مفيد .

وكذلك فلسفة – هيوم – مليئة بحشو ( جون لوك ) .. ولكنه حشو مفيد كما قدّمنا ..

وأكثر أنواع الحشو ضررا هو حشو المنطق ..

فقد حُشيت كتب المنطق بأمثلة إلهية ....وهو غلط ... فالكلام عن المنطق شيء والكلام عن العلم الإلهي شيء آخر وهذا الغلط يقع فيه كبار علماء المنطق والفلسفة في زماننا .. وقد عاتبتُ واحدا منهم .. فقال لي : اعتبرها بحثا في دلالة الألفاظ ...!! وهذا خطأ فدلالة الألفاظ خارجة عن علم المنطق ... فلولا ضرورة تلك الدلالات لأزيلت بالكليّة .

وقد قرأتُ لأحد علماء الأشاعرة – كتابا يدعّم فيه المنطق – حيث نقض قول ابن تيمية في القياس المنطقي بمثال للشيخ ابن تيمية عن – الوجود – وهذا حشو ظاهر وغلط بائن فالكلام عن القياس كلام في - أداة علمية - والكلام عن - المتعاليات - كلام ميتافيزيقي و غايات ..أي هذا بحث منطقي وذلك بحث انطلوجي ..!!

كتبه الدكتور  بلال إسماعيل التل