هل يصح القول الفاتحة زيادة في شرف النبي صلى الله عليه وسلم ؟

هل يصح القول الفاتحة زيادة في شرف النبي صلى الله عليه وسلم ؟

للإمام ابن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري الشافعي ، شهاب الدين شيخ الإسلام، أبو العباس (المتوفى: 974هـ) رحمه الله .
في رده على المنكر قراءة الفاتحة ووهب ثوابها لجناب حضرة النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام وزيادة في شرفه كما يقول المسلمون .
أجاب بقوله :
الكتاب والسنة دالان على أن طلب الزيادة له صلى الله عليه وسلم أمر مطلوب محمود قال تعالى: { وقل رب زدنى علما } [طه: 114] .
وروى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: (واجعل الحياة زيادة لي في كل خير).
وطلب كون الفاتحة أو غيرها زيادة في شرفه طلب لزيادة علمه، وترقيه في مدارج كمالاته العلية، وإن كان كماله من أصله قد وصل الغاية التي لم يصل إليها كمال مخلوق، فعلم أن كلا من الآية الشريفة والحديث الصحيح دال على أن مقامه صلى الله عليه وسلم وكماله يقبل الزيادة في العلم والثواب وسائر المراتب والدرجات، وعلى أن غايات كماله لا حد لها ولا انتهاء بل هو دائم الترقي في تلك المقامات العلية والدرجات السنية بما لا يطلع عليه ويعلم كنهه إلا الله تعالى؛ وعلى أن كماله صلى الله عليه وسلم مع جلالته لاحتياجه إلى مزيد ترق واستمداد من فيض فضل الله وجوده وكرمه الذاتي الذي لا غاية له ولا انتهاء، وعلى أن طلب الزيادة لا يشعر بأن ثم نقصا إذ لا شك أن علمه صلى الله عليه وسلم أكمل العلوم ومع ذلك فقد أمره الله بطلب زيادته فلنكن نحن مأمورين بطلب زيادة ذلك له صلى الله عليه وسلم، وقد ورد أيضا أمرنا بذلك فيما يندب من الدعاء عند رؤية الكعبة المعظمة إذ فيه:
(وزد من شرفه وعظمه وحجه واعتمره تشريفا) إلى آخره.
وهو صلى الله عليه وسلم كسائر الأنبياء الذين حجوا البيت وهم كل الأنبياء إلا فرقة قليلة منهم على الخلاف في ذلك داخل فيمن شرفه وعظمه وحجه واعتمره وإذا علم دخولهم في ذلك العموم من دلالة العام ظنية أو قطعية على الخلاف فيه علم أنا مأمورون بطلب الدعاء له صلى الله عليه وسلم ولغيره من الأنبياء المذكورين بزيادة التشريف والتكريم؛ وأن الدعاء بزيادة ذلك له صلى الله عليه وسلم أمر مندوب مستحسن.
وقال بعد ذلك :
قد بان بما ذكرته دلالتهما على طلب الدعاء له صلى الله عليه وسلم بالزيادة في شرفه إذ الشرف العلو كما قال أهل اللغة، والمراد به هنا علو المرتبة والمكانة وعلوها بالزيادة في العلم والخير وسائر الدرجات والمراتب، وكل من العلم والخير قد أمرنا بطلب الزيادة له صلى الله عليه وسلم فيه بالطريق الذي قدمناه فلنكن مأمورين بطلب زيادة الشرف له وعلى شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر في قوله هذا الدعاء مخترع من أهل العصر، ولو استحضر ما قاله النووي لم يقل ذلك بل سبق النووي إلى نحو ذلك الإمام المجتهد أبو عبد الله الحليمي من أكابر أصحابنا وقدمائهم وصاحبه الإمام البيهقي وقوله: ولا أصل له في السنة فيقال له: بل له أصل في الكتاب والسنة معا كما تقرر على أن الظاهر أنه إنما قال هذا قبل اطلاعه على ما يأتي عنه، ثم اعلم أن هذين الإمامين لم ينازعا في جواز ذلك وإنما نزاعهما في هل ورد دليل يدل على طلبه فيفعل أو لا فلا ينبغي فعله، وقد علمت أنه ورد ما يدل على طلبه، ومن ثم لما كان النووي رحمه الله وشكر سعيه متحليا من السنة بما لم يلحقه فيه أحد ممن جاء بعده كما صرح به بعض الحفاظ دعا بطلب الزيادة له صلى الله عليه وسلم في شرفه في خطبتي كتابيه اللذين عليهما معول المذهب وهما (الروضة والمنهاج) فقال في خطبة كل منها صلى الله عليه وسلم وزاده فضلا وشرفا لديه، وهذه العبارة متداولة في أيدي العلماء منذ نحو ثلاثمائة سنة لا نعلم أحدا ممن تكلم على الروضة أو المنهاج إعترضها بوجه من الوجوه، ولعل هذين غفلا عنها بدليل قول الثاني هذا الدعاء مخترع من أهل العصر إذ لو استحضر ما قاله النووي لم يقل ذلك بل سبق النووي إلى نحو ذلك الإمام المجتهد أبو عبد الله الحليمي، من أكابر أصحابنا وقدمائهم وصاحبه الإمام البيهقي.
ثم قال في موضع آخر :
فإن قلت: الدعاء بالزيادة في شرفه صلى الله عليه وسلم ممتنع لأنه يقتضي أنه متصف بضدها حتى تطلب له الزيادة وهو محال في حقه. قلت: اعلم أن نبينا صلى الله عليه وسلم وهو أشرف المخلوقات وأكملهم فهو في كمال وزيادة أبدا يترقى من كمال إلى كمال إلى ما لا يعلم كنهه إلا الله تعالى فلا محال في تزايد كماله وترقيه بالنسبة إلى نفسه بعد كونه أكمل المخلوقات، ونحن نطالب له الزيادة في الكمال إلى تلك الدرجة التي لا يعلم كنهها إلا الله تعالى، وفائدة طلبنا له ذلك مع أنه حاصل له لا محالة بوعد الله تعالى أمور. منها: إظهار شرفه صلى الله عليه وسلم وكمال منزلته وعظم قدره ورفع ذكره وتوقيره. ومنها: مجازاته صلى الله عليه وسلم على إحسانه إلينا. ومنها: حصول الثواب لنا.

الفتاوى الحديثية
المؤلف: أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، شهاب الدين شيخ الإسلام، أبو العباس (المتوفى: 974هـ).