مفهوم البدعة شرعا وأقوال أهل العلم فيها

مفهوم البدعة شرعا وأقوال أهل العلم فيها
1 - تعريف الإمام الشافعي للبدعة (مناقب الشافعي للإمام البيهقي (1/ 468):
قال الشافعي: المحدثات من الأمور ضربان:
أحدهما: ما أحدث يخالف كتاباً، أو سنة، أو أثراً، أو إجماعاً. فهذه البدعة الضلالة.
والثانية: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، وهذه محدثة غير مذمومة.
وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان: نعمت البدعة هذه يعنى أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى.
وأخرجه من طريق آخر: أبو نعيم في حلية الأولياء (9/ 113):
قال الشافعي: البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم.] اهـ

2 - تعريف الإمام العز بن عبد السلام للبدعة (قواعد الأحكام 2/ 172 - 174):
[فصل في البدع: البدعة فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهي منقسمة إلى:
بدعة واجبة، وبدعة محرمة، وبدعة مندوبة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة، والطريق في معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة:
فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة.
وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة.
وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة.
وإن دخلت في قواعد المكروه فهي مكروهة.
وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة.
وللبدع الواجبة أمثلة. أحدها:
الاشتغال بعلم النحو الذي يفهم به كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك واجب لأن حفظ الشريعة واجب ولا يتأتى حفظها إلا بمعرفة ذلك، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
المثال الثاني: حفظ غريب الكتاب والسنة من اللغة.
المثال الثالث: تدوين أصول الفقه.
المثال الرابع: الكلام في الجرح والتعديل لتمييز الصحيح من السقيم، وقد دلت قواعد الشريعة على أن حفظ الشريعة فرض كفاية فيما زاد على القدر المتعين، ولا يتأتى حفظ الشريعة إلا بما ذكرناه.
وللبدع المحرمة أمثلة. منها:
مذهب القدرية، ومنها مذهب الجبرية، ومنها مذهب المرجئة، ومنها مذهب المجسمة، والرد على هؤلاء من البدع الواجبة.
وللبدع المندوبة أمثلة. منها:
إحداث الربط والمدارس وبناء القناطر، ومنها كل إحسان لم يعهد في العصر الأول.
ومنها:
صلاة التراويح، ومنها الكلام في دقائق التصوف، ومنها الكلام في الجدل في جمع المحافل للاستدلال على المسائل إذا قصد بذلك وجه الله سبحانه.
وللبدع المكروهة أمثلة. منها:
زخرفة المساجد، ومنها تزويق المصاحف، وأما تلحين القرآن بحيث تتغير ألفاظه عن الوضع العربي، فالأصح أنه من البدع المحرمة.
وللبدع المباحة أمثلة. منها:
المصافحة عقيب الصبح والعصر، ومنها التوسع في اللذيذ من المآكل والمشارب والملابس والمساكن، ولبس الطيالسة، وتوسيع الأكمام. وقد يختلف في بعض ذلك، فيجعله بعض العلماء من البدع المكروهة، ويجعله آخرون من السنن المفعولة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بعده، وذلك كالاستعاذة في الصلاة والبسملة.] اهـ

3 - تعريف الإمام الغزالي للبدعة (إحياء علوم الدين (1/ 286):
[ولا يمنع من ذلك كونه محدثاً فكم من محدث حسن كما قيل في إقامة الجماعات في التراويح إنها من محدثات عمر رضي الله عنه وأنها بدعة حسنة. إنما البدعة المذمومة ما يصادم السنة القديمة أو يكاد يفضي إلى تغييرها.] اهـ
وقال أيضا (1/ 362):
[وما يقال إنه أبدع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس كل ما أبدع منهياً، بل المنهي بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمراً من الشرع مع بقاء علته، بل الإبداع قد يجب في بعض الأحوال إذا تغيرت الأسباب] اهـ

4 - تعريف الحافظ ابن الجوزي للبدعة (تلبيس إبليس صـ 7):
[البدعة عبارة عن فعل لم يكن فابتدع، والأغلب في المبتدعات أنها تصادم الشريعة بالمخالفة، وتوجب التعالي عليها بزيادة أو نقص، فإن ابتدع شيء لا يخالف الشريعة، ولا يوجب التعالي عليها فقد كان جمهور السلف يكرهونه، وكانوا ينفرون من كل مبتدع وإن كان جائزاً، حفظاً للأصل وهو الاتباع.
ثم قال ابن الجوزي:
إن القوم كانوا يتحذرون من كل بدعة وإن لم يكن بها بأس لئلا يحدثوا مالم يكن، وقد جرت محدثات لا تصادم الشريعة ولا تتعارض معها، فلم يروا بفعلها بأساً مثل جمع عمر الناس على صلاة القيام في رمضان فقال: نعمت البدعة هذه.] اهـ

5 - تعريف الإمام ابن الأثير للبدعة (النهاية في غريب الحديث" (1/ 106 ,107):
[البدعة بدعتان بدعة هدى وبدعة ضلال فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو في حيز الذم والإنكار وما كان واقعا تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو فى حيز المدح وما لم يكن مثال موجود كنوع من الجود والسخاء وفعل المعروف فهو فى الأفعال المحمودة ولا يجوز أن يكون ذلك فى خلاف ما ورد الشرع به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل له فى ذلك ثوابا فقال"من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها " وقال فى ضده "ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها" وذلك إذا كان فى خلاف ما أمر الله به أو رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن هذا النوع قول عمر رضي الله عنه" نعمت البدعة هذه" لما كانت من أفعال الخير وداخلة فى حيز المدح سماها بدعة ومدحها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنها لهم وإنما صلاها ليالي ثم تركها ولم يحافظ عليها ولا جمع الناس لها ولا كانت فى زمن أبى بكر وإنما عمر جمع الناس عليها وندبهم إليها فبهذا سماها بدعة وهى على الحقيقة سنة لقوله صلى الله عليه وسلم " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى"وقوله "اقتدوا باللذين من بعدى أبى بكر وعمر وعلى هذا التأويل يحمل الحديث الآخر "كل محدثة بدعة" إنما يريد ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة] اهـ

6 - تعريف الإمام النووي للبدعة (تهذيب الأسماء واللغات (3/ 22، 23):
[البِدعة بكسر الباء في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهي منقسمة إلى: حسنة وقبيحة.
وروى البيهقي بإسناده في "مناقب الشافعي" عن الشافعي رضي الله عنه قال: المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتابًا أو سنة أو أثرًا أو إجماعًا، فهذه البدعة الضلالة، والثانية: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من العلماء، وهذه محدثة غيرمذمومة، وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام شهر رمضان: نعمت البدعة هذه، يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت ليس فيها رد لما مضى، هذا آخر كلام الشافعي رضي الله تعالى عنه.] اهـ
- وقال الإمام النووي أيضا "فى شرحه على صحيح مسلم" (6/ 154 ,155):
عند شرحه لحديث"إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة " قال الإمام النووي:
[قوله صلى الله عليه وسلم كل بدعة ضلالة هذا عام مخصوص والمراد غالب البدع قال أهل اللغة هي كل شيء عمل على غير مثال سابق.
قال العلماء:
البدعة خمسة أقسام واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة
فمن الواجبة نظم أدلة المتكلمين للرد على الملاحدة والمبتدعين وشبه ذلك
ومن المندوبة تصنيف كتب العلم وبناء المدارس والربط وغير ذلك
ومن المباح التبسط فى ألوان الأطعمة وغير ذلك
والحرام والمكروه ظاهران فإذا عرف ما ذكرته، علم أن الحديث من العام المخصوص وكذا ما أشبهه من الأحاديث الواردة ويؤيدها قول عمر رضي الله عنه نعمت البدعة ولا يمنع من كون الحديث عاما مخصوصا قوله "كل بدعة "مؤكدة "بكل "بل يدخله التخصيص مع ذلك كقوله تعالى (تدمر كل شيء) "الأحقاف: آية 25] اهـ
وقال أيضا "فى شرحه على صحيح مسلم" (16/ 226 ,227):
عند شرحه لحديث "من سن فى الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن فى الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"
قال الإمام النووي:
[فيه الحث على الابتداء بالخيرات وسن السنن الحسنات والتحذير من الأباطيل والمستقبحات وفى هذا الحديث تخصيص قوله صلى الله عليه وسلم "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" وأن المراد به المحدثات الباطلة والبدع المذمومة] اهـ

7 - تعريف الإمام السبكي للبدعة (إتحاف السادة المتقين (3/ 420):
[البدعة في الشرع إنما يراد بها الأمر الحادث الذي لا أصل له في الشرع، وقد يطلق مقيداً، فيقال: بدعة هدى، وبدعة ضلالة.] اهـ

8 - تعريف الإمام الكرماني للبدعة في شرحه على البخاري ((9/ 154):
[البدعة كل شيء عمل على غير مثال سابق، وهي خمسة أقسام: واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة. وحديث كل بدعة ضلالة من العام المخصوص.] اهـ

9 - تعريف الإمام العيني للبدعة في شرحه على البخاري (3/ 420):
[والبدعة في الأصل أحداث أمر لم يكن في زمن رسول الله ثم البدعة على نوعين إن كانت مما يندرج تحت مستحسن في الشرع فهي بدعة حسنة وإن كانت مما يندرج تحت مستقبح في الشرع فهي بدعة مستقبحة.] اهـ

10 - تعريف الإمام السيوطي للبدعة (الحاوي للفتاوي (1/ 184، 185):
[البدعة لم تنحصر فى الحرام والمكروه بل قد تكون أيضا مباحة ومندوبة وواجبة قال النووي فى" تهذيب الأسماء واللغات":البدعة فى الشرع هي إحداث ما لم يكن فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى منقسمة إلى حسنة وقبيحة وقال الشيخ عز الدين ابن عبد السلام فى "القواعد" البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومكروهة ومباحة قال: والطريق فى ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فإذا دخلت فى قواعد الإيجاب فهي واجبة أو فى قواعد التحريم فهي محرمة أو الندب فمندوبة أو المكروه فمكروهة أو المباح فمباحة وذكر لكل قسم من هذه الخمسة أمثلة إلى أن قال وللبدع المندوبة أمثلة منها إحداث الربط والمدارس وكل إحسان لم يعهد فى العصر الأول ومنها التراويح والكلام فى دقائق التصوف وفى الجدل ومنها جمع المحافل للاستدلال فى المسائل إن قصد بذلك وجه الله تعالى .
وروى البيهقي بإسناده فى "مناقب الشافعي" عن الشافعي قال: المحدثات من الأمور ضربان أحدهما ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه البدعة الضلالة والثاني ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا وهذه محدثة غير مذمومة وقد قال عمر رضي الله عنه فى قيام شهر رمضان نعمت البدعة هذه يعنى أنها محدثة لم تكن وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى - هذا لآخر كلام الشافعي.] اهـ

11 - رأي الحافظ ابن رجب فى كتاب "جامع العلوم والحكم " (صـ 398):
[والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له فى الشريعة يدل عليه وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا وإن كان بدعة لغة] اهـ
وقال أيضا فى نفس الكتاب (صـ 85):
[هذا الحديث يدل بمنطوقه عل أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع فهو مردود ويدل بمفهومه على أن كل عمل عليه أمره فهو غير مردود] اهـ

12 - رأي الحافظ ابن حجر العسقلاني فى كتاب" فتح الباري (13/ 266 ,267):
[والمحدثات بفتح الدال جمع محدثة والمراد بها ما أحدث وليس له أصل فى الشرع ويسمى فى عرف الشرع بدعة وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة فالبدعة فى عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة فإن كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محمودا أو مذموما] اهـ

وقال أيضا فى نفس الكتاب (13/ 268):
[والمراد بقوله "كل بدعة ضلالة" ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام] اهـ
وقال أيضا فى نفس الكتاب (5/ 357):
[وهذا الحديث معدود من أصول الإسلام وقاعدة من قواعده فإن معناه من اخترع فى الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه] اهـ
قالَ ابن عابدين في رَدّ المحتارِ على الدُّرّ المُختَارِ ما نصُّهُ "فقد تكونُ البدعَةُ واجبةً كنصبِ الأدلَّةِ للرَّدّ على أهلِ الفِرَقِ الضالَّةِ، وتعلُّمِ النَّحو المُفهِمِ للكتابِ والسُّنَّةِ، ومندوبةً كإحداثِ نحو رباطٍ ومدرسةٍ، وكلّ إحسانٍ لم يكن في الصَّدرِ الأوَّلِ، ومكروهةً كزخرفَةِ المساجِدِ، ومباحةً كالتَّوسُّعِ بلذيذِ المآكلِ والمشاربِ والثّيابِ" ا. هـ

13 - تعريف الحافظ علي بن محمد بن حزم رحمه الله، المتوفى سنة 456هـ:
قال ابن حزم: البدعة في الدين كل ما لم يأت في القرآن، ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إلا أن منها ما يُؤجر عليه صاحبه، ويعذر بما قصد إليه من الخير، ومنها ما يؤجر عليه ويكون حسناً، وهو ما كان أصله الإباحة، كما روي عن عمر رضي الله عنه:
» نعمت البدعة هذه «. وهو ما كان فعل خير وجاء النص بعمومه استحباباً، وإن لم يقرر عمله في النص، ومنها ما يكون مذموماً ولا يعذر صاحبه، وهو ما قامت الحجة على فساده فتمادى القائل به. انتهى.

14 - تعريف الشيخ عبدالحق الدهلوي:
قال الشيخ عبدالحق الدهلوي في شرح المشكاة: اعلم أن كل ما ظهر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعة، وكل ما وافق أصول سنته وقواعدها أو قيس عليها فهو بدعة حسنة، وكل ما خالفها فهو بدعة سيئة وضلالة.
15 - تعريف ابن تيمية:
ذكر ابن تيمية في مجموع الفتاوى تعريفاً للبدعة فقال: وما خالف النصوص فهو بدعة باتفاق المسلمين، وما لا يعلم أنه خالفها فقد لا يسمى بدعة.
وهذا التعريف ليس جامعاً ولا مانعاً ولا منضبطاً وليس فيه من البيان شيء ولا من فهم النصوص ما يدل على عمق قائله، فقد علمت التعاريف اللغوية للبدعة والتعاريف الشرعية، فأصبح من الواضح لديك بطلان هذا التعريف جملة وتفصيلاً، وانتقاده حداً ومعنى، وبناء على ركاكة هذا التعريف أخفق ابن تيمية الحراني في تأويل قول عمر رضي الله عنه:» نعمت البدعة هي «، وسيأتي بيان ذلك في موضعه.
16 - تعريف السيد المحدِّث عبدالله بن الصدِّيق الغماري:
قال رحمه الله: البدعة الحسنة ما كانت على غير مثال سابق ولها أصل.
وقال في موضع آخر: البدعة الحسنة هي التي توافق أصول الشرع وإن كانت محدثة باعتبار شخصها، فهي مشروعة باعتبار نوعها لدخولها في قاعدة شرعية أو عموم آية أو حديث، ولهذا سميت حسنة. اهـ.

مفهوم حديث كل بدعة ضلالة
في حديث العرباض بن سارية، قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم.

قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: "وكل بدعة ضلالة" هذا عام مخصوص والمراد غالب البدع، قال أهل اللغة: هي كل شيء عمل غير مثال سابق. قال العلماء البدعة خمسة أقسام واجبة ومندوبة ومحرّمة ومكروهة.

قال الحافظ بن رجب في شرحه: "والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعه يدل عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا، وإن كان بدعة لغة" اهـ.
وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود قال: "إن أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدى هدى محمد صلّى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها".

قال الحافظ بن حجر والمحدثات بفتح الدال جمع محدثه، والمراد بها ما أحدث وما ليس له أصل في الشرع، ويسمى في عرف الشرع بدعة، وما كان له أصل يدل عليه الشرع، فليس ببدعة، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة، بخلاف اللغة، فإن كل شيء أحدث على غير مثال، يسمى بدعة سواء كان محمودا او مذموما اهـ.

وقال الحافظ أبو بكر ابن العربي المالكي في شرحهِ على سنن الترمذي ما نصه:
السابعة قوله (وإياكم ومحدثات الأمور) أعلموا علمكم الله أن المحدث على قسمين: محدث ليس له أصل إلا الشهوة والعمل بمقتضى الإرادة فهذا باطل قطعاً (أي وهو البدعة الضلالة) ومحدث يحمل النظير على النظير فهذه سنة الخلفاء والأئمة الفضلاء. قال وليس المحدث والبدعة مذمومان للفظ-محدث وبدعه- لا لمعنا هما فقد قال الله تعالى (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) , وقال عمر نعت ألبدعه, وإنما يذم من البدعة, ما خالف السنة ويذم من المحدث ما دعا الى ضلاله].اهـ

ومن الأدلة التي أتفق عليها العلماء من تخصيص حديث (كل بدعه ضلالة) عدة أحاديث أولها ما رواهُ مسلم والنسائي وأبن ماجه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سن في الإسلام سنه حسنه فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنه سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء).
قال النووي: [فيه الحث على الابتداء بالخيرات وسن السنن الحسنات و التحذير من الأباطيل والمستقبحات. وفي هذا الحديث تخصيص قوله صلى الله عليه وسلم (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وأن المراد به المحدثات الباطلة والبدع المذمومة.

فعل بعض الصحابة والتابعين والعلماء أشياء تركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
من المعلوم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل جميع المباحات، لأنها كثيرة، لا يستطيع بشر أن يستوعبها عدا، فضلا عن أن يتناولها.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان زاهدا متقللا، ويترك ما زاد على ذلك.
فمن زعم تحريم شيء بدعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله فقد ادعى ما ليس عليه دليل، وكانت دعواه مردودة.

1 - عن معاذ بن جبل قال: كنا نأتي الصلاة، إذا جاء رجل وقد سبق بشيء من الصلاة أشار إليه الذي يليه: قد سبقت بكذا وكذا فيقضي قال: فكنا بين راكع وساجد وقائم وقاعد فجئت وقد سبقت ببعض الصلاة، وأشير اليّ بالذي سبقت به، فكنت لا أجده على حال إلا كنت عليها فكنت بحالهم التي وجدتهم عليها، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وءاله وسلم قمت فصليت، واستقبل رسول الله صلى الله عليه وءاله وسلم الناس وقال: من القائل كذا وكذا؟ قالوا معاذ بن جبل، فقال: قد سن لكم معاذ فاقتدوا به إذا جاء أحدكم وقد سبق بشيء من الصلاة فليصل مع الإمام بصلاته، فإذا فرغ الإمام فليقض ما سبقه به. إسناد صحيح .

2 - يؤيد هذا ويؤكده أن أبا بكرة لما ركع قبل الصف، ومشى راكعا حتى دخل الصف، قال له النبي صلى الله عليه وءاله وسلم: "زادك الله حرصا ولا تعد" فنهاه عن العودة إلى ذلك ولم يقره عليه. لأنه يخالف هيئة الصلاة، وينافي السكون المطلوب فيها.

3 - روى ابن ماجة في سننه بإسنادٍ رجاله ثقات عن سعيد بن المسيب أن بلالا أتى النبي صلى الله عليه وءاله وسلم يؤذنه بصلاة الفجر، فقيل: هو نائم، فقال الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، فأقرت في تأذين الفجر، فثبت الأمر على ذلك.

4 - صحيح البخاري عن رفاعة بن رافع الزرقي قال: كنا نصلي يوما وراء النبي صلى الله عليه وءاله وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سمع الله لمن حمده" فقال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، فلما انصرف قال: "من المتكلم" قال: أنا. قال: "رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها".
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: واستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان لا يخالف المأثور اهـ.

5 - في صحيح البخاري قصة قتل خبيب، وصلاته ركعتين قبل قتله، قال: "وهو أول من سن صلاة ركعتين عند القتل".

6 - تعدد الجمعة: لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وءاله وسلم، ولا في عهد الصحابة والتابعين.

7 - تعدد الجمعة بدعة: بلا شك. دعت إليها الحاجة، لاتساع العمران وكثرة السكان، بحيث لا يجمعهم مسجد واحد.

8 - روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن الحكم بن الأعرج عن الأعرج قال: سألت ابن عمر عن صلاة الضحى؟ فقال: بدعة، ونعمت البدعة.

9 - وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن سالم عن ابيه قال: لقد قتل عثمان، وما أحد يسبحها، وما أحدث الناس شيئًا أحب إلي منها. وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن مجاهد عن ابن عمر أنه قال: أنها -يعني صلاة الضحى- محدثة، وأنها لمن أحسن ما أحدثوا.

10 - ما زآده عبد الله أبن مسعود رضي الله عنه في التشهد الأخير بعد (ورحمة الله وبركاته) كان يقول (السلام علينا من ربنا) وقد روى ذلك الطبراني في معجمه الكبير ورجاله رجال الصحيح كما في معجم الزوائد.

11 - الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي أنشأها سيدنا علي كرم الله وجهه:
وقد كان رضي الله عنه يُعلمها للناس. أوردها أبن جرير وسعيد بن منصور في تهذيب الآثار, وأبن ابي عاصم ويعقوب أبن شيبه في أخبار علي كرم الله وجهه والهيثمي في مجمع الزوائد والطبراني في الأوسط وهي (اللهم يا داحي المدحوات .... ) وله رضي الله عنه دعاء آخر أورده الحافظ في الفتح في كتاب التفسير وقال رواه الطبراني من طريق فاطمة بنت علي عليهم السلام. قالت كان أبي يقول: (يا كهيعص أغفر لي) , ومن علي أبن طلحه عن أبن عباس قال (كهيعص قسم أقسم الله به وهو من أسمائه) فلعله أخذ ذلك عن علي رضي الله عنه, وغيرهم عن سلامة الكندي.

12 - إفراد النساء بإمام:
وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن عروه ان عمر جمع الناس على أُبي بن كعب مكان يصلي بالرجال, وكان تميم الداري يصلي بالنساء. وإفراد النساء بإمام لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بل كن يصلين مع الرجال في عهده صلى الله عليه وسلم, فهل هذا العمل من عمر الا اجتهاد منه في إطار المشروع.

13 - زيادة عبدالله بن عمر البسملة:
زيادة إمام السنة والجماعة, عبدالله بن عمر البسملة في أول التشهد, وكذلك ما زاده في التلبية بقوله (لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل .... ) وهذا مبسوط في صحيح البخاري ومسلم , وروي عن ابن ابي شيبه بسند صحيح أن عمر رضي الله عنه كان يزيد في التلبية (لبيك مرغوب إليك ذا النعماء والفضل الحسن) فلماذا زاد على التلبية الواردة؟

14 - استلام ابن عباس رضى الله عنهُ أركان الكعبة الأربعة:
فقد أخرج البخاري والترمذي والطبراني في الكبير والهيثمي في مُجمع الزوائد أن أبي الطفيل قال قدم معاوية وابن عباس الكعبة فاستلم ابن عباس الأركان كُلها فقال لهُ معاوية إنما استلم رسول الله الركنين اليمانيين! قال ابن عباس:- (ليس شيء من البيت مهجوراً). والذي ثبت عن سيدنا رسول الله فيما رواه عنهُ البخاري ومسلم وغيرهما أنه كان يستلم الركنيين اليمانيين من الكعبة المشرفة , ولم يستلم غيرهما.

15 - قراءة سورة العصر قبل التفرق:
أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي مدينة الدارمي وكانت لهُ صُحبة قال:- (كان الرجلان من أصحاب النبي إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة {والعصر إن الإنسان لفي خسر ... })

16 - ما ذكرهُ الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء (11/ 212) قال: (قال عبد الله ابن الإمام احمد بن حنبل: كان أبي يُصلي في كل يوم ثلاث مئة ركعة، فلما مرض من تلك الأوساط أضعفتهُ فكان يصلي كل يوم وليلة مئة وخمسين ركعة.
17 - ما رواهُ أبو نُعيم في الحلية (1/ 383): {وكان لأبي هريرة رضي الله عنهُ خيط فيه ألف عُقدة، لا ينام حتى يُسبح بهِ}.
18 - ومما ثبت بأسانيد صحيحة وكثيرة أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهُ خصص عشية يوم الخميس ليُحدّث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم. رواهُ ابن أبي شيبة في المصنف (8/ 565)، والحاكم في المستدرك (1/ 111 و3/ 314) والطبراني في المعجم الكبير (9/ 123) وغيرهم بأسانيد متعددة.

19 - الإمام أحمد بن حنبل يجوز دعاء ختم القرآن الذي لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
قال ابن قدامة في المغني (1/ 802) ما نصه: فصل في ختم القرآن: قال الفضل بن زياد: سألت أبا عبدالله فقلت: أختم القرآن؛ أجعله في الوتر أو في التراويح؟ قال: اجعله في التراويح حتى يكون لنا دعاء بين اثنين. قلت: كيف أصنع؟ قال: إذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع وادع بنا ونحن في الصلاة وأطل القيام. قلت: بم أدعو؟ قال: بما شئت. قال: ففعلت بما أمرني وهو خلفي يدعو قائماً ويرفع يديه.
قال حنبل: سمعت أحمد يقول في ختم القرآن: إذا فرغت من قراءة: قل أعوذ برب الناس فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع.
قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة. انتهى.
فهذا الفعل لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بل تركه، ولو فعله لنقله الصحابة الكرام رضوان الله عليهم إلينا، وهم الحريصون على نقل هديه صلى الله عليه وسلم، فهذه بدعة حسنة فعلها الإمام أحمد، وأفتى بها، ومن قبله سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى في ناس من أهل مكةالمكرمة، دون أن يكون لهم بها دليل خاص من كتاب أو سنة يستندون إليه، وما ذلك إلا لفهمهم حقيقة الشريعة الغرّاء، والتي أقرّت القواعد والأصول العامة التي تندرج تحتها جزئيات كثيرة دون أن يكون لكل واحدة منها دليلٌ يخُصُّها بعينها.
فلماذا لا نطالب الإمام أحمد وسفيان بن عيينة رحمهما الله بدليل خاص بهذه المسألة، ولا ننكر عليهما فعلهما وفتواهما، ثم ننكر بعد ذلك على من يحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، ويحيي ليلة النصف من شعبان، ويدعو بعد الصلوات المكتوبة جماعة، مع أن هذه المسائل تندرج تحت أصول عامة في الشريعة الغراء، كمسألة الدعاء بعد ختم القرآن.

20 - في الصحيحين عن خالد بن الوليد أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة, فأتُي بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقيل: هو ضب يا رسول الله, فرفع يده, فقلت: أحرام هو يا رسول الله؟ فقال (لا ولكن لم يكن في أرض قومي فأجدني أعافه) , قال خالد, فاجتررته فأكلته والنبي ينظر.
ففي الحديث دليل للقاعدة الأصولية: أن ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - للشيء لا يقتضي التحريم وقد أستدل به بعضهم لذلك فيقال في جوابه:
لما رأى الصحابي الجليل خالد إعراض النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الضب بعد أن أهوى إليه ليأكل منه, حصل عنده شبه فسأل , وكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم له مؤيداً للقاعدة, مؤكداً لعمومها في أن ترك النبي ولو بعد الإقبال عليه لا يفيد تحريمه.
وقال أبن العربي المالكي: [ليست البدعة والمحدث مذمومين للفظ بدعه ومحدث ولا معناهما, وإنما يذم من البدعة ما خالف السنة ويذم من المحدثات ما دعى الى الضلالة].

21 - بدعة ابن تيمية في ذكر الله عزّ وجلّ:
جاء في كتاب: (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية للحافظ عمر بن علي البزار):» وكان قد عرفت عادته؛ لا يكلمه أحد بغير ضرورة بعد صلاة الفجر فلا يزال في الذكر يسمع نفسه وربما يسمع ذكره من إلى جانبه، مع كونه في خلال ذلك يكثر في تقليب بصره نحو السماء. هكذا دأْبُه حتى ترتفع الشمس ويزول وقت النهي عن الصلاة.
وكنت مدة إقامتي بدمشق ملازمه جل النهار وكثيراً من الليل. وكان يدنيني منه حتى يجلسني إلى جانبه، وكنت أسمع ما يتلو وما يذكر حينئذ، فرأيته يقرأ الفاتحة ويكررها ويقطع ذلك الوقت كله ـ أعني من الفجر إلى ارتفاع الشمس ـ في تكرير تلاوتها.
ففكرت في ذلك؛ لمَ قد لزم هذه السورة دون غيرها؟ فبان لي ــ والله أعلم ــ أن قصده بذلك أن يجمع بتلاوتها حينئذ ما ورد في الأحاديث، وما ذكره العلماء: هل يستحب حينئذ تقديم الأذكار الواردة على تلاوة القرآن أو العكس؟ فرأى رضي الله عنه أن في الفاتحة وتكرارها حينئذ جمعاً بين القولين وتحصيلاً للفضيلتين، وهذا من قوة فطنته وثاقب بصيرته. انتهى.

قلت: هذا الأمر محض ابتداع من ابن تيمية؛ حيث خصَّ ذكراً بعينه مبتَدَعاً من عنده، دون أن يَرِدَ عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه دليل. وجعله في وقت مخصوص لم يرد فيه نص أيضاً.
وهنا نتساءل ـ وكلنا حيرة وعجب ـ: لِمَ يُمْتَدَحُ ابن تيمية بمثل هذه البدع، ويعد ذلك من قوة فطنته وثاقب بصيرته؟!! ثم تُعد أوراد الصوفية التي اتخذوها لأنفسهم كما فعل ابن تيمية من بدعهم ومنكراتهم.
وأين أتباع ابن تيمية الذين يعدونه شيخ الإسلام من بدعته هذه؟!! وأين إنكارهم عليه عبادته التي اتخذها لنفسه ولم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة ولا التابعين؟!!
أم أن البدع في نظرهم تُنْكَرُ على أقوام وتُقَرُّ لأقوام؟!!!
سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.