النبي صلى الله عليه وسلم وعلم الغيب
مقدمة :
العلم بالغيب علمان: علم ذاتي مطلق تفصيلي محيط بجميع المعلومات الإلهية بالاستغراق الحقيقي وهذا خاص بالله جل جلاله لا يشاركه فيه أحد ومن أثبت شيئاً منه ولو أدنى من أدنى من ذرة لأحد من العالمين فقد كفر وأشرك وبار وهلك، وعلم عطائي مكتسب من الله تعالى لبعض عباده مثل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قال تعالى:-
1. (عالم الغيب فلا يطلع على علمه أحداً إلا من ارتضى من رسول).
2. وقال تعالى: (وبشروه بغلام عليم)
3. وقال: (وإنه لذو علم لما علمناه)
4. وقال: (وعلمناه من لدنا علماً)
5. وقال: (وعلمك ما لم تكن تعلم)
إلى غير ذلك من آيات كثيرة.
وهذا ما وفق إليه العلماء الإثبات في آيات النفي والإثبات - كما قال الإمام أبو زكريا النووي في فتاواه والإمام بن حجر المكي في (الفتاوي الحديثية) وغيرهما أن معناها: (لا يعلم ذلك استقلالاً وعلم إحاطة بكل المعلومات إلا الله تعالى. ولا يمكن أن تخطر شبهة مساواة علم المخلوقين طرأ أجمعين بعلم رب العالمين - لأنه علمه تعالى ذاتي وعلم الخلق عطائي، علم الله واجب لذاته وعلم الخلق ممكن له، علم الله أزلي سرمدي قديم حقيقي وعلم الخلق - ومنهم الأنبياء - حادث لأن الخلق كله حادث والصفة لا تتقدم الموصوف، علم الله غير مخلوق وعلم الخلق مخلوق، علم الله غير مقدور وعلم الخلق مقدور ومقهور، علم الله تعالى واجب البقاء وعلم الخلق جائز الفناء، علم الله ممتنع التغير وعلم الخلق ممكن التبدل.
المنهج السليم للاستدلال بآيات القرآن الكريم :
إن ملاك الأمر ومناط النجاة الإيمان بالكتاب كله، وما ضل أكثر من ضل إلا أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، كالقدرية آمنوا بقوله تعالى: (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) وكفروا بقوله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون)
والجبرية آمنوا بقوله تعالى : ( وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين ) وكفروا بقوله تعالى : ( ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون )
والخوارج آمنوا بقوله تعالى : ( وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين ) وكفروا بقوله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) .
والمرجئة آمنوا بقوله تعالى : ( لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ) وكفروا بقوله تعالى : ( من يعمل سوءا يجز به ) وأمثال ذلك كثير .
دليل علمه الغيب ( صلى الله عليه وسلم ) من القرآن الكريم :
والقرآن الكريم الذي نص أنه ( لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله )
نص أيضاً أنه : ( لا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول )
وقال : ( وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء )
وقال : ( وما هو على الغيب بضنين )
وقال : ( وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً )
وقال تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون )
وقال تعالى : ( ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون )
وقال تعالى : ( تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك )
إلى غير ذلك من الآيات .
فهذا ربنا تبارك قد نفى نفياً لا مرد له أنه ( لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ) وأثبت إثباتاً لا ريب فيه في آية أخرى أنه ( إلا من ارتضى من رسول ) .
فالكل حق والكل إيمان ومن أنكر شيئاً منهما فقد كفر بالقرآن .
فمن نفى مطلقاً ولم يثبت بوجه فقد كفر بآيات الإثبات ومن أثبت مطلقاً ولم ينف بوجه فقد كفر بالآيات النافيات والمؤمن يؤمن بالكل ولا تتفرق به السبل .
نعم قال النبي صلى الله عليه وسلم ( خمس لا يعلمهن إلا الله ) وقال الله عز وجل ( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ) فخصص الرسول وعمم الآله وإنا بكل مؤمنون ..
فإن الخصوص لا ينفي العموم فلا يعلم الخمس إلا الله ولا يعلم غيرها من الغيوب التي هي أعلى وأشرف وأدق وألطف منها إلا الله بل لا يعلم أحد شيئاً إلا الله بل لا وجود حقيقياً إلا لله وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم أصدق كلمة قالتها العرب قول لبيد : ( ألا كل شيء ما خلا الله باطل ) .
ولا يستطيع أحد أن يدعي أنه صلى الله عليه وسلم قد أحاط بجميع معلومات الله سبحانه وتعالى فإنه محال للمخلوق ذلك .
دليل علمه الغيب صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الشريفة :
قال الله تعالى : ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض ) – حسبنا حديث البخاري عن أمير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه قال : ( قام فينا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم )
وحديث مسلم عن عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه في خطبته صلى الله عليه وسلم من الفجر إلى الغروب وفيه : ( فأخبرنا بما كان وبما هو كائن ، فأعلمنا أحفظنا )
وحديث الصحيحين عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال : ( قام فينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مقاماً ما ترك شيئاً سيكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به )
وحديث الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وفيه قوله صلى الله عليه وسلم ( فرأيته عز وجل وضع كفه بين كتفي فوجدت برد أنامله بين ثديي فتجلى لي كل شيء وعرفت ) صححه البخاري والترمذي وابن خزيمة والأئمة بعدهم .
وحديثه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وفيه قول صلى الله عليه وسلم : ( فعلمت ما في السموات والأرض ) وفي أخرى ( فعلمت ما بين المشرق والمغرب )
وحديث مسند الإمام أحمد رضي الله عنه وطبقات ابن سعد وكبير الطبراني بسند صحيح عن أبي ذر الفغاري ، وحديث أبي يعلي وابن منيع والطبراني عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنهما قالا : ( لقد تركنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً ) .
وفي الصحيحين في حديث الكسوف ( ما من شيء لم أكن أريته إلا أريته في مقامي هذا ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
وللطبراني في كبيره ونعيم ابن حماد في ( كتاب الفتن ) وأبي نعيم في ( الحلية ) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله رفع لي الدنيا فأنا أنظر إليها وإلى ما هو كائن فيها إلى يوم القيامة كأنما أنظر إلى كفي هذا ) جليانا من الله تعالى جلاه لنبيه كما جلاه للنبيين من قبله ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين ) صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
إقراره صلى الله عليه وسلم وعدم إنكاره لمن نسب إليه علم الغيب من الله تعالى
وقد أنشد سواد بن قارب رضي الله تعالى عنه عند النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً :
وأنك مأمون على كل غائب ... * ... فأشهد أن الله لا شيء غيره
إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب ... * ... وأنك أدنى المرسلين شفاعة
سواك بمغن عن سواد بن قارب ... * ... فكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة
هكذا رواه في المسند وإن كانت الرواية الأخرى ( لا رب غيره ) بدلاً من ( لا شيء غيره ) .
فسيدنا سواد بن قارب في مديحه :
1. نفى الوجود عن كل شيء سوى الله تعالى لأن ( كل شيء هالك إلا وجهه ) أو نفى ربوبية من سواه .
2. أثبت علم المغيبات لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث جعله أمينا على جميع الغيوب والجاهل بالشيء لا يكون أميناً عليه .
3. آمن بأن نبينا صلى الله عليه وسلم قد أعطى الشفاعة كما قال صلى الله عليه وسلم : ( وأعطيت الشفاعة ) .
( توضيح وبيان )
على أنه لا يجوز لأحد أن يدعي أن علمه صلى الله عليه وسلم مماثل ومساو لعلم الغيب أي واحد من أمته لأن الله تعالى عندما علمه أن يقول ( إنما أنا بشر مثلكم ) علمه أن يضيف إليها ( يوحي إلي ) وأينا يوحي إليه ؟! وقد عاب الله تعالى في محكم كتابه على المشركين ( ادعاء المثلية ) مع الأنبياء وزعمهم إياها لقولهم ( ما أنتم إلا بشر مثلنا ) .
إن النبي صلى الله عليه وسلم علم الغيب المكتسب الحادث من علم الله تعالى الذاتي القديم بدليل ما سبق من قوله تعالى : ( وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً ) فقد امتن سبحانه وتعالى في هذه الآية على حبيبه صلى الله عليه وسلم بتعليمه ما لم يكن يعلم وختم الامتنان بما دل على عظمة تلك المنة العظمى وفخامة النعمة الكبرى فقال ( وكان فضل الله عليك عظيماً ) .
-------
أدلة أهل السنة والجماعة
تأليف الشيخ يوسف السيد هاشم الرفاعي
مقدمة :
العلم بالغيب علمان: علم ذاتي مطلق تفصيلي محيط بجميع المعلومات الإلهية بالاستغراق الحقيقي وهذا خاص بالله جل جلاله لا يشاركه فيه أحد ومن أثبت شيئاً منه ولو أدنى من أدنى من ذرة لأحد من العالمين فقد كفر وأشرك وبار وهلك، وعلم عطائي مكتسب من الله تعالى لبعض عباده مثل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قال تعالى:-
1. (عالم الغيب فلا يطلع على علمه أحداً إلا من ارتضى من رسول).
2. وقال تعالى: (وبشروه بغلام عليم)
3. وقال: (وإنه لذو علم لما علمناه)
4. وقال: (وعلمناه من لدنا علماً)
5. وقال: (وعلمك ما لم تكن تعلم)
إلى غير ذلك من آيات كثيرة.
وهذا ما وفق إليه العلماء الإثبات في آيات النفي والإثبات - كما قال الإمام أبو زكريا النووي في فتاواه والإمام بن حجر المكي في (الفتاوي الحديثية) وغيرهما أن معناها: (لا يعلم ذلك استقلالاً وعلم إحاطة بكل المعلومات إلا الله تعالى. ولا يمكن أن تخطر شبهة مساواة علم المخلوقين طرأ أجمعين بعلم رب العالمين - لأنه علمه تعالى ذاتي وعلم الخلق عطائي، علم الله واجب لذاته وعلم الخلق ممكن له، علم الله أزلي سرمدي قديم حقيقي وعلم الخلق - ومنهم الأنبياء - حادث لأن الخلق كله حادث والصفة لا تتقدم الموصوف، علم الله غير مخلوق وعلم الخلق مخلوق، علم الله غير مقدور وعلم الخلق مقدور ومقهور، علم الله تعالى واجب البقاء وعلم الخلق جائز الفناء، علم الله ممتنع التغير وعلم الخلق ممكن التبدل.
المنهج السليم للاستدلال بآيات القرآن الكريم :
إن ملاك الأمر ومناط النجاة الإيمان بالكتاب كله، وما ضل أكثر من ضل إلا أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، كالقدرية آمنوا بقوله تعالى: (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) وكفروا بقوله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون)
والجبرية آمنوا بقوله تعالى : ( وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين ) وكفروا بقوله تعالى : ( ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون )
والخوارج آمنوا بقوله تعالى : ( وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين ) وكفروا بقوله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) .
والمرجئة آمنوا بقوله تعالى : ( لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ) وكفروا بقوله تعالى : ( من يعمل سوءا يجز به ) وأمثال ذلك كثير .
دليل علمه الغيب ( صلى الله عليه وسلم ) من القرآن الكريم :
والقرآن الكريم الذي نص أنه ( لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله )
نص أيضاً أنه : ( لا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول )
وقال : ( وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء )
وقال : ( وما هو على الغيب بضنين )
وقال : ( وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً )
وقال تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون )
وقال تعالى : ( ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون )
وقال تعالى : ( تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك )
إلى غير ذلك من الآيات .
فهذا ربنا تبارك قد نفى نفياً لا مرد له أنه ( لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ) وأثبت إثباتاً لا ريب فيه في آية أخرى أنه ( إلا من ارتضى من رسول ) .
فالكل حق والكل إيمان ومن أنكر شيئاً منهما فقد كفر بالقرآن .
فمن نفى مطلقاً ولم يثبت بوجه فقد كفر بآيات الإثبات ومن أثبت مطلقاً ولم ينف بوجه فقد كفر بالآيات النافيات والمؤمن يؤمن بالكل ولا تتفرق به السبل .
نعم قال النبي صلى الله عليه وسلم ( خمس لا يعلمهن إلا الله ) وقال الله عز وجل ( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ) فخصص الرسول وعمم الآله وإنا بكل مؤمنون ..
فإن الخصوص لا ينفي العموم فلا يعلم الخمس إلا الله ولا يعلم غيرها من الغيوب التي هي أعلى وأشرف وأدق وألطف منها إلا الله بل لا يعلم أحد شيئاً إلا الله بل لا وجود حقيقياً إلا لله وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم أصدق كلمة قالتها العرب قول لبيد : ( ألا كل شيء ما خلا الله باطل ) .
ولا يستطيع أحد أن يدعي أنه صلى الله عليه وسلم قد أحاط بجميع معلومات الله سبحانه وتعالى فإنه محال للمخلوق ذلك .
دليل علمه الغيب صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الشريفة :
قال الله تعالى : ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض ) – حسبنا حديث البخاري عن أمير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه قال : ( قام فينا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم )
وحديث مسلم عن عمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه في خطبته صلى الله عليه وسلم من الفجر إلى الغروب وفيه : ( فأخبرنا بما كان وبما هو كائن ، فأعلمنا أحفظنا )
وحديث الصحيحين عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال : ( قام فينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مقاماً ما ترك شيئاً سيكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به )
وحديث الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وفيه قوله صلى الله عليه وسلم ( فرأيته عز وجل وضع كفه بين كتفي فوجدت برد أنامله بين ثديي فتجلى لي كل شيء وعرفت ) صححه البخاري والترمذي وابن خزيمة والأئمة بعدهم .
وحديثه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وفيه قول صلى الله عليه وسلم : ( فعلمت ما في السموات والأرض ) وفي أخرى ( فعلمت ما بين المشرق والمغرب )
وحديث مسند الإمام أحمد رضي الله عنه وطبقات ابن سعد وكبير الطبراني بسند صحيح عن أبي ذر الفغاري ، وحديث أبي يعلي وابن منيع والطبراني عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنهما قالا : ( لقد تركنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً ) .
وفي الصحيحين في حديث الكسوف ( ما من شيء لم أكن أريته إلا أريته في مقامي هذا ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
وللطبراني في كبيره ونعيم ابن حماد في ( كتاب الفتن ) وأبي نعيم في ( الحلية ) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله رفع لي الدنيا فأنا أنظر إليها وإلى ما هو كائن فيها إلى يوم القيامة كأنما أنظر إلى كفي هذا ) جليانا من الله تعالى جلاه لنبيه كما جلاه للنبيين من قبله ( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين ) صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
إقراره صلى الله عليه وسلم وعدم إنكاره لمن نسب إليه علم الغيب من الله تعالى
وقد أنشد سواد بن قارب رضي الله تعالى عنه عند النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً :
وأنك مأمون على كل غائب ... * ... فأشهد أن الله لا شيء غيره
إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب ... * ... وأنك أدنى المرسلين شفاعة
سواك بمغن عن سواد بن قارب ... * ... فكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة
هكذا رواه في المسند وإن كانت الرواية الأخرى ( لا رب غيره ) بدلاً من ( لا شيء غيره ) .
فسيدنا سواد بن قارب في مديحه :
1. نفى الوجود عن كل شيء سوى الله تعالى لأن ( كل شيء هالك إلا وجهه ) أو نفى ربوبية من سواه .
2. أثبت علم المغيبات لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث جعله أمينا على جميع الغيوب والجاهل بالشيء لا يكون أميناً عليه .
3. آمن بأن نبينا صلى الله عليه وسلم قد أعطى الشفاعة كما قال صلى الله عليه وسلم : ( وأعطيت الشفاعة ) .
( توضيح وبيان )
على أنه لا يجوز لأحد أن يدعي أن علمه صلى الله عليه وسلم مماثل ومساو لعلم الغيب أي واحد من أمته لأن الله تعالى عندما علمه أن يقول ( إنما أنا بشر مثلكم ) علمه أن يضيف إليها ( يوحي إلي ) وأينا يوحي إليه ؟! وقد عاب الله تعالى في محكم كتابه على المشركين ( ادعاء المثلية ) مع الأنبياء وزعمهم إياها لقولهم ( ما أنتم إلا بشر مثلنا ) .
إن النبي صلى الله عليه وسلم علم الغيب المكتسب الحادث من علم الله تعالى الذاتي القديم بدليل ما سبق من قوله تعالى : ( وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً ) فقد امتن سبحانه وتعالى في هذه الآية على حبيبه صلى الله عليه وسلم بتعليمه ما لم يكن يعلم وختم الامتنان بما دل على عظمة تلك المنة العظمى وفخامة النعمة الكبرى فقال ( وكان فضل الله عليك عظيماً ) .
-------
أدلة أهل السنة والجماعة
تأليف الشيخ يوسف السيد هاشم الرفاعي