هل ابن تيمية مشبّه ومجسّم ...؟؟

بسم الله الرحمن الرحيم 
فاجأ البوطي رحمه الله الأشاعرة بقوله على شاشة المستقلّة ( قرأتُ كلّ كتب الشيخ ابن تيمية فلم أجده يقول بالتجسيم ) ...!!

فهل بالفعل ابن تيمية لا يعتقد الجسميّة كما شهد له البوطي ..؟؟

اقرؤوا هذا النصّ لابن تيمية يقول في الرسالة المدنية ص12:

فإن أقصى ما يذكره المتكلف ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏‏[‏الإخلاص‏:‏1‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏11‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏ 65‏]‏، وهؤلاء الآيات إنما يدللن على انتفاء التجسيم والتشبيه‏...!!

ها هو ينفي التشبيه والتجسيم بصريح العبارة ...!!

وأزيدكم نصّا عجيبا .. يقول في درء التعارض (10/312): . (فمن قال هو جسم لا كالأجسام كان مشبهاً بخلاف من قال: حي لا كالأحياء....!!

ها هو لا يرضى بنفي الجسمية عن الله فقط ..بل ينفي قول من يقول ( جسم لا كالأجسام ) ...!!

وفقا لهذه النصوص فكلام البوطي صحيح ودقيق ..

وإليكم هذه النصوص التي ينفي فيها التشبيه والتمثيل بصريح العبارة يقول في درء التعارض / ج4 ص145 :

وفي الجملة فالكلام في التمثيل والتشبيه ونفيه عن الله مقام والكلام في التجسيم ونفيه عن الله مقام آخر .. فإنّ الأول أي التشبيه والتمثيل دلّ على نفيه الكتاب والسنّة وإجماع السلف والأئمّة .. ..!!

فهذه نصوص صريحة دالّة على نفي ابن تيمية لأدنى تشبيه أو تمثيل أو تجسيم بين الله وخلقه بل ولا يرضى بقول من يقول جسم لا كالأجسام ...!!

في المقابل .. إليكم هذه النصوص التي تدلّ على التجسيم والتشبيه والتمثيل ..!

يقول في درء التعارض / ج4 ص145 :

وأمّا الكلام في الجسم والجوهر ونفيهما واثباتهما فبدعة ليس لها أصل في كتاب الله ولا سنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ولا تكلّم أحد من السلف والائمّة بذلك نفيا وإثباتا ....!!

وهنا يثبت إجمال معنى التمثيل والتشبيه :

يقول في ( الجواب الصحيح ج3 ص444 ).:

وأما المعنى الخاص الذي يعنيه النفاة والمثبتة الذين يقولون: هو جسم لا كالأجسام فهذا مورد النزاع بين أئمة الكلام وغيرهم وهو الذي يتناقض سائر الطوائف من نفاته لإثبات ما يستلزمه، كما يتناقض مثبتوه مع نفي لوازمه.

ولهذا كان الذي عليه أئمة الإسلام أنهم لا يطلقون الألفاظ المبتدعة المتنازع فيها لا نفياً ولا إثباتاً، إلا بعد الاستفسار والتفصيل: فيثبت ما أثبته الكتاب والسنة من المعاني وينفي ما نفاه الكتاب والسنة من المعاني.

أحدهما: أنهما بمعنى واحد، وأن ما دل عليه لفظ المثل مطلقاً ومقيداً يدل عليه لفظ الشبه وهذا قول طائفة من النظار.

والثاني: أن معناها مختلف عند الإطلاق لغة وشرعاً، وعقلاً وإن كان مع التقييد والقرينة يراد بأحدهما ما يراد بالآخر، وهذا قول أكثر الناس.

فهذه نصوص متعارضة بعضها تنفي الجسم عن الله وأخرى تثبت...!!

أقول:

ابن تيمية ينفي تشابه الأجسام أصلا ... فليس هناك مطلق للجسمية يشمل كلّ ذي مقدار .. فالنار والهواء جسمان مختلفان .. والماء والتراب جسمان مختلفان ... فإذا أثبتنا الجسمية لله فلا مشابهة أصلا مع خلقه وذلك لعدم وجود قدر مشترك في مفهوم الجسمية بين الأجسام .

فاسمع ما يقول:

ودعوى من ادّعى أنّ الأجسام مركّبة من جواهر لا تنقسم قائمة بأنفسها ليس لها شيء من هذه الأعراض ولكن لمّا تركّبت صارت متّصفة بهذه الصفات كاتّصاف النار بالحرارة والماء والرطوبة دعوى باطلة بالعقل والحسّ .. فإنّ الجسم المعيّن كهذه النار لم تكن أجزاؤه قط عارية عن كونها نارا بل النار لا زمة لها ... وقد بيّنا فساد قول من يقول الأجسام مركّبة من الجواهر التي لا تنقسم ومن عرف هذا زاحت عنه شبهات كثيرة في الإيمان بالله وباليوم الآخر .درء التعارض ج 5 ص198.

فحين أثبت ابن تيمية الجسمية لله أثبت الجسميّة من غير قدر مشترك وحين نفاها نفى تلك الجسميّة الخاصّة عن الله والخاصّة بكلّ جنس جنس من خلقه ..

وخذوا هذا النصّ الصريح في بيان ما ذكرته عنه يقول في تلبيس الجهمية ج1 ص532.:

إذا قالوا الموصوفات تتماثل والأجسام تتماثل وأرادوا أن يستدلوا بقوله تعالى ( ليس كمثله شيء ) على نفي مسمّى هذه الأمور التي سمّوها بهذه الأسماء في اصطلاحهم الحادث كان هذا افتراء على لغة القرءان فإنّ هذا ليس هو المثل في لغة العرب ولا غيرها فقال تعالى ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثمّ لا يكونوا أمثالكم ) فنفى مماثلة هؤلاء مع اتّفاقهم في الإنسانية فكيف يقال إن لغة العرب توجب أنّ كلّ مشار إليه مثل لكلّ ما يشار إليه )....!!

وهنا يسأل ؟؟؟ هل يجوز أن نقول الله جسم ...؟؟ يقول :فإذا قال السائل: هل الله جسم أم ليس بجسم؟ لم نقل: إن جواب هذا السؤال ليس في الكتاب والسنة، مع قول القائل: إن هذا السؤال موجود في فطر الناس بالطبع، والله تعالى يقول: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً } [المائدة: 3] ، وقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ } [التوبة: 115] وقال: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل: 89] .

إنّ جواب هذا السؤال وأمثاله ليس في الكتاب والسنة، ووصفهم بأنهم (الذين يُعرضون عن طلب الهدى من الكتاب والسنة، ثم يتكلم كل منهم برأيه ما يخالف الكتاب والسنة، ثم يتأول آيات الكتاب على مقتضى رأيه، فيجعل أحدهم ما وصفه برأيه هو أصول الدين الذي يجب اتباعه، ويتأول القرآن والسنة على وفق ذلك، فيتفرقون ويختلفون.

قلتُ : هو لا ينفي الجسميّة عن الله ... ولكنّه ضيّع السؤال ...!!

ويقول : ونعلم بالضرورة من لغة العرب أنّهم لا يقولون الجبل مثل النار ولا الهواء مثل الماء مع اشتراكهما في كثير من الصفات الزائدة على مطلق المقدار بل نفي في القرءان كون الشيء مثل غيره مع كون كل منهما جسما .. تلبيس الجهمية ج1 ص355

وهكذا يظهر لنا مفهوم الجسمية الذي ينفيه ابن تيمية عن الله .. وتلك الجسميّة التي يثبتها لله .. وقد ظهر لنا ذلك المثل والشبه الذي ينفيه عن الله .. والمثل والشبه الذي نفاه المتكلّمون عن الله و لم يأت في الكتاب والسنّة ...!! ولا لغة العرب ..!! كما يقول ابن تيمية ...!!

وإن شئتَ أن تقول هو يثبت المقدار لله وهو أصل التجسيم وينفي عنه عوارض الافتقار الدالّة على الفاعل من خارج ذاته ( بمفهومه هو ) كالتركيب بعد تفريق أو التفريق بعد تركيب أو الحاجة لفاعل خارج ذاته .. لم تكن مجانبا للصواب .

وبالمجمل ... أسلوب ابن تيمية في العقائد كقول المصريين ( التعلب فات فات وبديله سبع لفّات ) ...!!

ورحمة ربّك خير ممّا يجمعون .

كتبه الشيخ  /  بلال إسماعيل التل