هل نقدر على لمس الله تعالى وشمّه وتذوقه ...!!
كتب إليّ أحد الأخوة الأفاضل بأنّ أحد السلفيين المعروفين بالسفه ( وهو كثير الاستملاح ما شاء الله عليه ) وهو يستملح قضايا العقيدة ويستهزئ بها ويتناولها على سبيل السخرية والمرح ...وهذا يدلّ على الحمق والسفه ويدلّ على قلّة الدين أيضا ...!!
1- المدّعى : أنّ الله يُشم ويُلمس ويُتذوق عند الجويني.. والدليل هو قول الجويني بجواز إدراك كلّ موجود بناء على جواز هذا في الرؤية ..
من عجائب هذا المستملح نسبة جواز تذوق الله تعالى وشمّه ولمسه للجويني مع علمه يقينا بنفي وتكفير الجويني والأشاعرة عموما لمن ينسب الجسمية والأعراض لله تعالى .. !! فإدراك ( رؤية ) الله تعالى مختص بشرط عدم الاتّصال ولهذا أجازوا رؤية الباري من غير جهة ... وإلاّ كان الأشاعرة يوجبون الجسمية وعوارضها على الله تعالى إذا أجازوا إدراك تذوقه ولمسه وشمّه ...!!فالمسألة ليس لها أساس أصلا .. ولكنّها من عجائب المستملحين وهي لا تنتهي .
ومع هذا نقول :
هذه شبهة ردّدها ابن تيمية كثيرا في كتبه فيقول مثلا : ( وأما الأشعري فادعى أن كل موجود يجوز أن يرى ووافقه على ذلك طائفة من أصحاب الأئمة الأربعة كالقاضي أبي يعلى وغيره ثم طرد قياسه فقال كل موجود يجوز أن تتعلق به الإدراكات الخمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس ووافقه على ذلك طائفة من أصحابه كالقاضي أبي بكر وأبي المعالي والرازي منهاج السنة ( 2|153).
وهذا ترديد لكلام ابن رشد الحفيد ..كعادة ابن تيمية .. ولولا خشيتي من تطويل المنشور لنقلت ما ذكره ابن رشد .. ليظهر لك بأنّ ابن تيمية ينقل ما يقوله ابن رشد بالحرف وقد كتبنا عن هذا سابقا .
وكلام هذا السلفي غير صحيح فإطلاق هذا بالنسبة للصفة ولكن بقيد متعلق الصفة وهو وجوب الاتّصال في المشموم والملموس وكذلك التذوق ... وجواز تصحيح هذا بالنسبة للرؤية بسبب عدم اشتراط الاتّصال وهو ظاهر في مذهب الأشعري ولهذا قال الشهرستاني : وكما يجد التفرقة بين العلم والإدراك يجد التفرقة بين محل العلم ومحل الإدراك ولأن الذي يدرك ببصره من المرئي هو الألوان والأشكال فيستدعي ذلك مقابلة ومواجهة فالذي يدرك بسمعه من المسموع هو الأصوات والحروف ولا يستدعي ذلك مقابلة وكذلك المشموم والمذوق والملموس يستدعي اتصال الأجسام ولا يستدعيه السمع والبصر فلذلك يجوز أن يوصف الباري تعالى بأنه سميع بصير ولا يجوز أن يوصف بأنه شام ذائق لامس / نهاية الإقدام ص.352 .
قال ابن المقترح في شرح الإرشاد / مخطوطة ص216 :
لا خلاف بأنّ الاتّصالات المقارنة للشمّ والذوق واللمس مستحيلة على الله تعالى وليست هي الإدراكات .
إذا عرفت هذا ...
يقول الجويني : فإن قيل قدمتم أن كل إدراك فإنه متعلق جوازا بكل موجود وقول ذلك يلزمكم تجويز تعلق الإدراكات الخمس بذات الباري وصفاته وملتزم ذلك ينتهي إلى الحكم بكون الرب تعالى مشموما ملموسا مذوقا . قلنا :قد ذكرنا أن اللمس والذوق والشم عبارات عن اتصالات وليس من الإدراكات فأما الإدراكات مع القطع باستحالة الاتصال فيجوز تعلقها بكل موجود وكل دال على على جواز رؤية كل موجود يطرد في جميع الادراكات .( الإرشاد ص78 ) .
وذكر قبل في ص74 ( :الإدراكات خمسة : أحدها البصر المتعلق بقبيل المرئيات والثاني : السمع المتعلق بالأصوات والثالث : الإدراك المتعلق بالروائح والرابع الإدراك المتعلق بالطعوم والخامس الإدراك المتعلق بالحرارة والبرودة واللين والخشونة والحاسة في اصطلاح المحققين هي الجارحة التي يقوم ببعضها الإدراك وقد يعبر بالشم واللمس والذوق عن الإدراكات تجويزا وهذه العبارات منبئة عند المحصلين عن اتصالات بين الحواس وبين أجسام تدرك ويدرك أعراض لها وليست الاتصالات إدراكات ولا شرائط فيها وإن استمرت العادات بها والدليل عليه أنك تقول شممت الشيء فلم أدرك ريحه وذقته فلم أجد طعمه ولمسته فلم أدرك حرارته وذلك يحقق أنه ليس المراد بها في الإطلاق أنفس الإدراكات عند أئمتنا رضي الله عنهم من وجدان الحي من نفسه الآلام واللذات وسائر الصفات المشروطة بالحياة ولا سبيل إلى القول بأن وجدان هذه الصفات هو العلم بها فإن الإنسان قد يضطر إلى العلم بتألم غيره ويجد من نفسه الألم المختص به ويفرق ببديهة عقله بين وجدانه ذلك من نفسه وبين علمه بألم غيره ) انتهى .
قال ابن المقترح في شرح الإرشاد / مخطوطة ص208 :
اتّفق أهل السنّة على أنّ الرؤية يجوز أن تتعلق بكلّ موجود واختلفوا في جوازه بتعلق ما عدا الرؤية من الإدراكات بكلّ موجود فذهب القدماء منهم عبد الله بن مسعود والقلانسي إلى أنّ هذا العموم مختصّ بالرؤية وبقية الإدراكات لا يجوز أن تعمّ الموجودات ونقل عن الشيخ أبي الحسن الأشعري مخالفتها في ذلك والمصير إلى جواز عموم كلّ إدراك لكلّ موجود
ص216 :
لا خلاف بأنّ الاتّصالات المقارنة للشمّ والذوق واللمس مستحيلة عليه وليست هي الإدراكات .
وقال : ويمتنع أن يسمّى الله الباري تعالى مشموما مذوقا ملموسا لما في هذا الإطلاق من إيهام الاتّصال المستحيل عليه . ثمّ بدأ بمناقشة دليل الوجود للوجويني .
ثمّ قال : ولم يثبت في هذه الإدراكات سمع فلا يثبت القول بها وذات الباري تعالى ممّا لا تفهم حقيقتها فلا يعلم الحكم عليها بالقبول من حيث هي .) انتهى .
قال الشهرستاني : وتردد رأيه- أي الأشعري - في سائر الإدراكات أهي علوم مخصوصة أم إدراكات ورأي بعض أصحابه أنها إدراكات أخر وليس الوجود بمجرده مصححاً لها فقط بل الاتصال فيها شرط فلا يتصور شم إلا باتصال أجزاء من المتروح أو من الهوى إلى المشام وكذلك الذوق واللمس لا يتصور وجودهما إلا باتصال جرم بجرم نهاية الاقدام ص 352 .
إنّ تصحيح جواز الإدراك لذات الله تعالى هو إدراك لا يقبل الاتّصال .. فإن قبل الاتّصال لم يجز تسميته مدركا ...!!
فالرؤية لا يشترط فيها الاتّصال فجاز القول بكونها إدراكا وجاز القول بإدراك المؤمنين لله تعالى رؤية ..!!
وأمّا الشمّ والذوق فيشترط لإدراكها الاتّصال ..فلمّا وجد هذا المانع وهو الاتّصال لم يجز وصف العبد بجواز إدراكه لله تعالى شمّا أو ذوقا أو لمسا ...!!
وبالجملة من أثبت الجسمية لله تعالى كالسلفيين فإنّهم يجوّزون هذا ... وأمّا من نفى الجسمية ولوازمها لا يحتمل قوله إدراك شمّ أو لمس أو تذوق لله تعالى ...!! كيف وهو ينفي الجسمية أصلا ...!! كيف وهو قد اشترط الاتّصال للمشموم والمتذوق والملموس .. فلمّا انتفى الشرط انتفى المشروط ...!! ودليل الرؤية الذي أحال عليه الجويني دالّ على ما ذكرناه لأنّه لا يشترط الاتّصال لرؤية الباري تعالى فكذلك باقي الإدراكات في اشتراط عدم الاتّصال فإذا لزم فهو منفي وإلاّ لزم الكفر كما بيّن الشهرستاني .
وهذا المستملح اعتقد بأنّ الجويني نفى اشتراط الاتّصال لثبوت هذه الإدراكات وهذا وهم وسوء فهم لكلام الجويني .
كتبه الدكتور/ بلال إسماعيل التل
كتب إليّ أحد الأخوة الأفاضل بأنّ أحد السلفيين المعروفين بالسفه ( وهو كثير الاستملاح ما شاء الله عليه ) وهو يستملح قضايا العقيدة ويستهزئ بها ويتناولها على سبيل السخرية والمرح ...وهذا يدلّ على الحمق والسفه ويدلّ على قلّة الدين أيضا ...!!
1- المدّعى : أنّ الله يُشم ويُلمس ويُتذوق عند الجويني.. والدليل هو قول الجويني بجواز إدراك كلّ موجود بناء على جواز هذا في الرؤية ..
من عجائب هذا المستملح نسبة جواز تذوق الله تعالى وشمّه ولمسه للجويني مع علمه يقينا بنفي وتكفير الجويني والأشاعرة عموما لمن ينسب الجسمية والأعراض لله تعالى .. !! فإدراك ( رؤية ) الله تعالى مختص بشرط عدم الاتّصال ولهذا أجازوا رؤية الباري من غير جهة ... وإلاّ كان الأشاعرة يوجبون الجسمية وعوارضها على الله تعالى إذا أجازوا إدراك تذوقه ولمسه وشمّه ...!!فالمسألة ليس لها أساس أصلا .. ولكنّها من عجائب المستملحين وهي لا تنتهي .
ومع هذا نقول :
هذه شبهة ردّدها ابن تيمية كثيرا في كتبه فيقول مثلا : ( وأما الأشعري فادعى أن كل موجود يجوز أن يرى ووافقه على ذلك طائفة من أصحاب الأئمة الأربعة كالقاضي أبي يعلى وغيره ثم طرد قياسه فقال كل موجود يجوز أن تتعلق به الإدراكات الخمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس ووافقه على ذلك طائفة من أصحابه كالقاضي أبي بكر وأبي المعالي والرازي منهاج السنة ( 2|153).
وهذا ترديد لكلام ابن رشد الحفيد ..كعادة ابن تيمية .. ولولا خشيتي من تطويل المنشور لنقلت ما ذكره ابن رشد .. ليظهر لك بأنّ ابن تيمية ينقل ما يقوله ابن رشد بالحرف وقد كتبنا عن هذا سابقا .
وكلام هذا السلفي غير صحيح فإطلاق هذا بالنسبة للصفة ولكن بقيد متعلق الصفة وهو وجوب الاتّصال في المشموم والملموس وكذلك التذوق ... وجواز تصحيح هذا بالنسبة للرؤية بسبب عدم اشتراط الاتّصال وهو ظاهر في مذهب الأشعري ولهذا قال الشهرستاني : وكما يجد التفرقة بين العلم والإدراك يجد التفرقة بين محل العلم ومحل الإدراك ولأن الذي يدرك ببصره من المرئي هو الألوان والأشكال فيستدعي ذلك مقابلة ومواجهة فالذي يدرك بسمعه من المسموع هو الأصوات والحروف ولا يستدعي ذلك مقابلة وكذلك المشموم والمذوق والملموس يستدعي اتصال الأجسام ولا يستدعيه السمع والبصر فلذلك يجوز أن يوصف الباري تعالى بأنه سميع بصير ولا يجوز أن يوصف بأنه شام ذائق لامس / نهاية الإقدام ص.352 .
قال ابن المقترح في شرح الإرشاد / مخطوطة ص216 :
لا خلاف بأنّ الاتّصالات المقارنة للشمّ والذوق واللمس مستحيلة على الله تعالى وليست هي الإدراكات .
إذا عرفت هذا ...
يقول الجويني : فإن قيل قدمتم أن كل إدراك فإنه متعلق جوازا بكل موجود وقول ذلك يلزمكم تجويز تعلق الإدراكات الخمس بذات الباري وصفاته وملتزم ذلك ينتهي إلى الحكم بكون الرب تعالى مشموما ملموسا مذوقا . قلنا :قد ذكرنا أن اللمس والذوق والشم عبارات عن اتصالات وليس من الإدراكات فأما الإدراكات مع القطع باستحالة الاتصال فيجوز تعلقها بكل موجود وكل دال على على جواز رؤية كل موجود يطرد في جميع الادراكات .( الإرشاد ص78 ) .
وذكر قبل في ص74 ( :الإدراكات خمسة : أحدها البصر المتعلق بقبيل المرئيات والثاني : السمع المتعلق بالأصوات والثالث : الإدراك المتعلق بالروائح والرابع الإدراك المتعلق بالطعوم والخامس الإدراك المتعلق بالحرارة والبرودة واللين والخشونة والحاسة في اصطلاح المحققين هي الجارحة التي يقوم ببعضها الإدراك وقد يعبر بالشم واللمس والذوق عن الإدراكات تجويزا وهذه العبارات منبئة عند المحصلين عن اتصالات بين الحواس وبين أجسام تدرك ويدرك أعراض لها وليست الاتصالات إدراكات ولا شرائط فيها وإن استمرت العادات بها والدليل عليه أنك تقول شممت الشيء فلم أدرك ريحه وذقته فلم أجد طعمه ولمسته فلم أدرك حرارته وذلك يحقق أنه ليس المراد بها في الإطلاق أنفس الإدراكات عند أئمتنا رضي الله عنهم من وجدان الحي من نفسه الآلام واللذات وسائر الصفات المشروطة بالحياة ولا سبيل إلى القول بأن وجدان هذه الصفات هو العلم بها فإن الإنسان قد يضطر إلى العلم بتألم غيره ويجد من نفسه الألم المختص به ويفرق ببديهة عقله بين وجدانه ذلك من نفسه وبين علمه بألم غيره ) انتهى .
قال ابن المقترح في شرح الإرشاد / مخطوطة ص208 :
اتّفق أهل السنّة على أنّ الرؤية يجوز أن تتعلق بكلّ موجود واختلفوا في جوازه بتعلق ما عدا الرؤية من الإدراكات بكلّ موجود فذهب القدماء منهم عبد الله بن مسعود والقلانسي إلى أنّ هذا العموم مختصّ بالرؤية وبقية الإدراكات لا يجوز أن تعمّ الموجودات ونقل عن الشيخ أبي الحسن الأشعري مخالفتها في ذلك والمصير إلى جواز عموم كلّ إدراك لكلّ موجود
ص216 :
لا خلاف بأنّ الاتّصالات المقارنة للشمّ والذوق واللمس مستحيلة عليه وليست هي الإدراكات .
وقال : ويمتنع أن يسمّى الله الباري تعالى مشموما مذوقا ملموسا لما في هذا الإطلاق من إيهام الاتّصال المستحيل عليه . ثمّ بدأ بمناقشة دليل الوجود للوجويني .
ثمّ قال : ولم يثبت في هذه الإدراكات سمع فلا يثبت القول بها وذات الباري تعالى ممّا لا تفهم حقيقتها فلا يعلم الحكم عليها بالقبول من حيث هي .) انتهى .
قال الشهرستاني : وتردد رأيه- أي الأشعري - في سائر الإدراكات أهي علوم مخصوصة أم إدراكات ورأي بعض أصحابه أنها إدراكات أخر وليس الوجود بمجرده مصححاً لها فقط بل الاتصال فيها شرط فلا يتصور شم إلا باتصال أجزاء من المتروح أو من الهوى إلى المشام وكذلك الذوق واللمس لا يتصور وجودهما إلا باتصال جرم بجرم نهاية الاقدام ص 352 .
إنّ تصحيح جواز الإدراك لذات الله تعالى هو إدراك لا يقبل الاتّصال .. فإن قبل الاتّصال لم يجز تسميته مدركا ...!!
فالرؤية لا يشترط فيها الاتّصال فجاز القول بكونها إدراكا وجاز القول بإدراك المؤمنين لله تعالى رؤية ..!!
وأمّا الشمّ والذوق فيشترط لإدراكها الاتّصال ..فلمّا وجد هذا المانع وهو الاتّصال لم يجز وصف العبد بجواز إدراكه لله تعالى شمّا أو ذوقا أو لمسا ...!!
وبالجملة من أثبت الجسمية لله تعالى كالسلفيين فإنّهم يجوّزون هذا ... وأمّا من نفى الجسمية ولوازمها لا يحتمل قوله إدراك شمّ أو لمس أو تذوق لله تعالى ...!! كيف وهو ينفي الجسمية أصلا ...!! كيف وهو قد اشترط الاتّصال للمشموم والمتذوق والملموس .. فلمّا انتفى الشرط انتفى المشروط ...!! ودليل الرؤية الذي أحال عليه الجويني دالّ على ما ذكرناه لأنّه لا يشترط الاتّصال لرؤية الباري تعالى فكذلك باقي الإدراكات في اشتراط عدم الاتّصال فإذا لزم فهو منفي وإلاّ لزم الكفر كما بيّن الشهرستاني .
وهذا المستملح اعتقد بأنّ الجويني نفى اشتراط الاتّصال لثبوت هذه الإدراكات وهذا وهم وسوء فهم لكلام الجويني .
كتبه الدكتور/ بلال إسماعيل التل