هل يجوز التوسـل بالأنبياء أو بالأولياء أو بالأعمال الصالحة ؟

هل يجوز التوسـل بالأنبياء أو بالأولياء أو بالأعمال الصالحة ؟ 
وهل ثمة فارق بين التوسل بالذوات .. والتوسل بالأعمال الصالحة ؟ 
بسم الله الرحمن الرحيم التوسل المشروع .. طريق من طرق التضرع والتوجه بالدعاء الى الله سبحانه لقضاء الحوائج ، قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة )
والوسيلة : كل سبب مشروع ، يمكن التقرب به الى الله عز وجل ، لتحصيل نفع أو دفع ضرر ومع ذلك لا يقول العلماء : بوجوب التوسل أو ضرورته أو أن قبول الدعاء متوقف عليه ، ولكنه جائز للأدلة الصحيحة التي سنذكرها لاحقا ،
ثم التوسل على ضربين : ( توسل متفق عليه ولاخلاف فيه )
و ( توسل آخر .. هو محل الخلاف بين العلماء )
وبيانهما في التفصيل التالي :
( توسل متفق عليه .. ولا خلاف فيه ):
وهو التوسل الى الله تعالى بالأعمال الصالحة للشخص المتوسل : وذلك للحديث الصحيح في الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار ، فوقعوا في شدة وكرب عظيم : فتوسل أحدهم الى الله تعالى ببره لوالديه ، وتوسل الثاني بابتعاده عن الفاحشة بعد تمكنه من أسبابها ، وتوسل الثالث بأمانته وحفظه لمال الغير ، ففرج الله عنهم ماهم فيه من الشدة والكرب ببركة تلك الأعمال الصالحة .

( توسل بالذوات ... وهو محل الخلاف بين العلماء ):
والمراد به : التوسل الى الله تعالى بالأنبياء أو الأولياء أو الملائكة ، وهو في الواقع خلاف شكلي وليس حقيقي ، فحيث جاز التوسل بالأعمال الصالحة شرعا ، فالمتوسل بنبي أو ولي أو ملك مقرب ، ماتوسل بأحد هؤلاء إلا لشهوده أعمالهم الصالحة ، ولظنه بقربهم من الله ومكانتهم لديه .. فالمذكور على ألسنتهم هو أسماء هؤلاء الأنبياء أو الأولياء .. والمشهود في قلوبهم هو أعمالهم الصالحة ومكانتهم عند الله .. ويبقى الفاعل أولا وآخرا هو الله سبحانه وتعالى .
ومعلوم أن الله عز وجل قد اختص واجتبى واصطفى طائفة من خلقه ، فجعل منهم أنبياء وأولياء ومقربين ، وأظهر لهم عنده من المكانة والمنزلة والوجاهة ما لا ينكره ذو عقل ودين .. وقد أشار الله الى ذلك في كثير من الآيات القرآنية :
فقال في الاختصاص ( يختص برحمته من يشاء )
وقال في الاجتباء ( الله يجتبي اليه من يشاء )
وقال في الوجاهة في حق سيدنا موسى عليه السلام :
( وكان عند الله وجيها ) أي ذا وجاهة .
وقال في وجاهة سيدنا عيسى عليه السلام وقربه :
( وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين )
وقال في مكانة سيدنا جبريل عليه السلام ( ذي قوة عند ذي العرش مكين ) أي ذا مكانة ..
ومن الأدلة الواردة في جواز التوسل .. نذكر ما يلي :
( التوسل بقدره الشريف قبل خلقه صلى الله عليه وسلم ):
( لما اقترف آدم الخطيئة ، قال : يارب اسألك بحق محمد لما غفرت لي ، فقال الله : يا آدم وكيف عرفت محمد ولم أخلقه ؟ قال : يارب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت انك لم تضف الى اسمك إلا أحب الخلق اليك ، فقال : صدقت يا آدم انه لأحب الخلق ادعني بحقه فقد غفرت لك )
هذا الحديث أخرجه الحاكم وصححه .
ورواه الحافظ السيوطي وصححه .
ورواه البيهقي .. وهو لايروي الموضوعات .
كما صححه القسطلاني والزرقاني والسبكي .
ورواه الطبراني في الاوسط .
وذكر ابن تيمية حديثين كشواهد لحديث توسل آدم .
أحدهما عن ابن الجوزي ، والثاني عن أبي نعيم الحافظ .

ولما سأل الخليفة ابوجعفر الامام مالك : هل استقبل قبر رسول الله حال الدعاء أم أتوجه الى القبلة ؟ أجابه الامام مالك : ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم من قبل ، فكان رد الامام مالك .. هو عملا بهذا الحديث .

( توسل اليهود بقدره الشريف في القتال قبل خلقه):
مما ورد أيضا في التوسل بقدره الشريف صلى الله عليه وسلم قبل خلقه وقبل بعثته ما أخبرنا به القرآن : قال تعالى ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) ومعنى يستفتحون : أي يستنصرون ، فكانت اليهود اذا تضايقت في قتال جهة استنصرت بقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ابن عباس : فكان دعاؤهم : اللهم إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان أن تنصرنا عليهم ، فانزل الله تعالى ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) أي بك يامحمد . . وكانوا ينصرون .

( التوسل بقدره الشريف حال حياته صلى الله عليه وسلم ):
مما ورد في التوسل بقدره الشريف حال حياته صلى الله عليه وسلم حديث الضرير الذي رواه عثمان بن حنيف : أن ضريرا شكا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهاب بصره وقد شق عليه ذلك ولا قائد له ، فقال له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ( توضأ ثم صل ركعتين ثم قل : اللهم اني اسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة يامحمد إني أتوجه بك الى ربك فيجلى لي عن بصري ، اللهم شفعه في وشفعني في نفسي ) قال عثمان : فوالله ما تفرقنا ولاطال بنا الحديث حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضر .
قال الحاكم : هذا الحديث صحيح الاسناد .
وقال الذهبي : إنه صحيح .
وقال الترمذي : هذا الحديث حسن صحيح .
وقال المنذري : ورواه أيضا النسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه .
وقال ابن تيمية : ومما يشرع التوسل به في الدعاء كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه أن النبي صلى لله عليه وسلم علّم شخصا أن يقول ( فذكر الدعاء الوارد في الحديث )
والشيخ ابن تيمية قد أثبت في بعض كتبه جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم دون تفريق أو تفصيل بين حياته أو موته .. ونقل جواز ذلك عن الامام احمد والعز بن عبد السلام .

( التوسل بقدره الشريف بعد التحاقه بالرفيق الأعلى ):
مما ورد في التوسل بقدره الشريف بعد التحاقه صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى تلك الحكاية المشهورة عن العتبي قال : كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخـل أعرابـي فقـال : السلام عليـك يا رسول الله . . سمعت الله تعالى يقـول ( ولو أنهم إذ ظلموا انفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ) وقد جئتك يارسول الله مستغفرا لذنبي مستشفعا بك الى ربي ثم أنشد :
ياخير من دفنت في القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبــر أنت ساكنـــــه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
قال العتبي : ثم انصرف الاعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال : إلحق الأعرابي .. فبشره أن الله قد غفر له .
هذه الحكاية ذكرها ابن كثير في تفسيره ، وذكرها الامام النووي في كتاب الايضاح ، وذكرها ابن قدامة في المغني ، ونقلها ابو الفرج في شرحه الكبير ، كما نقلها صاحب كتاب كشف القناع وذكرها القرطبي في تفسيره.

( التوسل بقدره الشريف في عرصات القيامة ) :
أما التوسل بقدره الشريف صلى الله عليه وسلم في عرصات يوم القيامة ، فإن أحاديث الشفاعة قد بلغت مبلغ التواتر ، ومفادها : أن أهل الموقف إذا اشتد بهم الكرب وطال عليهم الوقوف ، استغاثوا في تفريج كربهم بالأنبياء ، فيستغيثون بآدم ثم بنوح ثم بابراهيم ثم بموسى ثم بعيسى فيحيلهم عيسى الى سيد الخلق وحبيب رب العالمين حتى اذا استغاثوا به سارع الى اعانتهم قائلا : أنا لها أنا لها ، فيخر ساجدا تحت العرش فيلهمه ربه ثناءفي ذلك الوقت ، فلايزال ساجدا تحت العرش حتى ينادى من جهة الحق ، ارفع رأسك وسل تعطى واشفع تشفع ، قال العلماء : وفي هذا الحديث اجماع من الانبياء والمرسلين وسائر المؤمنين وتقرير من رب العالمين بأن الاستغاثة في الشدائد تكون بأكابر المقربين .

( توسله صلى الله عليه وسلم بحقه وحق الأنبياء من قبله ):
أما توسله بحقه وحق الأنبياء من قبله ، فقد كان في دفن فاطمة بن أسد والدة الامام علي رضي الله عنه حيث قال صلى الله عليه وسلم : ( الله الذي يحيي ويميت وهو حي لايموت اغفر لأمي فاطمة بنت اسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والانبياء الذين من قبلي فإنك ارحم الراحمين )
هذا الحديث رواه الطبراني في الكبير والأوسط .
وصححه الحاكم وابن حبان .
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ورجاله رجال الصحيح .
كما رواه ابن عبد البر واخرجه الديلمي وابو نعيم .
فطرقه يشد بعضها بعضا بقوة وتحقيق ، فالحديث لايقل عن مرتبة الحسن ، بل هو على شرط ابن حبان صحيح ، ويستفاد من هذا الحديث وبشكل قطعي أنه لافرق في التوسل بين أن يكون المتوسل به حيا أو ميتا لقوله صلى الله عليه وسلم ( بحق نبيك) وهو حي ( والانبياء الذين من قبلي ) وهم أموات .

( توسله صلى الله عليه وسلم بحق السائلين ):
قد توسل صلى الله عليه وسلم بحق السائلين وبحق ممشاه الى الصلاة ، كما في الحديث الصحيح الذي رواه ابو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من خرج من بيته الى الصلاة فقال اللهم اني اسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا ) الخ الحديث ( أقبل الله اليه بوجهه واستغفر له سبعون الف ملك ) هذا الحديث صححه وحسنه جملة من كبار الحفاظ كابن خزيمة والمنذري وشيخه ابو الحسن والعراقي وابن حجر والشرف الدمياطي وعبد الغني المقدسي وابن ابي حاتم وغيرهم وذكر الحديث الشيخ ( محمد بن عبد الوهاب ) في كتاب آداب المشي الى الصلاة ، وحث على العمل به .
( اللهم رب جبريل واسرافيل وميكائيل )
وجاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول بعد ركعتي الفجر ( اللهم رب جبريل واسرافيل وميكائيل ورب محمد أعوذ بك من النار ) ثلاثا قال الامام النووي : هذا الحديث رواه ابن السني ، وقال الحافظ بعد تخريجه هو حديث حسن .
وتخصيص هؤلاء بالذكر ( جبريل واسرافيل وميكائيل ) هو في معنى التوسل بهم ، قال ابن علان في شرح الأذكار : التوسل بحق أرباب الخير عام في السائلين ، فكان التوسل بالانبياء والأولياء من باب أولى .

( ايضـــاح مهم جدا ):
هناك اليوم فريق من الناس يتكلفون الأدلة الشرعية بتأويلات خاطئة لينفوا مسألة التوسل مستدلين بالآيات المنزلة في حق الكفار ليكفروا بها جمعا من المسلمين ظلما وعدوانا : كقوله تعالى ( مانعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى ) وقوله ( والذين يدعون من دونه لايستجيبون لهم بشيء ) وقوله ( فلا تدعو مع الله أحدا ) :
أما قوله تعالى ( مانعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى ) فهذا نص صريح بأنهم عبدوا غير الله وتركوا عبادة الله بالكلية ، وحين سئلوا عن تركهم لعبادة الله وانشغالهم بتلك العبادة الباطلة ، أجابوا ( مانعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى ) فكانت حجة باطلة وشرك بين .
فالمتوسل بالنبي أو الولي لم يدع الا الله .. ولم ينتظر الاجابة الا من الله ، فالمعترضون على التوسل جاؤوا بأدلة من خارج محل النزاع .. كقوله تعالى ( ليس لك من الأمر شيء ) وقوله ( قل لا أملك لنفسي نفعا ولاضرا ) وهذا موضوع لايختلف فيه أحد من المسلمين ، ولكن هذا لايمنع التوسل بالنبي أو الولي ..
فالخلق يسألون النبي الشفاعة وهم يعلمون أن الشفاعة لاتكون إلا بإذن الله ..
ولا تكون الا لمن ارتضى ..
فالمسؤول هو رسول الله ..
والفاعل المأمول هو الله سبحانه وتعالى .
وهكذا يتبين أن التوسل أمر مشروع في الحدود المذكورة ، وأنه باب من أبواب التوجه الى الله تعالى ، وقد حصل التوسل بقدره الشريف قبل خلقه وفي حياته ، وبعد التحاقه بالرفيق الأعلى ، وفي عرصات القيامة ، وقد توسل صلى الله عليه وسلم بحقه وحق الانبياء من قبله ، وتوسل بحق السائلين والملائكة المقربين ، ولو اطلع منصف على أسماء العلماء الأعلام الذين قالوا بالتوسل وأقروه وذكروه في مصنفاتهم لما اعترض ابدا فمن أنكر هذه المسألة إذن ؟
من هؤلاء العلماء الأعلام نذكر على سبيل المثال وليس الحصر :
الحاكم في المستدرك .. والبيهقي في دلائل النبوة والسيوطي في الخصائص الكبرى .
وابن الجوزي في الوفاء .. والقاضي عياض في كتاب الشفا .
والحافظ القسطلاني في المواهب اللدنية .
والنووي في كتاب الايضاح .
وابن حجر الهيتمي في شرح الايضاح .
وابن الجزري الدمشقي في عدة الحصن الحصين .
والشوكاني في تحفة الذاكرين .
وعلي بن عبد الكافي السنبكي في شفاء السقام .
وابن كثير في تاريخه وغيرهم .