معنى قول الشيخ الأكبر رأيت الحق في الأعيان حقا

الجواب عن معنى قول الشيخ الأكبر رضي الله عنه 
رأيت الحق في الأعيان حقا * وفي الأسما، فلم أره سوائي‏
ولست بحاكم في ذاك وحدي * فهذا حكمه في كل رائي
وعند المثبتين خلافَ هذا  * هو الرائي ونحن له المرائي‏
.....
الحمد لله وبعد
فقد قال تعالى:- (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار) فأثبت وجه الحق في الخلق، وهذا شهود (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار).
وعلى هذا المعنى جاء قول الشيخ الأكبر رضي الله عنه وأرضاه (رأيت الحق في الاعيان حقا). فمن حيث الرؤية بعين الرأس نرى أعيان الموجودات خلقاً، ومن حيث الرؤية بعين القلب يرى من له قلب باطن الخلق حقاً.

أما قوله (وفي الأسما فلم أرهُ سوائي)
فإنه من حيث ما يكسو به الله تعالى عبدَه من الاسماء والصفات يكون له الظهور. ومع ذلك فإن العبد المحض لا يرى لنفسه صفة، إذ كل ما عليه من خلع الأسماء معارٌ، ولذا فهو لا يثبت للمرئي صفةً من صفات الربوبية، وإن كانت كسوته الأسماء، لامتناع رؤيته تعالى، كما قال في محكم اياته لنبيه موسى عليه السلام ( لن تراني )، وفي ذلك الشطر تنبيه دقيق للسالك والعارج على معراج الاسماء الإلهية، من حيث أن ما يتجلى للناظر في الأسماء من وجه مرآتيتها انما هو صورة الناظر، وهي حق، فليحترز من وقف على كلام القوم في التجلي، فإن المُشاهد ما رأى في تلك المرآة إلا نفسه، وهذا هو الحق الذي تجلى له.

وقوله (ولست بحاكم في ذاك وحدي * فهذا حكمه في كل رائي)
يعنى ممن كمل اعتقاده وتمكّن في مشاهدته، فعلِم انه ما رأى حين رأى إلا نفسه في مرآة الحق تعالى، فإن العالَم مرآة الحق في اعتقاد المُمّل، وكذا الأسماء الإلهية باعتبار دلالتها على الحق تعالى، بل والإنسان الكامل مرآة الحق أيضاً، فإن نظرَ العارف اليه من حيث دلالته دله على الحق تعالى، وإن نظر إليه من وجه صفاء مرآته لم ير إلا نفسه.
فأما المثبتون من المحققين أهل التمكين فذاقوا حقيقة قوله تعالى في الحديث القدسي ( كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به،
ولذا قال رضي الله عنه وأرضاه
(وعند المثبتين خلاف هذا * هو الرائي ونحن له مرائي).
ولا خلاف بين قول هؤلاء وهؤلاء، فإن من كان الحق تعالى بصره الذي يبصر به فإنه يرى ما أشار إليه الشيخ الأكبر في هذا البيت بقوله ( ونحن له مرائي ) فثبت عند الكل أن المرئيَ على التحقيق أعيان الأكوان، وقد نبهنا إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابه عن سؤال أبي زر حين سأله : هل رأيتَ ربك، فقال صلى الله عليه وسلم ( نورٌ أنى أراه ).
كتبه الفقير إلى رحمة ربه / أيمن حمدي