الأسس التربوية فى المدرسة الصوفية


    تقوم مدرستنا على أربع ركائز أساسية ومنهجية في سيرها إلى الله تعالى هي :
    أولاً : نور الذكر : ونعني به :
    1_ ربط القلب بالله سبحانه وتعالى: [ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ ] الكهف : 14.
    2_ وزيادة النور الإيماني:[ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ]  النور : 35
    3_ والتحقق بمراتب اليقين :[ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ] الأنعام : 75
    4_ ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم :( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) .
    5_ واتباع النبي صلى الله عليه وسلم [ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ] آل عمران : 31
    ولا يكون الاتباع إلا بالوسائل المشروعة . فمنها :
    أ - تلاوة القرآن الكريم ، والالتزام بالأوراد والأذكار اليومية الخاصة والعامة فأهل القرآن وأهل الذكر هم خاصته سبحانه وأهل مجالسته.
    ب - التقرب بالنوافل إلى الله تعالى من صلاة وصيام وصدقة ونسك وغير ذلك ، إذ النوافل عربون المحبة والشكر ( وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ) .
    ج - السعي في وجوه الخير والنفع لكل مسلم فالخلق كلهم عيال الله تعالى وأحبهم إلى الله تعالى أنفعهم لعياله .
    د - مجالس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذكر شمائله وأخلاقه وسيرته العملية مع أصحابه رضوان الله تعالى عليهم .

        ثانياً : عمق الفكر : ونعني بذلك : صحة التفكير وسلامة الفهم والتدبر في عواقب الأمور من خلال :
    أ - سلامة الاعتقاد من الشرك والبدع والأهواء .
    ب- التمسك بالشرع وأحكام الفقه الثابتة على المذاهب الأربعة لإجماع الأمة عليها .
    ج - معرفة السنن الربانية الكونية والاجتماعية.
    د - معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم وأحوال الصالحين والعلماء الربانيين العاملين .
    هـ - معرفة حاضر العالم الإسلامي وأوضاع المسلمين وما يجب عليهم تجاه دينهم وأمتهم .

        ثالثاً : سَعَةُ الصدر : ونعني بذلك : التخلي عن الأخلاق المذمومة كالكذب والكبر والعجب والرياء والسمعة وسوء الظن … وأمثالها ، والتحلي بالأخلاق الحميدة الفاضلة كالصدق والإخلاص والرحمة والصبر والحلم والتواضع والكرم … وأمثالها .

        رابعاً : روح العصر : ونعني بذلك :
    أ - ما رآه المسلمون حسناً في المظهر والمسكن والمأكل وغير ذلك فهو حسنٌ .
    ب - التيسير والتسهيل على الناس في غير معصية الله عز وجل .
    ج - الأخذ بوسائل العصر العلمية والتقنية والاستفادة منها في وجوه الخير والنفع للمسلمين .
    د - التدرج والحكمة في الدعوة إلى الله تعالى بأساليب الرحمة والرأفة والابتعاد عن الغلظة والشدة وما ينفر المسلمين من دينهم .

        الضوابط المنهجية في السلوك
         أولاً : التفريق بين ما هو قاعدة وركيزة أساسية في سير المريد إلى الله تعالى ، وبين فرعيات الأمور .
    فالذكر والمذاكرة وتصحيح الأفكار وسلامة القلب من أمراضه من الأسس التي لا يصح الاختلاف عليها .
    وأما الفرعيات كالحركة في الذكر ، والذكر القلبي أو اللفظي أو التواجد وما إلى ذلك فهي من الفرعيات التي لا تستدعي الجدل فيها أو الإنكار على من لم يفعلها وليست هي المقياس الصحيح لاستفادة المريد أو عدم استفادته .

        ثانياً : الأفكار والمبادئ لا تتغير ، وأما الأساليب فتتنوع وتتعدد وتتغير على حسب الأزمان والأمكنة والأشخاص .
    وهذا يدل على الحكمة والحيوية في مدرستنا التربوية واستيعابها لكافة الذوقيات ، إذ لا يجب أن يُفرض على جميع الناس ذوق واحد ، وأكبر مثال على ذلك تعامل شيخنا رحمه الله تعالى بتنويع أساليبه في المعالجة من شخص لآخر .

        ثالثاً : من كمال أدب النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام استخدام أداة التشبيه (كأنَّ ) في الحديث عن الاستشرافات الروحية والإشراقات النورانية والحالات الإيمانية اليقينية .
    من ذلك حديث جبريل عليه السلام حين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال ( أن تعبد الله كأنك تراه … الحديث ) .
    وحديث حارثة رضي الله عنه ( وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً ) .
    وحديث حنظلة رضي الله عنه ( يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ )

    مع كون الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أقرب الخلق معرفة وإيماناً ، وأعلم الناس بالله تعالى يقيناً ، ونحن أولى وقد بعُدت بنا الشقة وقدُم بنا العهد أن نبتعد عن المؤكدات والقسم في حديثنا عن الجوانب الروحية .

        رابعاً : ترك العبارات المبهمة والغامضة التي تثير الشكوك والأوهام في نفوس بعض السالكين كالغزل الحسي والخمريات وذكر الأسماء المؤنثة وخاصة في المجالس العامة امتثالاً لقاعدة تربوية وضعها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ ) ، وأخطأ من يعتقد أن العبارة كلما كانت أعقد أو أن الإنشاد كلما كان في الغوامض كان الحال أقوى والاستفادة أعلى .

        خامساً : نسعى بكل جهدنا في الأمور كلها إلى الاعتدال والتوازن والإحاطة الشاملة لكافة جوانب تكامل شخصية المسلم حتى لا يطغى جانب على آخر فتختل الشخصية ، وقد يؤدي اختلالها إلى انحراف في سلوكه وتعامله مع الآخرين ، قال الله تعالى:[ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ] البقرة : 143 ، أما الغلو في جانب من الجوانب على حساب ما تبقى فهو خطأ يجب تجنبه والعمل على تعديله . 

        سادساً : إذا كان الشطح ضعفاً ، وإظهار الكرامة نقصاً ، فالتقوى والكمال هو أن يراعي السالك ضبط عبارته بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وبما ورد عن سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم في أقوالهم وأعمالهم ، وهذا ما يجب أن نلزم به أنفسنا وندعوا إليه إخواننا .

        سابعاً : الفرق بين العصمة والحفظ معلوم لدى أهل العلم ، ونحن نعتقد بالشيخ الحفظ من الله تعالى ولا نعتقد فيه العصمة ، إذ الخطأ لا يعني انتقاص القدر ولذلك كان الرجوع إلى الحق من أكبر الفضائل ، والموقف من الخطأ النصح والتسديد لا الانتقاد والشماتة .

        ثامناً : طلب الحق مرادنا حيثما كان وأنَّى وجد ، والحكمة ضالتنا ننشدها ونسعى إليها .
    ومن الحكمة في أيامنا هذه عدم التركيز على لفظ ( التصوف ) وعدم اعتبار هذا اللفظ أصلاً نقف عنده ونتناقش عليه ، لأن الأهداف العلمية والتربوية السامية هي المراد من قيام هذه المدارس التي تدعو إلى الله عز وجل ، ولا يليق أن نجعل الألفاظ والشكليات حاجزاً عن المضمون ، وأن نتمسك بالمظاهر دون اللب إذ لا مشاحة في الاصطلاح ، وصدق من قال :
    ( كان التصوف فيما سبق حقيقة بلا اسم ، واليوم هو اسم بلا حقيقة ) ، والموفق هو الذي يستطيع أن يوصل فكرته إلى كل الناس حسب استعداداتهم وبدون حواجز .

        تاسعاً : كتاب ( حقائق عن التصوف ) لسيدي العارف بالله تعالى الشيخ عبد القادر عيسى قدس الله سره هو المرجع المعتمد بأفكاره وضوابطه وطريقة عرضه في مدرستنا التربوية ، وقد أقر الكتاب في حينه كافة علماء بلاد الشام الموثوق بدينهم وعلمهم ، وما سواه من كتب القوم رضوان الله تعالى عليهم نأخذ منها ما يناسبنا ونتوقف عند ورود إشكال فيها ونرد على خطئها بالعلم والمعرفة مع الأدب ، ولا ضير في ذلك .
------------
 تنبيه السالك والمريد لما فيه الفلاح والتسديد