شحذُ الإرادة
في توضيحِ أنَّ نعتَ النبي صلى الله عليه وسلم بالسيادةِ عبادة
بقلم الشيخ / عبد الله محمد عكور / عفا الله عنه
في توضيحِ أنَّ نعتَ النبي صلى الله عليه وسلم بالسيادةِ عبادة
بقلم الشيخ / عبد الله محمد عكور / عفا الله عنه
تقديم:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد ..
فقد طلب مني بعض طلبة العلم أن أكتب بحثا مقتضبا بمشروعية تسويد النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة خصوصا، أي أن بأن يقول المصلي خلال تشهده: اللهم صل على سيدنا محمد، ووافق هذا الطلب بداية تحقيقي لكتاب: أفضل الصلوات على سيد السادات للشيخ العلامة: يوسف بن إسماعيل النبهاني عليه رحمة الله، وكان بداية بحث الشيخ النبهاني في كتابه هو مسألة تسويد النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وكان لا بد من التعليق على الموضوع هناك، لذا تحركت الهمة لجمع ما استطعت إليه من النصوص الشرعية وأقوال علماء المذاهب والمحدثين في هذه المسألة، حتى أغطي طلب الجانبين، فسهل الله تعالى لي الأمر فجمعت هذه النصوص في هذه الرسالة وسميتها:
{شحذ الإرادة في توضيح أن نعت النبي صلى الله عليه وسلم بالسيادة عبادة}
فأسأل الله تعالى أن يكون هذا الكتاب سبباً لسلوك المطلعين عليه من طلبة العلم في سلوكهم سبيل الأدب مع سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام.
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد ..
فقد طلب مني بعض طلبة العلم أن أكتب بحثا مقتضبا بمشروعية تسويد النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة خصوصا، أي أن بأن يقول المصلي خلال تشهده: اللهم صل على سيدنا محمد، ووافق هذا الطلب بداية تحقيقي لكتاب: أفضل الصلوات على سيد السادات للشيخ العلامة: يوسف بن إسماعيل النبهاني عليه رحمة الله، وكان بداية بحث الشيخ النبهاني في كتابه هو مسألة تسويد النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وكان لا بد من التعليق على الموضوع هناك، لذا تحركت الهمة لجمع ما استطعت إليه من النصوص الشرعية وأقوال علماء المذاهب والمحدثين في هذه المسألة، حتى أغطي طلب الجانبين، فسهل الله تعالى لي الأمر فجمعت هذه النصوص في هذه الرسالة وسميتها:
{شحذ الإرادة في توضيح أن نعت النبي صلى الله عليه وسلم بالسيادة عبادة}
فأسأل الله تعالى أن يكون هذا الكتاب سبباً لسلوك المطلعين عليه من طلبة العلم في سلوكهم سبيل الأدب مع سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام.
ما جاء في القرآن الكريم:
جاء في القرآن الكريم آيات كثيرة تفيد التعظيم والتوقير لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفته بأنه النعمة الكبرى التي امتن الله تعالى به على جميع المؤمنين فقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (آل عمران:164)، وإن من لوازم هذه النعمة شكرها، والشكر له أشكال كثيرة، منها تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بكل أشكال التعظيم، ولزوم الأدب كل الأدب في معاملتنا ومخاطبتنا لحضرته الشريفة صلى الله عليه وسلم.
جاء في القرآن الكريم آيات كثيرة تفيد التعظيم والتوقير لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفته بأنه النعمة الكبرى التي امتن الله تعالى به على جميع المؤمنين فقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (آل عمران:164)، وإن من لوازم هذه النعمة شكرها، والشكر له أشكال كثيرة، منها تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بكل أشكال التعظيم، ولزوم الأدب كل الأدب في معاملتنا ومخاطبتنا لحضرته الشريفة صلى الله عليه وسلم.
لقد أدبنا القرآن الكريم بأدب
رفيع مع هذه النعمة العظيمة، فأشار إليها أولاً في القرآن إشارة تعليماً
لنا بأن نسلك معه صلى الله عليه وسلم طريق الأدب والتعظيم، فقد نادى الله
أنبياءه ورسله بأسمائهم فقال: يا آدم، يا نوح، يا إبراهيم، يا موسى، يا
يحي، يا عيسى ... ولكنه نادى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بخلاف المعهود
فقال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}، {يا أيها
المدثر)، ليقول لنا بأن من لوازم شكر هذه النعمة لزوم تعظيمها والأدب معها،
فإن تعظيم النعمة من تعظيم المنعم، والأدب معه هو في الحقيقة أدب مع من
أرسله، لذلك كان من وسائل تعليم الله لنا أن أمرنا بخفض الصوت بحضرته
الشريفة فقال: {يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ
اللهِ ورَسُولِهِ واتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا
أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرفَعُوا أصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوتِ
النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَولِ كجَهْرِ بَعْضِكُمْ لبَعْضٍ
أَنْ تَحْبَطَ أعْمَالُكُمْ وَأنْتُمْ لا تَشْعُرُون} (الحجرات: 1،2) وجعل
غض الصوت بحضرته الشريفة مقياساً ودليلاً على التقوى فقال: {إنَّ الَّذِينَ
يَغُضُّونَ أصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أولَئِكَ الَّذِينَ
امتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَّغفِرةٌ وأجْرٌ عَظِيمٌ}
(الحجرات:3)، وذم أقواماً لم يراعوا سلوك طريق الأدب في مخاطبتهم له صلى
الله عليه وسلم فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء
الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} (الحجرات:4)، ثم صرح القرآن
بذلك تصريحاً فأعلمنا أنه أرسل إلينا رسوله لحكماً منها: الإيمان به تعالى،
ومنها: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره ونصرته فقال: {إنَّا
أَرْسَلناكَ شَاهِدًا ومُبَشِّرًا ونَذِيرًا * لِتُؤمِنُوا بِاللهِ
ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ
وتُسَبِّحُوهُ
بُكْرَةً وأَصِيلا} (الفتح: 8 - 9)، ثم جاء النهي المقتضي للتحريم أن ننادي
نبيه صلى الله عليه وسلم كما ننادي بعضنا البعض فقال: {لا تَجعَلُوا
دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} (النور: 63)
فكان حقًّا علينا أن نمتثل أمر الله تعالى، وأن نتعلم مع حب رسوله صلى الله
عليه وسلم الأدبَ معه، ومن الأدب معه؛ تسويده والصلاة عليه كلما ذُكر، وأن
لا نخاطبه بإسمه مجرَّدًا عن الإجلال والتبجيل، ولا فرق بين النداء
والذِّكْر في ذلك؛ فكما يُشرَع استعمالُ الأدب والتوقير والتعظيم عند دعائه
صلى الله عليه وسلم، يُشرَع كذلك عند ذكر اسمه الشريف صلى الله عليه وسلم
والصلاة عليه من غير فرق؛ لوجود العلة في كلا الأمرين، وهي النهي عن
مساواته بغيره من المخلوقين، وذلك حاصل في الذكر كما هو حاصل في الخطاب
والنداء، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.
الباب الأول تحرير محل النزاع في المسألة:
قال بعض المتأخرين من العلماء: إن الوقوف مع النص في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هو المقدم في هذه المسألة، وخاصة ما كان منها في الصلاة، لأن هذا الأمر تعبدي، والعبادة لا تكون إلا بنص، وعليه يمنع الزيادة على ما جاء في الحديث النبوي، وعلى هذا القول غالب الحنابلة والشيعة الإمامية.
ويُرد على هذا القول: بأنه قد أجمعت الأمَّة على ثبوت السيادة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلفظ سيدنا عَلَم عليه صلى الله عليه وسلم (1) وأما ما شذ به بعضُ مَن تمسَّك بظاهر بعض الأحاديث متوهِّمين تعارضها مع هذا الحكم فلا يُعتَدُّ به، ولذلك اتفق العلماء على استحباب اقتران اسمه الشريف صلى الله عليه وسلم بالسيادة في غير الألفاظ الواردة المتعبَّد بها من قِبَل الشرع، كما اتفقوا على عدم زيادتها في التلاوة والرواية، أما التلاوة: فإن القرآن كلام الله تعالى لا يجوز أن يزاد فيه ولا أن ينقص منه، ولا يقاس كلام الله تعالى على كلام خلقه (2).
__________
(1) انظر حاشية الشرقاوي على التحرير (1/ 18)، والموسوعة الفقهية الكويتية (11/ 346) مادة (تسويد).
(2) تشنيف الآذان، للعلامة أحمد بن الصديق الغماري: ص (44).
قال بعض المتأخرين من العلماء: إن الوقوف مع النص في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هو المقدم في هذه المسألة، وخاصة ما كان منها في الصلاة، لأن هذا الأمر تعبدي، والعبادة لا تكون إلا بنص، وعليه يمنع الزيادة على ما جاء في الحديث النبوي، وعلى هذا القول غالب الحنابلة والشيعة الإمامية.
ويُرد على هذا القول: بأنه قد أجمعت الأمَّة على ثبوت السيادة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلفظ سيدنا عَلَم عليه صلى الله عليه وسلم (1) وأما ما شذ به بعضُ مَن تمسَّك بظاهر بعض الأحاديث متوهِّمين تعارضها مع هذا الحكم فلا يُعتَدُّ به، ولذلك اتفق العلماء على استحباب اقتران اسمه الشريف صلى الله عليه وسلم بالسيادة في غير الألفاظ الواردة المتعبَّد بها من قِبَل الشرع، كما اتفقوا على عدم زيادتها في التلاوة والرواية، أما التلاوة: فإن القرآن كلام الله تعالى لا يجوز أن يزاد فيه ولا أن ينقص منه، ولا يقاس كلام الله تعالى على كلام خلقه (2).
__________
(1) انظر حاشية الشرقاوي على التحرير (1/ 18)، والموسوعة الفقهية الكويتية (11/ 346) مادة (تسويد).
(2) تشنيف الآذان، للعلامة أحمد بن الصديق الغماري: ص (44).
أما
بالنسبة للألفاظ الواردة المتعبَّد بها من قِبَل الشرع كالأذان والإقامة
وتشهد الصلاة: فمذهب جمهور العلماء والمحققين من أتباع المذاهب الفقهية
المعتمَدة وغيرهم أنه يُستحَبُّ اقترانُ الاسم الشريف بالسيادة أيضًا في
الأذان والإقامة والصلاة، بناءً على أن الجمع بين الأدب والاتباع أوْلَى من
الاقتصار على الإتباع؛ لأن الجمع أوْلَى من الترجيح، وفي الأدب اتِّباعٌ
للأمر بتوقيره وتعظيمه صلى الله عليه وسلم الذي لم تُخَصَّ منه صلاةٌ ولا
أذانٌ ولا إقامةٌ، وقد علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه الأدبَ معه
حيث أخبر بالسيادة عن نفسه الشريفة بقوله صلى الله عليه وسلم: {أَنَا
سَيِّدُ وَلَدِ آدَم (1)}، وقال لمن خاطبوه بقولهم: {أنتَ سَيِّدُنَا}
{السَّيِّدُ الله}، ثم قال: {قُولُوا قَوْلَكُمْ، وَلاَ يستجرنكم
الشَّيْطَان (2)}
__________
(1) أخرجه بهذا اللفظ مسلم في كتاب «الفضائل» باب «تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق» حديث (4223) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو عند البخاري في كتاب «التفسير» باب «ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدًا شكورًا» بلفظ: «أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وفي كتاب أحاديث الأنبياء» باب «إنّا أرسلنا نوحًا إلى قومه» بلفظ «أَنَا سَيِّدُ الْقَوْمِ يَوْمَ الْقِيَامَة.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4/ 25)، والبخاري في الأدب المفرد ص (83) حديث (211)، وأبو داود في كتاب «الأدب» باب «في كراهة التمادح» حديث (4172)، والنسائي في السنن الكبرى (6/ 70) «ذكر اختلاف الاخبار في قول القائل سيدنا وسيدي» الأحاديث (10074 - 10076) من حديث عبد الله بن الشخير رضي الله عنه، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى أيضًا (6/ 70 - 71) حديث (10077 - 10078)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 226) حديث (4871) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ..
__________
(1) أخرجه بهذا اللفظ مسلم في كتاب «الفضائل» باب «تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق» حديث (4223) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو عند البخاري في كتاب «التفسير» باب «ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدًا شكورًا» بلفظ: «أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وفي كتاب أحاديث الأنبياء» باب «إنّا أرسلنا نوحًا إلى قومه» بلفظ «أَنَا سَيِّدُ الْقَوْمِ يَوْمَ الْقِيَامَة.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4/ 25)، والبخاري في الأدب المفرد ص (83) حديث (211)، وأبو داود في كتاب «الأدب» باب «في كراهة التمادح» حديث (4172)، والنسائي في السنن الكبرى (6/ 70) «ذكر اختلاف الاخبار في قول القائل سيدنا وسيدي» الأحاديث (10074 - 10076) من حديث عبد الله بن الشخير رضي الله عنه، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى أيضًا (6/ 70 - 71) حديث (10077 - 10078)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 226) حديث (4871) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ..
فأقرَّ ذِكْر السيادة ونبَّه على صحة المعنى بالتحذير من إهمال الفرق بين سيادة المخلوق والسيادة المطلَقة للخالق سبحانه.
قال الإمام الخَطّابي: "قَوْلُه صلى الله عليه وسلم: {السَّيد الله} أَيْ السُّؤْدُد كُلّه حَقِيقَة للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّ الْخَلْق كُلّهمْ عَبِيد الله، وَإِنَّمَا مَنَعَهُمْ أَنْ يَدْعُوهُ سَيِّدًا مَعَ قَوْله {َنَا سَيِّد وَلَد آدَم} لأَنهم قَوْم حَدِيثوا عَهْد بِالإِسْلامِ، وَكَانُوا يَحْسِبُونَ أَنَّ السِّيَادَة بِالنبوة كَهِيَ بأَسْبَابِ الدُّنْيَا، وَكَانَ لَهُمْ رُؤَسَاء يُعَظِّمُونَهُمْ وَيَنْقَادُونَ لأَمْرِهِمْ، وَقَوْله: {قُولُوا بِقَوْلِكُم} أَيْ قُولُوا بِقَوْلِ أَهْل دِينكُمْ وَمِلَّتكُم، وَادْعُونِي نَبِيًّا وَرَسُولاً كَمَا سَمَّانِي الله تَعَالَى فِي كِتَابه، وَلا تُسَمُّونِي سَيِّدًا كَمَا تُسَمُّونَ رُؤَسَاءَكُمْ وَعُظَمَاءَكُم، وَلا تَجْعَلُونِي مِثْلهمْ؛ فَإِنِّي لَسْت كَأَحَدِهِمْ؛ إِذْ كَانُوا لَيْسُوا دُونكُمْ فِي أَسْبَاب الدُّنْيَا، وَأَنَا أَسودكُمْ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَة فَسَمُّونِي نَبِيًّا وَرَسُولا (1).
__________
(1) عون المعبود شرح سنن أبي داود (13/ 112) نقلا عن الحافظ السيوطي، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الثانية، 1415هـ.
قال الإمام الخَطّابي: "قَوْلُه صلى الله عليه وسلم: {السَّيد الله} أَيْ السُّؤْدُد كُلّه حَقِيقَة للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّ الْخَلْق كُلّهمْ عَبِيد الله، وَإِنَّمَا مَنَعَهُمْ أَنْ يَدْعُوهُ سَيِّدًا مَعَ قَوْله {َنَا سَيِّد وَلَد آدَم} لأَنهم قَوْم حَدِيثوا عَهْد بِالإِسْلامِ، وَكَانُوا يَحْسِبُونَ أَنَّ السِّيَادَة بِالنبوة كَهِيَ بأَسْبَابِ الدُّنْيَا، وَكَانَ لَهُمْ رُؤَسَاء يُعَظِّمُونَهُمْ وَيَنْقَادُونَ لأَمْرِهِمْ، وَقَوْله: {قُولُوا بِقَوْلِكُم} أَيْ قُولُوا بِقَوْلِ أَهْل دِينكُمْ وَمِلَّتكُم، وَادْعُونِي نَبِيًّا وَرَسُولاً كَمَا سَمَّانِي الله تَعَالَى فِي كِتَابه، وَلا تُسَمُّونِي سَيِّدًا كَمَا تُسَمُّونَ رُؤَسَاءَكُمْ وَعُظَمَاءَكُم، وَلا تَجْعَلُونِي مِثْلهمْ؛ فَإِنِّي لَسْت كَأَحَدِهِمْ؛ إِذْ كَانُوا لَيْسُوا دُونكُمْ فِي أَسْبَاب الدُّنْيَا، وَأَنَا أَسودكُمْ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَة فَسَمُّونِي نَبِيًّا وَرَسُولا (1).
__________
(1) عون المعبود شرح سنن أبي داود (13/ 112) نقلا عن الحافظ السيوطي، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الثانية، 1415هـ.
وخُوطِب
صلى الله عليه وسلم بـ: {ياسَيِّدِي} فأقرَّ ذلك ولم ينكره؛ فقد خرج احمد
في مسنده عن سَهْلِ بن حُنَيْفٍ رضي الله عنه قال: مَرَرْنَا بِسَيْلٍ،
فَدَخَلْتُ فَاغْتَسَلْتُ فِيهِ، فَخَرَجْتُ مَحْمُومًا، فَنُمِيَ ذلِكَ
إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مُرُوا أَبَا ثَابِتٍ
يَتَعَوَّذ، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدِي! وَالرُّقَى صَالِحَةٌ؟ فَقَالَ: لاَ
رُقْيَةَ إِلا فِي نَفْسٍ أَوْ حُمَةٍ أَوْ لَدْغَة (1)}
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (3/ 486)، وأبو داود في كتاب (لطب) باب ما جاء في الرقى حديث (3390)، والنسائي في عمل اليوم والليلة ص (564) حديث (1034)، والحاكم في مستدركه (4/ 458) حديث (270) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ..
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (3/ 486)، وأبو داود في كتاب (لطب) باب ما جاء في الرقى حديث (3390)، والنسائي في عمل اليوم والليلة ص (564) حديث (1034)، والحاكم في مستدركه (4/ 458) حديث (270) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ..
وفي إقراره صلى الله عليه وسلم لذلك
إِذن منه في خطابه وذِكْرِه بذلك وأنه أمر مشروع، ولا فرْق في ذلك بين أن
يكون داخل الصلاة أو خارجها، بل ذلك في الصلاة أوْلَى؛ لأن الشرع راعى
الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة بصورة مؤكَّدة؛ فشرع
للمصَلِّي مخاطبة المصطفى صلى الله عليه وسلم داخلَ الصلاة وجعلها تبطل
بمخاطبة غيره، وأوجب الله تعالى على المصلِّي أن يجيب النبي صلى الله عليه
وسلم إذا خاطبه أثناءها ولا تبطل بذلك صلاتُه؛ مبالغةً في الأدب معه صلى
الله عليه وسلم، ومراعاة لحرمته وجنابه الشريف، وهذا جارٍ أيضًا في الأذان
والإقامة، فتخصيصُهما من ذلك لا دليل عليه بل هو على عمومه، بل أشار صلى
الله عليه وسلم إلى الأمر بتسويده عند ذكر اسمه الشريف حيث راجع مَن ذكَرَه
مجرَّدًا عن السيادة؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: صَعِد
رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
{مَنْ أَنَا؟} قلنا: رسول الله، قال: {نَعَمْ، وَلَكِنْ مَنْ أَنَا؟} قلنا:
أنت محمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، قال: {أَنَا
سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلا فَخْر (1)}.
وإذا قيل بالترجيح بينهما فالأدب مقدَّم على الإتباع، كما ظهر ذلك في موقف سيدنا علي رضي الله تعالى عنه في صلح الحديبية حيث رفض أن يمحو كلمة (رسول الله) في صك الصلح مع المشركين، عندما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بمحوها (2) تقديمًا للأدب على الإتباع.
__________
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (5/ 203) حديث (5082)، والحاكم في مستدركه (2/ 660) حديث (4189) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(2) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب (الصلح) باب (كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان وفلان بن فلان وإن لم ينسبه إلى قبيلته أو نسبه) حديث (2500)، ومسلم في كتاب (الجهاد والسير) باب (صلح الحديبية في الحديبية) حديث (3335).
وإذا قيل بالترجيح بينهما فالأدب مقدَّم على الإتباع، كما ظهر ذلك في موقف سيدنا علي رضي الله تعالى عنه في صلح الحديبية حيث رفض أن يمحو كلمة (رسول الله) في صك الصلح مع المشركين، عندما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بمحوها (2) تقديمًا للأدب على الإتباع.
__________
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (5/ 203) حديث (5082)، والحاكم في مستدركه (2/ 660) حديث (4189) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(2) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب (الصلح) باب (كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان وفلان بن فلان وإن لم ينسبه إلى قبيلته أو نسبه) حديث (2500)، ومسلم في كتاب (الجهاد والسير) باب (صلح الحديبية في الحديبية) حديث (3335).
وظهر ذلك أيضًا في تراجع
سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الصلاة بعد أمْرِ رسول الله صلى الله
عليه وسلم له بأن يبقَى مكانه، وقال له بعد الصلاة: (ما كانَ لابنِ أبي
قُحافةَ أنْ يُصَلِّيَ بينَ يَدَي رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم (1).
ومثل ذلك فعل سيدنا عثمان رضي الله عنه في صلح الحديبية عندما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم سفيراً إلى أهل مكة فأخَّر الطوافَ بالبيت مع علمه بوجوب الطواف على مَن دخل مكة؛ أدبًا معه عليه الصلاة والسلام أن يطوف قبله وقال: (ما كُنتُ لأَفعَلَ حتَّى يَطُوفَ بِه رسولُ الله (2) وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وجَعَلَه مِن مفاخره ومناقبه؛ فإنه لَمَّا قال الناس: (هنيئًا لأبي عبد الله! يطوف بالبيت آمنًا) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لَوْ مَكَثَ كَذَا وَكَذَا سَنَةً مَا طَافَ حَتَّى أَطُوفَ (3)} وهذا هو المعتمد عند الشافعية الحنفية والمالكية.
الباب الثاني نصوص المحدّثين في المسألة:
وهذه بعض النصوص التي صدرت عن المحدِّثين كما جاء ذلك في مصنفاتهم، حيث أجمعوا على مشروعية الإتيان بلفظ؛ (سيدنا) قبل اسمه الشريف صلى الله عليه وسلم، حتى في العبادات كالصلاة والأذان والإقامة وأن ذِكْر السيادة خير مِن تركه؛
__________
(1) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب (الأذان) باب (من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول) حديث (643)، ومسلم في كتاب (الصلاة) باب (تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام) حديث (639)، من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4/ 324) من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما.
(3) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب (الفضائل) باب (ما ذكر في فضل عثمان بن عفان) حديث (24)، وابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3300) حديث (18596) من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
ومثل ذلك فعل سيدنا عثمان رضي الله عنه في صلح الحديبية عندما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم سفيراً إلى أهل مكة فأخَّر الطوافَ بالبيت مع علمه بوجوب الطواف على مَن دخل مكة؛ أدبًا معه عليه الصلاة والسلام أن يطوف قبله وقال: (ما كُنتُ لأَفعَلَ حتَّى يَطُوفَ بِه رسولُ الله (2) وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وجَعَلَه مِن مفاخره ومناقبه؛ فإنه لَمَّا قال الناس: (هنيئًا لأبي عبد الله! يطوف بالبيت آمنًا) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لَوْ مَكَثَ كَذَا وَكَذَا سَنَةً مَا طَافَ حَتَّى أَطُوفَ (3)} وهذا هو المعتمد عند الشافعية الحنفية والمالكية.
الباب الثاني نصوص المحدّثين في المسألة:
وهذه بعض النصوص التي صدرت عن المحدِّثين كما جاء ذلك في مصنفاتهم، حيث أجمعوا على مشروعية الإتيان بلفظ؛ (سيدنا) قبل اسمه الشريف صلى الله عليه وسلم، حتى في العبادات كالصلاة والأذان والإقامة وأن ذِكْر السيادة خير مِن تركه؛
__________
(1) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب (الأذان) باب (من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول) حديث (643)، ومسلم في كتاب (الصلاة) باب (تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام) حديث (639)، من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
(2) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4/ 324) من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم رضي الله عنهما.
(3) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في كتاب (الفضائل) باب (ما ذكر في فضل عثمان بن عفان) حديث (24)، وابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3300) حديث (18596) من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
الحافظ إسحاق بن راهويه الحنظلي (1)
نقل الإمام الحافظ أبو بكر بن المنذر النيسابوري [ت319هـ] استحباب تسويد النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة، وذلك في كتابه (الأوسط في السُّنَن والإجماع والاختلاف) فقال: وقال إسحاق: إذا كبَّر الثانية صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وأحبُّ الصلاة إلينا على النبي صلى الله عليه وسلم ما وصفه ابن مسعود؛ لأنه أجمل ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أن يقول: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلاتَكَ وَبَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ عَلَى إِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَسَيِّد الْمُرْسَلِينَ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّين (2) وهذا النقل الذي رواه لنا حافظان جليلان يدل على أن ذكر السيادة في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم داخلَ الصلاة وخارجَها كان أمْرًا معهودًا عند السلف الصالح، ولو كان في ذلك شيء من البدعة أو مخالفة الهدي النبوي لسارعوا إلى إنكاره، وعلى ذلك فدعوى بدعية تسويد المصطفى صلى الله عليه وسلم في الصلاة وغيرها هي في الحقيقة ضَرْبٌ من التنطع المذموم المنافي لمنهج السلف الصالح رضوان الله تعالى عنهم.
الحافظ عبد الرزاق :
روى الحافظ عبد الرزاق في مصنفه عن أيوب وجابر الجعفي قالا: من قال عند الإقامة: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، أعط سيدنا محمداً الوسيلة، وارفع له الدرجات، حقت له الشفاعة على النبي صلى الله عليه وسلم (3).
وأنت تعلم أن الإقامة عبادة متعلقة بالصلاة، وجاء فيها لفظ السيادة صريحا.
__________
(1) الإمام الحافظ المجتهد أمير المؤمنين في الحديث [ت238هـ]
(2) الأوسط: (5/ 443).
(3) مصنف الحافظ عبد الرزاق (1/ 496).
نقل الإمام الحافظ أبو بكر بن المنذر النيسابوري [ت319هـ] استحباب تسويد النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة، وذلك في كتابه (الأوسط في السُّنَن والإجماع والاختلاف) فقال: وقال إسحاق: إذا كبَّر الثانية صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وأحبُّ الصلاة إلينا على النبي صلى الله عليه وسلم ما وصفه ابن مسعود؛ لأنه أجمل ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أن يقول: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلاتَكَ وَبَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ عَلَى إِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَسَيِّد الْمُرْسَلِينَ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّين (2) وهذا النقل الذي رواه لنا حافظان جليلان يدل على أن ذكر السيادة في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم داخلَ الصلاة وخارجَها كان أمْرًا معهودًا عند السلف الصالح، ولو كان في ذلك شيء من البدعة أو مخالفة الهدي النبوي لسارعوا إلى إنكاره، وعلى ذلك فدعوى بدعية تسويد المصطفى صلى الله عليه وسلم في الصلاة وغيرها هي في الحقيقة ضَرْبٌ من التنطع المذموم المنافي لمنهج السلف الصالح رضوان الله تعالى عنهم.
الحافظ عبد الرزاق :
روى الحافظ عبد الرزاق في مصنفه عن أيوب وجابر الجعفي قالا: من قال عند الإقامة: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، أعط سيدنا محمداً الوسيلة، وارفع له الدرجات، حقت له الشفاعة على النبي صلى الله عليه وسلم (3).
وأنت تعلم أن الإقامة عبادة متعلقة بالصلاة، وجاء فيها لفظ السيادة صريحا.
__________
(1) الإمام الحافظ المجتهد أمير المؤمنين في الحديث [ت238هـ]
(2) الأوسط: (5/ 443).
(3) مصنف الحافظ عبد الرزاق (1/ 496).
الإمام الطحاوي :
وروى الإمام الطحاوي بسنده الى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ قَالَ: " اللهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاة الْقَائِمَةِ أَعْطِ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ , وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدْتَهُ.
وهذا نص مروي لنا عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شخصياً فيه لفظ السيادة، وذلك من خلال إجابة المؤذن.
الباب الثالث أقوال فقهاء المذاهب
أعرض تالياً آراء فقهاء المذاهب الفقهية في هذه المسألة مبتدئا بأقدمهم زمناً وهو مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه؛
السادة الأحناف
العلامة نجم الدين علي بن داود القحفازي
وهو من أجلاء علماء الأحناف، وشيخ أهل دمشق في عصره، [ت745هـ] فذكر الحافظ السخاوي أنه كان يفتي بذلك (1).
العلامة علاء الدين الحَصْكَفي
قال رحمه الله: ونُدِبَ السيادةُ؛ لأن زيادة الإخبار بالواقع عَينُ سلوك الأدب؛ فهو أفضل مِن تركه، ذكره الرملي الشافعي وغيره، وما نُقِل؛ (لا تُسَيدُونِي في الصَّلاةِ) فكذِبٌ، وقولُهم "لا تُسَيِّدُوني" بالياء لحنٌ أيضًا، والصواب بالواو (2).
العلامة محمد أمين ابن عابدين
قال رحمه الله: وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِنَا؛ لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ الإِمَامِ مِنْ أنَهُ لَوْ زَادَ فِي تَشَهُّدِهِ أَوْ نَقَصَ فِيهِ كَانَ مَكْرُوهًا.
__________
(1) القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع ص (226).
(2) الدر المختار شرح تنوير الأبصار (1/ 513).
وروى الإمام الطحاوي بسنده الى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ قَالَ: " اللهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاة الْقَائِمَةِ أَعْطِ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ , وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدْتَهُ.
وهذا نص مروي لنا عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شخصياً فيه لفظ السيادة، وذلك من خلال إجابة المؤذن.
الباب الثالث أقوال فقهاء المذاهب
أعرض تالياً آراء فقهاء المذاهب الفقهية في هذه المسألة مبتدئا بأقدمهم زمناً وهو مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه؛
السادة الأحناف
العلامة نجم الدين علي بن داود القحفازي
وهو من أجلاء علماء الأحناف، وشيخ أهل دمشق في عصره، [ت745هـ] فذكر الحافظ السخاوي أنه كان يفتي بذلك (1).
العلامة علاء الدين الحَصْكَفي
قال رحمه الله: ونُدِبَ السيادةُ؛ لأن زيادة الإخبار بالواقع عَينُ سلوك الأدب؛ فهو أفضل مِن تركه، ذكره الرملي الشافعي وغيره، وما نُقِل؛ (لا تُسَيدُونِي في الصَّلاةِ) فكذِبٌ، وقولُهم "لا تُسَيِّدُوني" بالياء لحنٌ أيضًا، والصواب بالواو (2).
العلامة محمد أمين ابن عابدين
قال رحمه الله: وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِنَا؛ لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ الإِمَامِ مِنْ أنَهُ لَوْ زَادَ فِي تَشَهُّدِهِ أَوْ نَقَصَ فِيهِ كَانَ مَكْرُوهًا.
__________
(1) القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع ص (226).
(2) الدر المختار شرح تنوير الأبصار (1/ 513).
قُلْت:
فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ الصَّلاةَ زَائِدَةٌ عَلَى التَّشَهُّدِ لَيْسَتْ
مِنْهُ، نَعَمْ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا عَدَمُ ذِكْرِهَا فِي "وَأَشْهَدُ
أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ" وَأَنه يَأتِي بِهَا مَعَ
إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ" (1).
العلامة الطحطاوي
قال رحمه الله: قوله: (ونُدِب) ظاهرُ الشرحِ طَلَبُها في نبيِّنا وأبيه الخليل عليهما الصلاة والسلام لاشتراكهما فيها، ولا يَخفَى أن هذه الزيادةَ مستحبةٌ كما قال الحلبي.
وقوله: (نقله الرملي) فيه أنه ليس من أهل المذهب، اللهم إلا أن يُقال إن مثل هذا لا يُختَلَفُ فيه" (23) اهـ
السادة المالكية
الإمام ابن عطاء الله السكندري
قال رضي الله عنه: (وإيَّاك أن تترك لفظ السيادة؛ ففيها سِرٌّ يظهر لِمَن لازم هذه العبادة (2).
الإمام أبو عبد الله الأُبِّيُّ
قال رحمه الله: (وما يُستَعمَل من لفظ "السيد" و"المَولَى" حَسَنٌ وإن لم يَرِدْ، والمستَنَد فيه ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: {أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ}، واتفق أن طالبًا يُدعَى بابن غمرين قال: لا يُزاد في الصلاة "على سيدنا"، قال: لأنه لم يَرِد، وإنما يُقال "على محمَّد"، فنقمها عليه الطلبة، وبلغ الأمر إلى القاضي ابن عبد السلام، فأرسل وراءه الأعوان، فتخفَّى مدةً ولم يخرج، حتى شفع فيه حاجب الخليفة حينئذ فخلَّى عنه، وكأنه رأى أن تغيُّبه تلك المدة هي عقوبته (3). الإمام الوَنْشَرِيسي
قال رحمه الله: وسُئِل سيدي قاسم العقباني رحمه الله: هل يجوز أن يُقال: (اللهم صلِّ على سيدنا محمَّد) أم لا؟
__________
(1) حاشيته رد المحتار على الدر المختار (1/ 514).
(2) مفتاح الفلاح: ص (76).
(3) إكمال إكمال المعلم، باب (كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) (2/ 165).
العلامة الطحطاوي
قال رحمه الله: قوله: (ونُدِب) ظاهرُ الشرحِ طَلَبُها في نبيِّنا وأبيه الخليل عليهما الصلاة والسلام لاشتراكهما فيها، ولا يَخفَى أن هذه الزيادةَ مستحبةٌ كما قال الحلبي.
وقوله: (نقله الرملي) فيه أنه ليس من أهل المذهب، اللهم إلا أن يُقال إن مثل هذا لا يُختَلَفُ فيه" (23) اهـ
السادة المالكية
الإمام ابن عطاء الله السكندري
قال رضي الله عنه: (وإيَّاك أن تترك لفظ السيادة؛ ففيها سِرٌّ يظهر لِمَن لازم هذه العبادة (2).
الإمام أبو عبد الله الأُبِّيُّ
قال رحمه الله: (وما يُستَعمَل من لفظ "السيد" و"المَولَى" حَسَنٌ وإن لم يَرِدْ، والمستَنَد فيه ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: {أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ}، واتفق أن طالبًا يُدعَى بابن غمرين قال: لا يُزاد في الصلاة "على سيدنا"، قال: لأنه لم يَرِد، وإنما يُقال "على محمَّد"، فنقمها عليه الطلبة، وبلغ الأمر إلى القاضي ابن عبد السلام، فأرسل وراءه الأعوان، فتخفَّى مدةً ولم يخرج، حتى شفع فيه حاجب الخليفة حينئذ فخلَّى عنه، وكأنه رأى أن تغيُّبه تلك المدة هي عقوبته (3). الإمام الوَنْشَرِيسي
قال رحمه الله: وسُئِل سيدي قاسم العقباني رحمه الله: هل يجوز أن يُقال: (اللهم صلِّ على سيدنا محمَّد) أم لا؟
__________
(1) حاشيته رد المحتار على الدر المختار (1/ 514).
(2) مفتاح الفلاح: ص (76).
(3) إكمال إكمال المعلم، باب (كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) (2/ 165).
فأجاب:
الصلاة على سيدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم من أفضل العبادات، ومن معنى
الوارد في الذكر؛ لأن ذِكْرَه صلى الله عليه وسلم يقارنه أبدًا في القلب
وفي اللسان ذِكْرُ مولانا جل جلالُه، وأفضل الأذكار ما جيءَ به على الوجه
الذي وَصَفَه صاحب الشريعة، ولكن ذِكْر نبيِّنا صلى الله عليه وسلم
بالسيادة وما أشبهها من الصفات التي تدل على التعزير والتوقير ليس بممنوع،
بل هو زيادة عبادة وإيمان، لاسيما بعد ثبوت {أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ}
إذ ذكرُه صلى الله عليه وسلم بـ: (سيدنا) بعد ورود هذا الخبر إيمان بهذا
الخبر، وكلُّ تصديق بما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم فهو إيمان
وعبادة، والله الموفق بفضله).
(وأجاب سيدي عبد الله العبدوسي عن مثل هذه فقال: ينبغي أن لا يزاد فيها ولا يُنقص منها، فإن زاد فيها (سيدنا) و (مولانا) فجائز؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أتَى بها تعليمًا لهم حين قالوا له: إن الله سبحانه أمرنا أن نصلِّي عليك، فكيف نصلِّي عليك؟ وأما الصلاة المرتجَلة التي لم تَرِد بلفظه فتزيد فيها؛ (سيدنا ومولانا محمد) إذ هو سيدنا ومولانا صلى الله عليه وسلم، وقد نصَّ على هذه المسألة بعينها الإمام الباخلي في (شرح الحزب الصغير) للقطب سيدنا ومولانا أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه، وبالله التوفيق (1).
__________
(1) المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب (11/ 81) للإمام العلامة أحمد بن يحيى الونشريسي.
(وأجاب سيدي عبد الله العبدوسي عن مثل هذه فقال: ينبغي أن لا يزاد فيها ولا يُنقص منها، فإن زاد فيها (سيدنا) و (مولانا) فجائز؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أتَى بها تعليمًا لهم حين قالوا له: إن الله سبحانه أمرنا أن نصلِّي عليك، فكيف نصلِّي عليك؟ وأما الصلاة المرتجَلة التي لم تَرِد بلفظه فتزيد فيها؛ (سيدنا ومولانا محمد) إذ هو سيدنا ومولانا صلى الله عليه وسلم، وقد نصَّ على هذه المسألة بعينها الإمام الباخلي في (شرح الحزب الصغير) للقطب سيدنا ومولانا أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه، وبالله التوفيق (1).
__________
(1) المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب (11/ 81) للإمام العلامة أحمد بن يحيى الونشريسي.
الإمام الحطَّاب المالكي
قال رحمه الله بعد أن نقل ما سبق عن الأُبِّي: (وذكر البرزلي عن بعضهم أنه أنكر أن يقولها -يعني لفظ السيد- أحدٌ، ثم قال: وهذا إن صح عنه غاية الجهل، قال: واختار شيخ شيوخنا المجد اللغوي صاحب القاموس ترك ذلك في الصلاة؛ اتِّباعًا لِلَفظ الحديث، والإتيانَ به في غير الصلاة، وذكر الحافظ السخاوي في "القول البديع" كلامَه، وذكر عن ابن مفلح الحنبلي نحو ذلك، وذَكَرَ عن الشَّيخِ عِزِّ الدِّينِ ابنِ عبدِ السَّلامِ أَنَّ الإتيانَ بها في الصَّلاةِ يَنبَنِي على الخِلافِ: هل الأَولَى امتِثالُ الأَمرِ أو سُلُوكُ الأَدَبِ؟ قُلت: واَلذي يَظهَرُ لي وأَفعَلُه في الصَّلاةِ وغيرِها الإتيانُ بلَفظِ "السَّيِّدِ (1).
الإمام أبو عبد الله محمد العربي بن أحمد بردله
قال رحمه الله في نوازله تعقيبًا على كلام الإمام الحطّاب: (والذي اختاره الشيخ الحطَّاب هو ما عليه الناس (2).
الإمام محمد المهدي الفاسي
قال رحمه الله: (الصحيح جواز الإتيان بلفظ؛ (السيد) و (المولَى) ونحوهما مما يقتضي التشريف والتوقير والتعظيم في الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإيثار ذلك على تركه، ويُقال في الصلاة وغيرها إلا حيث تُعُبِّد بلفظ ما رُوِيَ فيُقتَصَر على ما تُعُبِّد به، أو في الرواية -يعني في حكايتها- فيؤتَى بها على وجهها).
(وقال البرزلي: ولا خلاف أن كل ما يقتضي التشريف والتوقير والتعظيم في حقه عليه الصلاة والسلام أنه يقال بألفاظ مختلفة، حتى بلّغها ابن العربي مائة فأكثر (3).
__________
(1) مواهب الجليل شرح مختصر خليل (1/ 20).
(2) انظر تشنيف الآذان للعلامة أحمد بن الصديق الغماري: ص (37).
(3) مطالع المسرات بجلاء دلائل الخيرات: ص (170)
قال رحمه الله بعد أن نقل ما سبق عن الأُبِّي: (وذكر البرزلي عن بعضهم أنه أنكر أن يقولها -يعني لفظ السيد- أحدٌ، ثم قال: وهذا إن صح عنه غاية الجهل، قال: واختار شيخ شيوخنا المجد اللغوي صاحب القاموس ترك ذلك في الصلاة؛ اتِّباعًا لِلَفظ الحديث، والإتيانَ به في غير الصلاة، وذكر الحافظ السخاوي في "القول البديع" كلامَه، وذكر عن ابن مفلح الحنبلي نحو ذلك، وذَكَرَ عن الشَّيخِ عِزِّ الدِّينِ ابنِ عبدِ السَّلامِ أَنَّ الإتيانَ بها في الصَّلاةِ يَنبَنِي على الخِلافِ: هل الأَولَى امتِثالُ الأَمرِ أو سُلُوكُ الأَدَبِ؟ قُلت: واَلذي يَظهَرُ لي وأَفعَلُه في الصَّلاةِ وغيرِها الإتيانُ بلَفظِ "السَّيِّدِ (1).
الإمام أبو عبد الله محمد العربي بن أحمد بردله
قال رحمه الله في نوازله تعقيبًا على كلام الإمام الحطّاب: (والذي اختاره الشيخ الحطَّاب هو ما عليه الناس (2).
الإمام محمد المهدي الفاسي
قال رحمه الله: (الصحيح جواز الإتيان بلفظ؛ (السيد) و (المولَى) ونحوهما مما يقتضي التشريف والتوقير والتعظيم في الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإيثار ذلك على تركه، ويُقال في الصلاة وغيرها إلا حيث تُعُبِّد بلفظ ما رُوِيَ فيُقتَصَر على ما تُعُبِّد به، أو في الرواية -يعني في حكايتها- فيؤتَى بها على وجهها).
(وقال البرزلي: ولا خلاف أن كل ما يقتضي التشريف والتوقير والتعظيم في حقه عليه الصلاة والسلام أنه يقال بألفاظ مختلفة، حتى بلّغها ابن العربي مائة فأكثر (3).
__________
(1) مواهب الجليل شرح مختصر خليل (1/ 20).
(2) انظر تشنيف الآذان للعلامة أحمد بن الصديق الغماري: ص (37).
(3) مطالع المسرات بجلاء دلائل الخيرات: ص (170)
العلامة النفراوي
قال رحمه الله: (وَعَبَّرَ بـ: سَيِّدِنَا إشَارَةً إلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلاةِ وَغَيْرِهَا (1).
الإمام أبو العباس أحمد بن قاسم البوني
قال كتابه في آداب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: (ومنها: إذا مرَّ في صلاته عليه صلى الله عليه وسلم على اسم (محمَّد) صلى الله عليه وسلم في بعض الكيفيات مجرَّدًا عن السيادة فليزد لفظ السيادة بلسانه فقط؛ فذلك هو الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الكتابة فإنها تابعة للرواية من غير زيادة ولا نقصان، اتفق الصوفية على ذلك في القرن الثالث، ووافقهم العلماء عليه، وقالوا: يختص النبي صلى الله عليه وسلم بذلك دون سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: {أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ}، ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم: سيِّد ... وسيادتُه صلى الله عليه وسلم أجلى وأظهر وأوضح من أن يُستَدَلَّ عليها؛ فهو سيد العالم بأسره من غير تقييد ولا تخصيص وفي الدنيا وفي الآخرة، وإنما قال في الحديث: {أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَة} لظهور انفراده بالسؤدد والشفاعة فيه عن غيره حين يلجأ إليه الناس في ذلك فلا يجدون سواه، وجميع الخلائق مجتمعون أوَّلُهم وآخرُهم وإِنْسُهُم وجِنُّهُم وبينهم الأنبياء والمرسلون، وتلك الدارُ دارُ الدوام والبقاء، فهي المعتبَرة، وقد كان صلى الله عليه وسلم معلومًا بالسيادة نسبًا وطبعًا وخلقًا وأدبًا إلى غير ذلك من المكارم والمفاخر قبل ظهوره بالنبوة، يعرف ذلك مَن اعتنى بالسير وتعرف أخلاقه من الصغر إلى الكبر صلوات الله عليه وسلامه ...
__________
(1) الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/ 7).
قال رحمه الله: (وَعَبَّرَ بـ: سَيِّدِنَا إشَارَةً إلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلاةِ وَغَيْرِهَا (1).
الإمام أبو العباس أحمد بن قاسم البوني
قال كتابه في آداب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: (ومنها: إذا مرَّ في صلاته عليه صلى الله عليه وسلم على اسم (محمَّد) صلى الله عليه وسلم في بعض الكيفيات مجرَّدًا عن السيادة فليزد لفظ السيادة بلسانه فقط؛ فذلك هو الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الكتابة فإنها تابعة للرواية من غير زيادة ولا نقصان، اتفق الصوفية على ذلك في القرن الثالث، ووافقهم العلماء عليه، وقالوا: يختص النبي صلى الله عليه وسلم بذلك دون سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: {أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ}، ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم: سيِّد ... وسيادتُه صلى الله عليه وسلم أجلى وأظهر وأوضح من أن يُستَدَلَّ عليها؛ فهو سيد العالم بأسره من غير تقييد ولا تخصيص وفي الدنيا وفي الآخرة، وإنما قال في الحديث: {أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَة} لظهور انفراده بالسؤدد والشفاعة فيه عن غيره حين يلجأ إليه الناس في ذلك فلا يجدون سواه، وجميع الخلائق مجتمعون أوَّلُهم وآخرُهم وإِنْسُهُم وجِنُّهُم وبينهم الأنبياء والمرسلون، وتلك الدارُ دارُ الدوام والبقاء، فهي المعتبَرة، وقد كان صلى الله عليه وسلم معلومًا بالسيادة نسبًا وطبعًا وخلقًا وأدبًا إلى غير ذلك من المكارم والمفاخر قبل ظهوره بالنبوة، يعرف ذلك مَن اعتنى بالسير وتعرف أخلاقه من الصغر إلى الكبر صلوات الله عليه وسلامه ...
__________
(1) الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/ 7).
ثم
قال: وفي عمدة المريد للشيخ إبراهيم اللقاني على الجوهرة له قال أستاذنا:
ولا خلاف في استعمال السيد فيه عليه الصلاة والسلام واستحبابه في غير
الصلاة، وإنما الخلاف في استعماله في الصلاة: فكَرِهَه قومٌ، وأجازه آخرون،
وقضية صنيع ابن عبد السلام استحبابه، وسُئِل عن ذلك المحقق المحلي، فأجاب
بأن الأدب مع من ذُكِر مطلوبٌ - يعني أنه مستحَبٌّ - وأشار إلى أن ذلك
يخَرَّج على قاعدتين فيما إذا تعارضتا فأيتهما تقدم: امتثال الأمر؛ عملاً
بقوله صلى الله عليه وسلم: {صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي (1)}،
والثانية سلوك الأدب؛ حيث تأخَّرَ عن المحراب أبو بكر الصديق رضي الله عنه
مع قول النبي صلى الله عليه وسلم له {مَكَانَك} فتأخَّر، وهذه الطريقة هي
الراجحة، وبها أخَذَ ابن عبد السلام وابن جماعة الشافعيان وابن عبد السلام
المالكي.
وحديث: لا تسودوني في الصلاة، لا أصل له كما قاله الجلال، قال بعضهم: ولو ورد أمكن تأويله (2).
__________
(1) جزء من حديث أخرجه البخاري في كتاب (الأذان) حديث (631)، وفي كتاب (الأدب) حديث (6008).
(2) تشنيف الآذان للعلامة أحمد بن الصديق الغماري ص (43).
وحديث: لا تسودوني في الصلاة، لا أصل له كما قاله الجلال، قال بعضهم: ولو ورد أمكن تأويله (2).
__________
(1) جزء من حديث أخرجه البخاري في كتاب (الأذان) حديث (631)، وفي كتاب (الأدب) حديث (6008).
(2) تشنيف الآذان للعلامة أحمد بن الصديق الغماري ص (43).
الشيخ أبو العباس أحمد بن صالح النفجروتي الدرعي
قال رحمه الله: (وانظر هل يجوز لأحد أن يزيد لفظ السيادة قبل محمد أو لا؟ فيقتصر على لفظ محمَّد خاصة كما ورد في الحديث ... وكنت أزيدها حيث صليت عليه وأستحي أن أذكر اسم محمد خاصة دون لفظ السيادة وأستثقله كثيرًا، مع أني لم أَرَ من ذكرها من الأئمة المقتدَى بهم، ثم خفت بعد ذلك هل يُقبَل مني ذلك لكوني أزيد ما لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم ولا ذَكَرَهُ أحدٌ من الأئمة، حتى وقفت على كلام الإمام البرزلي رحمه الله في المسائل التي أنكرها أبو عمر الرجراجي على أهل تونس، فذكر منها هذه المسألة، ونصه في المسألة السابعة: ومما سُمِع أيضًا منه أنه قال ـ وأمر به ـ: لا يقُل أحدكم: اللَّهُمَّ صلِّ علَى سيِّدنا محمَّد"؛ لأنه ما ورد في الحديث إلا "اللَّهُمَّ صلِّ علَى محمَّد"، وهذه غاية الجهل؛ لأنه خرج منه صلى الله عليه وسلم مخرج التعليم للصلاة عليه لا لقصد لفظه، بل لَمَّا افتُقِر إلى معرفة منزلته قال: {أنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْر}، وقوله: {آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْض (1)، ولا خلاف أن كل ما يقتضي التشريف والتوقير والتعظيم في حقِّه عليه الصلاة والسلام أنه يقال بألفاظ مختلفة حتى بلغها ابن العربي مائة فأكثر، وقد وقعت في قضاء ابن عبد السلام، وهو أن رجلاً ينتحل الطلب فقال: من قال: (سيدنا محمَّد) في الصلاة بطلت صلاتُه، فرُفعَت قضيتُه للقاضي ابن عبد السلام فوقع الطلب عليه، واستخفى ستة أشهر حتى شفع فيه للقاضي فعفا عنه، وموجبه الجهل بحقائق الأشياء. اهـ كلام الإمام البرزلي.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده (1/ 281) حديث (2546) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، والترمذي في كتاب (تفسير القرآن) حديث (3148) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه واللفظ له.
قال رحمه الله: (وانظر هل يجوز لأحد أن يزيد لفظ السيادة قبل محمد أو لا؟ فيقتصر على لفظ محمَّد خاصة كما ورد في الحديث ... وكنت أزيدها حيث صليت عليه وأستحي أن أذكر اسم محمد خاصة دون لفظ السيادة وأستثقله كثيرًا، مع أني لم أَرَ من ذكرها من الأئمة المقتدَى بهم، ثم خفت بعد ذلك هل يُقبَل مني ذلك لكوني أزيد ما لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم ولا ذَكَرَهُ أحدٌ من الأئمة، حتى وقفت على كلام الإمام البرزلي رحمه الله في المسائل التي أنكرها أبو عمر الرجراجي على أهل تونس، فذكر منها هذه المسألة، ونصه في المسألة السابعة: ومما سُمِع أيضًا منه أنه قال ـ وأمر به ـ: لا يقُل أحدكم: اللَّهُمَّ صلِّ علَى سيِّدنا محمَّد"؛ لأنه ما ورد في الحديث إلا "اللَّهُمَّ صلِّ علَى محمَّد"، وهذه غاية الجهل؛ لأنه خرج منه صلى الله عليه وسلم مخرج التعليم للصلاة عليه لا لقصد لفظه، بل لَمَّا افتُقِر إلى معرفة منزلته قال: {أنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْر}، وقوله: {آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْض (1)، ولا خلاف أن كل ما يقتضي التشريف والتوقير والتعظيم في حقِّه عليه الصلاة والسلام أنه يقال بألفاظ مختلفة حتى بلغها ابن العربي مائة فأكثر، وقد وقعت في قضاء ابن عبد السلام، وهو أن رجلاً ينتحل الطلب فقال: من قال: (سيدنا محمَّد) في الصلاة بطلت صلاتُه، فرُفعَت قضيتُه للقاضي ابن عبد السلام فوقع الطلب عليه، واستخفى ستة أشهر حتى شفع فيه للقاضي فعفا عنه، وموجبه الجهل بحقائق الأشياء. اهـ كلام الإمام البرزلي.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده (1/ 281) حديث (2546) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، والترمذي في كتاب (تفسير القرآن) حديث (3148) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه واللفظ له.
ثم رأيتُ أيضًا لبعض الشُّرَّاح: ويجوز أن يُقال: صلى الله على سيدنا؛ لأنه سيد الأولين والآخرين اهـ.
ثم وقفت أيضًا على كلام الإمام ابن عطاء الله رضي الله عنه في كتابه المسمَّى (مفتاح الفلاح) ونَصُّه لما تكلم على ذكر الصلاة التامة قال: وإيَّاك أن تترك لفظ "السيادة"؛ ففيها سِرٌّ يظهر لمن لازم هذه العبادة. اهـ فزال عني ـ والحمد لله ـ ما كنت أخاف منه (1).
الإمام عبد الله الخياط الهاروشي
قال رحمه الله: (والذي جرى عليه عمل الأئمة زيادة السيادة في غير الوارد وتركها فيما ورد؛ اتباعًا للفظ فرارًا من الزيادة فيه؛ لكونه خرج مخرج التعليم، ووقوفًا عند ما حُدَّ لهم، وعلى هذا درج صاحب (دلائل الخيرات) رضي الله عنه وغيره؛ فإنما أثبت اللفظ الوارد من غير زيادة السيادة وزادها في غير الوارد، لكن هذا بحسب الوضع في الخط، وأما من حيث الأداء فالأَوْلَى أن لا تَعرَى عنها في الوارد وغيره.
سُئِل شيخنا العياشي حفظه الله عن زيادة السيادة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السيادة عبادة، قلتُ: وهو بَيِّنٌ؛ لأن المصلي إنما يقصد بصلاتِه تعظيمَه صلى الله عليه وسلم، فلا معنَى حينئذٍ لترك التسويد؛ إذ هو عين التعظيم، وفي الحِكَم: ما الشأن وجودُ الطلب، وإنما الشأن أن تُرزَق حسن الأدب {لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} (الفتح: 9) (2) اهـ
السادة الشافعية:
العلامة الجلال المحلي
قال رحمه الله: (الأدب مع مَن ذكِرَ مطلوبٌ شرعًا بذكر السيد؛ ففي حديث الصحيحين: {قُومُوا إِلَى سَيِّدِكم (3)}
__________
(1) انظر: تشنيف الآذان للعلامة أحمد بن الصديق الغماري: ص (31).
(2) سعادة الدارين في الصلاة على سيد الكونين للنيهاني ص (11).
(3) أخرجه البخاري في كتاب (المناقب) حديث (3804)، ومسلم في كتاب (الجهاد والسير) حديث (1768).
ثم وقفت أيضًا على كلام الإمام ابن عطاء الله رضي الله عنه في كتابه المسمَّى (مفتاح الفلاح) ونَصُّه لما تكلم على ذكر الصلاة التامة قال: وإيَّاك أن تترك لفظ "السيادة"؛ ففيها سِرٌّ يظهر لمن لازم هذه العبادة. اهـ فزال عني ـ والحمد لله ـ ما كنت أخاف منه (1).
الإمام عبد الله الخياط الهاروشي
قال رحمه الله: (والذي جرى عليه عمل الأئمة زيادة السيادة في غير الوارد وتركها فيما ورد؛ اتباعًا للفظ فرارًا من الزيادة فيه؛ لكونه خرج مخرج التعليم، ووقوفًا عند ما حُدَّ لهم، وعلى هذا درج صاحب (دلائل الخيرات) رضي الله عنه وغيره؛ فإنما أثبت اللفظ الوارد من غير زيادة السيادة وزادها في غير الوارد، لكن هذا بحسب الوضع في الخط، وأما من حيث الأداء فالأَوْلَى أن لا تَعرَى عنها في الوارد وغيره.
سُئِل شيخنا العياشي حفظه الله عن زيادة السيادة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السيادة عبادة، قلتُ: وهو بَيِّنٌ؛ لأن المصلي إنما يقصد بصلاتِه تعظيمَه صلى الله عليه وسلم، فلا معنَى حينئذٍ لترك التسويد؛ إذ هو عين التعظيم، وفي الحِكَم: ما الشأن وجودُ الطلب، وإنما الشأن أن تُرزَق حسن الأدب {لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} (الفتح: 9) (2) اهـ
السادة الشافعية:
العلامة الجلال المحلي
قال رحمه الله: (الأدب مع مَن ذكِرَ مطلوبٌ شرعًا بذكر السيد؛ ففي حديث الصحيحين: {قُومُوا إِلَى سَيِّدِكم (3)}
__________
(1) انظر: تشنيف الآذان للعلامة أحمد بن الصديق الغماري: ص (31).
(2) سعادة الدارين في الصلاة على سيد الكونين للنيهاني ص (11).
(3) أخرجه البخاري في كتاب (المناقب) حديث (3804)، ومسلم في كتاب (الجهاد والسير) حديث (1768).
أي:
سعد بن معاذ، وسيادتُه بالعِلْم والدين، وقول المصلِّي "اللهم صَلِّ على
سيدنا محمَّد" فيه الإتيان بما أُمِرنا به وزيادةُ الإخبار بالواقع الذي هو
أدب، فهو أفضل مِن تركه فيما يظهر من الحديث السابق، وإن تردد في أفضليته
الشيخ جمال الدين الإسنوي، وذَكَر أنَّ في حفظه قديمًا أنَّ الشيخ ابن عبد
السلام بناه على أن الأفضل سلوك الأدب أو امتثال الأمر، وأما حديث "لا
تُسَيِّدُوني في الصلاة" فباطل لا أصل له كما قاله بعض متأخري الحفاظ (1)
اهـ.
الإمام الشهاب أحمد الرملي
قال رحمه الله: (قال ابن ظهيرة: الأفضل الإتيان بلفظ السيادة كما صرح به جمع، وبه أفتى الجلال المحلي جازمًا به، قال: لأن فيه الإتيان بما أُمِرْنا به وزيادة الإخبار بالواقع الذي هو أدب؛ فهو أفضل مِن تركه، وإن تردد في أفضليته الإسنوي اهـ وحديث (لا تسيدوني في الصلاة) باطل لا أصل له كما قاله بعض متأخري الحفاظ (2).
__________
(1) حاشية الرملي على أسنى المطالب شرح روض الطالب (1/ 166).
(2) حاشية الشهاب الرملي على أسنى المطالب شرح روض الطالب لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (1/ 66).
الإمام الشهاب أحمد الرملي
قال رحمه الله: (قال ابن ظهيرة: الأفضل الإتيان بلفظ السيادة كما صرح به جمع، وبه أفتى الجلال المحلي جازمًا به، قال: لأن فيه الإتيان بما أُمِرْنا به وزيادة الإخبار بالواقع الذي هو أدب؛ فهو أفضل مِن تركه، وإن تردد في أفضليته الإسنوي اهـ وحديث (لا تسيدوني في الصلاة) باطل لا أصل له كما قاله بعض متأخري الحفاظ (2).
__________
(1) حاشية الرملي على أسنى المطالب شرح روض الطالب (1/ 166).
(2) حاشية الشهاب الرملي على أسنى المطالب شرح روض الطالب لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (1/ 66).
العلامة ابن حجر الهيتمي
قال رحمه الله: (في زيادة سيدنا قبل محمد خلاف، فأما في الصلاة فقال المجد اللغوي: الظاهر أنه لا يقال؛ اقتصارًا على الوارد، وقال الإسنوي: في حفظي أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام بناه على أن الأفضل امتثال الأمر أو سلوك الأدب، فعلى الثاني يستحب اهـ، وهذا هو الذي مِلتُ إليه في "شرح الإرشاد" وغيره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لَمَّا جاء وأبو بكر رضي الله تعالى عنه يَؤُمُّ الناس، فتأخَّر، ثم أمره صلى الله عليه وسلم أن يثبت مكانه، فلم يَمتثل، ثم سأله بعد الفراغ من ذلك، فأبدى له أنه إِنما فعله تأدُّبًا بقوله: ما كان ينبغي لابن أَبِي قحافة أن يتقدَّم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقره صلى الله عليه وسلم على ذلك، وهذا فيه دليلٌ أيُّ دليلٍ على أن سلوك الأدب أَولى من امتثال الأمر الذي عُلِم من الآمر عدمُ الجزم بقضيته، ثم رأيتُ عن ابن تيمية أنه أفتى بتركها وأطال فيه، وأن بعض الشافعية والحنفية ردوا عليه وأطالوا في التشنيع عليه وهو حقيق بذلك، وورد عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا وموقوفًا وهو أصح: {أحسِنُوا الصَّلاةَ على نَبِيِّكم}، وذكر الكيفية وقال فيها: {على سَيِّدِ المُرسَلِين} وهو شاملٌ للصلاة وخارجها ... ثم قال: ووقع لبعضِ مَن كَتَبَ على الحاوِي أنه قال إن زيادة "سيدنا" مبطلة للصلاة، وهو غلط واضح فاجتنبه (1) اهـ.
الإمام زين الدين الملِّيباري
قال رحمه الله: (ولا بأس بزيادة سيدنا قبل محمد (2) اهـ.
__________
(1) الدر المنضود في الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود ص (56).
(2) فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين ص (1/ 201) ,
قال رحمه الله: (في زيادة سيدنا قبل محمد خلاف، فأما في الصلاة فقال المجد اللغوي: الظاهر أنه لا يقال؛ اقتصارًا على الوارد، وقال الإسنوي: في حفظي أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام بناه على أن الأفضل امتثال الأمر أو سلوك الأدب، فعلى الثاني يستحب اهـ، وهذا هو الذي مِلتُ إليه في "شرح الإرشاد" وغيره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لَمَّا جاء وأبو بكر رضي الله تعالى عنه يَؤُمُّ الناس، فتأخَّر، ثم أمره صلى الله عليه وسلم أن يثبت مكانه، فلم يَمتثل، ثم سأله بعد الفراغ من ذلك، فأبدى له أنه إِنما فعله تأدُّبًا بقوله: ما كان ينبغي لابن أَبِي قحافة أن يتقدَّم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقره صلى الله عليه وسلم على ذلك، وهذا فيه دليلٌ أيُّ دليلٍ على أن سلوك الأدب أَولى من امتثال الأمر الذي عُلِم من الآمر عدمُ الجزم بقضيته، ثم رأيتُ عن ابن تيمية أنه أفتى بتركها وأطال فيه، وأن بعض الشافعية والحنفية ردوا عليه وأطالوا في التشنيع عليه وهو حقيق بذلك، وورد عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا وموقوفًا وهو أصح: {أحسِنُوا الصَّلاةَ على نَبِيِّكم}، وذكر الكيفية وقال فيها: {على سَيِّدِ المُرسَلِين} وهو شاملٌ للصلاة وخارجها ... ثم قال: ووقع لبعضِ مَن كَتَبَ على الحاوِي أنه قال إن زيادة "سيدنا" مبطلة للصلاة، وهو غلط واضح فاجتنبه (1) اهـ.
الإمام زين الدين الملِّيباري
قال رحمه الله: (ولا بأس بزيادة سيدنا قبل محمد (2) اهـ.
__________
(1) الدر المنضود في الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود ص (56).
(2) فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين ص (1/ 201) ,
العلامة البكري أبو بكر عثمان الدمياطي
قال رحمه الله: (بل هي الأَوْلَى كما تقدَّم وأشهد أن محمَّدًا رسول الله"؛ فإنه قال: الأَوْلَى ذِكْر السيادة؛ لأن الأفضل سلوك الأدب، وحديث "لا تسودوني في صلاتكم باطل (1).
العلامة شمس الدين محمد الرملي
قال رحمه الله: (والأفضل الإتيان بلفظ السيادة، كما قاله ابن ظهيرة وصرَّح به جَمعٌ، وبه أفتى الشارح ـ يعني الجلال المحلي ـ لأن فيه الإتيان بما أُمِرنا به وزيادةَ الإخبارِ بالواقع الذي هو أدب، فهو أفضل مِنْ تَرْكِه، وإن تردد في أفضليته الإسنوي، وأما حديث (لا تسيدوني في الصلاة) فباطل لا أصل له كما قال بعض متأخري الحفاظ، وقول الطوسي إنها مبطلة غلط (2).
العلامة نور الدين علي الشَّبْرَامَلِّسِي
قال رحمه الله في حاشيته عليه: (قولُه: لأَنَّ فيه الإتيانَ ... إلَخ) يُؤخَذُ مِن هذا سَنُّ الإتيانِ بلَفظِ السِّيادةِ في الأَذانِ، وهو ظاهِرٌ؛ لأَنَّ المَقصُودَ تَعظِيمُه صلى الله عليه وسلم بوَصفِ السِّيادَةِ حيثُ ذُكِرَ، لا يُقالُ: لم يَرِد وَصفُهُ بالسِّيادةِ في الأَذانِ؛ لأَنا نَقُولُ: كذلكَ هنا، وإنَّما طُلِبَ وَصفَه بها للتَّشرِيفِ، وهو يَقتَضِي العُمُومَ في جَمِيعِ المَواضِعِ التي يُذكَرُ فيها اسمُه علَيه الصَّلاةُ والسَّلام (3).
__________
(1) إعانة الطالبين على حلِّ ألفاظ فتح المعين (1/ 198).
(2) نهاية المحتاج (1/ 530).
(3) المرجع السابق.
قال رحمه الله: (بل هي الأَوْلَى كما تقدَّم وأشهد أن محمَّدًا رسول الله"؛ فإنه قال: الأَوْلَى ذِكْر السيادة؛ لأن الأفضل سلوك الأدب، وحديث "لا تسودوني في صلاتكم باطل (1).
العلامة شمس الدين محمد الرملي
قال رحمه الله: (والأفضل الإتيان بلفظ السيادة، كما قاله ابن ظهيرة وصرَّح به جَمعٌ، وبه أفتى الشارح ـ يعني الجلال المحلي ـ لأن فيه الإتيان بما أُمِرنا به وزيادةَ الإخبارِ بالواقع الذي هو أدب، فهو أفضل مِنْ تَرْكِه، وإن تردد في أفضليته الإسنوي، وأما حديث (لا تسيدوني في الصلاة) فباطل لا أصل له كما قال بعض متأخري الحفاظ، وقول الطوسي إنها مبطلة غلط (2).
العلامة نور الدين علي الشَّبْرَامَلِّسِي
قال رحمه الله في حاشيته عليه: (قولُه: لأَنَّ فيه الإتيانَ ... إلَخ) يُؤخَذُ مِن هذا سَنُّ الإتيانِ بلَفظِ السِّيادةِ في الأَذانِ، وهو ظاهِرٌ؛ لأَنَّ المَقصُودَ تَعظِيمُه صلى الله عليه وسلم بوَصفِ السِّيادَةِ حيثُ ذُكِرَ، لا يُقالُ: لم يَرِد وَصفُهُ بالسِّيادةِ في الأَذانِ؛ لأَنا نَقُولُ: كذلكَ هنا، وإنَّما طُلِبَ وَصفَه بها للتَّشرِيفِ، وهو يَقتَضِي العُمُومَ في جَمِيعِ المَواضِعِ التي يُذكَرُ فيها اسمُه علَيه الصَّلاةُ والسَّلام (3).
__________
(1) إعانة الطالبين على حلِّ ألفاظ فتح المعين (1/ 198).
(2) نهاية المحتاج (1/ 530).
(3) المرجع السابق.
العلاّمة محمد بن علان البكري الصّدِّيقي
قال رحمه الله: (خاتمة): قال الإسنوي: اشتهر زيادة سيدنا قبل (محمَّد)، وفي كونه أفضل نظر، وفي حفظي أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام بناه على أن الأفضل سلوك الأدب أو امتثال الأمر؛ فعلى الأوَّل يُستَحب دون الثاني، وبِتَأَمُّل تَأَخُّر الصدِّيق رضي الله عنه لَمّا ائتم به صلى الله عليه وسلم مع قوله: {مكانك}، وكذا إقراره على ذلك، وامتناع علي رضي الله عنه في وقعة الحديبية من محوه لإسمه صلى الله عليه سلم مع أَمْرِه له بِمَحْوِه فقال: والله لا أمحوه، يُعلَم أن الأَولى سلوك الأدب، وهو متجه، وإن قال بعضهم: الأشبه الإتباع، ولا يُعرَف إسنادُ ذلك إلى أحد من السلف،
قال رحمه الله: (خاتمة): قال الإسنوي: اشتهر زيادة سيدنا قبل (محمَّد)، وفي كونه أفضل نظر، وفي حفظي أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام بناه على أن الأفضل سلوك الأدب أو امتثال الأمر؛ فعلى الأوَّل يُستَحب دون الثاني، وبِتَأَمُّل تَأَخُّر الصدِّيق رضي الله عنه لَمّا ائتم به صلى الله عليه وسلم مع قوله: {مكانك}، وكذا إقراره على ذلك، وامتناع علي رضي الله عنه في وقعة الحديبية من محوه لإسمه صلى الله عليه سلم مع أَمْرِه له بِمَحْوِه فقال: والله لا أمحوه، يُعلَم أن الأَولى سلوك الأدب، وهو متجه، وإن قال بعضهم: الأشبه الإتباع، ولا يُعرَف إسنادُ ذلك إلى أحد من السلف،
وإنكاره
صلى الله عليه وسلم على مَن خاطبه بذلك إنما هو لكونه ضم إليه ألفاظًا من
ألفاظ الجاهلية وتحياتهم كما يُعرف ذلك بمراجعة الحديث، وقد صحَّ حديث
{أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْر}، وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه
مرفوعًا وموقوفًا -وهو أصح- "أحسنوا الصلاة على نبيكم" وذكر كيفيةً منها:
{اللَّهُمَّ صَلِّ علَى سيِّدِ المرْسَلِين}، وحديث لا تسيدوني في الصلاة
موضوع، وقول بعض الشافعية: إن ذلك مُبطِل للصلاة غلطٌ فلا يُقال ينبغي
مراعاتُه، وفي شرح مسلم للأُبِّي: اتفق أن طالبًا قال: لا يُزاد في الصلاة
(سيدنا)؛ لأنه لم يَرِد، وإنما يُقال (اللهم صل على محمد)، فنقمها عليه
الطلبة، وبلغ الأمر إلى القاضي ابن عبد السلام، فأرسل وراءه الأعوان،
فاختفى مدة حتى شفع فيه حاجب الخليفة، فخلي عنه، وكأنه رأى أن تغيُّبه تلك
المدة عقوبته اهـ، قال بعض الأئمة المحققين من المتأخرين: قول المصلي
(اللهم صل على سيدنا محمد) فيه الإتيان بما أُمِرنا به وزيادة الإخبار
بالواقع الذي هو أدبٌ؛ فهو أفضل من تركه فيما يظهر من الحديث السابق، وإن
تردد في أفضليته الإسنوي اهـ، وبه يُرَدُّ ما وقع لصاحب القاموس ميلاً إلى
ما أطال به ابن تيمية وغيره في ذلك (1).
شيخ الإسلام البرهان إبراهيم الباجوري الشافعي
قال رحمه الله: (الأَولَى ذِكرُ السيادة؛ لأن الأفضل سلوك الأدب، خلافًا لمَن قال: الأَوْلَى ترك السيادة؛ اقتصارًا على الوارد، والمعتمَد الأول, وحديث "لا تُسَوِّدُوني في صلاتِكم" بالواو لا بالياء باطل (2).
وكُتُبُ الشافعية ممتلئة بأفضلية السيادة في الأذان والإقامة والتشهد- على تركها.
__________
(1) تشنيف الآذان ص (46).
(2) حاشية الباجوري على شرح ابن القاسم الغزي (1/ 162).
شيخ الإسلام البرهان إبراهيم الباجوري الشافعي
قال رحمه الله: (الأَولَى ذِكرُ السيادة؛ لأن الأفضل سلوك الأدب، خلافًا لمَن قال: الأَوْلَى ترك السيادة؛ اقتصارًا على الوارد، والمعتمَد الأول, وحديث "لا تُسَوِّدُوني في صلاتِكم" بالواو لا بالياء باطل (2).
وكُتُبُ الشافعية ممتلئة بأفضلية السيادة في الأذان والإقامة والتشهد- على تركها.
__________
(1) تشنيف الآذان ص (46).
(2) حاشية الباجوري على شرح ابن القاسم الغزي (1/ 162).
العلامة محمد بن علي الشوكاني
قال رحمه الله: وقد رُوِيَ عن ابن عبد السلام أنه جعله من باب سلوك الأدب، وهو مبني على أن سلوك طريق الأدب أحب مِن الامتثال، ويؤيده حديث أبي بكر حين أمره صلى الله عليه وسلم أن يثبت مكانه فلم يمتثل وقال: ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدَي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك امتناع علي عن محو اسم النبي صلى الله عليه وسلم مِن الصحيفة في صلح الحديبية بعد أن أمره بذلك، وقال: لا أمحو اسمَك أبدا، وكلا الحديثين في الصحيح؛ فتقريره صلى الله عليه وسلم لهما على الامتناع مِن امتثال الأمر تأدُّبًا مُشعِرٌ بأَولَوِيَّتِها (1) اهـ.
الباب الرابع الترجيح بين الأقوال
رأي المانعين:
رأى بعض العلماء أولوية الاقتصار في الألفاظ المتعبَّد بها على ما ورد؛ اتباعًا للّفظ الوارد وفِرارًا مِن الزيادة فيه، واحتجوا بعدم ورود ذلك عن الصحابة والتابعين والسلف الصالحين، وأن ذلك لو كان راجحًا لورد عنهم.
ومن هؤلاء العلماء ابن تيمية، وابن مفلح الحنبليان، والفيروزآبادي، والأذرعي، ورجحه الحافظ ابن حجر العسقلاني، وادَّعى بعض المتأخرين بِدعِيَّتَها وحرمتها كالسهسواني الهندي، والشيخ جمال الدين القاسمي.
ومن الفقهاء المتأخرين مَن مال إلى أفضلية ذِكْرها في التشهد وتَرْكها في الأذان من غير تحريم كما هو رأي الشريف أحمد بن المأمون البُلغيثي، والحافظ محمد بن جعفر الكتاني من المالكية.
__________
(1) نيل الأوطار (2/ 337).
قال رحمه الله: وقد رُوِيَ عن ابن عبد السلام أنه جعله من باب سلوك الأدب، وهو مبني على أن سلوك طريق الأدب أحب مِن الامتثال، ويؤيده حديث أبي بكر حين أمره صلى الله عليه وسلم أن يثبت مكانه فلم يمتثل وقال: ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدَي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك امتناع علي عن محو اسم النبي صلى الله عليه وسلم مِن الصحيفة في صلح الحديبية بعد أن أمره بذلك، وقال: لا أمحو اسمَك أبدا، وكلا الحديثين في الصحيح؛ فتقريره صلى الله عليه وسلم لهما على الامتناع مِن امتثال الأمر تأدُّبًا مُشعِرٌ بأَولَوِيَّتِها (1) اهـ.
الباب الرابع الترجيح بين الأقوال
رأي المانعين:
رأى بعض العلماء أولوية الاقتصار في الألفاظ المتعبَّد بها على ما ورد؛ اتباعًا للّفظ الوارد وفِرارًا مِن الزيادة فيه، واحتجوا بعدم ورود ذلك عن الصحابة والتابعين والسلف الصالحين، وأن ذلك لو كان راجحًا لورد عنهم.
ومن هؤلاء العلماء ابن تيمية، وابن مفلح الحنبليان، والفيروزآبادي، والأذرعي، ورجحه الحافظ ابن حجر العسقلاني، وادَّعى بعض المتأخرين بِدعِيَّتَها وحرمتها كالسهسواني الهندي، والشيخ جمال الدين القاسمي.
ومن الفقهاء المتأخرين مَن مال إلى أفضلية ذِكْرها في التشهد وتَرْكها في الأذان من غير تحريم كما هو رأي الشريف أحمد بن المأمون البُلغيثي، والحافظ محمد بن جعفر الكتاني من المالكية.
__________
(1) نيل الأوطار (2/ 337).
قال
الحافظ ابن حجر في فتوى له جوابًا لسؤالٍ عن حكم زيادة السيادة عند ذكر
النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وخارجها: لو كان ذلك راجحًا لجاء عن
الصحابة ثم عن التابعين، ولم نقف في شيء من الآثار عن أحد من الصحابة ولا
التابعين لهم قال ذلك، مع كثرة ما ورد عنهم من ذلك ... نعم ورد في حديث ابن
مسعود أنه كان يقول في صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ
اجْعَلَ فَضَائِلَ صَلَواتِكَ ورَحْمَتِكَ وَبَرَكَاتِكَ علَّى سَيِّدِ
المرْسَلِينَ ... الحديث أخرجه ابن ماجه، والخلاف إنما هو في الأفضلية لا
في الجواز؛ فإن الجميع متفقون على جواز كلا الأمرين، وأما مَن ادَّعى من
المتأخرين تحريم زيادة السيادة فهو غير مسبوق في دعواه هذه ومحجوجٌ بأن
العلماء إنما اختلفوا في الأفضلية مع قطعهم بغلط من ادَّعى بطلان الصلاة
بذكرها؛ وهذا المعنى واضح في عبارة الإمام الأذرعي حيث يقول في كتابه
التوسط: الأشبه الاتباع.
ومن المقرر في اللغة أن "أفعل" التفضيل يفيد الاشتراك بمادته والتفاضل بصيغته، أي: أنه يقتضي اشتراك المفضَّل والمفضَّل عليه في أصل الحدَث وزيادةَ المفضَّل على المفضَّل عليه فيه.
حجة المجيزين:
لعل حجة المجيزين للفظ السيادة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أقوى، وهي أقرب للتقوى، ويظهر عليها نور المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وسعة العلم وقوة الاستنباط، فقد جاءوا بأدلتهم التالية:
ومن المقرر في اللغة أن "أفعل" التفضيل يفيد الاشتراك بمادته والتفاضل بصيغته، أي: أنه يقتضي اشتراك المفضَّل والمفضَّل عليه في أصل الحدَث وزيادةَ المفضَّل على المفضَّل عليه فيه.
حجة المجيزين:
لعل حجة المجيزين للفظ السيادة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أقوى، وهي أقرب للتقوى، ويظهر عليها نور المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وسعة العلم وقوة الاستنباط، فقد جاءوا بأدلتهم التالية:
الأول: إن
الأدلة الشرعية الدالَّة على وجوب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بتوقيره
وتسويده، والنهي عن مخاطبته، أو ذكره كما يخاطب أو يذكر بعضنا بعضًا جاءت
عامة لا مخصِّصَ لها، فيُشرَع امتثالُها في كل موضعٍ جرى فيه ذكرُه صلى
الله عليه وسلم؛ حملا للمطلَق على المقيَّد، ولم يرد في الشرع ما يُخرِج
الأذانَ أو الإقامةَ أو الصلاةَ من ذلك، غاية ما في الأمر أنَّ تَرْك
ذِكْرِها في ألفاظ الأذان والإقامة والتشهد في السنة النبوية الشريفة قولا
وتقريرًا يدل على عدم وجوبها لا على عدم مشروعيتها؛ جمعًا بين الأدلة
الشرعية؛ لأنه لا يُلجَأ إلى الترجيح إلا عند تعذُّر الجمع.
الثاني: إن كثيرًا من العبادات الشرعية تؤخَذ أحكامها من الأدلة الشرعية المتعددة، منها ما يدل عليها بخصوصه، ومنها ما يدل بعمومه، ومنها ما يدل بمنطوقه، ومنها ما يدل بمفهومه، ولا توجد أحكامها مجموعةً في دليل واحد، فوجوب القراءة في الصلاة مثلا جاء من دليل، وتعيُّن قراءة الفاتحة فيها جاء من دليل آخر، ووجوب أداء الصلاة جاء في القرآن، وأعدادها وأوقاتها وأركانها وركعاتها إنما أُخِذَت من السنة، ولفظ الأذان جاء في حديث، والترجيع فيه أُخذ من حديثٍ آخر ... وكذلك في هذه المسألة؛ ألفاظ التشهد والأذان جاءت في موضع، والأمر بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتسويده اعتقاداً ونطقاً جاء في موضع آخر، وليس في كلا الأمرين ما ينافي الآخر أو يناقضه؛ لأن صاحب الشرع الذي علَّم الناس ألفاظ الأذان والتشهد هو الذي ندب إلى أن يُسوَّد المصطفى صلى الله عليه وسلم ويُعظَّم في كل موضع، وهذه الألفاظ قيلت على سبيل التعليم، واستحباب التسويد خرج مخرج التعميم، فيُحمَل المطلَق على المقيَّد، والجمع بين الدليلين ليس زيادةً في الشرع بل هو مقدَّم على العمل بأحدهما وحدَه، فتعيَّن العمل بالأمرين معًا.
الثاني: إن كثيرًا من العبادات الشرعية تؤخَذ أحكامها من الأدلة الشرعية المتعددة، منها ما يدل عليها بخصوصه، ومنها ما يدل بعمومه، ومنها ما يدل بمنطوقه، ومنها ما يدل بمفهومه، ولا توجد أحكامها مجموعةً في دليل واحد، فوجوب القراءة في الصلاة مثلا جاء من دليل، وتعيُّن قراءة الفاتحة فيها جاء من دليل آخر، ووجوب أداء الصلاة جاء في القرآن، وأعدادها وأوقاتها وأركانها وركعاتها إنما أُخِذَت من السنة، ولفظ الأذان جاء في حديث، والترجيع فيه أُخذ من حديثٍ آخر ... وكذلك في هذه المسألة؛ ألفاظ التشهد والأذان جاءت في موضع، والأمر بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتسويده اعتقاداً ونطقاً جاء في موضع آخر، وليس في كلا الأمرين ما ينافي الآخر أو يناقضه؛ لأن صاحب الشرع الذي علَّم الناس ألفاظ الأذان والتشهد هو الذي ندب إلى أن يُسوَّد المصطفى صلى الله عليه وسلم ويُعظَّم في كل موضع، وهذه الألفاظ قيلت على سبيل التعليم، واستحباب التسويد خرج مخرج التعميم، فيُحمَل المطلَق على المقيَّد، والجمع بين الدليلين ليس زيادةً في الشرع بل هو مقدَّم على العمل بأحدهما وحدَه، فتعيَّن العمل بالأمرين معًا.
الثالث: إن ترك
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام شيئا لا يدل على تحريمه، لأن
الترك لا يؤخذ منه حكم شرعي، لا سيما فيما له أصل صحيح متقررٌ في الشرع لا
مخصِّصَ له كتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان ذلك الترك من النبي
صلى الله عليه وسلم أو من صحابته الكرام، بل غايته أن يُستَدل به على عدم
الوجوب؛ فليس كل ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم فِعْله يكون حرامًا أو
مكروهًا، ومن باب أوْلَى ليس كل ما تَرَكَه السلف حرامًا أو مكروهًا، بل قد
يكون تَرْكهم لهم أمْرًا اتفاقيًّا لا مواطأة فيه، وقد يكون لأنه حرام، أو
لأن غيره أفضل منه، أو لغير ذلك من الاحتمالات، وما تطرق إليه الاحتمال
بَطَلَ به الاستدلال.
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: (كل ما له مستند من الشرع فليس ببدعة ولو لم يعمل به السلف؛ لأن تَرْكهم للعمل به قد يكون لعذر قام لهم في الوقت، أو لِمَا هو أفضل منه، أو لعله لم يبلغ جميعَهم عِلْمٌ به).
الرابع: إن ذِكْر السيادة عند اسم الشخص المشرَّف والموقَّر من تمامه وكماله عادةً وعرفًا، سواءٌ في ذلك مخاطبتُه في حضورِه وذكرُه في غيبته، كما أن ترك ألقاب التوقير مما يُلام عليه بحيث قد يتهم فاعل ذلك بمخالفة الأدب، وخاصة في هذه العصور المتأخرة التي صار ذكر السيادة في عُرْف أهلها من لوازم التقدير والاحترام، وقد جاء الشرع الشريف باعتبار العرْف فيما لا يخالف الشرع، فقال سبحانه وتعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأمُرْ بِالْعُرْفِ} (الأعراف: 199)، ومع كثرة ألقاب التفخيم في عصرنا هذا فليس من اللائق أن لا نذكر السيادة مع المصطفى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم؛ إذ هو الحقيقُ بها في كل موطنٍ يُذكَر فيه صلى الله عليه وسلم.
الخامس: أن دعوى عدم الورود ليست صحيحة؛ فقد وردت السيادة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عن الصحابيين الجليلين عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: (كل ما له مستند من الشرع فليس ببدعة ولو لم يعمل به السلف؛ لأن تَرْكهم للعمل به قد يكون لعذر قام لهم في الوقت، أو لِمَا هو أفضل منه، أو لعله لم يبلغ جميعَهم عِلْمٌ به).
الرابع: إن ذِكْر السيادة عند اسم الشخص المشرَّف والموقَّر من تمامه وكماله عادةً وعرفًا، سواءٌ في ذلك مخاطبتُه في حضورِه وذكرُه في غيبته، كما أن ترك ألقاب التوقير مما يُلام عليه بحيث قد يتهم فاعل ذلك بمخالفة الأدب، وخاصة في هذه العصور المتأخرة التي صار ذكر السيادة في عُرْف أهلها من لوازم التقدير والاحترام، وقد جاء الشرع الشريف باعتبار العرْف فيما لا يخالف الشرع، فقال سبحانه وتعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأمُرْ بِالْعُرْفِ} (الأعراف: 199)، ومع كثرة ألقاب التفخيم في عصرنا هذا فليس من اللائق أن لا نذكر السيادة مع المصطفى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم؛ إذ هو الحقيقُ بها في كل موطنٍ يُذكَر فيه صلى الله عليه وسلم.
الخامس: أن دعوى عدم الورود ليست صحيحة؛ فقد وردت السيادة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عن الصحابيين الجليلين عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
فعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال:
"إذا صلَّيتُم علَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأحْسِنُوا
الصَّلاَةَ علَيه؛ فإنَّكم لا تدرُونَ لعلَّ ذلك يُعْرَضُ عليه"، فَقَالُوا
لَهُ: فَعَلِّمْنَا، قال: "قُولُوا: اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلاَتَكَ
وَرَحْمَتَكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامِ
الْمُتَّقِينَ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ (1)
قال شيخ الشافعية العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في الدر المنضود وهو شامل للصلاة وخارجها (2)
وقد سبق ذِكْر ما نقله الإمام ابن المنذر عن الإمام الحافظ إسحاق بن راهويه: من أن أحب صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إليه في صلاة الجنازة ما وَصَفَه به ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في هذا الأثر، وجعله أجمل ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يقتضي إثباته لهذه الرواية وصحة العمل بها.
أما تضعيف الحافظ ابن حجر لهذا الرواية فهو راجع إلى اختلاط راويه المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود، وهذا التضعيف متعقَّبٌ من وجهين:
الأول: إنهم إنما أخذوا على المسعودي غلطه فيما يرويه عن صغار شيوخه كعاصم بن بهدلة وسلمة بن كُهيل والأعمش، ولكن ذلك ليس عامًّا في كل رواياته، بل صححوا له رواياته عن كبار مشايخه من المسعودِيِّينَ كالقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وأخيه معن، وعون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود؛ ولذلك لا يصح الاحتجاج بمجرَّد الترك على التحريم أو الكراهة، لا سيما فيما له أصل صحيح متقررٌ في الشرع.
__________
(1) رواه ابن ماجه في (السنن) وابن جرير الطبري في (تهذيب السنن والآثار وأبو يعلى في مسنده والطبراني في (المعجم الكبير)، والبيهقي في (الدعوات والشعب)، وحسّنه الحافظ المنذري في (لترغيب والترهيب)، والحافظ الهيثمي في (إتحاف الخِيَرَة)، وصححه الحافظ مغلطاي.
(2) الدر المنضود ص (116).
قال شيخ الشافعية العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في الدر المنضود وهو شامل للصلاة وخارجها (2)
وقد سبق ذِكْر ما نقله الإمام ابن المنذر عن الإمام الحافظ إسحاق بن راهويه: من أن أحب صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إليه في صلاة الجنازة ما وَصَفَه به ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في هذا الأثر، وجعله أجمل ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يقتضي إثباته لهذه الرواية وصحة العمل بها.
أما تضعيف الحافظ ابن حجر لهذا الرواية فهو راجع إلى اختلاط راويه المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود، وهذا التضعيف متعقَّبٌ من وجهين:
الأول: إنهم إنما أخذوا على المسعودي غلطه فيما يرويه عن صغار شيوخه كعاصم بن بهدلة وسلمة بن كُهيل والأعمش، ولكن ذلك ليس عامًّا في كل رواياته، بل صححوا له رواياته عن كبار مشايخه من المسعودِيِّينَ كالقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وأخيه معن، وعون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود؛ ولذلك لا يصح الاحتجاج بمجرَّد الترك على التحريم أو الكراهة، لا سيما فيما له أصل صحيح متقررٌ في الشرع.
__________
(1) رواه ابن ماجه في (السنن) وابن جرير الطبري في (تهذيب السنن والآثار وأبو يعلى في مسنده والطبراني في (المعجم الكبير)، والبيهقي في (الدعوات والشعب)، وحسّنه الحافظ المنذري في (لترغيب والترهيب)، والحافظ الهيثمي في (إتحاف الخِيَرَة)، وصححه الحافظ مغلطاي.
(2) الدر المنضود ص (116).
قال علي بن المديني: (المسعودي ثقة، وقد كان يغلط فيما روى عن عاصم بن بهدلة، وسلمة، ويصحح فيما روى عن القاسم ومعن).
وقال يحيى بن معين: (أحاديثه عن عون وعن القاسم صحاح (1).
وقال أبو زرعة الرازي: (أحاديثه عن غير القاسم وعون مضطربة؛ يهم كثيرًا) (2).
وقال الإمام الدارقطني: (المسعودي إذا حدَّث عن أبي إسحاق وعمرو بن مرة والأعمش فإنه يغلط، وإذا حدث عن معن والقاسم وعون فهو صحيح، وهؤلاء هم أهل بيته (3).
وهذا الحديث من رواية المسعودي عن عون بن عبد الله، فهو مما صح من رواياته.
الثاني: أنهم نصوا على أن المسعودي من أعلم الرواة بعلم ابن مسعود رضي الله عنه، قال مِسعَرٌ وابن عيينة: (ما أعلم أحدًا أعلم بعلم ابن مسعود من المسعودي (4) وأن الضعف فيه إنما هو بعد اختلاطه لا قبل ذلك).
__________
(1) تاريخ بغداد للحافظ الخطيب البغدادي (10/ 220 - 221)، وتهذيب الكمال للحافظ المزي (17/ 224).
(2) أجوبة أبي زرعة الرازي على سؤالات البرذعي (2/ 419).
(3) سؤالات السلمي للدارقطني: ص (255)، تحقيق: د. سعد الحميد، و، د. خالد الجريسي.
(4) تهذيب الكمال (17/ 226).
وقال يحيى بن معين: (أحاديثه عن عون وعن القاسم صحاح (1).
وقال أبو زرعة الرازي: (أحاديثه عن غير القاسم وعون مضطربة؛ يهم كثيرًا) (2).
وقال الإمام الدارقطني: (المسعودي إذا حدَّث عن أبي إسحاق وعمرو بن مرة والأعمش فإنه يغلط، وإذا حدث عن معن والقاسم وعون فهو صحيح، وهؤلاء هم أهل بيته (3).
وهذا الحديث من رواية المسعودي عن عون بن عبد الله، فهو مما صح من رواياته.
الثاني: أنهم نصوا على أن المسعودي من أعلم الرواة بعلم ابن مسعود رضي الله عنه، قال مِسعَرٌ وابن عيينة: (ما أعلم أحدًا أعلم بعلم ابن مسعود من المسعودي (4) وأن الضعف فيه إنما هو بعد اختلاطه لا قبل ذلك).
__________
(1) تاريخ بغداد للحافظ الخطيب البغدادي (10/ 220 - 221)، وتهذيب الكمال للحافظ المزي (17/ 224).
(2) أجوبة أبي زرعة الرازي على سؤالات البرذعي (2/ 419).
(3) سؤالات السلمي للدارقطني: ص (255)، تحقيق: د. سعد الحميد، و، د. خالد الجريسي.
(4) تهذيب الكمال (17/ 226).
قال
الإمام أحمد: (سماع وكيع من المسعودي بالكوفة قديم، وأبو نعيم أيضًا،
وإنما اختلط المسعودي ببغداد، ومَن سمع منه بالكوفة والبصرة فسماعه جيد
(1)، وهذا الحديث مما رُوِيَ عنه قبل الاختلاط؛ فقد سمعه منه جماعة من
المحدِّثين الثقات منهم: وكيع بن الجرَّاح الكوفي (2) كما في علل الدارقطني
(3)، وأبو نعيم الفضل بن دُكَين الكوفي وعبد الله بن رجاء الغُدَاني
البصري كما عند الطبراني (4) والأعمش سليمان بن مهران الكوفي كما عند
الدارقطني (5) وجعفر بن عون الكوفي كما عند البيهقي في الدعوات الكبير (6)
فهؤلاء وغيرهم أيضا ممن سمعوا منه ليس فيهم بغدادي، كلهم سمعوا منه قبل
الاختلاط، وممن نُصَّ على جهة الخصوص من هؤلاء أنه سمع منه قبل الاختلاط:
وكيع، وأبو نعيم، وعبد الله بن رجاء، وجعفر بن عون (7) وتضعيف أحاديث
المسعودي جملةً من التشديد الذي لا يرضاه المحدثون؛ قال الحافظ العراقي في
(التقريب والإيضاح (8): (قد شدَّد بعضهم في أمر المسعودي ورد حديثه كله؛
لأنَّه لا يتميَّز حديثه القديم من حديثه الأخير .. ) والصحيح ما قدمناه:
من أن من سمع منه بالكوفة والبصرة.
__________
(1) تهذيب الكمال (17/ 222).
(2) الدارقطني في العلل (5/ 15) حديث (682).
(3) الدارقطني في العلل (5/ 15) حديث (682).
(4) الطبراني في معجمه الكبير (9/ 115) حديث (8594).
(5) الدارقطني في العلل (5/ 15) حديث (682).
(6) البيهقي في الدعوات الكبير حديث (148
(7) تهذيب الكمال (17/ 226)، وتاريخ بغداد (10/ 218).
(8) ص (454).
__________
(1) تهذيب الكمال (17/ 222).
(2) الدارقطني في العلل (5/ 15) حديث (682).
(3) الدارقطني في العلل (5/ 15) حديث (682).
(4) الطبراني في معجمه الكبير (9/ 115) حديث (8594).
(5) الدارقطني في العلل (5/ 15) حديث (682).
(6) البيهقي في الدعوات الكبير حديث (148
(7) تهذيب الكمال (17/ 226)، وتاريخ بغداد (10/ 218).
(8) ص (454).
السادس:
والجواب عمن قصر الأفضلية على التشهد دون الأذان: أن الدليل الشرعي
الخارجي الذي دل على استحباب ذِكْر السيادة في التشهد -مع عدم ذكر النبي
صلى الله عليه وسلم لها فيه- دالٌّ أيضًا على استحباب ذكرها في الأذان
والإقامة من غير فرْق، كما أن المقصود الأعظم من الأذان الإعلامُ بدخول وقت
الصلاة، وهذا المقصود لا ينافيه التأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيه بذكر سيادته الدالَّة على تعظيمه وشرف قدره صلى الله عليه وسلم، ومع
تسليم أن ذِكْر السيادة في الأذان زيادة فيه فإن الشرع قد أذن بالزيادة في
الأذان عند الحاجة، كما نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في
الأذان صَلُّوا فِي رِحَالِكُم (1)، وكما زاد سيدنا بلال رضي الله عنه
التثويب في أذان الصبح وهو قوله: "الصَّلاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ"، وأقره
رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وقال له: {مَا أَحْسَنَ هَذَا يَا
بِلالُ! اجْعَلْهُ فِي أَذَانِك} (2) ولو كانت مثل هذه الزيادة اليسيرة
للحاجة غير جائزة في الأذان لأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم الزيادة
من حيث هي، فلَمَّا استحسنها كان ذلك دليلا على أن مثل هذا مُغْتَفَرٌ في
الأذان، بل أجاز بعض الحنفيَّة وبعض الشَّافعيَّة التَّثويب في الصَّبح
والعشاء لأنَّ العشاء وقت غفلة ونوم كالفجر، بل أجازه بعض الشَّافعيَّة في
جميع الأوقات؛ لفرط الغفلة على النَّاس في زماننا (3)،
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب (الأذان) حديث رقم (632)، ومسلم في كتاب) صلاة المسافرين وقصرها) باب حديث رقم (697).
(2) المعجم الكبير للطبراني (1/ 355).
(3) بدائع الصنائع (1/ 148)، المجموع (3/ 105) ..
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب (الأذان) حديث رقم (632)، ومسلم في كتاب) صلاة المسافرين وقصرها) باب حديث رقم (697).
(2) المعجم الكبير للطبراني (1/ 355).
(3) بدائع الصنائع (1/ 148)، المجموع (3/ 105) ..
وقد
استحدث علماء الكوفة من الحنفيَّة بعد عهد الصَّحابة تثويبًا آخر، وهو
زيادة الحيعلتين أي عبارة: (حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح) مرَّتين
بين الأذان والإقامة في الفجر، واستحسنه متقدِّمو الحنفيَّة في الفجر فقط،
وكُرِهَ عندهم في غيره، والمتأخِّرون منهم استحسنوه في الصّلوات كلّها -إلا
في المغرب لضيق الوقت- وذلك لظهور التَّواني في الأمور الدّينيّة، وقالوا:
إنَّ التَّثويب بين الأذان والإقامة في الصَّلوات يكون بحسب ما يتعارفه
أهل كلّ بلد؛ بالتّنحنح، أو الصّلاةَ الصّلاةَ، أو غير ذلك (1) وأجاز جماعة
من السلف الكلامَ في الأذان، بل اتفق الفقهاء على جوازه للحاجة إذا كان
يسيرًا وأنه لا يبطل به الأذان (2).
ولفظ (سيدنا) في الأذان أخف من ذلك كله، مع كون الحاجة إلى ذكره أدعَى وأولَى في هذه العصر الذي تعيَّنَتْ فيه الألقاب في ذكر الأسماء والتخاطب بين الناس عرفًا، خاصة لذوي المنزلة والمكانة بينهم، فصح بذلك استحبابُ ذكر السيادة في الأذان والإقامة.
خلاصة الأمر:
رأينا مما سبق ذكره من نصوص العلماء أن حجة المجيزين أقةى من معارضيهم، وكان بعض ممن عارض إنما كان في المفاضلة بين الإتيان بلفظ السادة أو تركها كما فهمه من النصوص، لا أنه منعها بالكلية، وعليه فيكون المانعين قلة قليلة نسبة إلى جمهور العلماء، وهم شواذ غلب عليهم بدعة التعصب المذهب والشاذ لا يعتد به، والحكم للأغلب دائما.
فممن أجاز ذلك من العلماء مما ورد اسمه هنا ومما لم نذكره خشية التطوبل:
من السادة الحنفية:
النجم القحفازي، والحصكفي، والحلبي، والطَحطاوي، وابن عابدين.
__________
(1) حاشية العلامة ابن عابدين على الدر المختار (1/ 389)، بدائع الصنائع (1/ 14).
(2) التاج والإكليل (2/ 76)، المجموع (3/ 121).
ولفظ (سيدنا) في الأذان أخف من ذلك كله، مع كون الحاجة إلى ذكره أدعَى وأولَى في هذه العصر الذي تعيَّنَتْ فيه الألقاب في ذكر الأسماء والتخاطب بين الناس عرفًا، خاصة لذوي المنزلة والمكانة بينهم، فصح بذلك استحبابُ ذكر السيادة في الأذان والإقامة.
خلاصة الأمر:
رأينا مما سبق ذكره من نصوص العلماء أن حجة المجيزين أقةى من معارضيهم، وكان بعض ممن عارض إنما كان في المفاضلة بين الإتيان بلفظ السادة أو تركها كما فهمه من النصوص، لا أنه منعها بالكلية، وعليه فيكون المانعين قلة قليلة نسبة إلى جمهور العلماء، وهم شواذ غلب عليهم بدعة التعصب المذهب والشاذ لا يعتد به، والحكم للأغلب دائما.
فممن أجاز ذلك من العلماء مما ورد اسمه هنا ومما لم نذكره خشية التطوبل:
من السادة الحنفية:
النجم القحفازي، والحصكفي، والحلبي، والطَحطاوي، وابن عابدين.
__________
(1) حاشية العلامة ابن عابدين على الدر المختار (1/ 389)، بدائع الصنائع (1/ 14).
(2) التاج والإكليل (2/ 76)، المجموع (3/ 121).
ومن
السادة المالكية: ابن عطاء الله السكندري، والشهاب الحِميَري، والأُبِّي،
والسنوسي، والونشريسي، وأبو العباس البوني، والعقباني، والنَّفراوي،
والحَطّاب، وزَرُّوق الفاسي، وابن بردله، والمهدي الفاسي، والعياشي،
والنفجروتي، والسملالي، والعلمي، وابن عجيبة، والطيب بن كيران، والشريف
القادري، وبدر الدين الحمومي، والشريف الكتاني، والعارف بالله الهاروشي،
ومن المحدثين الغماري والأستاذ الدكتور زين العابدين العبيد محمد وغيرهم.
ومن السادة الشافعية: الإمام العز بن عبد السلام، وابن ظهيرة، وابن جماعة، والجلال المحلي، والرمليان الشهاب والشمس، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وابن حجر الهيتمي، والعلامة بافضل، والقليوبي، وابن قاسم العبادي، والزيادي، والحلبي، والنور الشَّبْرَامَلِّسي، والشَّرَوانِي، والبِجِيرمِي، والملِّيباري، والسيد البكري الدمياطي، وابن علاّن، والشرقاوي، وشيخ الإسلام الباجوري، والسحيمي، والجرداني، وغيرهم.
كما نقله الإمام أبو بكر بن المنذر عن الإمام الحافظ أمير المؤمنين في الحديث إسحاق بن راهويه، ورجحه العلاّمة الشوكاني.
وهذا هو المختار والراجح في مقام سيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم، وهو ما عليه الفتوى؛ فالأدب مقدم دائمًا معه صلى الله عليه وسلم، فقليل من عبادة يصحبها الأدب خير من كثير من العبادة عرية عن الأدب.
هذا عن الأفضلية، أما عن الجواز فكلا الأمرين جائز، والأمر في ذلك واسع، وليس لفريق أن ينكر على الآخر في الأمور الخلافية التي وَسِع مَن قَبلَنا الخلافُ فيها؛ لأنه لا يُنكَر المختلفُ فيه وإنما يُنكَر المتفق عليه، والتنازعُ مِن أجل ذلك لا يرضاه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن السادة الشافعية: الإمام العز بن عبد السلام، وابن ظهيرة، وابن جماعة، والجلال المحلي، والرمليان الشهاب والشمس، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وابن حجر الهيتمي، والعلامة بافضل، والقليوبي، وابن قاسم العبادي، والزيادي، والحلبي، والنور الشَّبْرَامَلِّسي، والشَّرَوانِي، والبِجِيرمِي، والملِّيباري، والسيد البكري الدمياطي، وابن علاّن، والشرقاوي، وشيخ الإسلام الباجوري، والسحيمي، والجرداني، وغيرهم.
كما نقله الإمام أبو بكر بن المنذر عن الإمام الحافظ أمير المؤمنين في الحديث إسحاق بن راهويه، ورجحه العلاّمة الشوكاني.
وهذا هو المختار والراجح في مقام سيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم، وهو ما عليه الفتوى؛ فالأدب مقدم دائمًا معه صلى الله عليه وسلم، فقليل من عبادة يصحبها الأدب خير من كثير من العبادة عرية عن الأدب.
هذا عن الأفضلية، أما عن الجواز فكلا الأمرين جائز، والأمر في ذلك واسع، وليس لفريق أن ينكر على الآخر في الأمور الخلافية التي وَسِع مَن قَبلَنا الخلافُ فيها؛ لأنه لا يُنكَر المختلفُ فيه وإنما يُنكَر المتفق عليه، والتنازعُ مِن أجل ذلك لا يرضاه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.
وعلى
ذلك فليس ذكره صلى الله عليه وسلم في الأذان والإقامة والتشهد مقترنًا
بالسيادة مخالفًا للشرع، بل فاعل ذلك محمود ومثاب على فعله هذا، ونحن أحوج
إلى حب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا العصر مِن أي وقت آخر، فنحن في
عصر تَمُوج فيه الآراء وتختلف المشارب، وقد كثرت الفتن في الظاهر والباطن،
وليس مِن نجاة من كل ذلك إلا بحب سيد الخلق سيدنا محمَّد رسول الله صلى
الله عليه وسلم، واستحباب التسويد خرج مخرج التعميم، فيُحمَل المطلَق على
المقيَّد، والجمع بين الدليلين ليس زيادةً في الشرع بل هو مقدَّم على العمل
بأحدهما وحدَه، فتعيَّن العمل بالأمرين معًا.
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.