جلوس الله تعالى و الرسول صلّى الله عليه وسلّم على العرش !!

جلوس الله تعالى و الرسول صلّى الله عليه وسلّم على العرش !!
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه رسالة في نقد قول بعض السّلفيين والوهّابيّين بجلوس الله على عرشه وإجلاسه للرسول صلّى الله عليه وسلّم معه على العرش يوم القيامة ..

أثبت الدارمي في نقضه ( استلقاء الله بعد الانتهاء من خلقه وقد وضع رجلا على رجل ...!! قال : فرفع قتادة يده فقرصه ... قال أبو سعيد: أوجعتني .. قال : ألم تسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : لمّا قضى الله خلقه استلقى ثمّ وضع إحدى رجليه على الأخرى ثمّ قال لا ينبغي أن يُفعل مثل هذا قال أبو سعيد نعم ) ثمّ يستنكر الدارمي تأويل هذا الحديث وسمّى المتأول له ( المعارض السمج ) النقض ج1ص 586 .

ويستنكر ابن القيم المجسّم على من يُنكر هذا الاستلقاء وسمّاهم المعطّلة وقد ذكر كلاما طويلا في قبول حديث الاستلقاء ثمّ قال ( فو الله لو قاله صاحب رسول الله من عند نفسه لكان أولى بقبوله واعتقاده من قول الجهمي المعطّل النافي فكيف إذا نسبه إلى رسول الله ) الصواعق ج4 ص1572.

ثمّ ينتقل الدارمي ليُثبت جلوس الله على العرش فيقول : ( الحي القيوم يفعل ما يشاء ويتحرّك إذا شاء ويهبط إذا شاء ويقبض ويبسط ويقوم ويجلس إذا شاء ..) نقض عثمان ج1 ص215 .

يقول ابن قيم الجوزية في اجتماع الجيوش ص 109 / قال : وفي مسند الإمام أحمد من حديث ابن عبّاس (فآتي ربي عزّ وجل فأجده على كرسية أو سريره جالسا ) ..!!

قلتُ : هذا كذب من ابن القيم .. فليس في مسند أحمد ( فأجده على سريره جالسا ) فهذا كذب من ابن القيم على النبي صلّى الله عليه وسلّم وزيادة من كيسه ..!! وهذا يدلّ على عدم دقّة تحقيق المجسّمة في أحاديث العقيدة ..!! فانظروا كيف زاد هذه اللفظة الخطيرة وهي أنّ الله جالس على العرش ...!!
ويقول في نونيته :
ولعرشه منه أطيط مثل ما قد أطّ رحل الراكب العجلان .شرح النونية ج1ص570 .
ويقول في كتاب بدائع الفوائد - 4/40 ( ولا تنكروا أنه قاعد .... و لا تنكروا أنه يقعده ) ...!!

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى ج16ص 435:
فبيّن الرسول ( وهو لا يصلّي عليه في كثير من كتاباته ) أنّه لا يفضل من العرش شيء ولا هذا القدر اليسير وهو أيسر ما يقدر به وهو أربعة أصابع وهذا صحيح موافق للعرب وموافق لما دلّ عليه الكتاب والسنّة وموافق لطريقة الرسول وله شواهد / ثمّ قال ( والعرش صغير في عظمة الله تعالى .... على هذا فينبغي أن نعتبر الحديث ( حديث الجلوس ) فنطابق بين الكتاب والسنّة فهذا هذا والله أعلم ) .
ثم قال ( فإذا قيل : إنّه ما يفضل من العرش مقدار أربعة أصابع كان المعنى ما يفضل منه شيء ( بعد جلوس الله على العرش ) والمقصود هنا بيان أنّ الله أعظم وأكبر من العرش ) ...!!
وقال : إذا تبين هذا فقد حدَّثَ العلماء المرضيون وأولياؤه المقبولون أنّ الله يُجلسه معه على العرش . ص4/373.

وفي كتاب أقاويل الثقات للكرمي ص119 وما بعدها طامّات في إثبات الجلوس لله فيقول : ( فحديث جلوس النبي عليه الصلاة والسلام حديث ثابت لا سبيل إلى دفعه ورده إلاّ بطريق العناد والمكابرة..!!

قلتُ : وهذا كذب .. فالحديث باطل سندا ومتنا .. وسنرى حال الحديث وسنده بعد قليل ..
ذكر الخلاّل في كتاب السنّة ج1 ص231 وأمّا الترمذي ( ليس صاحب السنن) فهو جهمي خبيث يدعو إلى خلاف ما كان عليه أشياخنا وأئمّتنا ..!!

وما السبب في كون الترمذي من الجهمية الخبثاء عند الحنابلة ...؟؟
يقول الخلال عن يحيى بن أبي طالب : ( الحمد لله أنّنا نؤمن بحديث مجاهد ( حديث أنّ الله جالس على العرش ) ونقول به على ما جاء ونسلّم الحديث وغيره ممّا يخالف فيه الجهمية ) ثم قال ( وقد كان كتب إليّ هذا ( العجمي الترمذي ) كتابا بخطّه ودفعته إلى أبي بكر المروذي وفيه ( أنّ من قال بحديث مجاهد ( حديث الجلوس على العرش ) فهو جهمي فلو أمكنني لأقمته للناس وناديت عليه حتّى أشهره ليحذر الناس ما أحدث في الإسلام ) انتهى كتاب السنّة ج1 ص233 .
فالترمذي جهمي خبيث لأنّه يُنكر حديث جلوس الله على العرش عند الحنابلة .
وذكر الخلاّل كلاما كثيرا ... فقد وصف الترمذي بالخبيث والجهمي حتّى ذكر عن أبي داود الطعن في الترمذي وعدم معرفته بالحديث والطلب .. فليراجع كتاب السنّة للخلال ج1 ص233. .
وذكر أهل التاريخ بأنّ الإمام الطبري الذي ينسب له بعض السلفيين كذبا وزروا بأنّه يقول بقعود الله على عرشه قد تعرّض لمحنة عظيمة بسبب رفضه لهذه العقيدة الفاسدة ونسوق جزءا منها من كتاب الإمام الصفدي الوافي ج2 ص286 :
لمّا قدم الطبري من طبرستان على بغداد تعصّب عليه أبو عبد الله الجصّاص والبياضي وقصده الحنابلة لأجل ( أحمد بن حنبل ولأجل حديث الجلوس على العرش ) ...!! فقال الطبري ( وأمّا حديث الجلوس على العرش فمحال وأنشد : سبحان من ليس له أنيس ولا له في عرشه جليس .

وقلتُ : وغالبية متقدمي الحنابلة يقبلون حديث الجلوس .. كالقنطري وابن حربي وابن بطّة وغيرهم ولا نشغل القارئ بذكرأقوالهم ..

قلتُ:
ما هو أصل هذه البدعة ....؟؟
أقصد بدعة جلوس النبي صلّى الله عليه وسلّم مع الله على عرشه يوم القيامة..؟؟؟
ذكر الطبري في تفسيره عند قوله تعالى ( عسى أن يبعثك ربّك مقاما محمودا ) :
ناقش الطبري هذا الرأي وهو جلوس النبي صلّى الله عليه وسلّم مع الله على العرش يوم القيامة ونظر فيه من ناحية مخالفته للروايات المرفوعة للنبي عليه الصلاة والسلام بانّ المقام المحمود هو الشفاعة / وقد أبطلها وقال : بأنّ المقصود بالمقام المحمود هو الشفاعة ..

ويُحاول الطبري بعد ذلك تقريب قول مجاهد وقد تكلّمنا عليه في المنشور السابق فليراجعها من شاء ...
ويظهر فيه نقله عن نحلة سمّاها نحلة من نحل الإسلام الثلاث وهم الذين يقولون بأنّ الله تعالى غير داخل العالم ولا خارجه .. وهذا يناقض ما كان ابن تيمية يدّعيه من عدم نطق السلف بهذه المقولة ..!!

قال الطبري : وقالت فرقة أخرى : كان الله قبل خلق الأشياء لا شيء يماسّه ولا شيء يباينه وهو كما لم يزل قبل الأشياء خلقه لا شيء يماسّه ولا شيء يباينه ..!! وهذا تصريح بشهرة هذا القول بين السلف ..!! تفسير الطبري ج15 ص154 .

ذكر رواية قريبة من هذه في ج3 ص9 ولم يعلّق عليها الطبري .. وهي رواية ضعيفة بسبب عبيد الله بن موسى وإسرائيل فيه لين خصوصا عند روايته عن أبي إسحاق فضلا عن اختلاط أبي إسحاق / تهذيب التهذيب / ج7ص47 .

وقد ذكرنا ما رواه أهل التاريخ من تعرّض الإمام الطبري للأذى من الحنابلة بسبب رفضه قبول حديث مجاهد وجلوس الله على العرش مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وأنّها كانت من أسباب محنته .

فقال الطبري / تفسير الطبري ج15 ص152 . قوله تعالى ( عسى أن يبعثك ربّك مقاما محمودا ) ..
في ذلك قولان :
1- قول ابن عبّاس ومجاهد وخلق كثير من السلف بأنّ المقصود بالمقام المحمود هو الشفاعة .. ثمّ ساق مجموعة من الأحاديث المرفوعة للنبي صلّى الله عليه وسلّم بأنّ معنى المقام المحمود هو الشفاعة .
2- ذكر أثرا عن مجاهد بأنّ المقصود بالمقام المحمود هو الجلوس مع الله على عرشه ..!!
فهذا يعني أنّ الله جالس على عرشه وأنّه سُيجلس النبي صلّى الله عليه وسلّم معه على العرش .

إذن هناك حديثان عن مجاهد : الأول يقول بقول جمهور أهل العلم ( كما نقل هذا الطبري ورجّحه ) بأنّ المقام المحمود هو الشفاعة والثاني أنّ المقام المحمود هو الجلوس مع الله على العرش .

يقول الإمام ابن عبد البر :
ومجاهد وإن كان أحد الأئمّة يتأول القرءان فإنّ له قولين مهجورين عند أهل العلم :
أحدهما : هذا ( يعني جلوس النبي عليه الصلاة والسلام على العرش مع الله) .
الثاني : في تأول قوله تعالى ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربّها ناظرة ) قال ( تنتظر الثواب ليس من النظر ) .القرطبي ج10 ص311 .

ويعني كلام الإمام ابن عبد البر هو أنّ قول مجاهد بجلوس النبي عليه الصلاة والسلام مع الله على العرش قول مهجور لمجاهد.
قلتُ: نقل الإجماع على أنّ الشفاعة هي المقصودة بالمقام المحمود الإمام الشوكاني في فتح القدير ج3 ص251 والكتّاني في الحديث المتواتر ص235 وخلق كثيرغيرهم .
قلتُ:
تعالوا لنرى حال رواية الطبري عن مجاهد في إثبات جلوس النبي صلّى الله عليه وسلّم مع الله على العرش...

قال الطبري : حدثنا ابن فضيل عن ليث عن مجاهد في قوله عسى أن يبعثك ربّك مقاما محمودا قال ( أي مجاهد ) يُجلسه معه على عرشه ) .
أقول : من ناحية المتن هو متن باطل من غير مثنوية ولو صحّ عن مجاهد ...!! كيف ولم يصحّ سندا كما سنرى ...!!

حال الرواية :

ولنذكر رأي الوهّابية في هذه الرواية :
يقول عبد العزيز بن عبد الله بن باز وعبد العزيز آل الشيخ - وعبد الله الغديان وصالح الفوزان - بكر أبو زيد في فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الثانية: (2/455).

قالوا : وأما الأثر المروي عن مجاهد - رحمه الله تعالى - فهو أثر منكر كما نصّ على ذلك غير واحد من أهل العلم بالحديث انتهى .
هذا رأي الوهّابية في حديث مجاهد فكيف برأي غيرهم ..!!

قال الألباني في مختصر العلو (ص234) :
هذا تفسير مقطوع غير مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو صح ذلك مرسلا لم يكن فيه حجة فكيف وهو مقطوع موقوف على بعض التابعين.

قال الذهبي في الميزان (3/439) قال أبوبكر بن عياش : قلت للأعمش : ما بال تفسير مجاهد مخالف أو شئ نحوه ؟ قال : أخذها من أهل الكتاب.
ثم قال الذهبي : ومِن أنكر ماجاء عن مجاهد في التفسير في قوله (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) قال : يجلس معه على العرش.

يقول ابن عثيمين في مجموع الفتاوى ج1 ص196 :
أمّا تفسير استواء الله تعالى على العرش باستقراره عليه فهو مشهور عن السلف وأمّا الجلوس والقعود فقد ذكره بعضهم ولكن في نفسي منه شيء .

قلتُ : ابن عثيمين يُثبت استقرار الله على العرش ويتوقف في قعوده على العرش ... والفرق بين الاستقرار والقعود كالفرق بين الوقوف والانتصاب ...!! وهذه الفوارق الغريبة حقا من عجائب الوهّابية ..!!
هذا بالنسبة لجلوس الله تعالى ... ولكن ماذا عن جلوس النبي صلّى الله عليه وسلّم على العرش مع الله ..؟؟
ثمّ رجّح نفي جلوس النبي عليه الصلاة والسلام على العرش وناقض نفسه في مجموع الفتاوى والرسائل وأقرّ بصحة جلوس الله لوحده على العرش ...!! فقال في شرح عقيدة أهل السنة والجماعة/شريط رقم (12).

السؤال: هل يصح تفسير المقام المحمود بجلوسه صلى الله عليه وسلم مع الله على العرش ؟
جواب ابن عثيمين - هذا غير صحيح المقام المحمود جلوسه مع الله على العرش هذا غير صحيح وهذا لا يثبت لأحد سوى رب العالمين ( يعني أنّ الله جالس على العرش لكن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يجلس معه ) فاعتراضه على جلوس الرسول صلّى الله عليه وسلّم على العرش فقط ..!!.
وقد نفى جلوس النبي صلّى الله عليه وسلّم على العرش مع الله يوم القيامة التويجري والجامي وغيرهم ونكتفي بما أوردناه ...

قلتُ فلننظر في رجال السند :
1- عباد الأسدي : قال ابن حجر : بالغ ابن حبّان فقال يستحق الترك وقال هو صدوق رافضي . تقريب التهذيب ( ج1 ص291 ).

2- محمد بن غزوان : قال ابن حجر : صدوق عارف رمي بالتشيع من التاسعة مات سنة خمس وتسعين .تقريب التهذيب ( ج1 ص502 ).

3- ليث بن سليم : قال ابن حجر : صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك من السادسة مات سنة ثمان وأربعين . ابن حجر تقريب التهذيب (ج1 ص464 ) .

فالحديث ضعيف لثلاثة وجوه :
1 -مخالفة رواية الطبري الأولى الصحيحة وفيها تأويل مجاهد للمقام المحمود بالشفاعة .
2- ضعف السند لضعف الليث بن مسلم وتشيّع البقية .
3- مخالفة متن الحديث للأحاديث الصحيحة المرفوعة للنبي صلّى الله عليه وسلّم المجمع على صحتها في تأويل المقام المحمود بالجلوس .

يقول الزهراني محقق كتاب السنّة للخلال في مقدمة التحقيق :
جلوس النبي على العرش مع ربه ... وقد ساق الخلال في ذلك ثلاثة وتسعين نصًّا رغم أنه لم يصح في هذه المسألة ولا حديث وكل الأحاديث التي جاءت طرقها ضعيفة ولم يكتف بذكر الأحاديث على ضعفها بل استدل على إثبات هذه المسألة بمنامات قال أصحابها : أنهم رأوا النبي وأنه أثبت جلوسه على العرش ورد على الترمذي المنكر ودافع دفاعًا عظيمًا ونقل أقوال العلماء في ذلك حتى قال بعضهم : ما يرد هذا الحديث إلا الجهمية الزنادقة أهل البدع .

كتبه الدكتور  بلال إسماعيل التل