التبرك بتقبيل قبور الأنبياء والصالحين

التبرك بتقبيل قبور الأنبياء والصالحين
بسم الله الرحمن الرحيم
قد جوز بعض الفقهاء تقبيل قبور الأنبياء والصالحين وممن جوزه الإمام أحمد بن حنبل في إحدى الرِّوايتين عنه، ففي كتاب [العلل والسؤالات] ج2/ ص492/ لعبد الله بن أحمد بن حنبل قال: [سألته عن الرجل يمس منبر النَّبي ?صلى الله عليه وآله وسلم? ويتبرك بمسه، ويقبله ويفعل بالقبر مثل ذلك أو نحو هذا، يريد بذلك التقرب إلى الله -عز وجل- فقال: لا بأس بذلك].
وذكر ابن تيمية هذه الرواية عن أحمد بن حنبل ففي "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" (2/ 245) قال: [وقد حكى بعض أصحابنا رواية في مسح قبره، لأن أحمد شيع بعض الموتى، فوضع يده على قبره يدعو له].
وقد استحب شيخ الإسلام إبراهيم الحربي تقبيل حجرة النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- ففي "كشاف القناع عن متن الإقناع (2/ 151(: [قلت: بل قال إبراهيم الحربي: يستحب تقبيل حجرة النبي - صلى الله عليه وسلم -.].
وفي "حاشية الشبراملسي" (3/320): [قوله وتقبيله) ظاهره وإن قصد به التعظيم، لكن مر في الجنائز بعد نقل كراهة تقبيل التابوت ما نصه: نعم إن قصد بتقبيل أضرحتهم التبرك لم يكره كما أفتى به الوالد - رحمه الله تعالى].
ووقع التَّبرك بالقبر النبوي الشريف من الحافظ مُحمَّد بن المنكدر، المُتوفَّى سنة [130 هـ]:
فقد ذكر الحافظ الذَّهبي في (سير أعلام النبلاء) (ج5 / ص 358 – 359) فقال: [كان ابن المنكدر يجلس مع أصحابه فكان يصيبه صمات، فكان يقوم كما هو، حتى يضع خدَّه على قبر النَّبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ثمَّ يرجع فعُوتب في ذلك فقال: إنَّه يُصيبني خطر، فإذا وجدت ذلك استغثت بقبر النَّبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وكان يأتي موضعًا من المسجد يتمرغ فيه ويضطجع فقيل له في ذلك فقال: إني رأيت النَّبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في هذا الموضع]
وورد عن سيدنا أبي أيوب الأنصاري التبرك بالقبر الشريف، فعن داود بن أبي صالح قال: أقبل مروان يوما فوجد رجلا واضعا وجهه على القبر فأخذ برقبته وقال: أتدري ما تصنع؟ قال: نعم فأقبل عليه، فإذا هو أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: نعم جئت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ولم آت الحجر سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: ((لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله)). أخرجه الحاكم في المستدرك، وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
ويقول الحافظ الذهبي كما في "سير أعلام النبلاء" (4/484) : [فوالله ما يحصل الانزعاج لمسلم والصياح وتقبيل الجدران وكثرة البكاء، إلاّ وهو محبٌّ لله ولرسوله، فحبّهُ المعيار والفارق بين أهل الجنّة وأهل النار].
وقال الحافظ بن حجر في "فتح الباري" (3/ 475): [فائدة أخرى: استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الأركان، جواز تقبيل كل من يستحق التعظيم من آدمي وغيره، فأما تقبيل يد الآدمي فيأتي في كتاب الأدب، وأما غيره فنقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن تقبيل منبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقبيل قبره فلم ير به بأسا، واستبعد بعض أتباعه صحة ذلك، ونقل عن بن أبي الصيف اليماني أحد علماء مكة من الشافعية جواز تقبيل المصحف، وأجزاء الحديث، وقبور الصالحين. وبالله التوفيق].
وقال الفقيه مرعي بن يوسف من الحنابلة في (غاية المنتهى ص259): [ولا بأس بلمس قبر بيد لا سيما من ترجى بركته].
وقال الحافظ زين الدين العراقي كما في (شرح صحيح البخاري) للعلامة العيني (9/241): [وأما تقبيل الأماكن الشَّريفة على قصد التَّبرك، وأيدي الصَّالحين، وأرجلهم، فهو حسن باعتبار القصد والنية]. أنظر (شرح صحيح البخاري) للعلامة العيني (9/241).
وأما ما ذُكر من إجماع الفقهاء على كراهة تقبيل قبور الأنبياء والصَّالحين ومسها، فبخلاف ذلك.
فقد ذكر السَّمهودي في [خلاصة الوفا] بعد ذكر فتوى الإمام أحمد فقال: قال العز بن جماعة وهذا يُبطل ما نُقل عن النَّووي من الإجماع. وقال السُّبكي: عدم المسح بالقبر ليس مما قام الإجماع عليه. وقال أيضا: ونقل عن أبن أبي الصَّيف، والمحبِّ الطَّبريّ جواز تقبيل قبور الصَّالحين.ا.هـ.