قال الفقير إلى رحمة ربه :
في معنى قول الشيخ الأكبر محي الدين بن العربي في الصلاة الفيضية ( الفيض الأقدس الذاتي الذي تعيّنت به الأعيان واستعداداتها، والفيض المقدس الصفاتي التي تكونت به الأكوان واستمدادتها، مطلع شمس الذات في سماء الأسماء والصفات ).
الحمد لله، وبعد
لما كانت الصلاةُ على خير البرية عبارة عن الوسيلة التي يبتغي بها العبد الخروج من الظلمات إلى النور لقوله صلى الله عليه وسلم ( من صلى عليَّ مرةً صلى الله عليه بها عشر ) وقد أخبرنا سبحانه وتعالى أنه يصلي علينا كما يشاء ليخرجنا من الظلمات الى النور ( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور ) فبيّن لنا سبحانه تعدد الظلمات ووحدة النور ( الله نور السموات والأرض ) غير أننا نلاحظ تعدد مظاهر النور أيضا كما تبصر العين الأشياء بنور الشمس ونور القمر وأنوار النجوم والمصابيح، ورغم أن النور لا يُرى ولكن يُرى به إلا أننا نبصر بأعيننا مصادره الكثيرة. فمن آمن بالله وما أنزل على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ حتى قام له النقل مقام العقل؛ فعلم حق ما يدركه بحواسه بما أخبره ربه عنه في كتابه، أشهده الله حقيقة ما أدرك، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لكل حقٍّ حقيقة ) يعني من أدرك شيئا ولزم حق ذلك الشيء أشهده اللهُ حقيقته، ومن ذلك أن جميع ما تبصره العين من مصادر النور إنما يستمد نوره من الله تعالى من حيث آثار اسمه تعالى النور، وهو من أسماء صفاته.
فلمّا وجد العلماء بالله تعدد مظاهر الأنوار وكانوا ممن ابتغوا إلى الله الوسيلة؛ كما أشرنا؛ شهدوا من أنواره صلى الله عليه وسلم ما وصفوه به، ومن ذلك ما جاء في الصلاة الفيضية لسيدي الشيخ الأكبر محي الدين بن العربي من قوله رضي الله عنه وعنّا به في حق الحقيقة المحمدية صلوات الله على صاحبها ومجاليها من الآل والكُمّل ( الفيض الأقدس الذاتي التي تعيّنت به الأعيانُ واستعدادتها، والفيض المقدَّس الصفاتي التي تكوّنت به الأكوان واستمدادتها، مطلع شمس الذات في سماء الأسماء والصفات ) وإن لزم الأمر التنبيه على غير تلك الأوصاف والمعاني عرجنا عليه، فأقول والله المستعان :-
اعلم أن الفيض عبارة عن الكثرة، وأن الذات توصف بالأحدية، ولذا نعتَ الشيخ رضي الله تعالى عنه فيض الذات بالأقدس، إذ أن إطلاق لفظ الوحدة في حق الحق تعالى إنما هو للتفخيم والتعظيم لا للتفهيم، فليست وحدته ووحدة وجوده كالوحدة التي تتصورها الأذهان بسلب ضدها عنها؛ أي انها وحدة لا ضدها الكثرة؛ إذ لا ضد له سبحانه ولا ند. فإن سأل سائل عن الكثرة المفاضة من حيث الذات قلنا له فيض الصفتين وما يلزم فيضه عنهما. فالصفتان عبارة عن الحياة والعلم، واللازمان هما الإرادة والقدرة، فذلكم الفيض الذاتي الأقدس عبارة عن حقيقة الحقائق، وهي منبع إفاضات جميع الحقائق الكونية - أي منبع كثرتها - ولذا سموها الحق المخلوق به. وهي معلومٌ معقول من حيث رتبة أوليته في حضرة العلم القديم، يعني أن تلك الحقيقة عبارة عن التعين الأول الذي هو أصل جميع التعينات، وإن شئت قلت أحدية جمع التعينات ومنشأ استعداداتها للتعين. أما تعين تلك الأعيان المشار إليها فلا يوصف بالوجود ولا بالعدم إنما هي عبارة عن أعيان معلوماته تعالى الثابتة في علمه القديم، واستعداداتها عبارة عن أهليتها لقبول الأمر الإيجادي حال صدوره من حضرة المريد القائل المعبر عنه بقوله تعالى ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون )0
وفي الجملة فإنه لابد من استعدادٍ ذاتي مودع في تلك العين التي هي عين الأعيان وأصل التعينات، بحيث تقبل؛ بذلك الاستعداد الذاتي؛ الأمرَ الإلهي، ولذا سمى الشيخ الأكبر ذلك الفيض الأصلي بقوله ( الفيض الأقدس الذاتي ).
ولما كان الحب هو ذات الصدور الأول لقوله تعالى في الحديث القدسي ( فأحببت أن أُعرف ) علمنا ان حقيقة الحبيب صلى الله عليه وسلم هي الأقرب والأبرز في تلك الحضرة الأقدسية القديمة فكانت تلك الحقيقة عبارة عن ذلك الفيض.
ولما كان فيضه تعالى دائم ازلي أبدي فاض عن فيض الذات الأقدسِ فيضٌٌ مقدَّسٌ بتقديسها، هو عين فيض صفاتها اللازمة لبروز الكثرة التي هي عين الإيجاد ومصدر الموجودات.
ولما كانت الوحدة عبارة عن محتِد الوجوب، كانت الكثرة محتد - أي أصل - الإمكان، وما تلك الكثرة المفاضة إلا أحكام أسماء صفاته تعالى، فإن قال قائل ولما يصف الشيخ حقيقته صلى الله عليه وسلم بأنها فيض أحكام صفاته قلنا له لكون الفيض عبارة عن آثار أحكام تمازج الصفات ، وتعالى الله على ان تؤثر صفاته فيه أو في بعضها البعض فكان الأثر عبارة عن نسبة بين المؤثر والمؤثر فيه، ولما كان المؤثر الحق تعالى من حيث وحدته والمؤثر فيه عبارة عن حضرة الإمكان المرادة له تعالى كانت حقيقته صلى الله عليه وسلم عبارة عن ذلك الأثر ولذا أمرنا تعالى باتباعه صلى الله عليه وسلم إن كنا نحبه تعالى، لكونه صلى الله عليه وسلم أثره تعالى، وهو في تلك الحضرة عبارة عن السبب الأول في تكوّن الأكوان، ولولا سريان ذلك السر فيها لما قبلت الامدادات الإلهية والكونية، فذلك قول الشيخ الأكبر ( والفيض المقدس الصفاتي الذي تكونت به الأكوان واستمدادتها).
أما قوله رضي الله عنه في حقيقة المحبوب صلوات الله عليه وسلم ( مطلع شمس الذات في سماء الأسماء والصفات ) فمن المعلوم أن لفظ مطلع قد يأتي بمعنى اسم الزمان كقوله تعالى ( مطلع الفجر ) وقد يأتي بمعنى اسم المكان كقوله تعالى ( حتى إذا بلغ مغرب الشمس ).
ولما كانت الشمس مظهر النور كان قول الشيخ الأكبر ( مطلع شمس الذات ) عبارة عن كون حقيقة الحقائق؛ التي هي عبارة عن أحدية جمع معلومات العلم القديم ومجمل أحكام الوجوب والإمكان؛ عبارة عن مجلى ألأحدية في سماء الكثرة الأسمائية والصفاتية. ولذا كان لمظهر تلك الحقيقة - سيدنا محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعه إلى يوم الدين - مقام ختم النبوة والرسالة الذي هو أعلى مقامات الخلافة. إذ الخلافة عبارة عن الجمع بين حقيقة الوحدة التي هي - كما أشرنا - محتد أحكام الوجوب، وحقيقة الكثرة التي هي محتد أحكام الإمكان.
وما هذه الجواب إلا غيض من فيض العبارة التي أطلقها الشيخ الأكبر في وصف حقيقته صلى الله عليه وآله وسلم فعذرا لنا منكم على التطويل وعذرا من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم على التقصير أو كما قيل شعرا:-
رسول الله قد جاوزت قدري
بمدحك غير أني لي انتسابا
في معنى قول الشيخ الأكبر محي الدين بن العربي في الصلاة الفيضية ( الفيض الأقدس الذاتي الذي تعيّنت به الأعيان واستعداداتها، والفيض المقدس الصفاتي التي تكونت به الأكوان واستمدادتها، مطلع شمس الذات في سماء الأسماء والصفات ).
الحمد لله، وبعد
لما كانت الصلاةُ على خير البرية عبارة عن الوسيلة التي يبتغي بها العبد الخروج من الظلمات إلى النور لقوله صلى الله عليه وسلم ( من صلى عليَّ مرةً صلى الله عليه بها عشر ) وقد أخبرنا سبحانه وتعالى أنه يصلي علينا كما يشاء ليخرجنا من الظلمات الى النور ( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور ) فبيّن لنا سبحانه تعدد الظلمات ووحدة النور ( الله نور السموات والأرض ) غير أننا نلاحظ تعدد مظاهر النور أيضا كما تبصر العين الأشياء بنور الشمس ونور القمر وأنوار النجوم والمصابيح، ورغم أن النور لا يُرى ولكن يُرى به إلا أننا نبصر بأعيننا مصادره الكثيرة. فمن آمن بالله وما أنزل على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ حتى قام له النقل مقام العقل؛ فعلم حق ما يدركه بحواسه بما أخبره ربه عنه في كتابه، أشهده الله حقيقة ما أدرك، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لكل حقٍّ حقيقة ) يعني من أدرك شيئا ولزم حق ذلك الشيء أشهده اللهُ حقيقته، ومن ذلك أن جميع ما تبصره العين من مصادر النور إنما يستمد نوره من الله تعالى من حيث آثار اسمه تعالى النور، وهو من أسماء صفاته.
فلمّا وجد العلماء بالله تعدد مظاهر الأنوار وكانوا ممن ابتغوا إلى الله الوسيلة؛ كما أشرنا؛ شهدوا من أنواره صلى الله عليه وسلم ما وصفوه به، ومن ذلك ما جاء في الصلاة الفيضية لسيدي الشيخ الأكبر محي الدين بن العربي من قوله رضي الله عنه وعنّا به في حق الحقيقة المحمدية صلوات الله على صاحبها ومجاليها من الآل والكُمّل ( الفيض الأقدس الذاتي التي تعيّنت به الأعيانُ واستعدادتها، والفيض المقدَّس الصفاتي التي تكوّنت به الأكوان واستمدادتها، مطلع شمس الذات في سماء الأسماء والصفات ) وإن لزم الأمر التنبيه على غير تلك الأوصاف والمعاني عرجنا عليه، فأقول والله المستعان :-
اعلم أن الفيض عبارة عن الكثرة، وأن الذات توصف بالأحدية، ولذا نعتَ الشيخ رضي الله تعالى عنه فيض الذات بالأقدس، إذ أن إطلاق لفظ الوحدة في حق الحق تعالى إنما هو للتفخيم والتعظيم لا للتفهيم، فليست وحدته ووحدة وجوده كالوحدة التي تتصورها الأذهان بسلب ضدها عنها؛ أي انها وحدة لا ضدها الكثرة؛ إذ لا ضد له سبحانه ولا ند. فإن سأل سائل عن الكثرة المفاضة من حيث الذات قلنا له فيض الصفتين وما يلزم فيضه عنهما. فالصفتان عبارة عن الحياة والعلم، واللازمان هما الإرادة والقدرة، فذلكم الفيض الذاتي الأقدس عبارة عن حقيقة الحقائق، وهي منبع إفاضات جميع الحقائق الكونية - أي منبع كثرتها - ولذا سموها الحق المخلوق به. وهي معلومٌ معقول من حيث رتبة أوليته في حضرة العلم القديم، يعني أن تلك الحقيقة عبارة عن التعين الأول الذي هو أصل جميع التعينات، وإن شئت قلت أحدية جمع التعينات ومنشأ استعداداتها للتعين. أما تعين تلك الأعيان المشار إليها فلا يوصف بالوجود ولا بالعدم إنما هي عبارة عن أعيان معلوماته تعالى الثابتة في علمه القديم، واستعداداتها عبارة عن أهليتها لقبول الأمر الإيجادي حال صدوره من حضرة المريد القائل المعبر عنه بقوله تعالى ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون )0
وفي الجملة فإنه لابد من استعدادٍ ذاتي مودع في تلك العين التي هي عين الأعيان وأصل التعينات، بحيث تقبل؛ بذلك الاستعداد الذاتي؛ الأمرَ الإلهي، ولذا سمى الشيخ الأكبر ذلك الفيض الأصلي بقوله ( الفيض الأقدس الذاتي ).
ولما كان الحب هو ذات الصدور الأول لقوله تعالى في الحديث القدسي ( فأحببت أن أُعرف ) علمنا ان حقيقة الحبيب صلى الله عليه وسلم هي الأقرب والأبرز في تلك الحضرة الأقدسية القديمة فكانت تلك الحقيقة عبارة عن ذلك الفيض.
ولما كان فيضه تعالى دائم ازلي أبدي فاض عن فيض الذات الأقدسِ فيضٌٌ مقدَّسٌ بتقديسها، هو عين فيض صفاتها اللازمة لبروز الكثرة التي هي عين الإيجاد ومصدر الموجودات.
ولما كانت الوحدة عبارة عن محتِد الوجوب، كانت الكثرة محتد - أي أصل - الإمكان، وما تلك الكثرة المفاضة إلا أحكام أسماء صفاته تعالى، فإن قال قائل ولما يصف الشيخ حقيقته صلى الله عليه وسلم بأنها فيض أحكام صفاته قلنا له لكون الفيض عبارة عن آثار أحكام تمازج الصفات ، وتعالى الله على ان تؤثر صفاته فيه أو في بعضها البعض فكان الأثر عبارة عن نسبة بين المؤثر والمؤثر فيه، ولما كان المؤثر الحق تعالى من حيث وحدته والمؤثر فيه عبارة عن حضرة الإمكان المرادة له تعالى كانت حقيقته صلى الله عليه وسلم عبارة عن ذلك الأثر ولذا أمرنا تعالى باتباعه صلى الله عليه وسلم إن كنا نحبه تعالى، لكونه صلى الله عليه وسلم أثره تعالى، وهو في تلك الحضرة عبارة عن السبب الأول في تكوّن الأكوان، ولولا سريان ذلك السر فيها لما قبلت الامدادات الإلهية والكونية، فذلك قول الشيخ الأكبر ( والفيض المقدس الصفاتي الذي تكونت به الأكوان واستمدادتها).
أما قوله رضي الله عنه في حقيقة المحبوب صلوات الله عليه وسلم ( مطلع شمس الذات في سماء الأسماء والصفات ) فمن المعلوم أن لفظ مطلع قد يأتي بمعنى اسم الزمان كقوله تعالى ( مطلع الفجر ) وقد يأتي بمعنى اسم المكان كقوله تعالى ( حتى إذا بلغ مغرب الشمس ).
ولما كانت الشمس مظهر النور كان قول الشيخ الأكبر ( مطلع شمس الذات ) عبارة عن كون حقيقة الحقائق؛ التي هي عبارة عن أحدية جمع معلومات العلم القديم ومجمل أحكام الوجوب والإمكان؛ عبارة عن مجلى ألأحدية في سماء الكثرة الأسمائية والصفاتية. ولذا كان لمظهر تلك الحقيقة - سيدنا محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعه إلى يوم الدين - مقام ختم النبوة والرسالة الذي هو أعلى مقامات الخلافة. إذ الخلافة عبارة عن الجمع بين حقيقة الوحدة التي هي - كما أشرنا - محتد أحكام الوجوب، وحقيقة الكثرة التي هي محتد أحكام الإمكان.
وما هذه الجواب إلا غيض من فيض العبارة التي أطلقها الشيخ الأكبر في وصف حقيقته صلى الله عليه وآله وسلم فعذرا لنا منكم على التطويل وعذرا من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم على التقصير أو كما قيل شعرا:-
رسول الله قد جاوزت قدري
بمدحك غير أني لي انتسابا
وكتبه الفقير الى رحمة ربه / أيمن حمدي