تقبيل أيدي العلماء والصالحين

تقبيل أيدي العلماء والصالحين
قال الشيخ عبد القادر عيسى رحمه الله :
كثر تساؤل الناس عن حكم تقبيل اليد ، وخصوصاً في هذه الأيام التي كثر فيها اتباع الهوى والرأي ، وضعف التحقيق العلمي السليم ، لكن الذي يمحص الحقائق ويرجع إلى الأحاديث الصحيحية وآثار الصحابة الكرام وأقوال الأئمة المحققين يجد أن تقبيل يد العلماء والصالحين والأبوين جائز شرعاً ، بل هو مظهر من مظاهر الآداب الإسلامية في احترام أهل الفضل والتقى ،
ومن الدلائل على جواز تقبيل أيدي ذو الفضل ما جاء في حديث قدوم وفد عبد القيس على رسول الله ( صل الله عليه واله وسلم ) عن أم أبان بنت الوازع بن زارع عن جدها زارع وكان في وفد عبد القيس قال : فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد رسول الله ( صل الله عليه واله وسلم ) ورجله .
ومنها ما ورد من حديث صفوان عن عسال قال قال يهودي لصاحبه : قم بنا إلى هذا النبي ، فأتيا رسول الله ( صل الله عليه واله وسلم ) فسألا عن تسع آيات بينات فذكر الحديث إلى قوله فقبلا يده ورجله وقالا نشهد أنك نبي الله .
هذا ولقد قبل أبو لبابة وكعب بن مالك وصاحباه يد النبي ( صل الله عليه واله وسلم ) حين تاب الله عليهم .
وقال الشيخ محمد أمين الكردي : ويسن تقبيل اليد ونحوه لعلم وزهد ففي حديث أسامة بن شريح عند أبي داود بسند قوي قال : فقمنا إلى النبي ( صل الله عليه واله وسلم ) فقبلنا يديه وفي حديث يزيد في قصة الأعرابي والشجرة فقال : يا رسول الله ائذن لي أن أقبل رأسك ورجليك فأذن له .
ويكره ذلك لغنى وذي بدعة .
وقال البخاري في كتاب الأدب المفرد حدثنا أبو عوانة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن عمر قال : كنا في غزوة فحاص الناس حيصة قلنا : كيف نلقى النبي ( صل الله عليه واله وسلم ) وقد فررنا ، فنزلت إلا متحرفاً لقتال (1) أي منعطفاً بأن يريهم أنه منهزم خداعاً ثم يكر عليهم ، أو متحيزاً (2) أي منضماً وسائراً إلى فئة ، أي إلى جماعة أخرى من المسلمين سوى الفئة التي هو فيها يستنجد بها ، فقلنا لا نقدم المدينة فلا يرانا أحد ، فقلنا لو قدمنا فخرج النبي ( صل الله عليه واله وسلم ) من صلاة الفجر قلنا : نحن الفرارون قال ( صل الله عليه واله وسلم ):( أنتم العكارون ) أي الكرارون فقبلنا يديه ، قال ( صل الله عليه واله وسلم ): أنا فئتكم (3) .
وروى أيضاً فيه حدثنا ابن أبي مريم قال حدثنا عاطف بن خالد قال حدثني عبد الرحمن بن رزين قال : مررنا بالربذة فقيل لنا ههنا سلمة بن الأكوع فأتيته فسلمنا عليه فأخرج يديه فقال : بايعت بهاتين نبي الله ( صل الله عليه واله وسلم ) فأخرج كفاً له ضخمة كأنها كف بعير فقمنا إليها فقبلناها .
وروى فيه أيضاً : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا ابن عيينة عن أبي جدعان قال ثابت لـ أنس : أمسست النبي بيديك ؟ قال : نعم فقبلها .
وروى فيه أن الوازع بن عامر قال : قدمنا فقيل ذاك رسول الله ( صل الله عليه واله وسلم ) فأخذنا بيديه ورجليه نقبلها .
وفيه أيضاً عن صهيب قال : رأيت علياً يقبل يدي العباس ورجليه .
ويسن أيضاً القيام لأهل الفضل إكراماً لا رياءً قياساً على المصافحة والتقبيل الوارد لهما ما تقدم على أنه ورد في الحديث الصحيح : ( قوموا لسيدكم)(4) يعنى سعداً .
أما ما ورد من الآثار فكثير منها :
ما أخرجه الطبراني والبيهقي والحاكم أن زيد بن ثابت (رضي الله عنه) صلى على جنازة فقربت له بغلته ليركبها فجاء عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) فأخذ بركابه فقال زيد بن ثابت : خل عنها يا ابن عم رسول الله ( صل الله عليه واله وسلم ) فقال ابن عباس : هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء والكبراء فقبل زيد بن ثابت يد ابن عباس وقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت رسول الله ( صل الله عليه واله وسلم ) .
وأخرج البخاري في الأ دب المفرد من طريق أبي مالك الأشجعي قلت لـ ابن أبي أوفى : ناولني يدك التي بايعت بها رسول الله ( صل الله عليه واله وسلم ) فناولنيها فقبلتها .
ذكر الحافظ ابن كثير في تاريخه عند فتح بيت المقدس على يد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فلما وصل سيدنا عمر إلى الشام تلقاه أبو عبيدة وترجل عمر فأشار أبو عبيدة ليقبل يد عمر فهم عمر بتقبيل رجل أبي عبيدة فكف أبو عبيدة فكف عمر .
أقوال علماء المذاهب وأئمتها :
1- الحنفية : قال العلامة ابن عابدين في حاشيته عند كلام صاحب الدر المختار : ولا بأس بتقبيل يد الرجل العالم والمتورع على سبيل التبرك وقيل : سنة .
وفي حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح قال : وفي غاية البيان عن الواقعات : تقبيل يد العالم أو السلطان العادل جائز ثم قال : فعلم من مجموع ما ذكرناه إباحة تقبيل اليد .
2- المالكية : قال الإمام مالك (رضي الله عنه) : إن كانت قبلة يد الرجل على وجه التكبر والتعظم فمكروهة وإن كانت على وجه القربة إلى الله لدينه أو لعلمه أو لشرفه فإن ذلك جائز .
3- الشافعية : قال الإمام النووي : تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه وعلمه أو شرفه أو نحو ذلك من الأمور الدينية لا يكره بل يستحب فإن كان لغناه أو شوكته أو جاهه عند أهل الدنيا فمكروه شديد الكراهة .
4- الحنابلة قال المروزي : سألت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل(رضي الله عنه) عن قبلة اليد فقال : إن كان على طريق التدين فلا بأس وإن كان على طريق الدنيا فلا .
قال الحافظ ابن الجوزي في مناقب أصحاب الحديث : ينبغي للطالب أن يبالغ في التواضع للعالم ويذل له ومن التواضع تقبيل يده وقبل سفيان بن عيينة والفضل بن عياض أحدهما يد الحسين بن علي الجعفي والآخر رجله .
وقال أبو المعالي في شرح الهداية : أما تقبيل يد العالم والكريم لرفده فجائز وأما أن تقبل يده لغناه فقد روى من تواضع لغنى فقد ذهب ثلثا دينه وقد ثبت أن الصحابة قبلوا يد المصطفى (صل الله عليه واله وسلم) كما في حديث ابن عمر(رضي الله عنه) عند قدومهم من غزوة مؤتة .