تنـزيه الـمولى جلّ وعلا عمّا لا يليق قي حقّه واجب عينيّ

كتبه الشيخ ياسين بن ربيع

جمعتني مناقشة بالـمراسلة الكتابية مع أحد الأخوة الكرام حول مسألة إثبات العلوّ في حقّه تبارك وتعالى...وفي ختام الـحوار جاءتني رسالة من أحد رفقاء مقاعد الـدّراسة وكان مـتابعًا للـحوار من أوّله جاء في ثناياها ما فحواه: "بأنّ السّلف ما كانوا يخوضون في مثل هذه الـمسائل فنكتفي بالإيمان بالله بلا تأويل ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة...والعالَم يتقدّم في العلم ونحن نضيّع أوقاتنا في أشياء نهى حتى السلف رضوان الله عليهم الخوض فيها" أو كما قال...ولَمَّا راسلني اليوم هنا أحد الأخوة وألـمح كذلك إلى نفس الطّرح أحببتُ أن أشارككم جوابي لـصديقي في الدّراسة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تنـزيه الـمولى جلّ وعلا عمّا لا يليق قي حقّه واجب عينيّ لا يتوجّب التّقاعس عنه بأيّ حال من الأحوال، وقد جاءت الرّسل لإثبات الـكمال للـخالق الـمعبود وتنـزيهه عن الـمعاني الأرضيّة التي لا تليق إلا بالـمخلوق والـمحدود ولو تأمّلت القرآن الـكريم لوجدته يعجُّ بكذا تأصيل واقرأ إن شئت: "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير"..."فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ"..."سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ"..."سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ"..."سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ"...فكلّها آيات تستنـكر وصف الباري جلّ وعلا بالنّقائص...وإذا كان سيّد الـخلق وحبيب الـحق يحث الـمسلم للذّبّ عن عرض أخيه قائلاً: "مَن ذبَّ عن عرض أخيه ذبّ الله عن عرضه" فمن باب أوْلى الذّب عن حمى الله ورسوله...فليس تنـزيه الله عزّ وجلّ عمّا لا يليق "مضيعة للوقت"، فتنـبّه

إنّ القول بأنّ السلف لَم يخوضوا في مثل هذه الأمور ليس صحيحاً ويكفي إطلالة صغيرة على كتب التفاسير لتجد النّقال عنهم وبالاستفاضة في تأويل الـظواهر الـموهمة للتّشبيه، ودونك تأويلات حبر الأمة سيّدنا عبد الله بن عباس وغيره من كبار الصحابة. والسّلف لَم يخوضوا في مثل هذه البحوث ابتداءً لأنّه وببساطة لَم تفشو هذه الـمُعتقدات الباطلة في وقتهم على العموم كما هو الـحال في هذه العصور العجاف، فقد كانوا يدركون معاني هذه الظّواهر كما تُمليه عليهم شريعتهم وباللّسان العربي الـمبين كما هي سليقتهم. ولكن لَما شمّرت البدع عن ساعدها وظهرت بعض الـمعتقدات الضالة كالقدرية والـمجسّمة وغيرها من الـمعتقدات الـمُخالفة بسبب الفتوحات الإسلاميّة وظهور العُجمَة في اللّّسان العربيّ...قاموا -رضوان الله عليهم- عليها، وردعوها بالـحجة والبيان كما أمر الشارع الـحكيم وما مُناظرات الإمام عليّ كرّم الله وجهه للقدرية وكذلك مناظرة الإمام الشافعي لـحفص الفرد عنّا ببعيد.

ومن ظنّ بأنّ السلف أو حتى علماء الأمة من الـخلف كانوا لا يُجابِهون الـمُعتقدات الباطلة ويكتفون بعدم الـخوض فقط فقد غلب عليه وهـمه وعليه أن يُراجع عقـله، فالقرآن يقول:" وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"...ومن ترك الـمعتقدات الباطلة تصول وتجول بلا ردع وقمع فقد أفسح بخياره هذا الـمجال على مصرعيه أمام هذه الأباطيل لتكتسح بخيلها ورجلها الـمجتمعات الإسلامية.

والله الـموفّق