سؤال ... وجواب ... !!!
بقلم فضيلة الشيخ عبدالخالق زكريا الجيلاني
بسم الله الرحمن الرحيم
أخت تسأل عن حديث سيدنا أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه عندما رأى بعض الذاكرين يستعملون السبحة ، فأنكر عليهم عملهم هذا ، وقال لهم : هذا لم يكن في زمن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وتقول :
( ... سؤالي عن صحة وتفسير هذا الحديث الذي معناه باختصار أن قوماً كانوا يذكرون الله بالسبحة فنهاهم أبو موسى الأشعري عن ذلك ، فقالوا له : نحن نذكر الله وهذا عمل جيد ، فنهاهم ، وقال لهم : هذا ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم طلبت الجواب عن صحة هذا الحديث ورفع الإشكال فيه ... ، فكان لا بد من الإجابة عليه لرفع الشبه التي أوردها وهابية الجهل الممدود والعقل المحدود والأدب المفقود ، فكان هذا الجواب ، والله الملهم للحق والصواب :
السلام عليكم ...
بالنسبة لسؤال الأخت التي تسأل عن صحة الحديث وحكم الأخذ به والتزام ما فيه نقول :
الحديث الوارد عن سيدنا أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه سواء أكان صحيحا أم لم يكن كذلك ، فما هو إلا قول صحابي وفعله ورأيه ، وليس هو رأيا ملزما لغيره إذ لم يلزمنا الله تعالى إلا باتباع رسوله ونبيه ، خاصة وأنه ورد عن الصحابة الكرام وفقهائهم الأعلام رضوان الله تعالى عليهم فعل ما لم يفعله النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، ولم ينكر على أحد منهم ذلك ، فكيف وقد انعقد الإجماع على صحة جمع القرآن في مصحف واحد ، وخدمته رسما وتشكيلا وتقسيم آياته وإعرابه والكلام في جميع علومه وفنونه وغيره من سائر علوم الإسلام و و ...
وإذا صح بطلان كل ما لم يفعله النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، إذ لم يكن في عهده ، لوجب بطلان جمع الأحاديث والسنن في كتب وحفظها من الضياع ، كهذا الحديث الذي يتمسك به هذا المعترض الأبله ، كما يجب - على مذهبهم - عدم أخذ العلم من الكتب مباشرة ، لأنها لم تكن على عهده صلى الله تعالى عليه وسلم ، والأدهى والأمر أن هذا المعتوه يجعل من موقف هذا الصحابي رضي الله تعالى عنه أصلا شرعيا لا تجوز مخالفته ، متجاهلا فتاوى وأقوال جماهير الصحابة وعلماء الأمة وفقهاء الملة ضاربا بها عرض الحائط ... ، وبعدها أخذ يحرم ما لم يرد تحريمه صريحا في كتاب أو سنة وكفى بهذا الفعل اتباعا للهوى وانصياعا للأمزجة النفسية ...
وقد جهل هذا الغافل أنه لم تجمع الصحاح والسنن في زمنه صلى الله تعالى عليه وسلم ، فهل هذا يدل على تحريم ذلك ، مع أنه قد ورد في الصحيح عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه نهى عن كتابة الحديث في زمانه لئلا يختلط القرآن بغيره ...
وهذا الوهابي الأبله الذي يرسل هذه الآحاديث التي هي آراء فردية تخص أصحابها ليتسنى له تمرير خيالاته ، مع أنه قد ورد خلافها عند كثير من الصحابة الكرام وفقهائهم العظام ... فإننا في مخالفتنا لرأي الصحابي رضي الله تعالى عنه وتمسكنا بأقوال الصحابة المخالفة لرأيه ، ليس فيها أي إشكال مطلقا إذ علماء الأمة وفقهاء المذاهب الأربعة لم يغفلوا ولم يجهلوا أقوال الصحابة مطلقا ، لا الموافق منهم ولا المخالف لهم ، بل وجدوا أن جماهير الصحابة وفقهاءهم البررة فيهم من هم أعلم بمقاصد الشريعة وأهدافها وحدودها ومعانيها المنيعة ، فقد ورد عن إمامنا الأعظم أبي حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه أنه قال : ( ما وردنا عن الله ورسوله فهو على الرأس والعين وما وردنا عن الصحابة فنتخير بين أقوالهم ولا نخرج عنها إلى أقوال غيرهم وما جاءنا عن ( فلان وفلان من التابعين ) ... فهم رجال ونحن رجال ) أو كما قال رضي الله تعالى عنه .
لذا فإنه عندما تتكلم المذاهب الأربعة وخاصة فيما أجمعت على وجوبه أو استحبابه وإباحته أو كراهته وتحريمه ، فإنه يجب أن يسكت أمثال هؤلاء الوهابية الذين يجهلون حتى المذهب الحنبلي الذي ينتسبون إليه زورا وبهتانا ، إذ قد جهلوا الشريعة والحكمة الشرعية وأهدافها السامية والشريفة ومقاصدها العليا والمنيفة ...
فإذا تكلم مثلا الإمام النووي رضي الله تعالى عنه وهو الإمام الهمام والعلم الحجة والمحقق والمدقق ... فيجب أن يخرس هؤلاء الصبية الصغار من وهابية الجهل والغباء والخبال ...
ويجب على من تصله مثل هذه الرسائل ألا يلقي لها بالا ، حتى لا تكون عليه وعلى مجتمعه وأوطانه بلاء ووبالا ...
وأما بالنسبة إلى حكم السبحة وأدلتها في مذاهب الجماهير الغفيرة في المذاهب الأربعة فإليكم حكمها باختصار ، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من عباده الأبرار ...:
حكم استخدام السبحة :
يجوز استعمال السبحة لعد التسبيح والذِّكْر والاستغفار، فقد رويت فيها آثار كثيرة عن الصحابة والتابعين أنهم ما زالوا يستعينون بالسبح المصنوعة من النوى على الذِّكْر والتسبيح.
وهي من وسائل العبادات المشروعة، بل إن ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من عقد التسبيح بيمينه يدل على جواز عقد التسبيح بما يستعين به المسلم على حفظ العدد؛ فلا وجه للقول ببدعيتها، ولا نعرف من الفقهاء من قال بذلك.
وللحافظ السيوطي رسالة خاصة بعنوان: "المنحة في السبحة" مطبوعة ضمن "الحاوي للفتاوي" (2/ 4-6).
وسئل ابن حجر الهيتمي: هل للسبحة أصل في السنة؟ فأجاب بقوله: "نعم، وقد ألَّف في ذلك الحافظ السيوطي؛ فمن ذلك ما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيده. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي: (عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس، ولا تغفلن فتنسين التوحيد، واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات ومستنطقات). وجاء التسبيح بالحصى والنوى والخيط المعقود فيه عقد عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم، وعن بعض العلماء: عقد التسبيح بالأنامل أفضل من السبحة لحديث ابن عمر. وفصل بعضهم فقال: إنْ أمِن المسبح الغلط كان عقده بالأنامل أفضل وإلا فالسبحة أفضل" "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/ 152). والله تعالى أعلم.
قلت ( عبدالخالق زكريا ) : هذه هي فتاوى الأقدمين ، ومع ذلك فيمكننا القول : إن المسبح والمستغفر وو ، عليهم أن يتناوبوا التسبيح وغيره من التحميد والتكبير بين اليد والسبحة بعد الصلوات للعمل بالفضيلتين ، مع أننا نرى التسبيح بالسبحة في الذكر المطلق هو الأفضل في كل حال ، إذ إنها شاهد زائد مع الأصابع واليد التي تحصي لنا التسبيح والتهليل والتكبير ... ، حيث إن اليد ما زالت تعمل وتشتغل في التسبيح وغيره بتحريك وتقليب حبات السبحة ، فلم يبق إلا أننا زدنا شاهدا آخر لنا ، يشهد ويشفع لنا يوم القيامة ، وهذا بالإضافة إلى أنها تذكرنا وتشغلنا بذكر الله تعالى في أوقات فراغنا ... وهذا مع اليقين بأن الله هو العليم الحكيم وهو الكريم الرحيم ، الدي لا يحتاج إلى شاهد ، بل هو خير الشاهدين ، وكفى بذلك منة ونعمة منه سبحانه أن أكرمنا بذكر اسمه وتفضل علينا به ...
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله تعالى علي سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أخوكم : عبدالخالق زكريا الجيلاني الماتريدي الحنفي تولاه الله تعالى بلطفه الجلي والخفي .
بقلم فضيلة الشيخ عبدالخالق زكريا الجيلاني
بسم الله الرحمن الرحيم
أخت تسأل عن حديث سيدنا أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه عندما رأى بعض الذاكرين يستعملون السبحة ، فأنكر عليهم عملهم هذا ، وقال لهم : هذا لم يكن في زمن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وتقول :
( ... سؤالي عن صحة وتفسير هذا الحديث الذي معناه باختصار أن قوماً كانوا يذكرون الله بالسبحة فنهاهم أبو موسى الأشعري عن ذلك ، فقالوا له : نحن نذكر الله وهذا عمل جيد ، فنهاهم ، وقال لهم : هذا ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم طلبت الجواب عن صحة هذا الحديث ورفع الإشكال فيه ... ، فكان لا بد من الإجابة عليه لرفع الشبه التي أوردها وهابية الجهل الممدود والعقل المحدود والأدب المفقود ، فكان هذا الجواب ، والله الملهم للحق والصواب :
السلام عليكم ...
بالنسبة لسؤال الأخت التي تسأل عن صحة الحديث وحكم الأخذ به والتزام ما فيه نقول :
الحديث الوارد عن سيدنا أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه سواء أكان صحيحا أم لم يكن كذلك ، فما هو إلا قول صحابي وفعله ورأيه ، وليس هو رأيا ملزما لغيره إذ لم يلزمنا الله تعالى إلا باتباع رسوله ونبيه ، خاصة وأنه ورد عن الصحابة الكرام وفقهائهم الأعلام رضوان الله تعالى عليهم فعل ما لم يفعله النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، ولم ينكر على أحد منهم ذلك ، فكيف وقد انعقد الإجماع على صحة جمع القرآن في مصحف واحد ، وخدمته رسما وتشكيلا وتقسيم آياته وإعرابه والكلام في جميع علومه وفنونه وغيره من سائر علوم الإسلام و و ...
وإذا صح بطلان كل ما لم يفعله النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، إذ لم يكن في عهده ، لوجب بطلان جمع الأحاديث والسنن في كتب وحفظها من الضياع ، كهذا الحديث الذي يتمسك به هذا المعترض الأبله ، كما يجب - على مذهبهم - عدم أخذ العلم من الكتب مباشرة ، لأنها لم تكن على عهده صلى الله تعالى عليه وسلم ، والأدهى والأمر أن هذا المعتوه يجعل من موقف هذا الصحابي رضي الله تعالى عنه أصلا شرعيا لا تجوز مخالفته ، متجاهلا فتاوى وأقوال جماهير الصحابة وعلماء الأمة وفقهاء الملة ضاربا بها عرض الحائط ... ، وبعدها أخذ يحرم ما لم يرد تحريمه صريحا في كتاب أو سنة وكفى بهذا الفعل اتباعا للهوى وانصياعا للأمزجة النفسية ...
وقد جهل هذا الغافل أنه لم تجمع الصحاح والسنن في زمنه صلى الله تعالى عليه وسلم ، فهل هذا يدل على تحريم ذلك ، مع أنه قد ورد في الصحيح عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه نهى عن كتابة الحديث في زمانه لئلا يختلط القرآن بغيره ...
وهذا الوهابي الأبله الذي يرسل هذه الآحاديث التي هي آراء فردية تخص أصحابها ليتسنى له تمرير خيالاته ، مع أنه قد ورد خلافها عند كثير من الصحابة الكرام وفقهائهم العظام ... فإننا في مخالفتنا لرأي الصحابي رضي الله تعالى عنه وتمسكنا بأقوال الصحابة المخالفة لرأيه ، ليس فيها أي إشكال مطلقا إذ علماء الأمة وفقهاء المذاهب الأربعة لم يغفلوا ولم يجهلوا أقوال الصحابة مطلقا ، لا الموافق منهم ولا المخالف لهم ، بل وجدوا أن جماهير الصحابة وفقهاءهم البررة فيهم من هم أعلم بمقاصد الشريعة وأهدافها وحدودها ومعانيها المنيعة ، فقد ورد عن إمامنا الأعظم أبي حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه أنه قال : ( ما وردنا عن الله ورسوله فهو على الرأس والعين وما وردنا عن الصحابة فنتخير بين أقوالهم ولا نخرج عنها إلى أقوال غيرهم وما جاءنا عن ( فلان وفلان من التابعين ) ... فهم رجال ونحن رجال ) أو كما قال رضي الله تعالى عنه .
لذا فإنه عندما تتكلم المذاهب الأربعة وخاصة فيما أجمعت على وجوبه أو استحبابه وإباحته أو كراهته وتحريمه ، فإنه يجب أن يسكت أمثال هؤلاء الوهابية الذين يجهلون حتى المذهب الحنبلي الذي ينتسبون إليه زورا وبهتانا ، إذ قد جهلوا الشريعة والحكمة الشرعية وأهدافها السامية والشريفة ومقاصدها العليا والمنيفة ...
فإذا تكلم مثلا الإمام النووي رضي الله تعالى عنه وهو الإمام الهمام والعلم الحجة والمحقق والمدقق ... فيجب أن يخرس هؤلاء الصبية الصغار من وهابية الجهل والغباء والخبال ...
ويجب على من تصله مثل هذه الرسائل ألا يلقي لها بالا ، حتى لا تكون عليه وعلى مجتمعه وأوطانه بلاء ووبالا ...
وأما بالنسبة إلى حكم السبحة وأدلتها في مذاهب الجماهير الغفيرة في المذاهب الأربعة فإليكم حكمها باختصار ، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من عباده الأبرار ...:
حكم استخدام السبحة :
يجوز استعمال السبحة لعد التسبيح والذِّكْر والاستغفار، فقد رويت فيها آثار كثيرة عن الصحابة والتابعين أنهم ما زالوا يستعينون بالسبح المصنوعة من النوى على الذِّكْر والتسبيح.
وهي من وسائل العبادات المشروعة، بل إن ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من عقد التسبيح بيمينه يدل على جواز عقد التسبيح بما يستعين به المسلم على حفظ العدد؛ فلا وجه للقول ببدعيتها، ولا نعرف من الفقهاء من قال بذلك.
وللحافظ السيوطي رسالة خاصة بعنوان: "المنحة في السبحة" مطبوعة ضمن "الحاوي للفتاوي" (2/ 4-6).
وسئل ابن حجر الهيتمي: هل للسبحة أصل في السنة؟ فأجاب بقوله: "نعم، وقد ألَّف في ذلك الحافظ السيوطي؛ فمن ذلك ما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيده. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي: (عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس، ولا تغفلن فتنسين التوحيد، واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات ومستنطقات). وجاء التسبيح بالحصى والنوى والخيط المعقود فيه عقد عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم، وعن بعض العلماء: عقد التسبيح بالأنامل أفضل من السبحة لحديث ابن عمر. وفصل بعضهم فقال: إنْ أمِن المسبح الغلط كان عقده بالأنامل أفضل وإلا فالسبحة أفضل" "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/ 152). والله تعالى أعلم.
قلت ( عبدالخالق زكريا ) : هذه هي فتاوى الأقدمين ، ومع ذلك فيمكننا القول : إن المسبح والمستغفر وو ، عليهم أن يتناوبوا التسبيح وغيره من التحميد والتكبير بين اليد والسبحة بعد الصلوات للعمل بالفضيلتين ، مع أننا نرى التسبيح بالسبحة في الذكر المطلق هو الأفضل في كل حال ، إذ إنها شاهد زائد مع الأصابع واليد التي تحصي لنا التسبيح والتهليل والتكبير ... ، حيث إن اليد ما زالت تعمل وتشتغل في التسبيح وغيره بتحريك وتقليب حبات السبحة ، فلم يبق إلا أننا زدنا شاهدا آخر لنا ، يشهد ويشفع لنا يوم القيامة ، وهذا بالإضافة إلى أنها تذكرنا وتشغلنا بذكر الله تعالى في أوقات فراغنا ... وهذا مع اليقين بأن الله هو العليم الحكيم وهو الكريم الرحيم ، الدي لا يحتاج إلى شاهد ، بل هو خير الشاهدين ، وكفى بذلك منة ونعمة منه سبحانه أن أكرمنا بذكر اسمه وتفضل علينا به ...
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله تعالى علي سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أخوكم : عبدالخالق زكريا الجيلاني الماتريدي الحنفي تولاه الله تعالى بلطفه الجلي والخفي .