تكرار العمرة في السفرة الواحدة

تكرار العمرة في السفرة الواحدة 
كتبه د. محمد إبراهيم حامد   
بسم الله الرحمن الرحيم 
واحدة من أكثر المسائل التي تتردد في الحج أو في العمرة ، رغم أن المسألة لا تحتاج إلى كثرة النزاع والتعصب لقول واحد .فالمسألة كما قلنا محل خلاف بين الفقهاء ولكل وجهة هو موليها ، ولكن ليس من العقل التعصب لقول وإنكار الآخر ، فالدين يسر.وأنقل هنا فتوى المرجعية الأولى لنا كأزهريين في الفتوى وهي دار الإفتاء المصرية في المسألة: (للمعتمر أن يؤدي أكثر من عمرة في رحلة واحدة، سواء عنه أو عن والده المريض الذي لا يستطيع العمرة بنفسه ولا يرجى برؤه، وذلك بعد أن يكون قد اعتمر عن نفسه؛ بل إن تكرار العمرة من فضائل الأعمال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ) رواه مسلم.
والشرط الوحيد لصحة الإحرام بالعمرة الثانية لمن هو في داخل مكة أن يخرج إلى أقرب الحل، كالتنعيم مثلا، فقد اعتمرت عائشة رضي الله عنها في حجة الوداع عمرتين في أقل من عشرين يوماً، عمرة وهي داخلة من المدينة، وعمرة أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحرم بها من التنعيم.

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مَعَهَا أَخَاهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْمَرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ. متفق عليه.
يقول الإمام النووي رحمه الله:" إذا كان بمكة مستوطنا أو عابر سبيل وأراد العمرة فميقاته أدنى الحل, نص عليه الشافعي، واتفق عليه الأصحاب، قال أصحابنا: يكفيه الحصول في الحل ولو بخطوة واحدة من أي الجهات كان جهات الحل، هذا هو الميقات الواجب. وأما المستحب فقال الشافعي في المختصر: أحب أن يعتمر من الجعرانة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر منها، فإن أخطأه منها فمن التنعيم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعمر عائشة منها، وهي أقرب الحل إلى البيت، فإن أخطأه ذلك فمن الحديبية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بها، وأفضلها من الجعرانة، وبعدها في الفضيلة التنعيم، ثم الحديبية، كما نص عليه، واتفق الأصحاب على التصريح بهذا في كل الطرق، ولا خلاف في شيء منه " انتهى. " المجموع " (7/211)، وانظر: " مغني المحتاج " (2/229)
بل نص ابن قدامة رحمه الله على نفي الخلاف في جواز عمرة مَن كان بمكة مِن أهلها أو القادمين عليها، فقال: " كل من كان بمكة فهي ميقاته للحج، وإن أراد العمرة فمِنَ الحل، لا نعلم في هذا خلافاً، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن أن يعمِّر عائشة من التنعيم " انتهى. " المغني " (3/11)
ولذلك يجوز تكرار العمرة أكثر من مرة في السفرة الواحدة، طالما لم يأت نص بالمنع من ذلك، وقد أجازه عامة العلماء. والله تعالى أعلم. أ هـ.
وبعد ان نقلت فتوى دار الإفتاء بنصاء ، هناك بعض الحجج التي يتحجج بها المانعون وهي حجج مردودة:
الأولى: لم يثبت تكرار العمرة في سفرة واحدة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والجواب: عدم الورود لا يعني المنع.
الثانية: لم يرد ذلك عن أحد من السلف: والجواب: بل ثبت ذلك, ومن تلك الآثار:
• قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي حسين عن بعض ولد أنس بن مالك قال: كنا مع أنس بن مالك بمكة فكان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر (مسند الشافعي 778, وعنه البيهقي 8730).
• قال ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه سئل عن العمرة بعد الحج أيام التشريق فلم ير بها بأساً, وقال: ليس فيها هدي. (المصنف 13017).
• عن حصين قال: سألت سعيد بن جبير عن العمرة بعد الحج بستة أيام فقال: "اعتمر إن شئت" (ابن أبي شيبة13020).
• عن ليث عن طاووس أنه سئل عن العمرة فقال: "إذا مضت أيام التشريق فاعتمر متى شئت إلى قابل" (ابن أبي شيبة 12724).
• عن قتادة عن عكرمة قال: "اعتمر ما أمكنك" (ابن أبي شيبة 12726).
فلا داعي للخلاف والاختلاف ، ولا تمنعوا عباد الله من المتاجرة مع الله ، ولنفهم قبل أن نتكلم.