الموالد واستعمال الدف في الذكر و الإنشاد من منظور الإمام الرائد الزكى ابراهيم رضى الله عنه

الموالد واستعمال الدف في الذكر و الإنشاد من منظور الإمام الرائد الزكى ابراهيم رضى الله عنه
كتبه المستشار أسامة زكى من تلاميذ الامام الرائد
بسم الله الرحمن الرحيم
اولاً : الموالد في منظور الإمام الرائد
طلب مني من لا طاقة لمحبتي له سوى أن أجيب طلبه و هو الأستاذ الداعية العارف الشيخ / فراج يعقوب المالكي مذهبا الخلوتي طريقة - طلب مني سيادته - أن أبين رأي الإمام الرائد سيدي محمد زكي ابراهيم في الموالد لما أشيع أن سيادته كان ينكرها برمتها .. و أسأل الله ان يوفقني في كتابة ما تيقن عندي في هذا الخصوص فأقول و بالله التوفيق :
إن الإمام الرائد ( رضى الله عنه ) لم يكن ينكر الاحتفال بالمولد النبوي بل كان و كنا حوله نحتفل به طوال شهر ربيع الأول و لا يزال البيت المحمدي برعاية فضيلة الشيخ السيد اللواء / عصام زكي يحتفل بالمولد النبوي في جميع فروع العشيرة و زوايا الطريقة المحمدية داخل و خارج البلاد و يكون ختام الاحتفالات في آخر جمعة من ربيع الأنوار
كما كان شيخنا الزكي ابراهيم كذلك يحتفل بمناسبات آل البيت لاسيما مولد الإمام الحسين ( رضى الله عنه ) الخاص بدخول الرأس الشريف مصر ، و كذلك مولد سيدتنا السيدة زينب (ر) و كان سيادته يفتح مسجد العشيرة في أسبوع المولدين لزوار آل البيت من إخواننا أهل الصعيد و إخواننا أهل بحري لاسيما أحباب العشيرة و غيرهم من بلبيس و المنصورة و القليوبية و غيرها و كان يسمح لشيخنا البركة المرحوم / محمد عبد الرحمن أيوب كبير إخواننا بالوجه البحري أن يقيم خدمته وراثة عن والده شيخ السجادة الوفائية الشيخ عبد الرحمن ايوب داخل مسجد سيدنا الحسين و السيدة زينب و لا يزال نجله السيد حسن ايوب مستمرا فيما كان عليه ابوه و جده و المقتصرة على إطعام الطعام و إعانة الفقراء سرا ، و كان شيخنا (الزكي) يجمع أبناءه بعد انتهاء الليلة الختامية في ليلة الخميس من بعد مساء الأربعاء ليكون تتمة الاحتفال بالمولد في البيت المحمدي مقر العشيرة المحمدية بقايتباي و هي ما تسمى بالليلة اليتيمة أي التي لا نظير لها ، و كان أيضا يحتفل بمولد جده أبي عليان في ثاني اسبوع من رجب و بذكرى أبيه ابراهيم الخليل في جمادى من كل عام .. هذا ما شهدناه بأنفسنا و لا يستطيع أن يجحده أحد ممن صحبوا الشيخ رضي الله عنه
كل ما في الأمر أن الشيخ كان عالما يخشى الله يأتمر بأوامره و ينتهي عما نهاه ، فكان يحرم الحرام و يحل الحلال بل يذكرنا بقول الجنيد ( خلاف الأولى عند القوم في مرتبة الحرام ) و خلاف الأولى كما قال العلامة عبد الغني النابلسي دون اللمم كمن سبح تسبيحتين في الركوع و السجود .. تأمل !!
فالإمام الرائد كان يرى - و بحق - أن الموالد فرصة لخير الظاهر و الباطن فيتزود المرء فيها بغذاء الروح و الجسد معا ، فلا إنكار على قراءة القرآن و مجالس الذكر و الإنشاد المرقق السمح الجاد اللائق شعرا كان أو زجلا و كذا مجالس العلم و الوعظ و اللقاءات الأخوية بين المتحابين في الله من الطرق المختلفة ، كما لا إنكار على إطعام الطعام الطيب الذي يتساوى فيه الناس و يسقى بماء واحد ، بل و لا إنكار حتى على الانتفاع بالبيع و الشراء في حدود ما أحله الله (و الحلال بين و الحرام بين) أما ما ابتليت به بعض الموالد من اختلاط فج محرم بين الرجال و النساء ، و تفاخر بطول سرادق طريقة و عرضه على باقي السرادقات و تفاوت الأطعمة بين الغني صاحب المنصب و الفقير المعدم و بيع للخمور و ترويج الحشيش و ضيافة المعسل و إقامة بعض الغرز تحت مسمى الخدمة و العبث و التهريج و اندساس اللصوص و من لا خلاق و لا أخلاق لهم بين الجموع و عدم مراعاة حرمة المسجد حتى وصل الأمر أن منهم من يقدم (فسيخا و ملوحة) بداخل المسجد فإن هذه الأمور لا يقبلها اي رجل مقبل على الله عالما كان أم جاهلا طالما يخشى الله و يتقي محارمه .. فإن لم يكن الطهر و النظافة و تعظيم شعائر الله تخرج من أبناء الطرق الصوفية فمن أين تخرج ؟! و من أصولهم و سلفهم وصلت إلينا أمانة المعصوم و دين رب العالمين .
و عليه فالموالد فيها الطيب و فيها الخبيث فكان شيخنا يرى أن نشجع الطيب و نزيده و نحارب الخبيث و نتكتل عليه حتى يتلاشى شيئا فشيئا
فالموالد عنده تأخذ ذات حكم الغناء عند الإمام الشافعي (حسنه حسن و قبيحه قبيح)
و قد كان شيخنا يفضل و يشجع بعض الموالد الجادة و على رأسها مولد سيدي أحمد رضوان البغدادي و الشيخ صالح الجعفري و سيدي محمد أمين الكردي لاقتصارها على الطيب الكريم اللائق الرائق ففي هذه الموالد تجد قراءة القرآن باصوات مختارة و الإنشاد و العلم و الذكر و إطعام الطعام في سماط يخصه و بذل الصدقات للفقراء و المساكين و فيها التعارف بين أهل الطريق و التحاب في الله و بيع كتب السادة الصوفية بمختلف مشاربهم
و لقد شارك شيخنا في الثلاثة موالد بنفسه وقت صحة بدنه و قدرة سفره و انتقاله
فمن جماع ما تقدم يمكن إيجاز ما كتبت أن الإمام الرائد كان يقر الموالد و يشجعها و في ذات الوقت ينكر ما يرتكب فيها من حرام .. و كان لا يرى أبدا وقفها أو تعطيلها و إنما إقرار الطيب منها و تشجيعه و إصلاح ما لا يليق و تركه و تنظيفه .

ثانياً : استعمال الدف في الذكر و الإنشاد :
بقي سؤال آخر عن رأي شيخنا في استعمال الدف في الذكر و الإنشاد .. أما في الذكر فقد كان شيخنا ينكر استعماله تماما لأن الذكر باسم الله عبادة ومن ثم فلا يجوز إدخال الآلات الموسيقية فيه البتة حتى و لو اقتصرت على الدف و إلا كان ضربا من اتخاذ الدين هزوا و لعبا .. و هذا ما عليه جمهرة أكابر الطريق إلا قلة من بعض أهل الطرق و في أضيق الحدود و لا يقرهم عليه الغالب الأعم من أعيان الطريق ، و إن لم يرتض البسطاء هذا الكلام ، مع إقرارنا بفضل أهل الفضل منهم .
أما في الإنشاد فإنه و لئن كان الرائد الزكي ابراهيم - حقيقة - ينكر استعمال الدفوف فيها و من باب أولى المعازف تقديرا لعظيم شأن المديح عنده فحكم المدائح فقهيا في نظره أنها سنة تقريرية فهو لا ينظر إلى الإنشاد كطرب و لكن ينظر له انه أمر صدر من الصحابة و أقره حضرة النبي كما في :
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع ... و غيرها
و كان ( رضى الله عنه ) ينفعل و يتفاعل مع المنشدين أصحاب القدم في هذا المجال و منهم سيدي زين العابدين رضوان و الشيخ العطواني الذي كانت عربة الشيخ (البيجو) لا تخلو من شرائطه و الأستاذ عبد الحفيظ ابو زيد و الشيخ الطوخي و الاسكندراني و الهلباوي و ..
و لكن هنا وقفة .. فإن شيخنا و لئن كان هذا رأيه في عدم جواز اصطحاب الدف للإنشاد إلا أنه كان يقدر تمام التقدير أحبابا له و أصحابا من أعلام المديح و الإنشاد ممن كانوا يصطحبون الدفوف في إنشادهم و يقر لهم بفضلهم و علو كعبهم في الطريق و قدمهم الراسخ فيه كآل رضوان ( رضى الله عنهم ) ، و فضيلة أمير مداحي عصره بلا منازع سيدي / عباس الديب ( رضى الله عنه ) و الذي كانت تربطه به أخوة خاصة و بينهما مساجلات و مواقف محفورة في ذاكرة قدامى رجال العشيرة .. صحيح أن الشيخ عباس الديب كان لا يستعمل الدف أمام الرائد و لو لمرة واحدة - و كذا آل رضوان - تقديرا لمذهبه في حضرته و احتراما لرأيه إلا أن الرائد كذلك لم ينكر عليهم استعمالهم للدف في غير مجلسه ، و لم يفسد (الدف) ما بينهم من مودة لا ينكرها إلا جاهل . و إنما قدر الشيخ (الزكي الذكي) أن مراد الشيخ عباس و آل رضوان جذب الأسماع و إدخال محبة النبي إلى الشباب و الصغار و الكبار أيضا و إيقاظ سبات القلوب و إفاقتها بلمسة إطراب و استقطابهم من براثن الأغاني الماجنة بدفوف المدائح الهادفة لاسيما و أن مدائح (عباس الديب و آل رضوان) تسري فيها روح البهجة و الفرح ، فتدخل السرور على القلوب بلا استئذان فتستولي عليها عنوة فيجد الغافل العاصي المبتور في ساعة واحدة - يجد نفسه - يدندن فيشارك فيتواجد في حب الرسول صبا مبرورا .. و ينقلب إلى أهله مسرورا .. و لم لا ؟ و قد حسب على الحبيب الأعظم مداحا مجبورا مشكورا ..
فمن ذاق مذاقات مجالس مدائح (عباس الديب و آل رضوان) يعرف أنها ليست مجالس عادية إنها في حقيقتها كما (الأعياد) يحتفل فيها برسول الله و يتزود منها المحب وصلا و حبا ، و المبعد رجوعا و قربا ، و الصادي سقيا و شربا .
فيمكنك القول أن جواز أستعمالها في الإنشاد قياسا على جوازها في الأعياد و يعضد ذلك ضرب الجاريتين على الدف في حضرة الشارع المعصوم (صلى الله عليه و سلم ) و حمايته لهما من إنكار الصديق الأكبر سيدنا أبي بكر و كذا حديث الجارية السوداء التي نذرت إن عاد النبي سالما أن تغني و تضرب بالدف فأمرها بالوفاء بالنذر ثم توقفت بحضور سيدنا الفاروق (عمر) الحازم الحاد .
ثم أخيرا إن كان الشرع أجاز أكل الأطعمة و شرب المشروبات التي تحرك الشهوة الظلمانية فإجازته لتحريك ما يطرب القلب حبا في النبي و يقربه من المعاني النورانية يعد من باب أولى
( صلى الله على الممدوح في القرآن بأفصح بيان من لدن الرحمن سيدنا محمد أشرف بني الإنسان سيد الأكوان و على آله و صحبه السادة طول الأزمان) .