ظاهرة الإخوان الأشاعرة : هل كان حسن البنا أشعريا ؟

كتبه الشيخ مختار الأزهري
بسم الله الرحمن الرحيم
هل كان حسن البنا أشعريا ؟
تعرضت في مقالة سابقة لظاهرة وجود بعض المنتسبين للأشاعرة مع انتمائهم تنظيميا أو فكريا لجماعة الإخوان؛ حيث ذكرت أن ذلك منهم غالبا يكون على سبيل التقليد ليس إلا بحيث إنهم يخالفون في نهاية الأمر قواعد السادة الأشاعرة كلما تعارضت نسبتهم للأشاعرة مع انتمائهم وولائهم للجماعة .
والآن أتعرض لرأس جماعة الإخوان ومؤسسها الأستاذ حسن البنا الذي قتل إثر رصاصات في مثل هذا اليوم 12/ 2 / 1949 لتنتهي بمقتله مرحلة التأسيس الأولى وتنتقل الجماعة بعده لمرحلة أخرى أكثر تمسكا بالتنظيم وأكثر تطرفا وأكثر انتشارا واشتهارا وانقساما ودمارا !!!
ولد حسن البنا 1906 بمحافظة البحيرة وتلقى تعليمه الابتدائي بها ثم انتقل لمدرسة المعلمين ليلحق بعد ذلك بدار العلوم حوالي سنة 1923 م حيث تخرج سنة 1927 [مذكرات الدعوة صـ 53 ] وبمطالعة سيرة البنا التي كتبها بيده نلحظ أمرا يدعو للعجب فالرجل رغم نشأته الصوفية ورغم كون والده من المشتغلين بالعلم (هو الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي وهو صاحب ترتيب مسند الإمام أحمد ] إلا أن البنا لم يكن له مذهب فقهي يتطبع به ولم يكن له أستاذ يلازمه كما هو الشأن في أهل العلم ، بل كان أقرب للسلفية في نمط تعلمهم وأخذهم العلم من الكتب اكثر من الشيوخ المتقنين !! ولعل أشد ما يدل على ذلك موقفان : الأول هو وأثناء استعداده لامتحان القبول بدار للعلوم قال :" نعم إنني أحفظ الألفية، وقرأت لنفسي شرح ابن عقيل عليها، وشاركني الوالد في بعض هذه الشئون، ولكنها لم تكن الدراسة المنظمة التي تهدأ معها النفس، ويسكن إليها القلب " [مذكرات الدعوة صـ 37 ] نعم لم تكن دراسة حسن البنا دراسة نظامية تطمئن إليها النفس كما قال هو بنفسه فهو لم يقرأ النحو على سبيل المثال على الشيوخ كما هوالشأن في الدراسة العلمية بل كان يقرأ شرح ابن عقيل لنفسه!
الثاني : ما ذكره أيضا في مذكراته من لقائه بالشيخ يوسف الدجوي الذي كان من كبار علماء الأزهر الشريف وقتها وكان من القائمين على شان الدعوة والفتوى في مصر والعالم الإسلامي، لكن حسن البنا الشاب وقتها لم يكن يقدر الشيوخ قدرهم ولم يدفعه الشغف العلمي للأخذ عنهم ، بل بدأ بمهاجمة الشيخ يوسف الدجوي واتهمه وسائر علماء الأزهر بالتقصير وأظهر أسفه على تضييعهم الدين !! يقول البنا في فورة حماسته : " يا أستاذ ! إن لم تريدوا أن تعملوا لله فاعملوا للدنيا وللرغيف الذي تأكلون، فإنه إذا ضاع الإسلام في هذه الأمة ضاع الأزهر، وضاع العلماء، فلا تجدون ما تأكلون، ولا ما تنفقون، فدافعوا عن كيانكم إن لم تدافعوا عن كيان الإسلام، واعملوا للدنيا إن لم تريدوا أن تعملوا للآخرة، وإلا فقد ضاعت دنياكم وآخرتكم على السواء " [مذكرات الدعوة : 51 ] بهذا الجفاء قابل البنا أحد أكبر علماء عصره من غير أن يلتفت لجهود الرجل في خدمة الدين، وقد صنف الشيخ الدجوي مؤلفات عديدة في الدفاع عن الإسلام وفي الرد على الملاحدة والرد على الحشوية والمجسمة لكن البنا له غرض آخر هو الحركة والانتشار وجمع الجماهير دون نظر للطريقة المثلى لذلك فقد كان يتعجل النتائج، ورغم لطف الشيخ الدجوي مع البنا وتواضعه له إلا أن البنا غفر الله له لم يهتم بالقراءة على الشيخ – ولا غيره - ولا استكمال آلته العلمية فضلا عن تربيته الروحية !
لكن ما علاقة حسن البنا إذن بمسألة الأشاعرة والانتساب للأشاعرة إذن ؟
حسن البنا كان غرضه الأهم هو جمع الجماهير حوله مهما كان الثمن !! وفي القلب من هؤلاء علماء وطلاب الأزهر الشريف يقول البنا في رسالة المنهج مخاطبا أتباعه بعد ذكره كلاما حسنا عن دور الأزهر الشريف قال : وأن يقنعوا علماء الأزهر جميعا أن نجاح الإخوان نجاح للأزهر ذاته ! وأن الحلف بين الهيئتين طبعي بحكم الغاية وأنهم يرون في علماء الأزهر أوعية العلم الإسلامي ومادة الإصلاح الإسلامي ، ولا بد من كسب أكبر عدد ممكن من العلماء والطلاب بأي ثمن !!" [مجموعة رسائل الإمام البنا صـ258 ]
إذن الأزهر وعلماؤه وسيلة البنا للسيطرة على الجماهير فكسبهم بأي ثمن غنيمة لا تترك، وبالتالي نهج البنا في رسائله وكتاباته ما يحاول أن يستميل به القطاع الأعرض من الأمة وهم الأشاعرة الموجودون في الأزهر الشريف وغيره من محاضن العلم السني ،وفي سبيل ذلك سلك مسلكا يظن أنه وسط في تناول العقيدة وفق ما تقرر لدى الأشاعرة فقرر في رسالة العقائد ما عليه الأشاعرة من تأويل الصفات وإثبات المجاز لكنه آثر التفويض على كل حال فقال في آخر رسالته المذكورة : " ونحن نعتقد أن رأي السلف من السكوت وتفويض علم هذه المعاني إلى الله تبارك وتعالى أسلم وأولى بالاتباع " [رسالة العقائد صـ 22 ]
لكن في الحقيقة لم يكن ذلك المسلك الوسط دأب البنا وأصيل لديه ، حيث إنه قد مال لرأي غير الأشاعرة في قضايا فرعية وجعل منها أمورا تجب محاربتها أو حمل الناس عليها، وهو خلل واضح وتأثر بمسلك الوهابية قطعا ، ففي الأصول العشرين التي عليها مدار أفكار البنا وقد شرحت مرارا من قبل شيوخ الإخوان وقادتهم يقول في أحد هذه الأصول: " ولكن الاستعانة بالمقبورين أيا كانوا ونداؤهم لذلك وطلب قضاء الحاجات منهم عن قرب أو بعد والنذر لهم وتشييد القبور وسترها وإضاءتها والتمسح بها والحلف بغير الله وما يلحق بذلك من المبتدعات كبائر تجب محاربتها، ولا نتأول لهذه الأعمال سدا للذريعة " [رسالة التعاليم ضمن مجموعة الرسائل صـ277 ]
إذن البنا يتبنى في مسألة خلافية - وهي مسألة الاستغاثة أو التبرك بالقبر - رأي الوهابية ويجعل المسألة من الكبائر التي يجب محاربتها !.
وأصوله العشرون مليئة بمثل هذه المتناقضات المضحكة التي لا تفرق بين ما هو من أصول الدين وفروعه ولا تحدد المفاهيم وتضبطها بل يجعل المسائل العلمية تائهة غير منضبطة على أي ميزان فهل هو يريد الخروج من الخلاف أو هو يتبني الخلاف؟!
وأمام هذا العبث واللعب على كل الأحبال نجد سيلا من توسيع مفهوم العقيدة لتشمل أمورا مضحكة وملتبسة للغاية فيقول فيما نشره مكتب الإرشاد في حياة البنا فيما سمي تلخيصا لقواعد الفكرة الإسلامية (وهل الإسلام فكرة أم دين ؟) يقول ضمن ما يعتقده المسلم : أن مهمة كل مسلم تربية العالم على قواعد الإسلام وأتعهد بأن أجاهد في سبيل أداء هذه الرسالة ...[المذكرات صـ167 ] ماذا يعني أن كل مسلم مكلف بتربية العالم؟ ! ما هذا التكليف وما دليله ؟ وهل هو أمر واقعي ممكن؟ أم هو خيالي لا يرد ضمن تكليفات الدين ؟ ...
ربنا لم يكلف كل نفس إلا وسعها والنبي صلى الله عليه وسلم لم يفرغ كل الصحابة لمهمة الدعوة ولا حتى الجهاد بل الأمر في كل شيء بحسبه، فمن المسلمين من يمكنه التفرغ للدعوة ومنهم من لا يمكنه إلا أداء الفرائض وهكذا ، الرجل صنع وهما كبيرا وصدقه وضل بسبب تلك الفكرة خلق كثير تركوا ما أقامهم الله فيه وراحوا يشغبون على العلماء والدعاة والمجتمعات بدعوى أنهم جند الإسلام وحماته، وهم حتى لا يعرفون أبجديات العلم ولا سبل الدعوة ولا حتى هم مدركون لواقعهم لا هم ولا حتى قادتهم .
أمامي سيل كبير من أوهام البنا في العقائد والأحكام الشرعية وأنا ليس غرضي انتقاص الرجل بل التحذير من فكره ومنهجه الأعوج ونحن نسأل الله كل صلاة بل كل ركعة أن يهدينا الصراط المستقيم لا الأعوج، أما بخصوص شخص البنا فليس لنا بعد ذهابه لربه شيء اللهم إلا أن نستغفر له باعتباره مؤمنا له ما له وعليه ما عليه، والظن أن حسن البنا قد رجع وندم عما مضى منه قبل اغتياله بأيام كما حكى الشيخ الغزالي رحمه الله في حديث له مع الأستاذ جمال الدين عطية ، ويبقى ضرورة بيان عدم صحة اعتبار البنا إماما من أئمة المسلمين وعلمائهم الذين يقتدى بهم في العلم والدين ،وأن نسبة كلام ومنهج البنا للأشاعرة نسبة خاطئة قطعا لأن ما اختاره من أقوال وآراء ليس على منوال الأشاعرة ولا على منهاجهم .
ومن أراد أن يعرف نتاج هذا التشويش فليقرأ ما كتبه في المؤتمر الخامس وانتهى إليه بعد إنشاءه النظام السري الخاص ،و الذي وصل فيه لمرحلة مصادمة المجتمع فيقول : " إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة [مجموعة الرسائل صـ354 ] وهنا نصل مع البنا لمفترق الطرق، فالأشاعرة لا يصادمون المجتمع ولا يهددونه ويتوعدونه ، فالإمام الغزالي والنووي والعز بن عبد السلام كل هؤلاء نصحوا مجتمعاتهم وحكامهم ولم يصادموهم ولم يخرجوا عليهم ولم يهددونهم بقوة عملية ولا غيرها بل بينوا ووضحوا وتركوا النتائج لله ، ولذلك بقي منهجهم وثبت لأنه نفع الناس على طول الزمان ، وأما ما تركه البنا فهو الجرح الذي لم يندمل فقد أعاد حسن البنا نهج الخوارج الأول بما تركه وقام به نظامه الخاص من قتل واغتيال وغدر، واتهام للمجتمع وللعلماء ولا تزال دماء المسلمين تراق بسبب ما يفعله ذلك التنظيم من تهييج للمجتمعات وتضييع للشباب وحماسهم في الهواء وصدق ربنا إذ يقول :{ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ } [الرعد : 17 ]