مشروعية عد الذكر بالأنامل والسبحة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد،
فهذه رسالة فى حكم عد التسبيح والذكر على انامل اليدين - اليمنى واليسرى - وكذلك عدها على السبحة المعروفة وغيرها من وسائل العد ، راجياً من الله تعالى حسن التوفيق والسداد.

تمهيد:
من المتعارف عليه بين اهل العلم  مشروعية وجواز عد التسبيح على اليد لما ورد في مشروعيته من احاديث صحيحة، ولكن يقع الخلاف عند البعض من المراد من لفظ اليد الوارد فى الاحاديث هل هو مخصوص باليد اليمنى فقط ام انه يشمل كلا اليدين اليمنى واليسرى .
وكذلك هل هو مخصوص باليد فقط فلا يتعداه الى غيره من وسائل العد مثل السبحة والحصى وعقد الخيط ام ان ذلك جائز، هذه هى اهم المسائل الى يدور حولها الخلاف فى المسألة وسنحاول ان نبين حكم هذه المسائل فى هذه الرسالة ان شاء الله.

الفصل الاول فى عد التسبيح باليد
عن عبد الله بن عمرو قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح.
وفي رواية قال: يعقد التسبيح بيمينه، وفي لفظ "بيده". (1) وفي لفظ عند عبد الرزاق: "ولقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يعدُّ هكذا، وعدَّ بأصابعه". وفي لفظ البخاري في الأدب المفرد: "فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يعدّهن بيده".وهو حديث صحيح.
يستدل البعض بهذا الحديث على مشروعية عد التسبيح باليد اليمنى فقط لما فهم من لفظ اليد الوارد فى الحديث وقالوا ان ابن عمرو رضى الله عنه اخبر ان التسبيح كان بيده ولم يقل بيديه وان بعض هذه الروايات جاءت صريحة فى ان التسبيح باليد اليمنى فقط،
واستدلوا ايضاً بما ورد عن يسيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس، واعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات.
يعني أن الأنامل تشهد للذاكر، فأمرهن أن يعقدن عدد التسبيح مستعينات بالأنامل.
وان المقصود بالانامل اليد اليمنى كما صرحت الروايات الاخرى.
واستدلوا ايضاً بانه - صلى الله عليه وسلم - كان يحب التيمن فى امره كله لما ورد من قول عائشة - رضي الله عنها - (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في ترجله وتنعله وطهوره وفي شأنه كله) حديث صحيح.
وقالوا ان المشروع هو التسبيح باليد اليمنى فقط وانه لا يجوز استعمال غيرها فى التسبيح والذكر خاصة فى اذكار ما بعد الصلاة، فمنعوا بذلك استعمال اليد اليسرى والسبحة وغيرها فى عد الذكر.
انظر رسالة " فتح المعين بتصحيح حديث عقد التسبيح باليمين " حيث توصل فيها مؤلفها إلى ترجيح كون التسبيح بأصابع اليد اليمنى فقط..

وقد تكلم العلماء فى المقصود من هذه الاحاديث شرحاً لمفهومها وتخريجاً لطرقها والفاظها وهو ما سنبسط عنه الكلام فى المسألة الثانية وهى حكم التسبيح على اليد اليمنى واليسرى.

الفصل الثانى فى حكم التسبيح على اليد اليمنى واليسرى
قلنا ان البعض فهم من الروايات التى ذكرت لفظ اليد ان ذلك خاص باليد اليمنى فقط، الا ان كثير من العلماء فهموا من الروايات انها لا تتحدث عن اختصاص التسبيح بالانامل فقط بل يرون انها تتحدث عن الافضلية، وانه لا فرق بين اليد اليمنى او اليسرى او السبحة فى المشروعية إلا من جهة ايهما اولى وأفضل، فمنهم من قال ان اليمنى افضل من اليسرى مع جواز العد على كليهما وانهما افضل من السبحة إن أمن الغلط فى العد، والا فالسبحة اولى، ومنهم من يرى انه لا وجه للافضلية الا البدء بالعد على اليمنى ثم اليسرى كما سياتى، ومنهم من فرق بين العدد الكثير والقليل فقال بافضلية السبحة فى الكثير والانامل فى القليل، الى غير ذلك من اوجه التفضيل.

- يقول الملا علي القاري (المتوفى: 1014هـ):
 قِيلَ: وَعَقْدُ التَّسْبِيحِ بِالْأَنَامِلِ أَفْضَلُ مِنَ الْمِسْبَحَةِ، وَقِيلَ: إِنْ أَمِنَ الْغَلَطَ فَهُوَ أَوْلَى، وَإِلَّا فَهِيَ أَوْلَى. - اى السبحة - (2)

- ويقول العلامة الشيخ محمد علي بن محمد علان فى الفتوحات الربانية:
أن العقد بالأنامل أفضل لا سيما مع الأذكار بعد الصلاة، أما في الأعداد الكثيرة التي يلهي الاشتغال بعدها عن التوجه للذكر فالأفضل استعمال السبحة.

- ويقول الشيخ سيد سابق فى كتاب فقه السنة:
في هذا دليل على أن التسبيح على الاصابع أفضل من السبحة وإن كان يجوز العد عليها.

- وسئل الشيخ ابن باز عن إمام مسجد سبح بيمينه فاستغرب ذلك بعضُ المصلين؟
فأجاب سماحة الشيخ بقوله: ما فعله الإمام هو الصواب، فقد ثبت أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان يعقد التسبيح بيمينه، ومن سبح باليدين فلا حرج لإطلاق غالب الأحاديث، لكن التسبيح باليمين أفضل عملًا بالسنة الثابتة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والله ولي التوفيق.

- يقول الشيخ محمد صالح المنجد:
وأمّا بالنسبة لعقد التسبيح فإنّ السنّة أن يكون بأصابع اليد اليمنى - ويجوز باليُسرى - والدليل على أفضلية اليمنى ما رواه أبو داود رحمه الله تعالى في سننه قال حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ فِي آخَرِينَ قَالُوا حَدَّثَنَا عَثَّامٌ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْقِدُ التَّسْبِيحَ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ بِيَمِينِهِ. سنن أبي داود كتاب الصلاة: باب التسبيح بالحصى.

قال في حاشية الطحطاوي: وصح أنه صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيمينه وورد أنه قال: واعقدوه بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات، .. قال ابن حجر: .. وعقد التسبيح بالأنامل أفضل من السبحة انتهى.
الْمَصْدَرُ الإسلام سؤال وجواب.

- ومن فتاوى اللجنة الدائمة.
س: أيهما أفضل التسبيح باليد اليمنى أم الشمال؟
ج: الأفضل أن يكون ذلك باليمين؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعقد التسبيح بيمينه، ولعموم حديث عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعّله وترجّله وطهوره وفي شأنه كله، ويجوز ذلك باليدين جميعًا لأحاديث وردت في ذلك.

- فى شرح سنن أبي داود للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد:
قوله: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح، قال ابن قدامة: بيمينه)
فـ عبيد الله بن عمر القواريري ومحمد بن قدامة قالا: [(يعقد التسبيح)] لكن محمد بن قدامة زاد: [(بيمينه)]، وهذا دليل على أن عقد التسبيح الأولى والأفضل أن يكون باليمين، لهذا الحديث الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أنه كان يعقد التسبيح بيمينه، وهو أيضاً مطابق لما جاء من كون اليمين تستعمل في الأمور المحمودة والأمور الطيبة، واليسار تكون بخلاف ذلك، لكن كونه يبدأ التسبيح باليمين ويثني باليسار لا بأس بذلك.


هذه هى اقوال بعض اهل العلم فى المسألة، والناظر فيها يرى ان من قام بتفضيل اليد اليمنى على غيرها انما نظر الى رواية (بيمينه) والى حديث السيدة عائشة رضى الله عنها وفيه ان النبى - صلى الله عليه وسلم -كان يحب التيمن في ترجله وتنعله وطهوره وفي شأنه كله. ولكن الاستناد الى هذه الروايات فى تفضيل اليد اليمنى فى العد ليس بحجه، لا سيما انه قد تكلم العلماء على هذه الرواية بما يمنع الاحتجاج بها والاستناد اليها فى التفضيل.


جاء فى كتاب شرح عمدة الأحكام للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن جبرين: والمشروع أن يسبحه بعد كل صلاة، ويشرع أيضاً أن يعد التسبيحات والتكبيرات بأصابع يديه اليمين واليسار، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال لبعض أمهات المؤمنين: (اعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات ومستنطقات)
والأنامل: هي أصابع اليدين معاً، فيدل على أنه يشرع أن يعد بالأصابع كلها، لا يقتصر على اليد اليمنى كما اشتهر عن بعض المتأخرين أنهم اختاروا عدّ التسبيح باليد اليمنى، ولم يعهد هذا عن المتقدمين الذين قرأنا لهم، فالمتقدمون لم يخصوا اليد اليمنى بالعدّ فقط، بل يذكرون أنه يعد التسبيح بأصابعه أو بأنامله ويستدلون بهذا الحديث: (اعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات ومستنطقات) يعني أن جميع هذه الأصابع تشهد وتنطق بما عدته من هذه الأذكار ونحوها.

وقد ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام حث على أن تعد هذه الأذكار فقال صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) ومعلوم أن مائة مرة تحتاج إلى العد بالأصابع كلها لا بيد واحدة، فإن العد بيد واحدة قد يسبب الغلط والخطأ، وكذلك التهليل الذي ورد مائة مرة أيضاً.
وأما الحديث الذي يستدل به في سنن أبي داود فهو حديث صحيح، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه الذكر، ويقول لهم: (عليكم أن تسبحوا وتكبروا دبر الصلوات)، فقال عبد الله بن عمرو بن العاص: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيده) هكذا الرواية، وكلمة (بيده) اسم جنس يدخل فيها اليد اليمنى واليد اليسرى، وكثيراً ما تطلق اليد ويراد بها اليدان، أما رواية: (بيمينه) فقد انفرد بها راوٍ واحد تفرد عن عدد من الرواة فأبدل كلمة (بيده) بكلمة (يمينه)، ولا شك أن تطرق الخطأ إليه أولى من تطرق الخطأ إلى عشرين راوياً كلهم يقولون: (بيده).

فيقال أولاً: إن هذا المقام مقام تعليم، وإنه عليه الصلاة والسلام إنما كان يعد التسبيح بيده ليعلم أصحابه، فيمكن أن يكون اقتصر على يدٍ واحدة، يحتمل أنها اليد اليسرى ويحتمل أنها اليد اليمنى.
ويقال ثانياً: قد يطلق اسم اليد على اليدين، (بيده) يعني بجنس اليد، فيدل على أنه عدّ التسبيح باليدين معاً، ولكن ذكر إحداهما كقوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:1] وكقوله: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عمران:26] مع قول النبي صلى الله عليه وسلم (الخير بيديك)، فاليد هنا اسم للجنس يعم اليدين، وعلى كل حال: لا شك أن عدها باليدين وعدّ التسبيح بالأصابع كلها أفضل لكونه عبادة استعمل فيها جوارحه، واستعمال الجوارح الكثيرة أفضل.

وأما استدلالهم بقول عائشة (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في ترجله وتنعله وطهوره وفي شأنه كله) فهو حديث صحيح، ولكن ليس معناه أنه يقتصر على اليد اليمنى، بل معناه أن يبدأ بها، فإذا توضأ غسل اليمنى قبل اليسرى، وإذا انتعل لبس اليمنى قبل اليسرى، وإذا ترجل بدأ بالشق الأيمن قبل الأيسر، فكذلك إذا سبح، يبدأ العد بأصابعه اليمنى ثم بأصابعه اليسرى، فليس فيه أنه يقتصر على واحدة، فعرف بذلك أن الأفضل والسنة أن يستعمل أصابع يديه كلها، ولا حرج في استعمال اليسرى في عدّ الأصابع لأنها إحدى يديه؛ ولأنها طاهرة، ولا يقال: كيف يعد بها التسبيح وهو يستنجي بها أو نحو ذلك؟! فإنها يد طاهرة، ويتكئ عليها في الركوع، ويسجد عليها في السجود، وتوضع على الفخذ في التشهد.
وهي إحدى يديه، فلا مانع من أن يعد بأصابعها التسبيح، والتسبيح ليس باليد ولا بالأصابع إنما هو باللسان، ولكنها مجرد ضبط عدد حتى لا يخطئ.


وفى كتاب الجَامعُ لأحكامِ الصَّلاة جمع وإعداد وتخريج أبي عبد الرحمن عادل بن سعد:
وللمصلي أن يعقد التسبيح بكلتا يديه؛ لما تقدم في حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: (فأنا رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعقدها بيده) ولفظ، "اليد" للجنس، فيراد به: اليدان، وفى بعض ألفاظ الحديث: (ولقد رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعقدها هكذا) وعدّ بأصابعه، وورد عند أبي داود من طريق محمد بن قدامة، حدثنا عثام عن الأعمش عن عطاء بن السائب عن أبيه به، بلفظ: "بيمينه" وهي لفظة تفرد بها محمد بن قدامة -شيخ أبي داود- مخالفًا بذلك بقية الرواة الآخذين عن عثام الذين رووا الحديث بمثل لفظ الجماعة -أقران الأعمش- أمثال: شعبة وسفيان الثوري وإسماعيل بن علية، وغيرهم ممن هم جبال في الحفظ والإتقان، وكلهم لا يذكرون لفظة "بيمينه"، وعليه فهي شاذة غير محفوظة؛
لأن قاعدة المحدثين أنه إذا اتحد مخرج الحديث امتنع الحمل على التعدد، وهذا الحديث متحد المخرج -كما تقدم- ومثل هذه الزيادة لا تقبل إذا خالف الراوي من هم أكثر منه عددًا، أو كان فيهم من هو أحفظ منه، وكلا الأمرين موجود هنا، ولو كانت هذه اللفظة محفوظة لما غفل عنها الجمهور من رواة الحديث، يقول شيخ المفسرين الحافظ محمد بن جرير الطبري -رحمه الله-: (والحفاظ الثقات إذا تتابعوا على نقل شيء بصفة، فخالفهم واحد منفرد ليس له حفظهم، كانت الجماعة الأثبات أحق بصحة ما نقلوا من الفرد الذي ليس له حفظهم).اهـ

يتضح مما سبق انه لا وجه لتفضل اليد اليمنى على اليسرى والاقتصار عليها استناداً لما ثبت من ان رواية بيمينه رواية شاذة لا يحتج بها، وعليه فلا فرق بين استعمالهما معاً فى التسبيح،
إلا ان يقال يشترط ان يبدء باليمنى ثم اليسرى، فإن ذلك من السنة لكون التيمن من سنته - صلى الله عليه وسلم - فلا فضل لليمنى على اليسرى الا بذلك.


الفصل الثالث عد التسبيح على غير اليدين كالسبحة والحصى:
يرى كثير من العلماء ان التسبيح بالحصى والنوى وكذلك السبحة مشروع لورود كثير من الروايات التى تبين انه كان من فعل الصحابة رضوان الله عليهم مع اقرار النبى - صلى الله عليه وسلم - لبعضهم بذلك.

- فقد روي أبو داود بسنده عن أبي هريرة أنه كان له كان له كيس فيه حصى أو نوى يجلس علي السرير، وأسفل منه جارية سوداء، فيسبح حتى إذا نفذ ما في الكيس فدفعته إليه يسبح.
ونقل ابن أبي شيبة عن عكرمة أن أبا هريرة كان له خيط فيه ألفا عقدة، وكان لا ينام حتى يسبح به اثني عشرة ألف تسبيحه.
ذكره عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد 2/ 540 339 الترمذي 8/ 71 مع التحفة
ومصنف ابن أبي شيبة 2/ 160 - وتذكرة الحفاظ (1/ 35)، وسير الذهبي (2/ 623)
ورواه الحافظ ابو نعيم في الحلية حلية الأولياء (1/ 383)
وذكره السيوطي في المنحة في السبحة - ص5.

- أخرج أبو داود والترمذي وحسنه النسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة، وبين يديها نوى أو حصى تسبح، فقال: أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل؟ قولي: سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض وسبحان الله عدد ما بين ذلك. وسبحان الله عدد ما هو خالق، الله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك".
رواه أبو داود (1/ 235) والترمذي (4/ 277 - 278) والدورقي في مسند سعد (130/ 1) والمخلص (1/ 17/2) والحاكم (1/ 547 - 548) وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: حديث حسن.

- أخرج أحمد أيضًا في كتاب الزهد (ص/141) "
أن أبا الدرداء كان له نوى من نوى العجوة في كيس، فإذا صلى الغداة -الصبح- أخرجهن واحدة واحدة يسبح بهن حتى ينفذن.

- وأخرج ابن أبي شيبة أن سعد بن أبي وقاص، كان يسبح بالحصى أو النوى، الطبقات الكبرى (3/ 106).

- مصنف ابن أبي شيبة: باب في عقد التسبيح وعدد الحصى (2/ 161).

- وفى مصنف ابن أبي شيبة (2/ 161) أبا سعيد الخدري رضى الله عنه كان يسبح أيضًا بالحصى.

- جاء في معجم الصحابة للبغوي أن أبا صفية، وهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يوضع له نطع-فراش من جلد- ويجاء بزنبيل فيه حصى فسبح به إلى نصف النهار، ثم يرفع فإذا صلى الأولى أتي به فيسبح به حتى يمسي.

- وجاء في كتاب "المناهل المسلسلة لعبد الباقي" أن فاطمة بنت الحسين - رضي الله عنهما - كان لها خيط تسبح به. طبقات ابن سعد 8/ 474 وذكره السيوطي في المنحة .

-وذكر أبو القاسم الطبرى فى كتاب "كرامات الأولياء" أن أبا مسلم الخولانى كانت له سبحة، وأن كثيرا من الشيوخ كانت لهم سبح يسبحون بها، وذكروا فى فوائدها أنها تذكر الإنسان بالله كلما رآها أو حملها، وتساعده على دوام الذكر، وعلى ضبط العدد.

- قال الامام الشوكاني في نيل الأوطار ج2 ص 366.
في حديث سيدتنا صفية رضي الله عنها وحديث تسبيح المرأة بالحصي:
(والحديثان الآخران يدلان على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى، وكذا بالسُّبحة لعدم الفارق؛ لتقريره صلى الله عليه وسلم للمرأتين على ذلك، وعدم إنكاره. والإرشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز.)

- يقول الملا علي القاري (المتوفى: 1014هـ):
في مرقاة المفاتيح 5/ 221: (وبين يديها نوى) جمع نواة وهي عظم التمر (أو حصى) شك من الراوي (تسبح) أي المرأة (به) أي بما ذكر من النوى أو الحصى، وهذا أصل صحيح لتجويز السبحة بتقرير فإنه في معناها إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما يعد به ولا يعتد بقول من عدها بدعة وقد قال المشايخ أنها سوط الشيطان) اهـ

- قال محمد خطاب السبكي في شرح حديث سعد بن أبي وقاص عند أبي داود في السنن في كتابه: " المنهل العذب المورود " (8/ 164):
" وفيه دلالة على جواز عد التسبيح بالنوى أو الحصى؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينه المرأة عن ذلك، بل أرشدها إلى ما هو أيسر لها، وأفضل، ولو كان غير جائز ليبين لها ذلك. اهـ

- العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في فتاويه 1/ 152:
(وسئل) رضي الله عنه هل للسبحة أصل في السنة أو لا؟ (فأجاب) بقوله: نعم , وقد ألف في ذلك الحافظ السيوطي ; فمن ذلك ... وجاء التسبيح بالحصى والنوى والخيط المعقود فيه عقد عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم وأخرج الديلمي مرفوعا: نعم المذكر السبحة وعن بعض العلماء: عقد التسبيح بالأنامل أفضل من السبحة لحديث ابن عمر. وفصل بعضهم فقال: إن أمن المسبح الغلط كان عقده بالأنامل أفضل وإلا فالسبحة أفضل) اهـ

- للإمام السيوطي رسالة في السبحة ضمن الحاوي لفتاويه ومما جاء فيها 2/ 3:
(ثم رأيت في كتاب تحفة العباد ومصنفه متأخر عاصر الجلال البلقيني فصلا حسنا في السبحة قال فيه ما نصه: قال بعض العلماء عقد التسبيح بالأنامل أفضل من السبحة لحديث ابن عمرو [واعقدن بالأنامل ... ] لكن يقال إن المسبح إن أمن من الغلط كان عقده بالأنامل أفضل وإلا فالسبحة أولى وقد اتخذ السبحة سادات يشار إليهم ويؤخذ عنهم ويعتمد عليهم ........ ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروها. اهـ

- يقول الشيخ شمس الحق العظيم أبادي الحنفي في عون المعبود 4/ 257 - 258: (تسبح) أي المرأة (به) أي بما ذكر من النوى أو الحصى وهذا أصل صحيح لتجويز السبحة بتقريره - صلى الله عليه وسلم - فإنه في معناها إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما بعد به ولا يعتد بقول من عدها بدعة ...

- يقول الشيخ العلامة محمد بن أحمد ميارة المالكي (المتوفى: 1072هـ) فى الدر الثمين والمورد المعين: قال بعض الشيوخ وقد اتخذ السبحة سادات يؤخذ عنهم ويعتمد عليهم.

-اجاب الشيخ محمد بن صالح العثيمين (المتوفى: 1421هـ) فى كتاب لقاء الباب المفتوح عن حكم التسبيح بالسبحة فقال:
التسبيح بالمسبحة تركه أَولى وليس ببدعة؛ لأن له أصلاً وهو تسبيح بعض الصحابة بالحصى؛ ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن التسبيح بالأصابع أفضل، وقال: (اعْقِدْنَ -يخاطب النساء- بالأنامل، فإنهن مُسْتَنْطَقات)، فالتسبيح بالمسبحة ليس حراماً ولا بدعة؛ لكن تركه أَولى؛ لأن الذي يسبح بالمسبحة ترك الأَولى ....... )

-يقول الشيخ ابن تيمية في مجموع الفتاوى 22/ 506:
(وعد التسبيح بالأصابع سنة كما قال النبي للنساء سبحن واعقدن بالأصابع فإنهن مسؤولات مستنطقات، وأما عده بالنوى والحصى ونحو ذلك فحسن وكان من الصحابة رضي الله عنهم من يفعل ذلك وقد رأى النبي أم المؤمنين تسبح بالحصى واقرها على ذلك وروى أن أبا هريرة كان يسبح به، وأما التسبيح بما يجعل في نظام من الخرز ونحوه فمن الناس من كرهه ومنهم من لم يكرهه , وإذا أحسنت فيه النية فهو حسن غير مكروه) اهـ

- وفى مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه للشيخ إسحاق بن منصور بن بهرام، أبو يعقوب المروزي، المعروف بالكوسج (المتوفى: 251هـ)
[3589 - ] قلت: يسبح الرجل بالنوى؟ قال: قد فعل ذلك أبو هريرة (3) وسعد (4) - رضي الله عنهما -، وما بأس بذلك.
النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عد. (5)

- وفى الموسوعة الفقهية الكويتية :
السبحة كما قال ابن منظور هي الخرزات التي يعد بها المسبح تسبيحه قال: وهي كلمة مولدة، وقد قال: المسبحة.
قال الشيخ محمد شمس الحق شارح السنن بعد أن أورد حديث سعد بن أبي وقاص السابق ذكره: الحديث دليل على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى، وكذا بالسبحة لعدم الفارق، لتقريره صلى الله عليه وسلم للمرأة على ذلك وعدم إنكاره، والإرشاد إلى ما هو أفضل منه لا ينافي الجواز. قال: وقد وردت في ذلك آثار، ولم يصب من قال إن ذلك بدعة. وجرى صاحب الحرز على أنها بدعة إلا أنه قال: إنها مستحبة، ونقل ابن علان عن شرح المشكاة لابن حجر قوله: في الحديث المذكور ندب اتخاذ السبحة، وزعم أنها بدعة غير صحيح، إلا أن يحمل على تلك الكيفيات التي اخترعها بعض السفهاء، مما يمحضها للزينة أو الرياء أو اللعب (6). اهـ.
ورد ابن علان القول بأنها بدعة بأن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم تلك المرأة على العد بالحصى أو النوى ينفي أنها بدعة فإن الإقرار هو من السنة، والسبحة في معنى العد بالحصى، إذ لا يختلف الغرض من كونها منظومة - أي منظومة بخيط - أو منثورة. قال: وقد أفردت السبحة بجزء لطيف سميته " إيقاد المصابيح لمشروعية اتخاذ المسابيح " أوردت فيها ما يتعلق بها من الأخبار والآثار والاختلاف في تفاضل الاشتغال بها أو بعقد الأصابع. وحاصله أن العقد بالأنامل أفضل لا سيما مع الأذكار بعد الصلاة، أما في الأعداد الكثيرة التي يلهي الاشتغال بعدها عن التوجه للذكر فالأفضل استعمال السبحة (7).


- وفى فتاوى دار الافتاء المصرية فتوى للشيخ المفتي عطية صقر جاء فيها:
والمأثور أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيده، كما رواه أبو داود والترمذى والنسائى والحاكم وصححه عن ابن عمر، وأرشد أصحابه إلى الاستعانة بالأنامل عند ذلك، فقد روى أبو داود والترمذى والحاكم عن " بسرة " وكانت من المهاجرات، أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس ولا تغفلن فتنسين التوحيد، واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات " غير أن الأمر بالعد بالأصابع ليس على سبيل الحصر بحيث يمنع العد بغيرها، صحيح أن العد بالأصابع فيه اقتداء النبى صلى الله عليه وسلم لكنه هو نفسه لم يمنع العد بغيرها، بل أقره، وإقراره من أدلة المشروعية الى ان قال ( ..... ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من عد الذكر بالسبحة، ولا يعدون ذلك مكروها، وقد سئل بعضهم، وهو يعد بالتسبيح: أتعد على اللَّه؟ فقال: لا، ولكن أعد له ، وجعل حبات السبحة اليوم مائة أو ثلاثا وثلاثين راجع إلى الحديث الصحيح فى ختم الصلاة.
وبناء على ما سبق ذكره يكون التسبيح بغير عقد الأصابع مشروعا، لكن أيهما أفضل؟
يقول السيوطى: رأيت فى كتاب "تحفه العباد " ومصنفه متأخر عاصر الجلال البلقينى فصلا حسنا فى السبحة قال فيه ما نصه: قال بعض العلماء: عقد التسبيح بالأنامل أفضل من السبحة لحديث ابن عمرو، لكن يقال: إن المسبح إن أمن الغلط كان عقده بالأنامل أميل وإلا فالسبحة أولى. والسنة أن يكون باليمين كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وجاء ذلك فى رواية لأبى داود وغيره. "انظر: الحاوى للفتاوى للسيوطى رسالة "المنحة فى السبحة" ونيل الأوطار للشوكانى".
ثم قال ( ... وأقول: إذا كان النبى صلى الله عليه وسلم قال: "واعقدن بالأنامل فانهن مسئولات مستنطقات " فإن حبات المسبحة لا تحركها فى يد الإنسان إلا الأنامل، وهى ستسأل وتستنطق عند الله لتشهد أنه كان يسبح بها، ولا يجوز التوسع فى إطلاق اسم البدعة على كل ما لم يكن معروفا فى أيام الرسول ولا أن يجر الخلاف فى السبحة إلى جدل عقيم قد يضر، والأهم من ذلك هو الإخلاص فى الذكر ولا تضر بعد ذلك وسيلته، والله ينظر إلى القلوب كما صح فى الحديث. اهـ


وخلاصة القول فى المسألة هو:
- أن من اراد الاقتصار على اليد اليمنى فقط فله ذلك، لا لكونها افضل من اليسرى ، او لانه ورد الامر بالعد عليها دون اليسرى لان هذا غير صحيح كما سبق .
- أن من ارد استعمال اليدين فله ذلك بشرط ان يبدء باليد اليمنى ثم اليسرى، لكون التيمن سنة فى الامور كلها.
- لم نرى فيها طالعنا من يقول بالاقتصار على اليد اليسرى فقط او البدء بها فيما نعلم، وهو قول ظاهر البطلان لمخالفته للنصوص الواردة فى ذلك.
- من اراد استعمال السبحة دون اليدين فله ذلك، وليكن ذلك فى الاذكار كثيرة العدد، اما الاذكار القليلة فالاولى استعمال اليدين حتى لا يترك سنة التسبيح على الايدى ويكون بذلك قد جمع بين جميع الروايات والاقوال من استعمال اليدين واستعمال السبحة التى هى فى معنى الحصى والنوى وعقد الخيط. و الله اعلم

تنبيه :
قد يلاحظ الاخوة الكرام استشهادنا باقوال من لا نعتمد على اقوالهم من شيوخ الوهابية امثال ابن تيمية وابن عثيمين واللجنة الدائمة وغيرهم ، وإنما اوردناها من باب اقامة الحجة على الخصم بما يعتقد، وإلا فما نقلناه من اقوال ائمة ثقات لفيه الكفاية عن النقل عن مثل هؤلاء .

الهوامش :
(1) تنبيه: في: «السلسة الضعيفة للالبانى»: (1/ 112, رقم / 83) , (3/ 48 - 49, رقم / 1002) عزا الحديث بلفظ: «بيمينه» إِلى: الترمذي, والنسائي في سننه, وفي: عمل اليوم والليلة, وإِلى الحاكم, وكل هذا غلط في العزو فلا يوجد عند هؤلاء بلفظ: «بيمينه» , وذكره على الصواب في تخريج: «الكلم الطيب» (ص / 69).
(2) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح الملا علي القاري (المتوفى: 1014هـ)
(3) - روى ابن سعد في الطبقات عنه رضي الله عنه "أنه كان يسبح بالنوى المجزع". وروى ابن أبي شيبة: 2/ 390، وأبو داود في سننه: 2/ 626، وأحمد في المسند: 2/ 540 عن أبي نضرة حدثني شيخ من طفاوة قال: تثويت أبا هريرة رضي الله عنه بالمدينة فلم أر رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد تشميراً ولا أقوم على ضيف منه، فبينما أنا عنده يوماً وهو على سرير له ومعه كيس فيه حصى أو نوى، وأسفل منه جارية له سوداء، وهو يسبح بها، حتى إذا أنفذ ما في الكيس ألقاه إليها، فجمعته فأعادته في الكيس، فدفعته إليه، اهـ
(4) - هو ابن أبي وقاص.
روى ابن سعد في الطبقات: 3/ 143، وأحمد في الزهد: عن حكيم بن الديلمي أن سعداً كان يسبح بالحصى والنوى. ورواه ابن أبي شيبة: 2/ 390 بإسنادين عن حكيم بن الديلمي عن مولاة لسعد أن سعداً كان يسبح بالحصى والنوى.
(5) - إن كان مقصود الإمام أحمد بقوله: قد عدّ. أي بالحصى أو النوى؛ فلعله يشير إلى ما رواه السهمي في تاريخ جرجان: 108 عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسبح بالحصى". وفيه عبد الله بن محمد بن ربيعة القُدَامِي: أحد الضعفاء كما في ترجمته من الميزان: 2/ 448. وفيه أيضاً: صالح بن علي النوفلي.
وإن كان مقصوده بالعد مجرد حصول عد التسبيح من النبي - صلى الله عليه وسلم - بصرف النظر عن الوسيلة؛ فإنه قد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المشهور الذي رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربعة وغيرهم كعبد الرزاق وابن أبي شيبة والبخاري في الأدب المفرد عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعقد التسبيح بيمينه" وفي لفظ "بيده". وفي لفظ عند عبد الرزاق: 2/ 234: "ولقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يعدُّ هكذا، وعدَّ بأصابعه". وفي لفظ البخاري في الأدب المفرد: 417 "فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يعدّهن بيده".
(6) في جعله اتخاذ السبحة للزينة أو اللعب بدعة نظر، لأن البدعة في الدين واتخاذها للزينة أو للعب أمر دنيوي لا حرج فيه لقوله تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده) الآية.
(7) الفتوحات الربانية 1/ 251، 252.