ليلة النصف من شعبان فضيلة الإمام السيد محمد زكي إبراهيم


الكتاب: ليلة النصف من شعبان
المؤلف: فضيلة الأستاذ الإمام السيد محمد زكي إبراهيم
رائد العشيرة المحمدية في مصر المحمية
عَلَّق عليها وخَرَّج أحاديثها: محيي الدين حسين يوسف الإسنوي
تلميذ المؤلف ومن خريجي الأزهر
الطبعة السابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة بين يدي هذه الرسالة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
أولاً: فإنَّ سيِّدَنا وشيخنا بقية السلف الصالح الإمام محمد زكي إبراهيم رحمه الله تعالى كان يُحيي ليلة النصف من شعبان إحياءً شرعيّاً، فيحثُّ فيها على الذكر والدعاء وقراءة القرآن والتهجد والتسبيح، وكان رحمه الله يوصي فيها بالتوبة والاستغفار ومحاسبة النفس وصلاة الحاجة وصلاة التسابيح.
وهذه العبادات كلها لها أدلتها الشرعية من الكتاب والسُّنَّة والإجماع، وهي عبادات مطلقة (أي غير مقيدة بزمن مُعَيَّن تؤدى فيه)، فأداؤها في أي وقت سُنَّة نبوية، فإذا أُدِّيت في وقت مبارك له فضل وشرف كان ذلك أرجى للإجابة والقبول، وكان جمعاً بين فضيلتين في وقت واحد.
وكان شيخنا رحمه الله يجمع النّاس في ليلة النصف من شعبان (بين المغرب والعشاء) فيعظهم ويُذَكِّرُهم ويدعو الله بهم، ويؤمِّنون عليه، ثُمَّ من شاء أحيا ليلته معتكفاً في المسجد، ومن شاء أحياها في بيته.
والنَّاس في زماننا هذا أحوج ما يكونون إلى اجتماعات الخير ومواسم الرحمات، والتعرض لنفحات الله في أيامه، فقد كثرت المفاسد وأهدرت الأوقات في غير الطاعات (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)، فمن ثَمَّ كان الإنسان في حاجة إلى لحظات يرجع فيها إلى الله ويؤوب، ويتوب إليه سبحانه وينيب؛ فالاجتماع في ليلة النصف وفي غيرها من الأوقات المباركات أصبح ضرورة لا بد منها.
والفقيه النبيه الذي يمعن نظره الثاقب وبصيرته النيِّرة يجدُ أنَّ من الأسس العظيمة التي قام عليها الإسلام: الاجتماع على الخير، فمن هنا كانت صلاة الجمعة، والجماعة، والعيدين، وإجابة الدعوة، وحِلَق الذكر، والعلم، والقرآن ... إلخ.
ثانياً:
وقد ظهر اليوم طغام من المتفيهقين والمتشدِّقين والمتنطعين، ممن وقفوا على أبواب الله ليصدوا عباده عن سبيله، وأنَّى لهم؟!، بضاعتهم: التبديع والتكفير والتفسيق، وربحهم: التفريق والتشتيت والتمزيق، فلا ربح البيع، ولا راجت التجارة .. لمّا فشا هؤلاء في النّاس كـ (جرثومة) خبيثة، و (فيروس) قاتل، ينخر في عظام الأمة، هَبَّ أطباء العلل، فاستأصلوا شأفة ما ظهر من الأمراض وانتشر، وعالجوا الدفين من الأوبئة وما استتر، وذلك بحَدِّ الأدلة الشرعية، والحجج الواضحة القويّة، والبراهين الساطعة الجليّة.
من أجل ذلك كتب شيخنا رحمه الله تعالى هذه الرسالة المفيدة (ليلة النصف من شعبان في ميزان الإنصاف العلمي) على طريقته رحمه الله في ذكر خلاصة المسائل العلمية، ومواطن الحجج والأدلة الشرعية، بأسلوب جمع بين حسن التبويب والترتيب، وسهولة العبارة وتوضيح المقصود؛ ليستفيد الخاص والعام والمجتهد والمقتصد، في غير فضل كلام، ولا تكثير أوراق.
وقد لاقت هذه الرسالة قبولاً، وطبعت عدة مرات (مستقلة أو ملحقة بغيرها)، وقد تميزت هذه الطبعة بأنها روجعت على الطبعات السابقات وعلى أصل مخطوط بخط شيخنا رحمه الله، فجاءت - والحمد لله - طبعة متكاملة، فيها زيادات مفيدة، وقد بذلت جهدي في التعليق عليها، وتخريج أحاديثها، وعزوها إلى أقرب مصادرها، بحسب ما توفر لي من مصادر ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله.

ثالثاً:
ولشيخنا رحمه الله (غير هذه الرسالة) في تلك القضايا (الخلافية) عدة كتب ورسائل، ومقالات ومباحث، أوضح مبهمها، وحَلَّ مشكلها، وبيَّنَ مواضع الخلاف فيها، ووجه الحق بدليله، حتّى صارت كتاباته كلها - والحمد لله - مرجعاً ومرشداً لأهل الحقِّ والصواب.
ومن تلك الكتب والرسائل:
1 - الإفهام والإفحام، أو قضايا الوسيلة والقبور.
2 - وظيفة الحديث الضعيف في الإسلام.
3 - قضية الإمام المهدي بين الرفض والقبول.
4 - الزيارة النبوية ومشروعية شد الرحال.
5 - الفروع الخلافية ومشروعية العمل بأحد الوجهين فيها بلا تعصب.
6 - المشروع والممنوع.
7 - أهل القبلة كلهم موحدون.
وغير ذلك كثير؛ فقد نافت مؤلفاته عن المائة، غير ما له من المقالات والأبحاث والخطب والدروس.
وكلُّ كتاب من هذه الكتب عالج قضية مهمة اختلف النّاس حولها بين مؤيد ومعارض، وأدلى كلٌّ بدلوه، فوجب الرجوع إلى الله ورسوله (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول).
رابعاً:
رحم الله تعالى شيخنا الإمام محمد زكي إبراهيم رحمة واسعة، لم يألُ جهداً أن يجاهد في الله بقلمه ولسانه، ونفسه، وماله، وقد ترك لنا هذا التراث العلمي الكبير، وجدَّد التصوف الإسلامي، ووضع منهجاً واضحاً للعمل الإسلامي، وكأنِّي بلسان حاله يقول ما قاله الشيخ الأمير العمراني الصعيدي:
نَظَمْتُ النَّظم كالدُّر ولكن أينَ مَنْ يدري
وعظتُ بكُلِّ ما يمكن بقول السرِّ والجهر
فلم يصغوا إلى قولي فحسبي مَنْ له أمري
ولستُ بكاتمٍ علماً ولم أخزنه في صدري
فقد سطرتُه نَسْخاً وأرجُو اللهَ في النَّشْرِ
نشر الله علوم شيخنا، ونفع بها.

خامساً:
وهذه نظرة إجمالية في قضية (ليلة النصف من شعبان) تقدمةً وتمهيداً بين يدي رسالة شيخنا الجامعة الممتعة، فأقول:
أفرد كثير من العلماء (في العصور المختلفة) رسائل وأجزاء حديثية في بيان فضل ليلة النصف من شعبان، والرد على منكري إحيائها، فمن هذه التآليف:
1) فضل النصف من شعبان لفقيه الحرم المكي محمد ابن إسماعيل بن أبي الصيف اليمني الشافعي (ت 609 هـ)، ويقال لكتابه: (فضائل شعبان).
2) ما جاء في شهر شعبان للحافظ أبي الخطاب ابن دحية الأندلسي (633 هـ).
3) ليلة النصف من شعبان وفضلها للحافظ أبي عبد الله محمد بن سعيد الدُّبَيْثي (ت 637 هـ).
4) تحلية الشبعان فيما روي في ليلة النصف من شعبان للحافظ شمس الدين محمد بن طولون الصالحي الدمشقي (ت 953 هـ).
5) الإيضاح والبيان لما جاء في ليلة النصف من شعبان للشيخ العلامة ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي (ت 975 هـ).
6) مواهب الكريم المنّان في الكلام على أوائل سورة الدخان وفضائل ليلة النصف من شعبان للشيخ الفقيه نجم الدين محمد بن أحمد الغيطي الشافعي (ت 981 هـ).
7) الكشف والبيان عن فضائل ليلة النصف من شعبان للشيخ سالم السنهوري المالكي (من علماء القرن العاشر الهجري).
8) رسالة في فضل ليلة النصف من شهر شعبان للشيخ العلامة محمد حسنين مخلوف العدوي الأزهري المالكي (ت 1355 هـ).
9) حسن البيان في ليلة النصف من شعبان للعلامة المحدِّث الشيخ عبد الله بن الصِّديق الغماري (ت 1413 هـ).
10) منحة الرحيم الرحمن في بعض ما ورد في ليلة النصف من شعبان للشيخ محمود إبراهيم آل محمود البحريني.
وليس المقصود هنا استيعاب جميع ما أُلِّفَ في هذا الباب، فإنَّ مَنْ أَلَّفَ في هذا الباب - غير مَنْ ذكرت - كثيرون، منهم: شيخ الإسلام الأجهوري المالكي، والشيخ أبو الحسن الصديقي، والشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي، والشيخ محمد الحافظ التجاني، والشيخ عمران الشاذلي السيوطي، وللأخ الشيخ أبي الفضل محمد حبيب الله الرَّباني رسالة (إقامة البرهان) طبعت مع رسالة شيخنا في الطبعة السادسة.
وجاء كتاب شيخنا (ليلة النصف من شعبان في ميزان الإنصاف العلمي وسماحة الإسلام) فكان دُرَّة التاج، وواسطة العقد، ومشكاته .. وقد سمَّاه شيخنا رحمه الله في بعض طبعاته (القول الفصل حول ليلة النصف من شعبان).
سادساً:
ونستطيع أن نجمل اعتراض المخالفين، ونرد عليهم فيما يلي:
1) أنكروا فضل ليلة النصف من شعبان، وقالوا: لم يصح في فضلها حديث، وليس لهم حجة في ذلك ولا مستند إلا قولة القاضي أبي بكر محمد بن عبد الله ابن العربي المالكي رحمه الله: (ليس في ليلة النصف من شعبان حديث يساوي سماعه). قال الشيخ عبدالله ابن الصِّديق الغماري: (في هذا غلو وإفراط).
وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي (367/ 3) بعد أن ساق أحاديث ليلة النصف من شعبان: (فهذه الأحاديث بمجموعها حجَّة على من زعم أنَّه لم يثبت في فضيلة ليلة النصف من شعبان شيء).
وأورد الألوسي في تفسيره روح المعاني (111/ 5) كلام القاضي أبي بكر ابن العربي ثم قال: (ولا يخلو من مجازفة).
قلتُ: قد ورد في فضل ليلة النصف من شعبان وفي إحيائها بالعبادة أحاديث صحاح وحسان وضعاف يشدُّ بعضها بعضاً، وتدفع قول كل جاحد ومعاند (كما سترى في هذه الرسالة).
بل قال الشيخ ابن تيمية رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم (ص 302): (وليلة النصف من شعبان قد روي في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنّها مفضلة، وإن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة).
ثُمَّ قال بعد كلام: (لكن الذي عليه كثير من أهل العلم أو أكثرهم من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها، وعليه يدل نص أحمد، لتعدد الأحاديث الواردة فيها، وما يصدق ذلك من آثار السلف، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن، وإن كان قد وُضِعَ فيها أشياء أخر).
وقال الشيخ ابن تيمية أيضاً في مجموع الفتاوى (131/ 23): (إذا صلى الإنسان ليلة النصف وحده أو في جماعة خاصّة كما كان يفعل طوائف من السلف فهو حسن).
وقال فيه (132/ 23): (وأمَّا ليلة النصف فقد روي في فضلها أحاديث وآثار ونقل عن طائفة من السلف أنّهم كانوا يصلون فيها، فصلاة الرجل فيها وحده قد تقدمه فيه سلف وله فيه حجّة، فلا ينكر مثل هذا).
فهذه أقوال ابن تيمية رحمه الله، ولكن كما قيل عن إخواننا - غفر الله لنا ولهم - فهم تيميون فيما لم يتبع فيه ابن تيمية الإمام أحمد، ووهابيون فيما لم يتبع فيه ابن عبد الوهاب ابن تيمية .. وألبانيون، وبازيون ... وهكذا.
وأزيدك - أيها القارىء الكريم - أنَّ الشيخ الألباني رحمه الله قد صحح حديث فضل ليلة النصف بمجموع طرقه في صحيحته (1144)، وفي صحيح ابن ماجه (233/ 1)، وفي تعليقه على كتاب (السُّنَّة) لابن أبي عاصم (509، 510، 511، 512).
وفي كتاب (السُّنَّة) المنسوب لعبد الله بن الإمام أحمد (273/ 1) - بإسناد صحيح - عن عبَّاد بن العوام قال: (قدم علينا شريك فسألناه عن الحديث: إنَّ الله ينزل ليلة النصف من شعبان، قلنا: إنَّ قوماً ينكرون هذه الأحاديث، قال: فما يقولون؟ قلنا: يطعنون فيها، قال: إنَّ الذين جاءوا بهذه الأحاديث هم الذين جاءوا بالقرآن، وبأنَّ الصلوات خمس، وبحج البيت، وبصوم رمضان، فما نعرف الله إلا بهذه الأحاديث).
2) أنكروا إحياء هذه الليلة بالعبادة والاجتماع لها، والدليل العام وحده ينقض ما ذهبوا إليه ويهدمه، فإحياء الليل عموماً (أيَّ ليلة من السَّنة) سُنَّة نبوية ثابتة، قال تعالى: (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا)، فهي في حقِّه صلى الله عليه وآله وسلم فرض، وفي حق أمته سُنَّة، كما ذكر العلماء، والأحاديث في ذلك كثيرة ثابتة.

أمَّا أنواع العبادات من استغفار ودعاء وقراءة قرآن والصلوات النوافل ... إلخ، فأدلتها أشهر من أن أسردها في هذه التقدمة، وكل ذلك مطلق (غير مقيد بوقت) فمن أتى به في أي وقت فقد أتى بالسُّنَّة، في ليلة النصف وغيرها.
3) وأنكروا صيام نهار نصف شعبان، مع أنّ صيامه سُنَّة بالدليل العام، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صيام شعبان كله، وصيام أكثر شعبان، ولا شك أنَّ يوم النصف داخل في هذا، كما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم، من حديث أبي ذر رضي الله عنه وغيره، أمره بصيام الثلاثة أيام البيض من كل شهر، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، ونصف شعبان داخل فيها أيضاً.
فإنْ قال المعترض: فما الحاجة إلى تخصيص ليلة النصف إذا كانت تدخل فيما سبق؟!.
قلتُ: بل لليلة النصف من شعبان مزيد فضل واهتمام واختصاص، وهذه الأدلة التفصيلية توضحه وتبينه وتؤكده، وذكرنا للدليل العام إنما هو حجةٌ وإلزام للمخالف.
وانظر إلى فقه الأئمة فيما أورده النجم الغيطي في (فضل ليلة النصف) (ص 105، 106) مما يرويه أبو حاتم الرازي بسنده عن عبد العزيز بن أبي داود (1) قال: نظر عطاء إلى جماعة في المسجد الحرام ليلة النصف من شعبان، فقال: ما هذه الجماعة؟، قالوا: هذا النميري يزعم أنّ الله - عزَّ وجل - ينزل هذه الليلة إلى سماء الدنيا، فيقول: هل من داع فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟.
فقال عطاء: زيادة على النّاس: هذا في كل ليلة في السنة كلها.
قال الحافظ أبو موسى المديني: وقول عطاء هذا صحيح، غير أن تخصيص ذكر النزول في هذه الليلة يقتضي تأكيداً، إمَّا في تكثير الرحمة كما تقدَّم، أو زيادة زمانه، يعني كما في الحديث المتقدم (إنَّ الله ينزل فيها لغروب الشمس) بخلاف بقية الليالي، فحين يبقى ثلث الليل الآخر. اهـ

وفي (فيض القدير شرح الجامع الصغير) للمناوي (317/ 2): (قال الزين العراقي: مزية ليلة نصف شعبان مع أنَّ الله تعالى ينزل كل ليلة أنَّه ذكر مع النزول وصفاً آخر لم يذكر في نزول كل ليلة وهو قوله: (فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب)، وليس ذا في نزول كل ليلة، ولأنَّ النزول في كل ليلة مؤقت بشرط الليل أو ثلثه وفيها من الغروب، وخصَّ شعر غنم كلب لأنَّه لم يكن في العرب أكثر غنماً منهم).
وقد قيل: إنَّ آية الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزلت في شهر شعبان، نقله العلامة الشهاب القسطلاني في كتابه (مسالك الحنفا إلى مشارع الصلاة على النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم) (2).
سابعاً:
إنَّ أمة الإسلام في هذا الزمان في أشد الحاجة أن تتجاوز أزمات الخلافات الفرعية، خصوصاً وإن كثيراً من تلك المسائل - إن لم تكن جميعها - مسائل مكررة، قد قُتلت بحثاً ودراسةً، وظهر وجه الحق فيها، أو هي - على الأقل - مسائل اجتهادية لكلِّ فريق فيها ما أداه إليه اجتهاده بدليله، فلا يبغي أحدٌ على أحدٍ بالتفسيق والتبديع والتكفير ... إلخ، وقد اتسع صدر سلف الأمة الصالح لما هو أكثر أهمية من هذه المسائل، ونعوذ بالله من الهوى وحب الظهور والتعالم.
إنَّ الأمة الإسلامية بحاجة إلى أن تضمد جراحها، لتقف قويَّة عزيزة في وجوه تلك الأمم التي تكالبت عليها من كل حدب، فعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: (بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن) فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: (حبُّ الدنيا وكراهية الموت) (3).

ثامناً:
فإلى المسلمين جميعاً: في ليلة النصف من شعبان المكرم: اتجهوا بقلبٍ واحد، وجسد واحد، ولسان واحد إلى قبلة واحدة، ورب واحد .. واذكروا غربة الإسلام في أهله .. اذكروا (بيت المقدس) أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وما يفعله (به وبأهله) اليهود من دمار وتخريب وتغيير لمعالمه ..
أيُّهَا المسلمون: اذكروا تلك الأقليات المسلمة التي يقوم أعداء الإسلام بإبادتها وتدميرها، بغية القضاء على الإسلام وأهله ..
في البوسنة والهرسك، وفي كوسوفا، وفي ألبانيا، وفي داغستان، وفي الشيشان، وفي بورما، وفي كشمير، وفي غيرها ملايين من المسلمين، من أطفال وشباب وشيوخ ونساء، قتلتهم العنصرية، وشردتهم الأحقاد على المسلمين.
إنَّه لا تكاد توجد بقعة في العالم إلا وفيها أقلية مسلمة تسام العذاب والهوان .. هذه المجازر الجماعية التي حصدت الشيوخ والنساء والأطفال .. وهذه الإبادة الشاملة التي لم تبق ولم تذر .. وهذا التشريد والعزل والطرد والتنصير .. إلخ. فأين الحضارة التي يزعمون؟!، وأين حقوق الإنسان؟!، وأين الحب والتسامح .. ؟! وأين .. وأين؟!.
إنَّ أقلَّ ما يقدمه المسلم اليوم أن يحافظ على وحدة الإسلام، وأن يقبض على دينه، وأن يعين المسلمين ما استطاع فإن لم يجد فبقلبه ولسانه وإن بالدعاء.
هذا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
(1/ 9)
---
ليلة النصف من شعبان الأدلة الحاسمة على مشروعية إحيائها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
استجابة لرغبات كريمة وجهت إلينا نعيد نشر هذا البحث أملاً في أن نكشف وجه الحق عمّا يشغل الجمهور الآن من أمر إحياء ليلة النصف من شعبان وما يدور على الألسن الآن بشأنها بين المشروعية والممنوعية.
وبرغم أنّه كان قد سبق لنا في هذا المجال كلام، إلا أننا نعود إليه باختصار وتركيز، استجابة لهذه الرغبات المباركة، وإحقاقاً لما نؤمن به من حقٍّ نعتقده، ولا نعادي من يعتقد سواه.
بين يدي مشكلة ليلة النصف:
قد نأذن لإنسان ما، أن يتهمنا بالخطأ (فكلُّ ابن آدم خطاء)، والخطأ في محاولة بلوغ الصواب نوعٌ من الصواب نفسه، ولكننا لا نأذن لإنسان ما أن يتهمنا في ديننا، ولا في عقيدتنا، فدون ذلك أهوال!!.
وبمقدار ما لا نحب أن نحمل النّاس كرهاً على رأينا، نأبى أن يحملنا أحدٌ كرهاً على رأيه، ولكلٍّ وجهة هو موليها، وطالب الصواب مصيب وإن أخطأ.
ولا يزال إخواننا (المتوهبة) المغرمون بالحملة على (إحياء ليلة النصف من شعبان) يترقبون هذا الموسم بشغف، يُبَغِّضُون فيه إلى النَّاس اعتكافهم بالمساجد، وابتهالهم إلى الله تعالى، كأن لم يبق مما يغضب الله شيء قط، إلا أن يلجأ إلى بابه تعالى مسلم في ليلة النصف من شعبان، على أي وجه كان!.
وإنَّ من أعجب العجب أن يعمى هؤلاء الإخوة - بصَّرَهُم الله - عمّا تموج به حياتنا من موبقات مدمرة، وما يتلاطم فيها من كبائر فتّاكة، فلا تحس منهم من أحد، أو تسمع لهم ركزا نحو هذا التخريب المفزع المتفق عليه!.
فإذا وقع نظرهم على مقبل على الله، تلقفوه كالزبانية، ليجردوه من الرُّوحانية، أو ليفتنوه في عقيدته، فما لم يستجب لهم، حكموا عليه بالإعدام المالي! وأخرجوه من دين الله بتهمة الشرك أو الكفر الملفقة، ووقفوا يعضون أصابعهم من الندم، على أنهم لم يسحلوه، باسم السُنّة والتوحيد!.
إنَّ العلم يعذر كلّ إنسان بما عنده، ولا يبخس أحداً شيئه الذي اقتنع به، ما دام يعتصم بدليله، وفضيلة العلم: الأدب والتواضع وعفة اللسان والقلم والتفكير والترفع عن دعوى الاختصاص بالصواب أو احتكاره.
يا إخواننا: إنَّ حياتنا مملوءة بالمتفق على كفاحه، وهو أولى بالجهد من المختلف عليه الذي يصرفنا عن الأهم إلى التافه فنضل ونخزى.
هذه قضية يؤمن بها حتَّى أهل المريخ، ولكنها لم تصل بعد إلى خصوم ليلة النصف من شعبان، وهواة تمزيق الأمة باسم التوحيد أو اسم السُّنَّة!.
أولاً: تمهيد:
أصبح من معتاد النّاس أن يستقبلوا شهر شعبان بالمعركة التقليدية المكررة بين القائلين باستحباب إحياء ليلة النصف، والقائلين بالمنع في صلف وخشونة وجمود.
ونحن هنا نعيد نشر هذا البحث العلمي المنصف، على يقين مسبق بأنَّ خصوم هذه الليلة لن يزيدهم هذا الحق إلا عنتاً وتشنجاً وانطلاقاً في السباب، بغير علم ولا هدىً ولا كتاب منير. وإنما هو التغالي والتعالي، وسرطان حب المخالفة، ودعوى الانفراد بالصواب، والوصاية على دين الله (والله يعلم المفسد من المصلح)، والدِّين متين رفيق (إنَّ هذا الدِّينَ مَتِينٌ، فأوْغِلْ فيه برفق، فإنَّ المُنْبَتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى) (4) كأن لم يبق من البدع إلا إحياء ليلة النصف، رغم ما ثبت في فضلها من الأحاديث والآثار التي سنذكر بعضها إن شاء الله.
ثانياً: من فضل ليلة النصف:
1 - روى الدارقطني وابن شاهين وابن ماجه عن عليٍّ كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا كانت ليلةُ النِّصف من شعبان، فقوموا ليْلَهَا وصوموا نهَارَها، فإنَّ اللهَ تعالى ينزلُ فيهَا لغُرُوب الشَّمس إلى سَمَاء الدُّنيا، فيقولُ: ألاَ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فأَغْفِرَ له! ألا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ!، ألاَ مُبْتَلًى فأُعَافِيَهُ! ألا كذا! ألا كذا! حتَّى يَطْلُعَ الفجر) (5).

2 - وروى الطبراني، عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يَطَّلِعُ اللهُ عَلَى عبادِهِ ليلة النِّصف من شعبان، فيَغْفِرُ لجميع خلقه، إلا لمُشْركٍ أو مُشَاحِنٍ) (6).
وفي رواية (وقاتل نَفْس) (7).
قلنا: ولو لم يكن في فضلها غير هذا الحديث الصحيح الثابت لكفى في العناية بشأنها وأنها ليست ككل الليالي، كما يقوله بعض خلق الله، وهل كل الليالي وردت فيها أحاديث؟!.
3 - وروى الترمذي في (النوادر)، والطبراني، وابن شاهين (بسند حسن) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (هذه لَيْلَةُ النِّصف من شعبان: إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ يطَّلِعُ على عباده في لَيْلَةِ النِّصْفِ من شعبان فيَغْفِرُ للمُسْتَغْفِرينَ، ويَرْحَمُ لِلْمُسْتَرْحِمِينَ، ويؤخِّرُ أهْلَ الحقْدِ كمَا هُمْ) (8).
وحسبنا هنا هذه الأحاديث الحسنة المعتمدة عند أهل العلم حتّى في (الأحكام) بَلْهَ (الفضائل).
وحول هذا المعنى تدور عدة أحاديث أخرى تحبب في إحياء هذه الليلة، وتجعل قبول الدعاء فيها أرجى والتعبد أفضل، وتقطع دعوى القائلين بأنّها ليلة ككل الليالي، والمسلمون جميعاً على اتفاق على الأخذ بالحديث الحسن.
ثالثاً: توجيه معاني بعض أحاديث ليلة النصف:
1 - أخرج البيهقي في كتاب (الدعوات الكبير) عن عائشة رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام يصلي ليلة النصف من شعبان، وقال: (في هذه الليلة يُكْتَبُ كُلُّ مولودٍ وهالكٍ من بني آدم، وفيها تُرْفَعُ أعمالهم، وتنزل أرزاقهم) (9).
ونحن نفهم: أنَّ الكتابة هنا معناها نزول الأمر من اللوح المحفوظ إلى الملائكة الموكلين بتنفيذه، ولمّا كان الأمر مستوراً ثُمَّ كشف، كان كأنّه بالنسبة لنا قد كتب في هذه الليلة، وعلى هذا المعنى وما هو منه، نحمل ألفاظ (الكتابة والنسخ) التي تدور في أحاديث فضل هذه الليلة، فتكون ليلة النصف كالتمهيد والتقديم أو الإعداد لليلة القدر، وعليه يحمل رأي عكرمة وغيره توفيقاً بين ليلة النصف وليلة القدر.
2 - ومن دليل ذلك ما روى ابن أبي الدنيا عن عطاء قال: (إذا كان لَيْلَةُ النِّصْفِ من شعبان دُفِعَ إلى مَلَكِ الموت صحيفة، فيقال: اقْبِض مَنْ في هذه الصحيفة، فإنَّ العبد ليَغْرِسُ الغِرَاسَ، ويَنْكِحُ الأزواجَ، ويبني البُنْيَان، وإنَّ اسْمَهُ قد نُسِخَ في ديوان الموتى) (10).
ومفهومُ النَّص: أن هذه الصحيفة قد نسخت من اللوح المحفوظ لينفذها الموكلون بها، وعليه يفهم أيضاً ما أخرجه الدينوري في (المجالسة) عن راشد بن سعد (11)، وقد أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن عائشة نحوه (12).
3 - وقد أخرج الخطيب في (التاريخ) من طريق عامر بن سياف اليمامي، عن عائشة رضي الله عنها، من حديث طويل، قال صلى الله عليه وآله وسلم فيه: (يَا عائشة! إنَّه ليس نَفْسٌ تموتُ في سنة إلا كُتِبَ أجلُهَا في شعبان، وأُحِبُّ أن يُكْتَبَ أجلي وأنا في عبادة ربِّي وعمل صالح) (13).
وقد رواه أبو يعلى (14) بنحو ذلك.
4 - وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء بن يسار، قال: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شهر أكثر منه صياماً في شعبان، وذلك أنّه ينسخ فيه آجال من ينسخ في السنة) (15).
5 - وأخرج الخطيب في (رواة مالك) عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (يفتح الله الخير في أربع ليال: ليلة الأضحى، والفطر، وليلة نصف شعبان ينسخ فيها الآجال والأرزاق، ويكتب الحاج، وفي ليلة عرفة إلى الأذان) (16).
6 - وأخرج الديلمي وابن زنجويه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتّى أنَّ الرجل لينكِحُ ويُولَدُ له، وقد خَرَجَ اسمُهُ في الموتَى) (17).
وروى نحوه ابن جرير والبيهقي في الشعب.
ومثل هذا كله لا يقال بالرأي كما هو معلوم عند العلماء، وهذه الأحاديث وإن كان في بعضها ضعف أو لين، فهي مجبورة ومعتضدة بتعدد طرقها وشواهدها، وهكذا تأخذ رتبة (الحسن) على الأقل فيؤخذ بها فيما هو أخطر من موضوعنا هذا، وقد وجهناها هنا على ما نرجح، ولا نخالف توجيه غيرنا فلا موجب للجدل، والأمر فرعي اجتهادي، لا يجوز أن يتفرق عليه المسلمون.
رابعاً: حول الحديث الضعيف:
وعلى فرض جدلي أنَّ ضعف أحاديث فضل هذه الليلة والعمل بها غير مجبور، فقد جاءت في (باب الفضائل)، والأمة كلها على أنَّ الحديث الضعيف يؤخذ به في الفضائل ونحوها بلا تثريب، فكيف إذا جبر الضعيف بالمتابعات والشواهد وتعدد طرق الرواية.
والعمل بالضعيف هنا نقله النووي، وذهب إليه ابن الصلاح، وهو ما جاء عن السلف كالثوري، وابن عيينة، وابن حنبل، وابن المبارك، وابن مهدي، وابن معين، وبوّب له ابن عدي في (الكامل)، والخطيب في (الكفاية) ... إلخ (18).
وذلك أنَّ الحديث الضعيف في مفهومنا العلمي حديث تحققت فيه بعض شروط الصحة، وإن تخلفت شروط أخرى فيه، فهو غير مجرد من الصحّة، وهذا هو الفرق العلمي الكبير بينه وبين الحديث الموضوع!! وإن جهل ذلك بعض خلق الله.

خامساً: فضل الدعاء في هذه الليلة:
1 - روى البيهقي، في حديث طويل، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أتاني جبريل - عليه السلام - فقال: هذه الليلة ليلة النصف من شعبان، ولله فيها عتقاء من النّار بعدد شعور غنم بني كلب، لا ينظر الله فيها إلى مشرك، ولا إلى مشاحن، ولا إلى قاطع رحم، ولا إلى مُسْبل، ولا إلى عاق لوالديه، ولا إلى مدمن خمر ... ).
قالت: فسجد ليلاً طويلاً، ... ، وسمعته يقول في سجوده: (أعوذُ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك، جلَّ وجهك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك).
قالت: فلمّا أصبح ذكرتهن له، فقال: (يا عائشة تَعَلَّمْتِهِنَّ؟) فقلتُ: نعم، فقال: (تَعَلَّمِيهِنَّ وَعَلِّمِيهِنَّ، فإنَّ جبريل عليه السلام: عَلَّمَنِيهُنَّ، وأمرني أن أُرَدِّدُهُنَّ في السّجود) (19).
وفي هذا الحديث اعترافٌ بفضل هذه الليلة، وتوجيهٌ إلى التعبد فيها، وإلى اختيار جيد الدعاء معها، فليست إذن ككل الليالي (كما يقولون!!)، وهل كل الليالي فيها مثل هذا القول والمناظرة والترغيب المتلاحق الذي يوشك أن يكون أمراً ملزماً؟!.
2 - ثُمَّ إنَّ هذا الحديث - كغيره - معتضد بحديث آخر للبيهقي أيضاً عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كانت ليلة النصف من شعبان ليلتي، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندي، فلمّا كان في جوف الليل فقدته، ... ، فطلبته في حجر نسائه، فانصرفتُ إلى حجرتي، فإذا أنا به كالثوب الساقط، وهو يقول في سجوده: (سجد لك خيالي وسوادي، وآمن بك فؤادي، فهذه يدي وما جنيتُ بها على نفسي، يا عظيم يُرْجَا لكل عظيم، يا عظيم اغفر لي الذنب العظيم، سجد وجهي للذي خلقه، وشقَّ سمعه وبصره).
وفي رواية (فتبارك الله أحسن الخالقين).
ثُمَّ رفع رأسه، ثُمَّ عاد ساجداً فقال: (أعوذُ برضاكَ من سخطك، وأعوذُ بعفوك من عقابك، وأعوذُ بك منك: أنت كما أثنيت على نفسك، أقولُ كما قال أخي داود: أُعَفِّرُ وجهي في التراب لسيدي، وحق لسيدي أن يُسْجَدَ له).
ثُمَّ رفع رأسه فقال: (اللَّهُمَّ ارزقني قلباً تقياً، من الشرك نقياً، لا جافياً ولا شقياً) ثُمَّ انصرف (20).
3 - قلنا: فلم يعد للمعترض وجه للاعتراض على إحياء هذه الليلة بالتعبد والدعاء، إن اتقى الله وترك التعصب التقليدي الكريه، ودعوى احتكار الصواب أو الانفراد بالعلم أو خدمة السنّة من دون الأمة، أو التحكم فيما اختار المسلمون لأنفسهم من نوافل العبادات بما صحَّ عندهم منها.
4 - وهذه الأحاديث التي أوردناها على اختلاف المفاهيم والمضامين والمراتب العلمية، يشدُّ بعضُها بعضاً، فلم يبق شك في صحة محصلها، وهو فضل ليلة النصف، وفضل الاهتمام بإحيائها، وبهذا أخذ أكثر السلف ممن لا يتهمهم النّاس في علم ولا عمل، وهذا ملحظ علمي له وزنه الكبير فتأمله.
سادساً: الركعات الست وقراءة يس:
أمَّا ما تعوده النَّاس من صلاة ست ركعات أحياناً بين المغرب والعشاء، فقد وردت عدة أحاديث ثابتة في سنية هذه الركعات الست، فإذا توسل العبد إلى الله بهن في رجاء جلب المنافع ودفع المضار، فهو متوسل إليه تعالى بعمل صالح لا اعتراض عليه، كما أنها تكون في الوقت نفسه نوعاً من صلاة الحاجة المتفق على صحتها بين جميع أهل القبلة، وهي في الأصل تسمى بـ (صلاة الأوَّابين).
1 - وقد أخرج الطبراني في معاجمه الثلاثة عن عمّار ابن ياسر رضي الله عنه قال: (رأيت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بعد المغرب ست ركعات، وقال: مَنْ صلَّى بعد المغرب ست ركعات غفرت له ذنوبه، وإن كانت مثل زبد البحر) (21).
2 - وكذلك توسل النّاس إلى الله بسورة (يس) في هذه الليلة وغيرها ابتغاء غفران الذنوب وتفريج الكروب، ونحو ذلك، فهو توسل إلى الله تعالى بكتابه وكلامه، وبصفة مقدسة من صفاته، وسورة مجيدة فيها ترغيب وتحبيب أكيد، فلا اعتراض ولا ملامة (راجع ما كتبناه عن فضل يس في (المسلم)، وفي كتابنا (الإسكات بركات القرآن على الأحياء والأموات)).
والمهم في الأمر ألا يُعْتَقَد أنَّ ذلك شرعٌ أكيد، مَنْ خالفه أخطأ وعصى، وإنما هي فضائل مباحة لمن يشاء، بتوفيق الله، والموفقون قليل.
سابعاً: صوم نهار النصف:
1 - روى ابن ماجه عن عليٍّ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا كانت ليلةُ النِّصف من شعبان، فقوموا ليْلَهَا وصوموا نهَارَها، فإنَّ اللهَ تعالى ينزلُ فيهَا لغُرُوب الشَّمس إلى سَمَاء الدُّنيا، فيقولُ: ألاَ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فأَغْفِرَ له! ألا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ!، ألاَ مُبْتَلًى فأُعَافِيَهُ! ألا كذا! ألا كذا! حتَّى يَطْلُعَ الفجر) (22).
وقد قدمنا هذا الحديث من رواية الدارقطني وابن شاهين عن عليٍّ، فبأيِّ حقٍّ نمنع النّاس من ذلك؟!، وهذه كلها فضائل يؤخذ فيها بالضعيف غير المجبور بالمرة، فكيف بالحديث (الحسن) الذي نأخذ به في العبادات والمعاملات، وكيف بما يرتقي من (الضعيف) إلى مقام (الحسن)؟!.
2 - نحن نقلد من أجاز، وهم يقلدون من منع، ولكل من الجانبين دليلٌ يطمئن إليه، فهل من الإنصاف العلمي أن يبيحوا لأنفسهم تقليد من شاءوا، ويمنعوننا من تقليد من نشاء، (وسنذكر أسماء من أجاز ومن منع فيما بعد).
ثامناً: الدعاء المشهور اللهم يا ذا المنّ:
1 - أمَّا الدعاء المشهور، فقد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف (68/ 6)، وابن أبي الدنيا في الدعاء عن ابن مسعود رضي الله عنه، وورد كذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
ما دعا قط عبدٌ بهذه الدعوات إلا وسع الله عليه في معيشته: (يا ذا المنّ فلا يمن عليه، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، لا إله إلا أنت، ظهر اللاجئين، وجار المستجيرين، ومأمن الخائفين، إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيّاً، فامح عنّي اسم الشقاء، وأثبتني عندك سعيداً، موفقاً للخير، (وإن كنت كتبتني عندك في أمِّ الكتاب محروماً أو مقتراً عليَّ في الرزق فامح حرماني، ويسّر رزقي، وأثبتني عندك سعيداً، موفقاً للخير)، فإنّك تقول في كتابك الذي أنزلت (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)) (23).
2 - وأخرجه ابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن مسعود أيضاً بلفظ: (اللهم إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني في السعداء، وإن كنت كتبتني في الأشقياء فامحني من الأشقياء وأثبتني في السعداء، فإنَّك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب) (24). ونقله الإمام اللغوي المحدِّث السيد مرتضى الزبيدي في شرح الإحياء بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأقرَّه.
3 - نقول: ومثل هذا الدعاء مع الإخبار بأنَّ الداعي به يوسع عليه في رزقه .. إلخ، لا يكون أبداً إلا بتوقيف نبوي، فليس من شأن صحابي ولا غيره أن يخبر بجزاء عمل غيبي [فيكون بذلك له حكم المرفوع]، وبخاصّة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيٌّ، والوحي مخصوص به، لا ينزل إلا عليه؟! وآداب الصحابة لا تأذن لهم بأن يقدموا بين يدي الله ورسوله.
كما أن بعض المراجع (25) تسند بعض ألفاظ هذا الدعاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه (26)، فيكون معنى هذا أنّه دعاء كان معروفاً للصحابة متداولاً بينهم، ولم ينكره منهم أحد، والله تعالى لا يشترط في استجابته للدعاء أن يكون نبويّاً.
4 - أمَّا بقية الدعاء من عند قولهم: (إلهي بالتجلي الأعظم) إلى نهايته؛ فقد زاده الشيخ (ماء العينين الشنقيطي) وذكره في كتابه (نعت البدايات)، ولا بأس به، فالاجتهاد في الدعاء سُنّةٌ نبوية مقررة.
وعلى الداعي أن يتجاوز عن العبارة التي أثارت الخلاف منه، وهي قوله في وصف ليلة النصف (التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم)، والراجح أنها مدسوسة عليه، أو أنّه سار فيها على الرأي غير المشهور؛ إذ النص القرآني على أن هذا الفرق يتم في ليلة القدر.
والتعبير بالمضارع في (يفرق) يدل على الاستمرار، وفيه الرد على من قال: إنَّ ليلة القدر كانت مرة واحدة لا تتكرر، فلا داعي للاهتمام بها أيضاً (عندهم)!!، ونعوذ بالله من تجلط الفكر، ولزوجة الذهن وضيق الأفق العلمي.
تاسعاً: الكلام على ليلة الفرق والإبرام:
وقد اختار عكرمة وطائفة أنَّ ليلة الفرق هي ليلة النصف، وإليه مال المُلا علي القاري والإمام القرطبي، لما أخرجه ابن جرير والبيهقي والدينوري والإمام البغوي بإسنادهم، أنَّ الآجال والأقضية تقطع في هذه الليلة.
وقد حاول الزمخشري والكرماني وأبو الضحى التوفيق بين هذه النصوص فقالوا: إن ابتداء التقدير يكون في ليلة النصف، ويكون الإنزال (27) في ليلة القدر، وهذا القول ينسب أيضاً إلى ابن عبّاس، ولا نحب أن نذهب إلى هذا لصراحة القرآن في أنَّ ليلة (الفرق) هي ليلة (القدر)، وحسبنا من ليلة النصف البركة وقبول الدعاء!! ورفع الأعمال، والتجليات المقدسة، وما بشرت به الأحاديث الشريفة.
عاشراً: مسألة المحو والإثبات:
1 - والخلاف في معنى المحو والإثبات (وأم الكتاب واللوح المحفوظ)، وهل هو محو الأقدار أو محو الشرائع؟! كلُّ هذا لم تجمع الأمة على جانب واحد فيه، فهو أمرٌ اجتهادي محتمل لكل ذلك.
وعندما يدخل الاحتمال، فإنّه يسعنا ما وسع غيرنا، وهنا يكون لترجيحنا توجيه المحو إلى الأقدار (ومنها الشرائع) اعتبار الحجية والعلم المنهجي القاطع الجامع، والشمول المناسب لمفهوم الآية.
2 - ذلك لأنَّه ما من عبد يطلب من الله مطلباً من الخير، إلا كان معناه وحقيقته الواقعية هي رجاء الله في أن يمحو عنه مقابله من الشر، فطالب اليُسْر يسأل الله أن يمحو عنه عسره، وطالب الصحة يسأل الله أن يمحو عنه ضعفه، وطالب الطاعة يسأل الله أن يمحو عنه المعصية.
وهكذا مطالب الإثبات في ناحية هي مطالب المحو بالتبعية في الناحية الأخرى، وحسبك في هذا أن تتدبر بعمق قوله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات)، وقوله تعالى: (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات)، وقوله تعالى: (ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة) (28).
والله يفعل ما يشاء، ولا يُسْئَل عما يفعل، وهو على كل شيء قدير، وقد ذكر سبحانه وتعالى: أنّه (يبدل) السيئات حسنات بغاية الوضوح والصراحة، وفي الحديث الثابت قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أَتْبِع السيئة الحسنة تمحها)، وأكدت الآية (إن الحسنات يذهبن السيئات) على ما سبق في علم الله، فلم يعد لِلَّجاجة هنا مكان.
والذي يراجع أدعية القرآن والسنّة لا يجدها تعدو أن تكون طلباً للخير واستعاذة من الشر، فالداعي يسأل الله المحو من ديوان السوء والإثبات في ديوان السعود، فالمسألة كلها دائرة في فلك المحو والإثبات الملحوظ، وإن لم يعلن به في القول الملفوظ، وإلا لم يكن هناك معنى لقوله تعالى: (ادعوني أستجب لكم)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (الدعاء مخ العبادة) (29)، أو قوله: (الدعاء هو العبادة) (30)،
وقوله تعالى: (أجيب دعوة الداع إذا دعان).
3 - والكلام في مسألة القضاء المبرم والقضاء المعلق تؤيدنا، وترغيب المصطفى في قولٍ ما، أو عملٍ ما، لجزاءٍ ما، أو عطاءٍ ربانيّ معيّن، يؤيد قضية المحو والإثبات، فقوله صلىالله عليه وآله وسلم: من فعل كذا كان له كذا، ومن أراد أن يكون كذا وكذا فليفعل كذا وكذا.
معنى ذلك: أن الله تعالى غالب على أمره، وأنّه فعالٌ لما يريد، تعالى عن كلِّ قيد، حتَّى عن قيد الإطلاق نفسه.
والحديث الشريف مفعمٌ بالحث على ملازمة الدعاء، رجاء استبدال حال بحال، وقد نقل كبار مفسري القرآن هذا الوجه عن أكثرية السلف، فإنَّه الوجه المناسب لمعقولية الأشياء، وفي حديث الترمذي: (نَفِرُّ من قدر الله إلى قدر الله) أي من إثباته إلى محوه، سواء كان على المعنى الحقيقي أو المجازي، وإلا وقعنا في عقيدة (الجبر) التي لا تجعل للدعاء ولا للعمل أثراً فيما سبق به القضاء، وعندئذٍ يكون أمر الله ورسوله بالدعاء والعمل نوعاً من العبث (وأستغفرُ الله)، وهذا ما وقع ويقع فيه المعترضون على دعاء (ليلة النصف).
4 - وعلى هذا ينكشف أن الزوبعة المفتعلة حول ليلة النصف وما حولها زوبعة مذهبية مغرضة، وليس في جانبها دليل قاطع، اللهم إلا الهوى، وحب الظهور بالمخالفة وادعاء العلم بتجهيل خلق الله، وادعاء الوصاية على دين الله، بل على الله!! فلو أنهم حاربوا في هذه الليلة السهر في البارات والملاهي، والسينمات، وعلب الليل، والكباريهات، والمسارح، والانشغال بمغاضب الله وموجبات سخطه، لكان ذلك من المفهوم والمقبول، ولكنهم في شغل عن ذلك بدفع الدّاعين عن الدعاء، ورد الطائعين عن الطاعة، وتشكيك العابدين في كل عبادة!! بإشاعة عقيدة (الجبر)، وأنّه لا فائدة في الدعاء، لأنَّ ما سبق في علم الله لا يتغير.
5 - أمَّا أنهم يعمون عن هذه المناكر الموبقة، ويتجهون تلقاء روَّاد المساجد يصدُّونهم عن السبيل، ويحسبون أنهم مهتدون، فذلك ما لا يقبله علم ولا إيمان ولا خلق، ولا عقل عاقل.
فأحيوا عباد الله ليلتكم بما يوفقكم الله إليه من الطاعات على أنها من نوافل الخير، وادعوا الله لأنفسكم ومخالفيكم فإنَّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا).

حادي عشر: السلف وليلة النصف:
يقول ابن رجب في (لطائف المعارف) (ص 263): (وليلة النصف من شعبان كان التَّابعون - كذا - من أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها، ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ النّاس فضلها وتعظيمها ... ).
إلى أن قال: (ووافقهم على تعظيمها طائفة من عُبّاد أهل البصرة وغيرهم ... ).
ثُمَّ ذكر أسماء العلماء الذين خالفوهم، ثُمَّ نقل عن علماء أهل الشام رضي الله عنهم أنهم فريقان:
أولاً: فريق استحب إحياءها جماعةً، منهم مَنْ يلبسون أحسن الثياب ويتبخرون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم (إسحاق بن راهويه)، وقال: ليس ذلك ببدعة (كما نقله حرب الكرماني في المسائل)، وناهيك بابن راهويه شيخ الإمام البخاري تقىً وعلماً بالسنّة الشريفة.
ثانياً: فريق أجاز إحياءها في المنازل، وكرهوا إحياءها في المساجد، وهو قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم الأكبر (واختاره ابن رجب).
وفي إحدى الروايتين عن أحمد أنّه استحب إحياء هذه الليلة [تخريجاً على إحياء ليلتي العيد] لفعل عبد الرحمن ابن الأسود بن يزيد (من التابعين)، وطائفة من أعيان فقهاء أهل الشام. (انتهى باختصار)، وناهيك بأحمد وبالتابعين فقهاً وعلماً وورعاً.
فثبت بكلِّ هذا أنَّ السلف اهتموا بإحياء هذه الليلة باتفاق، وإنما اختلفوا في صورة الإحياء وموضعه، وهو اختلاف فرعي على الأصل الْمُسَلَّم به، وبهذا تنقطع حجة القائل بأنها ليلة كالليالي، أو أن إحياءها غير وارد، وكيف يكون ذلك كذلك وفيها كل هذا الاجتهاد العلمي العريض؟! الذي يشد بعضه بكل قوة!.
ثُمَّ إنَّه إذا صحَّ الخبر عن هؤلاء الأئمة المتفق على علمهم وتقواهم، ثُمَّ جاء خبر مخالف له، عن (عويلمة) هذا الزمان ومتعالميه من المقلدة والمتعصبة، وطلاب الشهرة والدنيا، فأي فريق نتبع؟! ... بعض الحياء أيها النّاس!!.

ثاني عشر: بدعية صلاة الرغائب:
أمَّا ما يسمى صلاة الرغائب فلا نقول بها، وقد قال الإمام النووي في المجموع: (الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب، وهي اثنتا عشرة ركعة، تُصلَّى بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان قبيحتان، ولا يغتر بذكرهما في كتاب (قوت القلوب) و (إحياء علوم الدين)، ولا بالحديث المذكور فيها فإنَّ كل ذلك باطل). اهـ
وبنحو ذلك قال الإمام المقدسي وابن رجب؛ ففي أحاديث هاتين الصلاتين انقطاع، وفيها مجاهيل، وهي موضوعة (مكذوبة)، وذكرها في (القوت) و (الإحياء) كان من قبيل حسن الظن بها وعدم العلم بأنّها مكذوبة.
فإحياء ليلة النصف يكون بالأدعية النبوية المأثورة ونحوها من أدعية الصحابة والتابعين والأولياء الصالحين، وبصلاة الليل المعتادة، وقراءة القرآن، والأذكار الشرعية الواردة على اختلاف مراتبها وأسلوبها، ثُمَّ بأوراد وأحزاب أهل الله رضي الله عنهم أجمعين، وبما يهم الداعي.
ومن شاء تصدق بما استطاع، فجمع بين الْحُسْنَيَيْن، وأمر هذه الليلة كله اختيار، فمن شاء فعل كما فعل السلف، فأحياها منفرداً أو في جماعة، والجماعة أفضل فإنَّ يد الله معها، ومن شاء ترك، بلا بغي ولا عدوان، ولا إساءة ولا بذاءة (والعياذ بالله).

ثالث عشر: تحويل القبلة وليلة النصف:
وإنَّ مما يضفي على هذه الليلة قداسة تاريخية ذات معنى، أنَّ في نهارها حوّل الله القبلة، من بيت المقدس إلى البيت العتيق (31)، استجابة لرغبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حين أكثر اليهود اللغط بسبب اتجاهه صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت المقدس شأن أبيه إبراهيم عليه السلام، فكان صلى الله عليه وآله وسلم يقلب وجهه في السماء يطلب من الله أن يوليه قبلة يرضاها، قطعاً للجاجة اليهود.
فبينما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي في مسجده صلاة الظهر مستقبلاً المسجد الأقصى بالشام، إذ نزل قوله تعالى: (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) الآيات، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد صلى الركعتين الأوليين من الظهر فاتجه في الركعتين الأخريين إلى المسجد الحرام (32).
[وروى الحافظ أبو بكر ابن مردويه عن نويلة بنت مسلم قالت: صلينا الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة فاستقبلنا مسجد إيلياء (أي بيت المقدس) فصلينا ركعتين، ثم جاء من يحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد استقبل البيت الحرام فتحول النساء مكان الرجال، والرجال مكان النساء، فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلون البيت الحرام، فحدثني رجل من بني حارثة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أولئك رجالٌ يؤمنون بالغيب)] (33).
ولذلك سمي (مسجد القبلتين) بهذا الاسم، يزوره من زار مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يزور هناك من آثار هي في سبيل الهدم البطىء (34).
وبهذا يصح التوفيق بين الروايات في أحاديث تحويل القبلة من بيت المقدس إلى البيت العتيق، وهل كانت في جزء من صلاة، أو في صلاة كاملة، وهل كانت صلاة الظهر أو العصر؟ وكلها فرعيات على الأصل الثابت وهو التحويل.
وهنا قال السفهاء من النّاس من اليهود والمشركين: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها (ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها)، وكان الجواب الحاسم من السماء: (قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم).
ولم يكن هذا الحدث الكبير ليجري بالصدفة (فليس في علم الله صدفة!) وإنما كلُّ ما في علمه سبحانه موقوت بوقته، مرهون بحكمته، محوط بسرِّه، فدل على ما لهذه الليلة المباركة من منزلة وقدسية وفضل، وإنْ أنكره المنكرون وقلدهم (العويلمة) والببغاوات المتعالمة، بلا تمحيص ولا إنصاف، ولكنه داء المخالفة والتعالم.
ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين ..
والحمد لله ربِّ العالمين.
تمَّ بتوفيق الله ما أردنا كتابته عن (ليلة النصف من شعبان)، ولا ندعي العصمة من الخطأ، ونستغفر الله ونتوب إليه.
* تمت (الطبعة السابعة)، وكان الفراغ من صفها ومراجعتها ومقابلة أصولها فى يوم الاثنين 9 من شهر شعبان 1421هـ، الموافق 2000/ 11/6 م. اعتنى بها وعلَّق عليها وقدَّم لها المفتقر إلى الله: محيي الدين حسين يوسف الإسنوي تلميذ الإمام الرائد ومن خريجي الأزهر الشريف، والله الموفق.
(1/ 25)
---
ختم الاسترحام:
من دعاء الإمام الرائد في ليلة نصف شعبان
بعد أن دعا فضيلة الإمام الرائد رحمه الله بالوارد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الليلة الشريفة، ثُمَّ بالوارد عن السلف الصالح رضي الله عنهم، سجّلت آلات التسجيل التي كانت منتشرة في أيدي رواد المسجد هذا الدعاء الذي دعا به شيخنا الإمام الرائد فبكى وبكى معه كل من كان بالمسجد في هذه الليلة المباركة مؤمِّناً عليه مبتهلاً معه، مشاركاً بكل عواطفه ووجدانه فيه؛ وهذا هو نص الدعاء المؤثِّر:
اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا إذَا أَتَانَا الْيقِينُ، وَعَرِقَ مِنَّا الْجَبِينُ، وَكَثُرَ الأَنِينُ وَالْحَنِينُ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا إذَا يئِسَ مِنَّا الطَّبِيبُ، وَبَكَى عَلَينَا الْحَبِيبُ، وَتَخَلَّى عَنَّا الْقَرِيبُ وَالْغَرِيبُ، وَارْتَفَعَ النَّشِيجُ وَالنَّحِيبُ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا إذَا اشْتَدَّتِ السَّكَرَاتُ، وَتَوَالَتِ الْحَسَرَاتُ، وَأَطْبَقَتِ الرَّوْعَاتُ، وَفَاضَتِ الْعَبَرَاتُ، وَتَكَشَّفَتِ الْعَوْرَاتُ، وَتَعَطَّلَتِ الْقُوى وَالْقُدْرَاتُ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا إذَا بَلَغَتِ التَرَاقِ، وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ، وَتَأَكَّدَتْ فَجِيعَةُ الْفِرَاقِ للأَهْلِ وَالرِّفَاقِ، وَقَدْ حُمَّ الْقَضَاءُ فَلَيسَ مِن وَاقٍ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا إذَا حُمِلْنَا عَلَى الأَعْنَاقِ، إلَى رَبِّكَ يوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ، وَدَاعاً أَبَدِياً للدُّورِ وَالأَسْوَاقِ، وَالأَقْلاَمِ وَالأَوْرَاقِ، إلَى مَن تَذَلُّ لَهُ الْجِبَاهُ وَالأَعْنَاقُ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا إذَا وُورِينَا التُّرَابُ، وَغُلِّقَتْ مِنَ الْقُبُورِ الأَبْوَابِ، وَانفَضَّ الأَهْلُ وَالأَحْبَابُ، فَإذَا الْوَحْشَةُ وَالْوَحْدَةُ وَهَوْلُ الْحِسَابِ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا إذَا فَارَقَنَا النَّعِيمُ، وَانقَطَعَ النَّسِيمُ، وَقِيلَ: مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا إذَا أُقِمْنَا للسُّؤَالِ، وَخَانَنَا الْمَقَالُ، وَلَمْ ينفَعْ جَاهٌ وَلاَ مَالٌ وَلاَ عِيالٌ، وَقَدْ حَالَ الْحَالُ، فَلَيسَ إلاَّ فَضْلُ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا إذَا نُسِيَ اسْمُنَا، وَدُرِسَ رَسْمُنَا، وَأَحَاطَ بِنَا قَسْمُنَا وَوَسْمُنَا.
اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا إذَا أُهْمِلْنَا فَلَمْ يزُرْنَا زَائِرٌ، وَلَمْ يذْكُرْنَا ذَاكِرٌ، وَمَا لَنَا مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٌ، فَلاَ أَمَلَ إلاَّ فِي الْقَاهِرِ الْقَادِرِ، الْغَافِرِ السَّاتِرِ.
يا مَنْ إذَا وَعَدَ وَفَّى، وَإذَا أَوْعَدَ عَفَا، ارْحَمْ مَنْ هَفَا وَجَفَا وَغَفَا، وَشَفِّعْ فِينَا الْحَبِيبَ الْمُصْطَفَى، وَاجْعَلْنَا مِمَّن صَفَا وَوَفَا، وَبِاللهِ اكْتَفَى.
يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ (ثلاثاً).
يا حَيُّ يا قَيومُ، يا بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، يا ذَا الْجَلاَلِ وَالإكْرَامِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَاِرِكْ عَلَى سَيدِنَا مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَصَحْبِه وَأُمَّتِهِ إلَى يوْمِ الدِّينِ.
***
هوامش المقدمة والكتاب:
(1) كذا ورد في (مواهب الكريم المنَّان) للغيطي (ص 105)، والصواب: ابن أبي روَّاد، والله أعلم.
(2) انظر (مسالك الحنفا) للقسطلاني (ص 51) طبعة المجمع الثقافي - أبو ظبي.
(3) رواه أحمد في المسند (278/ 5)، وفي الزهد (134/ 1)، وأبو داود (111/ 4).
(4) رواه البيهقي (18/ 3،19) عن جابر وعبد الله بن عمرو، ورواه أيضا البزار عنهما وضُعِّف، لكن معناه صحيح ورد في عدة أحاديث أخرى، وانظر كنز العمال (5377، 5378، 5379).
والمُنْبَتّ: الذي أجهد دابته حتَّى أعيت.
(5) رواه عبد الرزاق في المصنف (7923)، وابن ماجه في سننه (444/ 1) واللفظ له، والبيهقي في شعب الإيمان (379/ 3)، وفي فضائل الأوقات (24) وغيرهم. قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (203/ 1): (إسناده ضعيف). وأورد الحافظ ابن رجب الحنبلي نحوه في لطائف المعارف (ص 143) من رواية نوف البكالي (ابن فضالة) عن عليّ. وفي بعض روايات الحديث: (ألا من مسترزق فأرزقه، ألا من مبتلىً فأعافيه). مصباح الزجاجة (10/ 2).
(6) رواه الطبراني في المعجم الكبير (108/ 20)، وفي الأوسط (36/ 7)، قال الهيثمي في المجمع (65/ 8): (ورجالهما ثقات)، ورواه ابن حبان في صحيحه (481/ 12 بترتيب ابن بلبان)، وابن أبي عاصم في السنة (512)، والدارقطني في النزول (77)، والبيهقي في شعب الإيمان (382/ 3)، وغيرهم. وهذا الحديث صحيح ثابت، روي عن عدد من الصحابة، وهو بمفرده حجة في فضل ليلة النصف من شعبان.
(7) رواية (وقاتل نفس) عند أحمد في مسنده (176/ 2) من حديث عبد الله بن عمرو. وفي بعض الروايات (إلا العاق)، (أو مشرك بالله)، (إلا كافراً)، (إلا زانية بفرجها أو مشرك). انظر هذه الروايات وغيرها في (شعب الإيمان) للبيهقي (378/ 3 - 387) وغيره.
(8) رواه البيهقي في شعب الإيمان (383/ 3) وقال: (هذا مرسل جيد، ويحتمل أن يكون العلاء أخذه من مكحول).
وأخرج ابن أبي عاصم في السُنَّة (511)، والطبراني في الكبير (224/ 22)، والدارقطني في الرؤية (ورقة 59)، وابن قانع في معجم الصحابة (160/ 1)، والبيهقي في الشعب (381/ 1 - 382) وغيرهم عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا كان ليلة النصف من شعبان اطّلع الله إلى خلقه فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتَّى يَدَعُوه).
(9) رواه البيهقي في فضائل الأوقات (26، 27).
(10) وأورده عبد الرزاق في المصنف (316/ 4) عن عطاء بن يسار بلفظ: (تنسخ في النصف من شعبان الآجال حتّى أن الرجل يخرج مسافراً وقد نسخ من الأحياء إلى الأموات، ويتزوج وقد نسخ من الأحياء إلى الأموات).
(11) يقصدُ شيخنا رحمه الله ما أخرجه الدينوري في المجالسة (303/ 3) عن راشد بن سعد، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنَّ اللهَ تبارك وتعالى يَطَّلِعُ إلى عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر لخلقه كلِّهم؛ إلا المشركَ والمُشَاحِنَ، وفيها يوحي اللهُ تبارك وتعالى إلى مَلَكِ الموت لقبض كلِّ نَفْسٍ يريدُ قبضَها في تلك السنة)، وهو من مرسل راشد بن سعد، وهو ثقة.
(12) أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شهر أكثر صياماً منه في شعبان لأنّه ينسخ فيه أرواح الأحياء في الأموات حتَّى أن الرجل يتزوج وقد رفع اسمه فيمن يموت، وأن الرجل ليحج وقد رفع اسمه فيمن يموت)، وهو في حكم المرفوع.
(13) رواه الخطيب في تاريخ بغداد (437/ 4).
(14) مسند أبي يعلى (312/ 8).
(15) أورده في الدر المنثور (401/ 7)، وعزاه لابن أبي شيبة.
(16) كذا عزاه السيوطي في الدر المنثور (402/ 7)، وأورده صاحب لسان الميزان (249/ 1) بلفظ: (ينسخ الله في أربع ليال الآجال والأرزاق: في ليلة النصف من شعبان، والأضحى، والفطر، وليلة عرفة) وعزاه للخطيب في الرواة، والدارقطني في غرائب مالك. وروى عبد الرزاق في المصنف (7927)، والبيهقي في شعب الإيمان (3713)، وفي فضائل الأوقات (149) عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفاً قال: (خمس ليال لا يردُّ فيهنّ الدعاء: ليلة الجمعة، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلتا العيد). وله حكم الرفع، فمثل ذلك لا يقوله ابن عمر برأيه، ونحوه عند الديلمي في الفردوس (196/ 2) عن أبي أمامة مرفوعاً. وقال الشافعي في الأم (231/ 1): (وبلغنا أنّه كان يقال: إنَّ الدعاء يستجاب في خمس ليال: في ليلة الجمعة، وليلة الأضحى، وليلة الفطر، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان).
(17) رواه الديلمي في الفردوس (2410)، وابن جرير الطبري في تفسيره (109/ 25)، والبيهقي في الشعب (386/ 3)، والخلال في المجالس العشرة (5)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (401/ 7) إلى الديلمي وابن زنجويه.
(18) راجع تفصيل ذلك في رسالة (وظيفة الحديث الضعيف) لشيخنا الإمام الرائد رحمه الله تعالى، وهي مطبوعة. وانظر أيضاً رسالة (المنهل اللطيف في أحكام الحديث الضعيف) للسيد علوي ابن عبَّاس المالكي رحمه الله.
(19) رواه البيهقي في شعب الإيمان (383/ 3 - 385).
(20) رواه البيهقي في شعب الإيمان (385/ 3).
(21) رواه الطبراني في معاجمه الثلاثة: الكبير، والأوسط (454/ 1)، والصغير (127/ 2)، وقال: لا يروى عن عمار إلا بهذا الإسناد، تفرد به صالح بن قطن. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (23/ 2): (ولم أجد من ترجمه).
وفي صحيح ابن خزيمة (207/ 2)، والترمذي (298/ 2)، وابن ماجه (369/ 1)، وأبي يعلى (413/ 10) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مَنْ صلّى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهنّ بسوء عدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنة). قال أبو عيسى: وقد روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (مَنْ صلَّى بعد المغرب عشرين ركعة بنى الله له بيتاً في الجنّة). قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زيد بن الحباب عن عمر بن أبي خثعم، قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: عمر بن عبد الله ابن أبي خثعم منكر الحديث وضعفه جداً. وثبت عن حذيفة رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصليت معه المغرب إلى العشاء) أورده الحافظ الدمياطي في المتجر الرابح (ص 119) وقال: (رواه النسائي بإسناد صحيح).
(22) تقدم تخريجه (ص 34).
(23) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (68/ 6)، وابن أبي الدنيا في الدعاء، وأورده السيوطي في الدر المنثور (661/ 4)، والألوسي في روح المعاني (169/ 13).
وأخرج ابن جرير الطبري في تفسيره (167/ 13)، وأبو نعيم في الحلية (103/ 4) عن شقيق بن أبي وائل قال: كان ممَّا يكثر أن يدعو بهؤلاء الدعوات: اللهمَّ إنْ كنت كتبتنا أشقياء فامحنا واكتبنا سعداء، وإنْ كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا فإنَّك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أمّ الكتاب.
(24) أورده السيوطي في الدر المنثور (664/ 4) وعزاه لابن جرير وابن المنذر والطبراني.
(25) في النسخة المخطوطة (كما أن القرطبي أسند نحو هذا الدعاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه من طريق أبي عثمان النهدي).
(26) قال شيخنا رحمه الله: (ذكر القرطبي ذلك عند شرحه لقوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت)، وقرر أنَّ عمر كان يدعو بهذه الدعوات باكياً يطوف بالبيت).
قلتُ: وهو ما أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (168/ 13) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّه قال وهو يطوف بالبيت ويبكي: (اللهمَّ إن كنت كتبت عليَّ شقاوة أو ذنباً فامحه فإنَّك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أمُّ الكتاب فاجعله سعادة ومغفرة). وعزاه السيوطي في الدر المنثور (662/ 4) إلى عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وأورده ابن كثير في تفسيره (520/ 2).
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان (488/ 7)، والديلمي في فردوس الأخبار (252/ 3) عن عمر رضي الله عنه أنَّه ذكر خطبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيها: (استعينوا بالله على أعمالكم فإنَّه يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب).
(27) في النسخة المخطوطة: (الانتهاء) بدل (الإنزال).
(28) وتأمَّل هذه الأحاديث النبوية الشريفة:
- أخرج أبو نعيم في الحلية (145/ 6)، والديلمي في الفردوس (262/ 5)، عن عليٍّ كرم الله وجهه، أنَّه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الآية (يمحو الله ما يشاء ويثبت) فقال له: لأقرن عينيك بتفسيرها ولأقرنّ عين أمتي بعدي بتفسيرها: الصدقة على وجهها، وبر الوالدين، واصطناع المعروف يحول الشقاء سعادة، ويزيد في العمر، ويقي مصارع السوء.
- أخرج الحاكم في المستدرك (380/ 2) وصححه ووافقه الذهبي، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لا ينفع الحذر من القدر، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر.
- وروى أحمد في مسنده (277/ 5) وابن ماجه (35/ 1) وغيرهما عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنَّ الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر).
- وروى البخاري (1961)، ومسلم (2557) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من سرَّه أن يبسط له في أثره فليصل رحمه).
(29) رواه الترمذي (3371) وقال: غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة.
(30) رواه الترمذي (3247، 3372)، وابن حبان (2396) وصححه.
(31) القول بأن تحويل القبلة كان في ليلة النصف من شعبان هو قول محمد بن حبيب، وطائفة من السلف، وهو الذي رجحه النووي في الروضة وأقره، وذكر الطبري في تاريخه (180/ 2) أنَّه قول الجمهور الأعظم.
(32) القول بأنَّ الأمر بتحويل القبلة نزل والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي فاستدار رواه ابن سعد عن محمد بن عبد الله بن جحش، ورواه البزار وابن جرير عن أنس. الدر المنثور (150/ 1، 151).
(33) انظره وغيره في تفسير ابن كثير (340/ 1).
(34) راجع رسالة (صرخة في الله ولله إلى السادة الأماثل) لشيخنا الإمام الرائد رحمه الله، فقد دافع فيها عن الآثار النبوية بالدليل والبرهان.