الأجوبة الخفيفة فى علم التوحيد - سؤال وجواب - ثانياً النبويات

الأجوبة الخفيفة فى علم التوحيد - سؤال وجواب 
الشيخ عبد الله التليدي 
ثانيا ـ النبويات
مقدمة: لما كان هذا العالم في أدوار تقلباته الحيوية في الدار الفانية تختلف مشاربه ومآربه وآراؤه ومعتقداته (ودليل ذلك المشاهدة) وكان تركه بلا مرشد ولا قائد للحقة مفسدة كبري, وفوضي عامة, وعلم الله أنه لا يصلح العالم إلا بالرسل والأنبياء المؤيدين, فأرسل الرسل للعالم ليبلغوا أوامر الله وينفذوا أحكامه فيمنعون القوي عن الضعيف, ويرشدون إلي الصراط السوي. ويهدون الإنسان للحياة الأبدية بينما هو تائه في بحار الجهالة يخبط خبط عشواء ولما كانت الأمة المحمدية هي ختام الأمم المبعوث لهم الرسل الصادقون وكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والرسل فلم يكن منتظرا بعده أحد منهم برسالة وتشريع جديد وجب علينا أن نعرف ما سبق ذلك من الأنبياء والرسل الوارد ذكرهم في القرأن المجيد وفي السنة النبوية وجوبا ينطبق علي ما ورد عليه النص لقوله تعالي: (فمنهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك) فنقول:
س- ما هو الرسول؟
ج- الرسول هو ذكر حر من بني آدم بالغ ظهرت علي يده معجزة أوحي الله بشرع إليه وأمره بتبليغه, والنبي كذلك إلا أنه لم يؤمر بتبليغه.
س- ما هي المعجزة وما الفرق بينهما وبين الأمور الخارقة للعادة؟
ج- المعجزة هي أمر خارق للمادة يظهر علي يد مدع الرسالة بعد إرساله وما ظهر علي يديه قبيل الإرسال فهو إرهاص, وما ظهر من ذلك علي يد عبد ظاهر الصلاح ادعي الولاية فهي كرامة, وما ظهر منه أيضاً علي يد العوام تخليصا لهم من شدة نزلت بهم يقال لها معونة, وما ظهر علي يد فاسق مخالف للشرع فهو استدراج إن وافق مراده وإهانة إن خالفه فكانت أقسام الأمر الخارق للعادة ستة كما علمت, وأما السحر فذلك تخيل عار عن الحقيقة بدليل أنه لو كتب علي جهة الناظر بعض آيات معلومات عند أربابه لظهرت الحقيقة وتبين أنه تمويه ظاهري.

س- ما هو الواجب في حقهم عليهم الصلاة والسلام؟.
ج- يجب لهم عليهم الصلاة والسلام ـ أربع صفات: الصدق, والأمانة, والفطانة, وتبليغ ما أمروا بتبليغه للخلق.
س- ما هو الصدق في حقهم عليهم الصلاة والسلام وما دليله؟
ج- الصدق مطابقة الخير للواقع في دعوى الرسالة والأحكام التي يبلغونها عن الله عز وجل شأنه, والدليل عليه أنهم لو لم يصدقوا للزم الكذب في خبره تعالي لكن الكذب في خبره تعالي محال فما أدي إليه وهو عدم صدقهم محال فثبت صدقهم, ودليل الملازمة أنه سبحانه وتعالي صدقهم بالمعجزة النازلة منزلة قوله "صدق عبدي في كل ما يبلغه عني".
س- ما هي الأمانة وما دليلها؟.
ج- الأمانة هي عدم خيانتهم بفعل محرم أو مكروه, أو هي ملكة راسخة في النفس تمنع صاحبها من ارتكاب المنهيات, ودليلها أنهم لو خانوا بفعل محرم أو مكروه لانقلب المحرم أو المكروه طاعة في حقهم عليهم الصلاة والسلام لكن التالي باطل فبطل المقدم فثبت نقيضه وهو ثبوت أمانتهم.
س- ما هي الفطانة وما دليلها؟
ج- الفطانة في حقهم عليهم الصلاة والسلام أنهم يقيمون الأدله ويبطلونها ويحاجون الأخصام ويفعمونهم, ويرشدون الناس للدين القويم, وليس المراد أنهم زائدون زيادة لا يدركها البشر وإلا لكانوا غير صالحين للاقتداء بهم فهم وسط, والدليل أنهم لو كانوا أغبياء ما أفعموا الكفار, وما أتوا بجوامع الكلم, وما أمكنهم إهداء الناس, وما سمع لهم قولهم ولا اتبع لهم أثر.
س- ما هو تبليغ ما أمروا بتبليغه وما الدليل عليه؟
ج- هو تعليم الناس منشأ رسالتهم وإرشادهم إلي كل خير وفلاح, ودليله أنهم لو خانوا بكتمان شيء مما أمروا بتبليغه للخلق لانقلب الكتمان طاعة في حقهم عليهم الصلاة والسلام, لأنا مأمورون الاقتداء بهم في أقوالهم وأفعالهم ولا يأمر الله بمحرم ولا مكروه. لكن انقلاب الكتمان طاعة باطل لأنه محرم بالإجماع ملعون فاعله.

س- ما هو المستحيل في حقهم عليهم الصلاة والسلام وما دليله؟
ج- المستحيل هو أضداد صفاتهم السابقة وهي: الكذب والخيالة, والبلادة, وعدم تبليغ ما لمروا بتبليغه للخلق, وأدلتها تعلم من أدلة صفاتهم السابقة فهي تثبت لهم وتنفي عنهم أضدادها.
س- ما هو الجائز في حقهم وما دليله؟
ج- الجائز في حقهم عليهم الصلاة والسلام الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلي نقص في مراتبهم العلية كالأكل, والشرب, والجماع, والنوم وغير ذلك والدليل علي ذلك المشاهدة لأننا رأيناهم كذلك وليس بعد للعيان دليل.
س- هل يكون الأنبياء متصفون بأمراض ظاهرية منفرة كالبرص والجذام وما أشبه؟
ج- لا يصح أن يكون النبي ذا داء منفر قطعا وإلا لم يقبل منه بلاغ قط لنفرة طباع العالم من هذه الأدواء, فما كان الله بملزم حجه من أبكم لا يفصح جوابا, ولا من أصم لا يسمع خطابا, ولا من ذوي داء لا يقبل إنسان قربا منه فضلا عن إرجاعه عن معتقدات رسخت في القلوب, وديانات تربي عليها الطفل فلا يفتر عنها قيد أنملة, وما ورد في القرآن مما ظاهره يداك علي الابتلاء فهو مؤول بما لا يخرج عن حقيقة ذلك: هذا وإن وقوع الفقر والمرض غير المنفر والشدائد التي أحدقت بهم عليهم الصلاة والسلام في تبليغ الرسالة ونحوها, فهو إما لتعظيم أجورهم, أو للاقتداء بهم أو للتسلي عن الدنيا ومعرفة قدرها عند الله, أو لعدم رضاه بها دار جزاء لأنبيائه وأوليائه باعتبار أحوالهم فيها.

س- هل الأنبياء معصومون أم لا في كل محرم أو مكروه أو خلاف الأولي؟
ج- نعم معصومون حقا واعتقادنا أن العصمة بعد النبوة. وقد قال قوم وكذا قبلها وذلك العقل والنقل إن كانوا فسقة ما أجري الله علي يديهم تلك المعجزات التي بهرت المعاندين, وشهد لها المكابرون وما أمرنا الله بالإقتداء بهم في كل فعل وكل قول. وقال الله في نبيه محمد (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين) وقال (ما ضل صاحبكم وما غوي وما ينطق عن الهوي إن هو وحي يوحي علمه شديد القوي) وقال في اتباعه (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم) (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وحسبكم منزلة المشرع من قبل العلي الكبير والله أعلم.