هل التصوف بدعه ؟ !!!

بسم الله الرحمن الرحيم  
هل التصوف بدعه ؟
هذه مقتطفات من مقدمه الدكتور محمد سعيد رمضان البوطى فى كتابه الحكم العطائية وددت ان أقدمها لكم وجزى الله كاتبها عنا خير الجزاء
هل التصوف بدعه ؟:
يقول بعض الناس ان التصوف شىء طارىء على الإسلام متسرب إليه فهو من البدع التى حذر منها رسول الله صلى الله وعليه وسلم إذ قال ((.. وغياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعه ضلاله)) .
وأقول فى الجواب: أما الأسماء والمصطلحات فلا شأن لنا بها ولا نتعامل معها. وها أنا منذ الان سأبعد كلمه (التصوف) هذه, من قاموس تعابيرى وكلماتى, مع العلم بأن الأسماء والكلمات ليست هى التى توصف بأنها الإسلام أو هى البدع الطارئه عليه, وإنما الذى يوصف بهذا أوذاك, مسميات الأسماء ومضامينها والمعانى التى جاءت الاسماء والمصطلحات معبرا عنها وخادما لها.. فالمصطلحات والأسماء ليست هى المعنى بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:)) محدثات الأمور)) وإنما المعنى بها المعانى والمسميات التى تتمثُل فى معتقدات زائغه أو سلوكيات باطله.
ولكنى, على الرغم من هذا, لن أن أتعامل مع الأسماء والمصطلحات الحديثه التى تثير حساسيه بعض الناس الذين يتعاملون مع الأسماء والمصطلحات والشعارات أكثر مما يقفون على جوهر المعانى والمسميات. ولذا فلسوف أحاول أن أشطب كلمه (التصوف) هذه من ذاكرتى, فإن لم أستطع إلى ذلك سبيلا, فلا أقل من أن أبعدها عن قاموس تعابيرى وكلماتى خلال هذه الرساله.
الإحسان وموقعه من الإسلام والإيمان:
ولرسول الله صلى الله عليه وسلم كلام عن الإحسان وأهميته والتعريف به فى الحديث الذى يرويه مسلم فى صحيحه من حديث عمر بن الخطاب، يقول فيه جوابا عن سؤال جبريل له)) الاحسان ان تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك)) .

فهل ساءلاحدنا نفسه عن وجه الحاجةالى الاحسان، بعد ان وضعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم امام حقيقة كل من الايمان والاسلام؟
وهل تسائلنا عن موقع الاحسان وعن وظيفته بعد وجود كل من الاسلام والايمان؟
إنَََََ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرة اصحابه البررة الكرام، يبرز كل منهما وجه الحاجة الى الاحسان، ويبرز الموقع الذى يشغله الاحسان بين قطبى كل من الاسلام والايمان، لاسيما لدى المقارنة بين حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة اصحابه من جانب، وحياتنا نحن المسلمين والمؤمنين ايضا من جانب آخر.
من المعلوم أن أركان الاسلام سلوك يصطبغ به الكيان والأعضاءولكن فما هوالسلك الذي ينقل شحنة اليقين العقلى قوة دافعة إلى الاعضاء والكيان الجسدى؟ .. .
لعلك تقول: لا حاجة إلى هذا السلك؛ فيقين العقل بأمر ما، يكفى وحده
حافزاإلى السلوك المنسب له. غير أن هذا التصور باطل من الناحيه العلميه, وهو باطل على صعيد الواقع الدائم المرئى!!..
كثيرون هم الذين آمنت عقولهم بالله, ولكن سلوكهم ناقض مقتضيات هذا الإيمان وخاصمه.. جمع كبير من هؤلاء كانوا على على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وجموع أكثر من هؤلاء أنفسهم, يملؤون اليوم رحب العالم, وهم الذين قال الله تعالى عنهم: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوّا) النمل:27\\14
فما هو هذا السلك؟ ومن أى شىء يتكون؟
إنه الإكثار من ذكر الله وتذكره, والإكثار من مراقبه الله والتنبه الدائم إلى مراقبه الله للعبد.. وخير سبيل إلى هذا التذكر الدائم والوقوف المستمر تحت مظله المراقبه, ربط النعم بالمنعم.
فإذا عود العبد نفسه وأيقظ زاكرته لتذكر الإله المنعم المتفضل, كلما أقبلت إليه نعمه منها, أو كلما تعامل مع واحده منها, واستمر على هذا المنوال, اهتاجت بين جوانحه محبه عارمه لإلهه المنعم المتفضل.

ثم إن هذه المحبه الراسخه تلعب دورا كبيرا فى طرد محبه الأغيار من القلب ,ويغدو عندئذ هذا الإنسان مظهرا للمؤمنين الذين وصفهم الله فى قوله ومن الناس من يتََخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحبِ الله والذين آمنوا أشد حبا لله) .
والآن, منذا الذى يجهل أن هذا الإحسان الذى دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو لباب الإسلام, بل هو الجامع المشترك بين الإيمان والإسلام؟!.. وهل الإسلام بدون هذا الإحسان إلا كجسد لا روح فيه, أو كتمثال لا حراك فيه؟
وإذا ثبت أن السبيل إلى ذلك هو أن يأخذ المسلم نفسه بالإكثار من ذكر الله الذى هو سلم الوصول الى محبه الله, والذى هو المدخل الذى لا بد منه إلى تزكيه النفس, والقرآن ملىء بالأيات الآمره بالإكثار من ذكر الله, فهل فى المسلمين من يهوِن من شأن هذا العلاج, فضلا عن أن ينكره ويدفع به إلى قائمه البدع والمستحدثات.
فإذا جاء من يرشد تلامذته ومريديه غلى اتباع هذا السبيل, ونبههم إلى أهميه السعى إلى تزكيه النفس عن طريق نقل الإيمان بالله من مجرد قناعه أويقين مغروس فى العقل إلى عاطفه من الحب والخوف والتعظيم تهيمن على القلب, ونظم لهم إلى ذلك منهاجا من الأوراد والمأثورات, ليخرجوا من تيه الغفله إلى صعيد الذكر, وليتحققوا عندئذ بالإحسان الذى يجعلهم أثناء قرباتهم وعبادتهم كأنهم يرون الله.. أفيكون قد أساء صنعا من حيث أنه نفذ أوامر الله وتعاليم رسول الله فى حقه نفسه أولا, وفى حق إخوانه وأصحابه ثانيا؟!..

ثم إذا جاء من يطلق على الإلتزام بهذا النهج الرامى إلى هذا الهدف التربوى القدسى, (التصوف) أو (علم السلوك) أو (فن التزكيه) أفتكون هذه التسميه مزهقه لشرعيه المضمون, موجبه لإبطال الحق وإحقاق الباطل؟!..على أن بوسعك أن تلتقط المنهج والمضمون وتلقى الإسسم والمصطلح وراء ظهرك, أو حتى إن شئت تحت قدمك, وبذلك تصلح ما ترى انه خطأ, المهم أن لاتأخذ الجار بظلم الجار, وتعاقب المسمى البرىء بجريره الإسم.
فإذا جاء من يقول: ولكن هذا النهج الإرشادى تسرب إليه مع الزمن كثير من البدع التى لا يقرها قران ولا سنه, قلنا له: أنت مشكور غيرتك على شرع الله أن لا يتسرب إليه دخيل وأن لا يختلط به ما ليس منه.
ولكن الغيره على الحق لا تتمثل فى أن تعود فتأخذ الجار بظلم الجار, وفى أن تزهق الحق من اجل الباطل الذى تسرب إليه.
إن إستنكار المشروع من سبل تزكيه النفس وبلوغ درجه الإحسان, من أجل البدع التى تسربت إليه, هى دعوه غير مباشره إلى هذه البدع, وإغراء خفى بقبولها وبالتعامل معها. ولعل من أهم أسباب إنتشار هذه البدع وعكوف فئات من الناس عليها باسم التصوف, ونحوه, هذا اللون من الإستنكار الذى يهدف إلى هدم الدار كلها, من أجل ارائك غير مريحه فيها!!.