معنى قول النبى صلى الله عليه وآله وسلم فى الحديث كل بدعة ضلالة

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا
معنى قول النبى صلى الله عليه وآله وسلم فى الحديث «كل بدعة ضلالة»

وأما حديث : «كل بدعة ضلالة»  فهو من قبيل العام المخصوص.
فقد قال الإمام النووي رضي الله عنه :
هذا عام مخصوص والمراد به المحدثات التي ليس في الشريعة ما يشهد لها بالصحة فهي المراد بالبدع.

وقال الحافظ ابن رجب في شرحه للحديث:
المراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا وإن كان بدعة لغة.

وقال الحافظ ابن حجر: المراد بقوله (كل بدعة ضلالة) : ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام.

فليس هذا الحديث إذا كلية تقتضي شمول الضلالة لكل محدث بل هو من قبيل العام المخصوص أو العام الذي أريد به الخصوص.
وأمثلة ذلك كثيرة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
من ذلك قول الله عز وجل: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} واسم الموصول من حيث العموم ولكن مما لا شك فيه أن عيسى عليه السلام وأمه والملائكة عُبِدوا من دون الله لكنهم غير مقصودين في الآية فتبين أنه من العام الذي أريد به الخصوص.

ومنه قوله تعالى {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم} ، ومعلوم أن هناك أدلة كثيرة تثبت أن المسلم ينتفع بعمل غيره من إخوانه المسلمين ودعاء الملائكة كما قرر ذلك الشيخ ابن تيمية وذكر أكثر من عشرين موضعا بدلائلها أولها صلاة الجنازة والصدقة عن الميت ثم دعاء المؤمنين .

ومنه قوله تعالى {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم} . فالمراد بالناس في الأول المخبرين وهم لاشك عدد محدود وفي الثاني أبو سفيان وجماعته من مشركي مكة الذين قاتلوا المسلمين في أحد.

ومنه قوله تعالى {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء} وأبواب الرحمة لم تفتح عليهم.

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم «لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها» (1) وهو من حيث العموم وقطعا ليس على عمومه فمن صلى في هذين الوقتين وترك بقية الصلوات لا يدخل في عموم هذا الحديث فهو من العام الذي أريد به الخصوص أو من العام المخصوص بالنصوص.

ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام» (2) وأجمع الشراح على أنه ليس على عمومه مع أن فيه الكلية (كل) .

ويخصص حديث: (كل بدعة ضلالة) الحديث الذي روته سيدتنا عئشة رضي الله عنها عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (3) .
قال ابن رجب: هذا الحديث يدل منطوقه على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع فهو مردود ويدل بمفهومه على أن كل عمل عليه أمره فهو غير مردود.
وقال الحافظ ابن حجر: هذا الحديث معدود من أصول الإسلام وقاعدة من قواعده فإن معناه: من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه.
_________________

(1) أخرجه مسلم (634) وابن حبان (1740) وقال إسناده صحيح وأبو داود (427) والنسائي (470) وأحمد (4/261) والبيهقي (1/466) وابن أبي شيبة (2/386) وابن خزيمة (318) والبغوي (382) .
(2) أخرجه البخاري (5364) .
(3) أخرجه البخاري (2550) وفي خلق أفعال العبد (43) ومسلم (1718) وأحمد (6/73) في المسند، وابن ماجه (14) وأبو داود (4606) والداقطني (4/224 - 225) وابن حبان في صحيحه (26 - 27) وابن أبي عاصم في السنة (52) والبغوي (103) وأبو عوانه (4/18) والقضاعي في مسند الشهاب (359) والطيالسي (1422) وأبو يعلى (4594)