حكم التسمية بعبد النبي

 نقلا عن أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية.
حكم التسمية بعبد النبي:
هناك فارق في الوضع والاستعمال بين العبادة التي لا يجوز صرفها إلا لله تعالى، وبين العبودية التي لها في اللغة معانٍ متعددة، منها: غاية الخضوع والتذلل -وهذه تُسَمَّى في اللغة "عِبَادةً"-، ومنها: الطاعة، والخدمة، والرق، والولاء، وهذه تُسَمَّى عُبوديّةً أو عَبْديَّةً ولا تُسمَّى عبادةً؛ فإذا أُضيفت كلمة "عبد" إلى الله تعالى كان معناها غاية التذلل والخضوع، كعبد الله وعبد الرحمن، وإذا أضيفت إلى غيره أمكن حملُها على معنى: رقيق فلان أو خادمه أو مولاه أو مطيعِه، وذلك تبعًا للسياق والقرينة التي تحدد المعنى اللغوي، وهذا هو ما نص عليه أئمة اللغة وأهلها [كما في معجم مقاييس اللغة لابن فارس 4/169 ط. اتحاد الكتاب العرب 2002م] .

واستعمال العبودية وإضافتُها إلى المخلوق بالمعنى الأخير وارد في نص الكتاب الكريم، وفي السنة النبوية المطهرة، وفي استعمال العرب والصحابة وأهل العلم مِن بعدهم: فمِن الكتاب الكريم:
قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] .
ومن السنة النبوية الشريفة: ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث البَرَاء بن عازِب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال يوم حُنَيْن: «أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ» .
وهو صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطق إلا حقًّا، ولو كان في هذا الاسم إشارةٌ إلى شيء من المحظور أو الشرك لاستبدل به غيرَه، خاصة وأنه في مقام قتال الشرك وأهله؛ فيقول: أنا ابن شيبة، أو ابن أبي الحارث، أو أنا رسول الله، أو نحو ذلك، والسكوتُ في مَعرِض الحاجة إلى البيانِ بيانٌ.

وجاء في ترجمة الصحابي عبد خير الحِمْيَرِي من "الإصابة في معرفة الصحابة" للحافظ ابن حجر (4/149 ط. دار الكتب العلمية) أن اسمه كان "عبد شر" فغيّره النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى "عبد خير"، وهذا مبطل للزعم بأن كل إضافة "عبد" إلى غير الله فهي تعبيد محظور.
ومما ورد من استعمال الصحابة رضي الله عنهم: ما رواه البيهقي في سُنَنِه أن امرأة ورثت مِن زوجها شِقْصًا، فرُفِعَ ذلك إلى علي رضى الله عنه فقال: "هل غَشِيتَها؟ " قال: لا، قال: "لو كنتَ غَشِيتَها لرجمتُكَ بالحجارة"، ثم قال: "هو عَبدُكِ؛ إن شئتِ بِعْتِيهِ، وإن شئتِ وَهَبْتِيه، وإن شئتِ أَعتَقْتِيهِ وتَزَوَّجْتِيهِ".
وعلى ذلك جرى العلماء والمصنفون من غير نكير، وشهرةُ هذا الاستعمال واستفاضتُه تُغنِي عن تَطَلُّبه وتَتَبُّعه.

وقد دَرَج المسلمون على استعمال اسم "عبد النبي" و"عبد الرسول" وصفًا وتسميةً عبر العصور؛ حُبًّا في التشرف بالانتساب إلى خدمة الجناب الشريف؛ واستفاض بين الشعراء والعلماء وصفُ أنفسهم بهذا -من غير نكير-؛ تنزيلاً لأنفسهم منزلة الأرقاء المماليكِ لجنابه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم،
ومنهم: الإمام جمال الدين الصَّرْصَرِي الحنبلي [ت656هـ] ،
والإمام جمال الدين بن ظهيرة الشافعي [ت819هـ] ،
والإمام الشهاب الخفاجي الحنفي قاضي قضاة الحنفية في عصره [ت1069هـ] .
وتَسمَّى به أئمةٌ أعلامٌ يُقتدَى بهم في الدين:
منهم: الإمام العلامة عبد النبي المغربي المالكي، مفتي السادة المالكية بدمشق [ت923هـ] ، والإمام الفقيه العلامة عبد النبي بن أحمد بن عبد القدوس الحنفي النعماني [ت990هـ] ،
والشيخ عبد النبي بن محمد بن عبد القادر بن جَماعة المقدسي الشافعي [ت بعد990هـ] ،

والشيخ الفقيه عبد النبي الخليلي الحنفي، شيخ العلامة الحَصْكَفِي، ذكره في أول كتابه "الدر المختار شرح تنوير الأبصار"،
والعلامة القاضي عبد النبي بن عبد الرسول الأحمد نكري [ت بعد1173هـ] ، صاحب "جامع العلوم" الملقب بـ"دستور العلماء في اصطلاحات العلوم والفنون"؛ سُمِّيَ بذلك هو وأبوه، والفقيه الأصولي عبد النبي بن محمد الطوسجي [ت1203هـ] .
والقول بجواز التسمي بعبد النبي هو القول الأوجه عند السادة الشافعية؛ قال الإمام الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (6/141 ط. دار الكتب العلمية) :
"والتسمية بعبد النبي قد تجوز إذا قصد به النسبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم" اهـ.

وقال العلامة الجَمَل الشافعي في حاشيته "فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب" (5/266 ط. دار الفكر) : "وتحرم (أي التسمية) بملك الملوك إذ لا يصلح لغيره تعالى، وكذا عبد الكعبة، أو النار، أو علي، أو الحسين؛ لإيهام التشريك، ومثله عبد النبي على ما قاله الأكثرون، والأوجه جوازه، لا سيما عند إرادة النسبة له صلى الله عليه وآله وسلم" اهـ.
ونص بعض علماء الحنفية أيضًا على أن التسمية به ليست محرمة، بل هي مكروهة فقط، كما في العرف الشذي للكشميري [4/ 262-263 ط. مؤسسة ضحى] .
أما الانتساب بالعبدية لغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممن يُتَشرفُ بالانتساب إليه: فيرى بعض العلماء أيضًا أنه مكروه وليس حرامًا؛ قال العلاّمة القليوبي في حاشيته على شرح المنهاج (4/256 ط. مصطفى الحلبي) : "وتُكرَه بعبد النبي أو بعبد علي" اهـ.

وأما التسمية بـ"عبد المسيح" فهي مخالفة للعقيدة الإسلامية كما قرر صاحب الدعوى في صحيفته، لكن المخالَفة للإسلام إنما جاءت مِن اعتقاد الألوهية في عيسى عليه السلام، ويختلف الحكم لو كان الأمر على خلاف ذلك، ومع كونه مخالفًا للعقيدة الإسلامية فهذا لا يستوجب منعه؛ لأن الإسلام أقر أهل الكتاب على مزاولة مُقتضَى دينهم بما لا يخالف النظام العام للمسلمين، ولم يأمرنا أن نحكم الشريعة الإسلامية بينهم إلا فيما يتحاكمون فيه إلى المسلمين.
والمعتمد في الفتوى جواز أن يتسمَّى الإنسان بعبد النبي أو عبد الرسول؛ لَمْحًا لمعنى شرف الانتساب إليه صلى الله عليه وآله وسلم اتباعًا وتأسيًا وطاعةً وخدمةً، وعلى ذلك عمل المسلمين في الأمصار والأعصار، ولا ينبغي للفقيه والمفتي تخطئة الأعراف والعادات ما دام لها وجهٌ في الشرع، فضلا عن رُجحانها من حيث الدليل، وتوافقها مع الأدب مع الجناب النبوي. وحينئذٍ فلا يُمنَعُ التسمي بهذا الاسم الشريف بأي دعوى وتحت أي شعار. بل ولا يُندَب لمن اسمه عبد النبي أو عبد الرسول أن يغيره.

وأما التسمي بالعبدية لغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممن يُتشرَّف بالانتساب له على غير معنى العبادة ففيه خلاف بين العلماء، ومعلوم أنه لا إنكار في مسائل الخلاف، وأنه إنما يُنكَر المتفق عليه لا المختلف فيه.
والجنوح إلى المنع بدعوى مخالفة ذلك للعقيدة الإسلامية، أو الزعم بأنه إقرار لغير الله تعالى بالربوبية، أو جحدٌ لبعض ربوبيته سبحانه، إنما هو من الجهل بالكتاب والسنة وأقوال السلف وحقائق اللغة ومجازاتها، وفيه من القدح في عقائد المسلمين، وتجهيل السلف، والاتهام الصريح لهم بالوقوع في الشرك، ما ينأى العاقل بنفسه عنه. وإذا كان الوصف بذلك كله جائزًا فالتسمي به أولى بالجواز والإباحة.
هذا ونشير أيضًا إلى أن صحيفة الدعوى المرفقة قد امتلأت بمجموعة من المغالطات والأخطاء الشرعية واللغوية، وسوء الفهم لقواعد الشرع الشريف.
نقلا عن أمانة الفتوى بدار الإفتاء.