عن داود بن أبي صالح قال: أقبل مروان يوما فوجد رجلا واضعا وجهه على القبر فأخذ برقبته وقال: أتدري ما تصنع؟ قال: نعم فأقبل عليه، فإذا هو أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: نعم جئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم آت الحجر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله) أخرجه الحاكم في المستدرك (8571) وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
والحديث فيه التجاء أحد الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتمسحه بقبره الشريف. وقال القاضي عياض: رئي ابن عمر رضي الله عنهما واضعا يده على مقعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المنبر ثم وضعها على وجهه.
وروى القاضي عياض عن أبي قسيط والعتبي كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا خلا المسجد جسوا رمانة المنبر التي تلي القبر بميامينهم ثم يستقبلون القبلة يدعون.
وقال الملا علي القاري شارح الشفا: رواه ابن سعد عن عبدالرحمن بن عبدالقاري (1)
وروى ذلك الشيخ ابن تيمية أيضا عن الإمام أحمد أنه رخص في التمسح بالمنبر والرمانة وذكر أن ابن عمر وسعيد بن المسيب ويحيى بن سعيد من فقهاء المدينة كانوا يفعلون ذلك. أهـ (2)
ولما حضرت الوفاة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لابنه عبدالله: (انطلق إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقل: يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل: أمير المؤمنين فإني لست اليوم بأمير المؤمنين وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه قال: فاستأذن وسلم ثم دخل عليها وهي تبكي فقال: يقرأ عليك عمر السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت: كنت أريده لنفسي ولأثرنه اليوم على نفسي فلما أقبل قيل: هذا عبدالله بن عمر قد جاء فقال: ارفعوا فأسنده رجل اليه فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا امير المؤمنين أذنت، فقال الحمد لله ما كان شيء أهم الي من ذلك فإذا أنا قبضت فاحملوني ثم سلم وقل يستأذن عمر فن أذنت لي فأدخلوني وإن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين) (3)
وقال إبراهيم الحربي: يستحب تقبيل حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال صاحب غاية المنتهى الشيخ مرعي بن يوسف الحنبلي ما نصه: (ولا بأس بمس قبر بيد لاسيما من ترجى بركته) .
*****
(1) (ج2/518) . (2) اقتضاء الصراط المستقيم ص (367) . (3) أخرجه البخاري (1392) .
---------------------------------------------
وقال المرداوي في الإنصاف ما نصه: (يجوز لمس القبر من غير كراهية) .
وقال السمهودي في وفاء الوفاء ما نصه: لما قدم بلال رضي الله عنه من الشام لزيارة الني صلى الله عليه وآله وسلم أتى القبر فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه.
وقد ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يضع يده اليمنى على القبر وأن بلالا رضي الله عنه وضع خديه عليه.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الحجر الأسود جواز تقبيل يد الآدمي.
وسئل الإمام أحمد عن تقبيل منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبره فلم ير به بأسا (1)
ونقل عن ابن أبي الصيف اليماني أحد علماء مكة من الشافعية جواز تقبيل المصحف واجزاء الحديث وقبور الصالحين.
ونقل الطيب الناشري عن المحب الطبري أنه يجوز تقبيل القبر ومسه وقال وعليه عمل العلماء الصالحين (2) .(1) البداية والنهاية (2/8) . (2) المقالات السنية ص (128 - 129) .
**************************************التبرك بشعره صلى الله عليه وآله وسلم:
ومن حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى ونحر وقال للحلاق خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس.
وقد جاء في رواية حفص بلفظ: «فبدأ بالشق الأيمن فوزعه الشعرة والشعرتين بين الناس ثم بالأيسر فصنع مثل ذلك»
ومن حديث أنس رضي الله عنه أيضا قال: لما رمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجمرة نحر نسكه ثم ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه فأعطاه أبو طلحة لأم سليم بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم ناوله شقه الأيسر فحلقه فقال اقسم بين الناس (1)
وعن محمد بن سيرين قال: قلت لعبيدة: عندنا من شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصبناه من قبل أنس – أو من قبل أهل أنس، فقال: (لأن تكون عندي شعرة منه احب الي من الدنيا وما فيها) .
وعن عثمان بن عبدالله بن موهب قال: أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء فجاءت بجلجل من فضة فيه شعر من شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان إذا أصاب الإنسان عين أو شيء بعث اليها مخضبة قال: فاطلعت في الجلجل فرأيت شعرات حمراء (2)
قال الإمام الحافظ ابن حجر في الفتح: وقد بينه وكيع في مصنفه فقال: كان جلجلا من فضة صيغ صونا لشعرات النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي كانت عند ام سلمة والجلجل هو شبه الجرس يتخذ من الفضة أو الصفر أو النحاس، وقد تنزع منه الحصاة التي تتحرك فيه فيوضع فيه – ما يحتاج إلى صيانته (3)
__________
(1) أخرجه مسلم (31242) وأبو داود (1982) والترمذي (912) وأحمد (3/111) والحميدي (1220) وابن خزيمة (2928) والنسائي في الكبرى تحفة الأشراف (1456) والبغوي (1962) وابن حبان (3879) والبيهقي (5/134) وفي رواية عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ من شعره أخرجه البخاري (171) .
(2) أخرجه البخاري (5896) ورواه مسلم (1/83) .
(3) كذا في فتح الباري (1/3539.
************************************
وقال الإمام العيني: وبيان ذلك على التحرير: أن أم سلمة رضي الله عنها كان عندها شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمر في شيء مثل الجلجل وكان الناس عند مرضهم يتبركون بها ويستشفون من بركتها ويأخذون من شعره ويجعلونه في قدح من الماء فيشربون الماء الذي فيه الشعر فيحصل لهم الشفاء وكان أهل عثمان أخذوا منها شيئا وجعلوه في قدح من فضة فشربوا الماء الذي فيه فحصل لهم الشفاء ثم أرسلوا عثمان بذلك القدح إلى أم سلمة ووضعته في الجلجل فاطلع عثمان في الجلجل فرأى فيه شعرات حمراء.
قوله: (وكان إذا أصاب الإنسان إلى آخره) : كلام عثمان بن عبدالله بن موهب أي كان اهلي كذا فسره الكرماني وقال بعضهم وكان إذا أصاب الإنسان أي منهم والذي قاله الكرماني أصوب يبين به أن الإنسان إذا أصابه عين أو شيء من الأمراض بعث أهله اليها أي إلى أم سلمة مخضبة بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الضاد المعجمة والباء الموحدة وهي الإجانة ويجعل فيها ماء وشيئا من الشعر المبارك ويجلس فيها فيحصل له الشفاء ثم يرد الشعر إلى الجلجل (1)
وعن جعفر بن عبدالله بن الحكم أن خالد بن الوليد قد فقد قلنسوة له يوم اليرموك فقال اطلبوها فلم يجدوها فقال اطلبوها فوجدوا فإذا هي قلنسوة خلقة أي ليست بجديدة فقال خالد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحلق رأسه فابتدر الناس جوانب شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة فلم أشهد قتالا وهي معي إلا رزقت النصر (2) .
__________
(1) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/79) .
(2) ذكره الهيثمي في مجمع الزائد (9/349) وابن حجر في المطالب العالية (4/90) وفيه يقول خالد (فما وجهت من جهة الا فتح لي) .
******************
وفي سير أعلام النبلاء (1) للذهبي ما نصه: قال عبدالله بن أحمد: رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيضعها على فيه يقبلها وأحسب أني رأيته يضعها على عينيه ويغمسها في الماء البرد ويشربه ويستشفي به ورأيته يشرب من ماء زمزم يستشفي به ويمسح به يديه ووجهه.
وقد ثبت أن عبدالله سأل أباه عمن يلمس رمانة منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويمس الحجرة النبوية فقال: لا أرى بذلك بأسا.
وفي البداية والنهاية لابن كثير ما نصه: قال أحمد فعند ذلك قال لي: يعني قال له المعتصم حين طالبه بالقول بخلق القرآن فامتنع أحمد لعنك الله طمعت فيك أن تجيبني فلم تجبني ثم قال خذوه واخلعوه واسحبوه قال أحمد: فأخذت وسبحت وخلعت وجيء بالعاقبين والسياط وأنا انظر وكان معي شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مصرورة في ثوبي فجروني منه وصرت بين العاقبين (2) .
وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى في طهارة الشعر (إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرق شعره بين اصحابه قال أنس: لما رمى النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمرة العقبة ونحر نسكه ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه ثم ناوله شقه الأيسر قال: احلقه وأعطاه أبا طلحة فقال اقسمه بين الناس (3) (1) سير أعلام النبلاء (11/212) وروى القصة ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد.
(2) البداية والنهاية (10/334) .
(3) تقدم تخريجه.