ثواب قراءة القرآن الكريم هل يصل الى الاموات ؟ من مجموع الفتاوى لابن تيمية

بسم الله الرحمن الرحيم ثواب قراءة القرآن الكريم هل يصل الى الاموات؟
من مجموع الفتاوى الكبرى لابن تيمية رحمه الله .
1- وأما القراءة والصدقة وغيرهما من أعمال البر فلا نزاع بين علماء السنة والجماعة في وصول ثواب العبادات المالية كالصدقة والعتق كما يصل إليه أيضا الدعاء والاستغفار والصلاة عليه صلاة الجنازة والدعاء عند قبره وتنازعوا في وصول الأعمال البدنية: كالصوم والصلاة والقراءة والصواب أن الجميع يصل إليه فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [من مات وعليه صيام صام عنه وليه] وثبت أيضا: [أنه أمر أمرأة ماتت أمها وعليها صوم أن تصوم عن أمها] وفي المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر بن العاص: [لو أن أباك أسلم فتصدقت عنه أو صمت أو أعتقت عنه نفعه ذلك] وهذا مذهب أحمد وأبي حنيفة وطائفة من أصحاب مالك والشافعي وأما احتجاج بعضهم بقوله تعالى {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} فيقال له قد ثبت بالسنة المتواترة وإجماع الأمة: أنه يصلى عليه ويدعى له ويستغفر له وهذا من سعي غيره وكذلك قد ثبت ما سلف من أنه ينتفع بالصدقة عنه والعتق وهو من سعى غيره وما كان من جوابهم في موارد الإجماع فهو جواب الباقين في مواقع النزاع وللناس في ذلك أجوبة متعددة لكن الجواب المحقق في ذلك أن الله تعالى لم يقل: إن الإنسان لا ينتفع إلا بسعي نفسه وإنما قال: {ليس للإنسان إلا ما سعى} فهو لا يملك إلا سعيه ولا يستحق غير ذلك وأما ما سعى غيره فهو له كما أن الإنسان لا يملك إلا مال نفسه ونفع نفسه فمال غيره ونفع غيره وهو كذلك للغير لكن إذا تبرع له الغير بذلك جاز وهكذا هذا إذا تبرع له الغير بسعيه نفعه الله بذلك كما ينفعه بدعائه له والصدقة عنه وهو ينتفع بكل ما يصل إليه من كل مسلم سواء كان من أقاربه أو غيرهم كما ينتفع بصلاة المصلين عليه ودعائهم له عند قبره.-

سئل: هل القراءة تصل إلى الميت من الولد؟ على مذهب الشافعي:
الجواب: أما وصول ثواب العبادات البدنية: كالقراءة والصلاة والصوم فمذهب أحمد وأبي حنيفة وطائفة من أصحاب مالك والشافعي إلى أنها تصل وذهب أكثر أصحاب مالك والشافعي إلى أنها لا تصل والله أعلم
3-سئل: عن قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} وقوله صلى الله عليه وسلم: [إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له] فهل يقتضي ذلك إذا مات لا يصل إليه شيء من أفعال البر؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين ليس في الآية ولا في الحديث أن الميت لا ينتفع بدعاء الخلق له وبما يعمل عنه من البر بل أئمة الإسلام متفقون على إنتفاع الميت بذلك وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام وقد دل عليه الكتاب والسنة والإجماع فمن خالف ذلك كان من أهل البدع. قال تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم * ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم * وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته} فقد أخبر سبحانه أن الملائكة يدعون للمؤمنين بالمغفرة ووقاية العذاب ودخول الجنة ودعاء الملائكة ليس عملا للعبد.

وقال تعالى: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} وقال الخليل عليه السلام: {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} وقال نوح عليه السلام: {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات} فقد ذكر استغفار الرسل للمؤمنين أمرا بذلك وإخبارا عنهم بذلك ومن السنن المتواترة التي من جحدها كفر: صلاة المسلمين على الميت ودعاؤهم له في الصلاة وكذلك شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة فإن السنن فيها متواترة بل لم ينكر شفاعته لأهل الكبائر ألا أهل البدع بل قد ثبت أنه يشفع لأهل الكبائر وشفاعته دعاؤه وسؤاله الله تبارك وتعالى فهذا وأمثاله من القرآن والسنن المتواترة وجاحد مثل ذلك كافر بعد الحجة عليه والأحاديث الصحيحة في هذا الباب كثير مثل ما في الصحاح عن ابن عباس رضي الله عنهما -[أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي توفيت أفينفعها أن أتصدق عنها؟ قال: نعم! قال: إن لي مخرفا أي بستانا أشهدكم أني تصدقت به عنها] وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: [أن رجلا قال للنبي: إن أمي افتلتت نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم] وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: [أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات ولم يوص أينفعه إن تصدقت عنه؟ قال: نعم]
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: [إن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن يذبح مائة بدنة وأن هشام بن العاص نحر حصته خمسين وان عمرا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: أما أبوك فلو أقر بالتوحيد فصمت عنه أو تصدقت عنه نفعه ذلك

وفي سنن الدارقطني: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن لي أبوان وكنت أبرهما حال حياتهما فكيف بالبر بعد موتهما؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [أن من بعد البر أن تصلي لهما مع صلاتك وأن تصوم لهما مع صيامك وأن تصدق لهما مع صدقتك] وقد ذكر مسلم في أول كتابه عن أبي إسحق الطالقاني قال: قلت لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن! الحديث الذي جاء [إن البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك وتصوم لهما مع صيامك] ؟ قال عبد الله: يا أبا إسحاق! عمن هذا؟ قلت له: هذا من حديث شهاب بن حراس قال: ثقة قلت: عمن؟ قال عن الحجاج بن دينار فقال: ثقة عمن؟ قالت: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا إسحق! إن بين الحجاج وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مفاوز تقطع فيها أعناق ألمطي ولكن ليس في الصدقة اختلاف والأمر كما ذكره عبد الله بن المبارك فإن هذا الحديث مرسل والأئمة اتفقوا على أن الصدقة تصل إلى الميت وكذلك العبادات المالية كالعتق وإنما تنازعوا في العبادات البدنية: كالصلاة والصيام والقراءة ومع هذا ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من مات وعليه صيام صام عنه وليه] وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه -[أن امرأة قالت يا رسول الله! إن أمي ماتت وعليها صيام نذر قال: أرأيت إن كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدي ذلك عنها؟ قالت: نعم قال: فصومي عن أمك] وفي الصحيح عنه [أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين قال: أرأيت لو كان على أختك دين أكنت تقضيه؟ قالت: نعم قال فحق الله أحق] وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن بريدة بن حصيب عن أبيه: [أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفيجزي عنها أن أصوم عنها قال: نعم] فهذه الأحاديث الصحيحة صريحة في أنه يصام عن الميت ما نذر وأنه
شبه ذلك بقضاء الدين والأئمة تنازعوا في ذلك ولم يخالف هذه الأحاديث الصحيحة الصريحة من بلغته وإنما خالفها من لم تبلغه وقد حديث عمرو بأنهم إذا صاموا عن المسلم نفعه وأما الحج فيجزي عند عامتهم ليس فيه إلا اختلاف شاذ. وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما [أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ فقال: حجي عنهما أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته عنها؟ أقضوا الله فالله أحق بالوفاء] وفي رواية البخاري: [إن أختي نذرت أن تحج] وفي صحيح مسلم عن بريدة [أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن أمي ماتت ولم تحج أفيجزي أو يقضي أن أحج عنها قال: نعم] ففي هذه الأحاديث الصحيحة: [أنه أمر بحج الفرض عن الميت وبحج النذر] كما أمر بالصيام وان المأمور ولدا وتارة يكون أخا وشبه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بالدين يكون على الميت والدين يصح قضاؤه من كل أحد فدل على أنه يجوز أن يفعل ذلك من كل أحد لا يختص ذلك بالولد كما جاء مصرحا به في الأخ فهذا الذي ثبت بالكتاب والسنة والإجماع علم مفصل مبين فعلم أن ذلك لا ينافي قوله: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث] بل هذا حق وهذا حق - أما الحديث فإنه قال: [انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له] فذكر الولد ودعاؤه له خاصين لأن الولد من كسبه كما قال: {ما أغنى عنه ماله وما كسب} قالوا: إنه ولده وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: [إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه] فلما كان هو الساعي في وجود الولد كان عمله من كسبه بخلاف الأخ والعم الأب ونحوهم فإنه ينتفع أيضا بدعائهم بل بدعاء الأجانب لكن ليس ذلك من عمله والنبي صلى الله عليه وسلم قال: [انقطع عمله إلا من ثلاث] لم يقل: إنه لم ينتفع بعمل غيره فإذا دعا له ولده كان هذا من عمله الذي لم ينقطع
وإذا دعا له غيره لم يكن من عمله لكنه ينتفع به -- وأما الآية فللناس عنها أجوبة متعددة كما قيل: إنها تختص بشرع من قبلنا وقيل: إنها مخصوصة وقيل: إنها منسوخة وقيل: إنها تنال السعي مباشرة وسببا والإيمان من سعيه الذي تسبب فيه ولا يحتاج إلى شيء من ذلك بل ظاهر الآية حق لا يخالف بقية النصوص فإنه قال: {ليس للإنسان إلا ما سعى} وهذا حق فإنه إنما يستحق سعيه فهو الذي يملكه ويستحقه كما أنه إنما يملك من المكاسب ما اكتسبه هو وأما سعي غيره فهو حق وملك لذلك الغير لا له لكن هذا لا يمنع أن ينتفع بسعي غيره كما ينتفع الرجل بكسب غيره فمن صلى على جنازة فله قيراط فيثاب المصلي على سعيه الذي هو صلاته والميت يرحم بصلاة الحي عليه كما قال: [ما من مسلم يموت فيصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة ويروى أربعين ويروى ثلاث صفوف ويشفعون فيه إلا شفعوا فيه أو قال إلا غفر له] فالله تعالى يثيب هذا الساعي على سعيه الذي هو له ويرحم ذلك الميت بسعي هذا الحي لدعائه له وصدقته عنه وصيامه عنه وحجه عنه وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ما من رجل يدعو لأخيه دعوة إلا وكل الله به مالكا كلما دعا لأخيه دعوة قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثله] فهذا من السعي الذي ينفع به المؤمن أخاه يثيب الله هذا ويرحم هذا {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} وليس كل ما ينتفع به الميت أو الحي أو يرحم به يكون من سعيه بل أطفال المؤمنين يدخلون الجنة مع آبائهم بلا سعي فالذي لم يجز إلا به أخص من كل انتفاع لئلا يطلب الإنسان الثواب على غير عمله وهو كالدين يوفيه الإنسان عن غيره فتبرأ ذمته لكن له ما وفى به الدين وينبغي له أن يكون هو الموفي له والله أعلم
4-سئل: ما تقول السادة الفقهاء وأئمة الدين وفقهم الله تعالى لمرضاته في القراءة للميت هل تصل إليه؟ أم لا والأجرة على ذلك وطعام أهل الميت لمن هو مستحق غير ذلك والقراءة على القبر والصدقة عن الميت أيهما المشروع الذي أمرنا به؟ والمسجد الذي في وسط القبور والصلاة فيه وما يعلم هل بني قبل القبور؟ أو القبور قبله؟ وله ثلاث: رزق أربعمائة أصدد مون قديمة من زمان الروم ما هو له بل للمسجد وفيه الخطبة كل جمعة والصلاة أيضا في بعض الأوقات وله كل سنة موسم يأتي إليه رجال كثير ونساء ويأتون بالنذور معهم فهل يجوز الإمام أن يتناول من ذلك شيئا لمصالح المسجد الذي في البلد؟ أفتونا يرحمكم الله مأجورين
الجواب: الحمد لله رب العالمين أما الصدقة عن الميت فإنه ينتفع بها باتفاق المسلمين وقد وردت بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث صحيحة مثل قول سعد: [يا رسول الله! إن أمي افتلتت نفسها وأراها لو تكلمت تصدقت فهل ينفعها أن أتصدق عنها؟ فقال: نعم] وكذلك ينفعه الحج عنه والعتق عنه والدعاء والاستغفار له بلا نزاع بين الأئمة - وأما الصيام عنه وصلاة التطوع عنه وقراءة القرآن عنه فهذا فيه قولان للعلماء: أحدهما: ينتفع به وهو مذهب أحمد وأبي حنيفة وغيرهما وبعض أصحاب الشافعي وغيرهم... والثاني: لا تصل إليه وهو المشهور في مالك والشافعي

وأما الاستئجار لنفس القراءة والإهداء فلا يصح ذلك فإن العلماء إنما تنازعوا في جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن والأذان والإمامة والحج عن الغير لأن المستأجر يستوفي المنفعة فقيل: يصح لذلك كما هو المشهور من مذهب مالك والشافعي وقيل: لا يجوز لأن هذه الأعمال يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة فإنها إنما تصح من المسلم دون الكافر فلا يجوز إيقاعها إلا على وجه التقرب إلى الله تعالى وإذا فعلت بعروض لم يكن فيها أجر بالاتفاق لأن الله إنما يقبل من العمل ما أريد به وجهه لا ما فعل لأجل عروض الدنيا - وقيل: يجوز أخذ الأجرة عليها للفقير دون الغني وهو القول الثالث في مذهب أحمد كما أذن الله لولي اليتيم أن يأكل مع الفقير ويستغني مع الغني وهذا القول أقوى من غيره على هذا فإذا فعلها الفقير لله وإنما أخذ الأجرة لحاجته إلى ذلك وليستعين بذلك على طاعة الله فالله يأجره على نيته فيكون قد أكل طيبا وعمل صالحا - وأما إذا كان لا يقرأ إلا لأجل العروض فلا ثواب لهم على ذلك وإذا لم يكن في ذلك ثواب فلا يصل إلى الميت شيء لأنه إنما يصل إلى الميت ثواب العمل لا نفس العمل فإذا تصدق بهذا المال على من يستحقه وصل ذلك إلى الميت وإن تصدق بذلك من يستعين على قراءة القرآن وتعليمه كان أفضل وأحسن فإن إعانة المسلمين بأنفسهم وأموالهم على القرآن وقراءته وتعليمه من أفضل الأعمال - وأما صنعة أهل الميت طعاما يدعون الناس إليه فهذا غير مشروع وإنما هو بدعة بل قد قال جرير بن عبد الله: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعتهم الطعام للناس من ناحية -وإنما المستحب إذا مات الميت أن يصنع لأهله طعام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب: [اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتهم ما يشغلهم] وأما القراءة الدائمة على القبور فلم تكن معروفة عند السلف وقد تنازع الناس في القراءة على القبر فكرهها أبو حنيفة ومالك وأحمد في أكثر الروايات عنه
ورخص فيها في الرواية المتأخرة لما بلغه أن عبد الله بن عمر أوصى أن يقرأ عند دفنه بفواتح البقرة وخواتمها وقد نقل عن بعض الأنصار أنه أوصى عند قبره بالبقرة وهذا إنما كان عند الدفن فأما بعد ذلك فلم ينقل عنهم شيء من ذلك ولهذا فرق في القول الثالث بين القراءة حين الدفن والقراءة الراتبة بعد الدفن فإن هذا بدعة لا يعرف لها أصل ومن قال: إن الميت ينتفع بسماع القرآن ويؤجر على ذلك فقد غلط لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له] فالميت بعد الموت لا يثاب على سماع ولا غيره وإن كان الميت يسمع قرع نعالهم ويسمع سلام الذي يسلم عليه ويسمع غير ذلك لكن لم يبق له عمل غير ما استثنى وأما بناء المساجد على القبور وتسمى مشاهد فهذا غير سائغ بل جميع الأمة ينهون عن ذلك لما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [لعن الله اليهود النصارى اتخذوا أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا] قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدا وفي الصحيح أيضا عنه أنه قال: [إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك] وفي السنن عنه قال: [لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج] وقد اتفق أئمة المسلمين على أن الصلاة في المساجد ليس مأمورا بها لا أمر إيجاب ولا أمر استحباب ولا في الصلاة في المشاهد التي على القبور ونحوها فضيلة على سائر البقاع فضلا عن المساجد باتفاق أئمة المسلمين فمن اعتقد أن الصلاة عندها فيها فضل على الصلاة على غيرها أو أنها أفضل من الصلاة في بعض المساجد فقد فارق جماعة المسلمين ومرق من الدين بل الذي عليه الأمة أن الصلاة فيها منهي عنه نهي تحريم وإن كانوا متنازعين في الصلاة في المقبرة: هل هي محرمة أو مباحة؟ أو يفرق بين المنبوشة والقديمة فذلك لأجل تعليل النهي بالنجاسة لاختلاط التراب بصديد
الموتى وأما هذا فإنه نهى عن ذلك لما فيه من التشبه بالمشركين وأن ذلك أصل عبادة الأصنام قال تعالى: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} قال غير واحد من الصحابة والتابعين: هذه أسماء قوم كانوا قوما صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكره مالك في الموطأ: [اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد] ولهذا لا يشرع باتفاق المسلمين أن ينذر للمشاهد التي على القبور لا زيت ولا شمع ولا دراهم ولا غير ذلك وللمجاورين عندها وخدام القبور فإن النبي صلى الله عليه وسلم: قد لعن من يتخذ عليها المساجد والسرج ومن نذر ذلك فقد نذر معصية وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصيه] وأما الكفارة فهي على قولين: فمذهب أحمد وغيره عليه كفارة يمين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [كفارة النذر كفارة اليمين] رواه مسلم وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال [من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه] ومذهب مالك والشافعي وغيرهما لا شيء عليه لكن إن تصدق بالنذر في المشاهد على من يستحق ذلك من فقراء المسلمين الذين يستعينون بذلك على طاعة الله ورسوله فقد أحسن في ذلك وأجره على الله - ولا يجوز لأحد باتفاق المسلمين أن ينقل صلاة المسلمين وخطبهم من مسجد يجتمعون فيه إلى مشهد من مشاهد القبور ونحوها بل ذلك من أعظم الضلالات والمنكرات حيث تركوا ما أمر به الله ورسوله وفعلوا ما نهى الله عنه ورسوله وتركوا السنة وفعلوا البدعة تركوا طاعة الله ورسوله وارتكبوا معصية الله ورسوله بل يجب إعادة الجمعة والجماعة إلى المسجد الذي هو بيت من بيوت الله {أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة
ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة} وقد قال تعالى: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} وأما القبور التي في المشاهد وغيرها فالسنة لمن أن يسلم على الميت ويدعو له بمنزلة الصلاة على الجائز كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه أن يقولون إذا زاروا القبور: [السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم عن قريب لا حقون ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم] وأما التمسح بالقبر أو الصلاة عنده أو قصده لأجل الدعاء عنده معتقدا أن الدعاء هناك أفضل من الدعاء في غيره أو النذر له ونحو ذلك فليس هذا من دين المسلمين بل هو مما أحدث من البدع القبيحة التي هي من شعب الشرك والله أعلم وأحكم.
5-سئل: عمن يقرأ القرآن العظيم أو شيئا منه هل الأفضل أن يهدي ثوابه لوالديه ولموتى المسلمين؟ أو يجعل ثوابه لنفسه خاصة؟
الجواب: أفضل العبادات ما وافق هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى الصحابة كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبته: [خير الكلام كلام الله وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة] وقال صلى الله عليه وسلم: [خير القرون قرني ثم الذين يلونهم] وقال ابن مسعود: من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد - فإذا عرف هذا الأصل فلأمر الذي كان معروفا بين المسلمين في القرون المفضلة أنهم كانوا يعبدون الله بأنواع العبادات المشروعة فرضها ونفلها من الصلاة والصيام والقراءة والذكر وغير ذلك وكانوا يدعون للمؤمنين والمؤمنات كما أمر الله بذلك لأحيائهم وأمواتهم في صلاتهم على الجنازة وعند زيارة القبور وغير ذلك وروي عن طائفة من السلف عند كل ختمة دعوة مجابة فإذا دعا الرجل عقيب الختم لنفسه ولوالديه ولمشايخه وغيرهم من المؤمنين والمؤمنات كان هذا من الجنس الشروع وكذلك دعاؤه لهم في قيام الليل وغير ذلك من مواطن الإجابة - وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أمر بالصدقة على الميت وأمر أن يصام عنه الصوم فالصدقة عن الموتى من الأعمال الصالحة وكذلك ما جاءت به السنة في الصوم عنهم وبهذا وغيره احتج من قال من العلماء أنه إهداء ثواب العبادات المالية والبدنية إلى موتى المسلمين كما هو مذهب أحمد وأبي حنيفة وطائفة من أصحاب مالك والشافعي فإذا أهدى لميت ثواب صيام أو صلاة أو قراءة جاز ذلك في العبادات المالية ومع هذا لم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعا وصاموا وحجوا أو قرأوا القرآن يهدون ثواب ذلك لموتاهم المسلمين ولا لخصوصهم بل كان عادتهم كما تقدم فلا ينبغي للناس أن يعدلوا عن طريق السلف فإنه أفضل وأكمل والله أعلم.

6- سئل: عمن [هلل سبعين ألف مرة وأهداه للميت يكون براءة للميت من النار] حديث صحيح؟ أم لا؟ وإذا هلل الإنسان وأهداه إلى الميت يصل إليه ثوابه أم لا؟
الجواب: إذا هلل الإنسان هكذا: سبعون ألفا أو أقل أو أكثر وأهديت إليه نفعه الله بذلك وليس هذا حديثا صحيحا ولا ضعيفا والله أعلم.
7- سئل: عن قراءة أهل الميت تصل إليه؟ والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير إذا أهداه إلى الميت يصل إليه ثوابها أم لا؟
الجواب: يصل إلى الميت قراءة أهله وتسبيحهم وتكبيرهم وسائر ذكرهم لله تعالى إذا أهدوه إلى الميت وصل إليه والله أعلم.