إثبات حياة الخضر عليه السلام

إثبات حياة الخضر عليه السلام بالكتاب والسنة والإجماع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد إنسان عين عين الكل فى حضرة الوحدانية، وفاء وفاء الرحمة اللاهوتية، وقاف قافى تجليات أنوار الأسرار الجبروتية، وراء رائى وراء حجب الجلال والكبرياء القيومية، وكاف كافى الأمة بالمنح الجليلة الإحسانية الرحموتية، وعلى آله وأصحابه وأصهاره وأنصاره وحزبه وأزواجه وذريته وأحبابه.
أما بعد؛

فقد كَثُر الخلاف فى زماننا هذا حول مسألة حياة أبى العباس الخضر عليه السلام حتى جعل بعض الوهابية إثبات حياة الخضر عليه السلام من خزعبلات الصوفية، ولم يقف الحد عند إلصاق الخزعبلات بالصوفية بل وصل الأمر إلى تبديع هؤلاء السادة وتكفيرهم. واعلم أن حياة سيدنا الخضر عليه السلام ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع الذى حكاه غير واحد من العلماء كما سترى إذ أن حياة الخضر عليه السلام متواترة كما أفاد ذلك الحافظ ابن حجر العسقلانى فى (الزهر النضر) وفى (الإصابة) وتابعه قوم.
إن الأخبار الورادة فى حياة الخضر كثيرة بحيث بلغت حد التواتر المعنوى وذلك لا محالة يقطع بصحة حياة الخضر ضرورة.
قال الحافظ ابن حجر فى (الإصابة) : يستفاد من هذه الأخبار التواتر المعنوى لأن التواتر لا يشترط فيه ثقة رجاله ولا عدالتهم، وإنما العمدة على ورود الخبر بعدد يستحيل فى العادة تواطؤهم على الكذب، فإن اتفقت ألفاظه فكذلك، وإن اختلفت فهو التواتر المعنوى. انتهى.

وأصح هذه الأخبار ما روى يعقوب بن سفيان فى (تاريخه) من طريق رياح ابن عبيدة قال: رأيت رجلا يماشى عمر بن عبد العزيز معتمدا على يديه، فلما انصرف، قلت له: من الرجل الذى كان معك معتمدا على يديك آنفا؟ قال: وقد رأيته يا رياح؟ قلت: نعم. قال: إنى لا أراك إلا رجلا صالحا. ذاك أخى الخضر بشرنى أن سألى فأعدل.
قال الحافظ ابن حجر فى (الإصابة) : هذا أصلح إسناد وقفت عليه فى هذا الباب. واعلم أن هذا الأثر دل على أن عمر بن عبد العزيز كان يذهب إلى حياة الخضر عليه السلام، وكان يجتمع به، وعمر بن عبد العزيز تابعى جليل أجمعوا على جلالته وفضله ووفور علمه وشفقته على المسلمين. وأخرج الذهبى هذا الأثر فى التذكرة (1/120) فى ترجمة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، وقال: إسناده جيد. هذا الأثر جعل الحافظ ابن الجوزى يثبت حياة الخضر كما جاء فى جزءه المفيد (سيرة عمر بن عبدالعزيز) بعد أن نفاها فى جزء له.
فهذا الأثر له حكم المرسل الجيد إذا أنضم مع كل حديث فى الموضوع فإنه يصححه. قال الشيخ عبد القادر بن محمد الحنفى فى كتابه المسمى بـ (العناية فى تخريج أحاديث الهداية) : اعلم أن أصحابنا أكثر اتباعا للسنة من غيرهم, وذلك أنهم اتبعوا السلف فى قبول المرسل، فإن السلف لم يزالوا على قبوله. قال القرطبى: أجمع العلماء على قبول المرسل، ولم يأت عن أحد منهم إنكاره إلى رأس المائتين. وأشار إلى ذلك أبو عمر بن عبد البر فى (التمهيد) فقال: وأما المتقدمون من السلف فلم يردوا من ذلك شيئا، ولا فرق عندهم بين المرسل والصحيح والحسن. انتهى.

إثبات حياة الخضر عليه السلام بالقرآن الكريم:
قوله تعالى: ((وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون)) وعموم هذه الآية تعلق بها من نفى حياته عليه السلام لكن عارض عمومها خصوص قوله تعالى: ((قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم)) أى من الثقلين كما أجمع المفسرون ولا شك أن الخضر من المنظرين فصيغة العموم فى الخطاب القرآنى (المنظرين) تثبت أن الحكم يشمل إبليس وغيره، والدليل على أن عموم الآية يشمل الخضر وغيره الإجماع الذى نقله الحافظ ابن الصلاح وغيره من أكابر العلماء. وهكذا الشأن فى كل عام وخاص إذا اجتمعا أن يخصص العام بالخاص فيتفق الدليلان. وقال بعض المفسرين فى قوله تعالى: ((وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد)) المراد بالخلد الدوام الأبدى.

إثبات حياة الخضر عليه السلام بالسنة الشريفة:
الأحاديث كثيرة تقوى بعضها بعضا حتى قال ابن حجر رحمه الله تعالى فى (الزهر النضر) : هب أن أسانيدها واهية إذ كل طريق منها لا يسلم من سبب يقتضى تضعيفها فماذا يصنع فى المجموع؟ فإنه على هذه الصورة قد - بمعنى ربما للتكثير - يلحق بالتواتر المعنوى الذى مثلوا له بجود حاتم فمن هنا مع احتمال التأويل فى أدلة القائلين بعدم بقائه. ثم قال: وأقوى الأدلة على عدم بقائه عدم مجيئه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحافظ ابن حجر لا يميل إلى القول بعدم مجيئه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال فى بداية رسالته: ثم لما التزمت فى كتابى (الإصابة فى تمييز الصحابة) أن أذكر كل من جاء فى خبر من الأخبار أنه لقى النبى صلى الله عليه وسلم لزم ذكرى للخضر عليه السلام لأنه من شرط الإصابة وإن لم يرد فى خبر ثابت أنه من جملة الصحابة. ا. هـ. واعلم أن أكثر الأمور المعلومة من الدين ضرورة متواترة معنى. وقد نقل خبر وجوده عن أبى بكر وعمر وعلى وأنس وأبى سعيد الخدرى وجابر وابن عمر وعائشة أم المؤمنين وابن عباس وعن جمع لا يحصون من التابعين وأتباعهم. فحقا قد ثبت وجوده ثبوتا لا ينكره إلا جهول.

إثبات حياة الخضر عليه السلام بالإجماع:
قال العلامة العينى فى (عمدة القارى) : اختلفوا فى حياة الخضر فالجمهور على أنه باق إلى يوم القيامة. وقال االشيخ ابن فرشته فى (شرح المشارق) : والجمهور على أنه حى، وقال الشيخ أكمل الدين فى شرح الكتاب المذكور: أنه حى عند أكثر العلماء. وقال الفاضل الكرمانى فى (الكواكب الدرارى) : والجمهور على حياته وموجود بين أظهرنا. وقال الإمام اليافعى رضى الله تعالى عنه ونفعنا به فى (روض الرياحين) : الصحيح عند جمهور العلماء أن الخضر الآن حى، وبهذا قطع الأولياء، ورجحه الفقهاء والأصوليون وأكثر المحدثين... .. وسأل جماعة من الفقهاء الشيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام قالوا له: ما تقول فى الخضر أحى هو؟ قال: ما تقولون لو أخبركم ابن ابن دقيق العيد أنه رآه بعينه أكنتم تصدقونه أم تكذبونه؟ فقالوا: بل نصدقه، فقال: والله قد أخبر سبعون صديقاً أنهم رأوه بأعينهم كل واحد منهم أفضل من ابن دقيق العيد. قال الثعالبى: هو نبى على جميع الأقوال معمر محجوب عن الأبصار. ويكفى فى ثبوت حياته إجماع المشايخ العظام وجماهير العلماء الأعلام. قال الحافظ سراج الدين ابن الملقن فى (التلخيص) : حياته ثابتة عند الجمهور. والإجماع هو أحد الأدلة الشرعية فى قطعيته مع أن حياته ووجوده أثبتت بالكتاب والسنة المتواترة. إنتهى


سُئلَ الشَّيْخُ -ابن تيمية ـ غفر الله له:-كما في مجموع الفتاوى ج4/ص338
هل كان الخضر ـ عليه السلام ـ نبيًا أو وليًا؟ وهل هو حي إلى الآن؟ وإن كان حيًا فما تقولون فيما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو كان حيًا لزارني) هل هذا الحديث صحيح أم لا؟
فأجَاب:
أما نبوته: فمن بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه ولا إلى غيره من الناس، وأما قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فقد اختلف في نبوته، ومن قال: إنه نبي، لم يقل: إنه سلب النبوة، بل يقول: هو كإلياس نبي، لكنه لم يوح إليه في هذه الأوقات، وترك الوحي إليه في مدة معينة ليس نفيًا لحقيقة النبوة، كما لو فتر الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء مدة رسالته. وأكثر العلماء على أنه لم يكن نبيًا، مع أن نبوة من قبلنا يقرب كثير منها من الكرامة والكمال في الأمة، وإن كان كل واحد من النبيين أفضل من كل واحد من الصديقين كما رتبه القرآن، وكما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر الصديق) ، وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن كان الرجل ليسمع الصوت فيكون نبيًا) . وفي هذه الأمة من يسمعه ويرى الضوء وليس بنبي؛ لأن ما يراه ويسمعه يجب أن يعرضه على ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فإن وافقه فهو حق، وإن خالفه تيقن أن الذي جاء من عند الله يقين لا يخالطه ريب، ولا يحوجه أن يشهد عليه بموافقة غيره.

وأما حياته: فهو حي. والحديث المذكور لا أصل له، ولا يعرف له إسناد، بل المروي في مسند الشافعي وغيره: أنه اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن قال: إنه لم يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد قال ما لا علم له به، فإنه من العلم الذي لا يحاط به. ومن احتج على وفاته بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أرأيتكم ليلتكم هذه، فإنه على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد) فلا حجة فيه، فإنه يمكن أن يكون الخضر إذ ذاك على وجه الأرض. ولأن الدجال ـ وكذلك الجساسة ـ الصحيح أنه كان حيا موجودا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو باق إلى اليوم لم يخرج، وكان في جزيرة من جزائر البحر. فما كان من الجواب عنه كان هو الجواب عن الخضر، وهو أن يكون لفظ الأرض لم يدخل في هذا الخبر، أو يكون أراد صلى الله عليه وسلم الآدميين المعروفين، وأما من خرج عن العادة فلم يدخل في العموم، كما لم تدخل الجن، وإن كان لفظًا ينتظم الجن والإنس. وتخصيص مثل هذا من مثل هذا العموم كثير معتاد. والله أعلم. اهـ

المشكلة إن الاغلبية فاهمة الحياة على أنها حياة جسدية فقط على حسب ما اعتادت الاعين لكل البشر ولا يعلمون بأن الجسد ما هو إلا جلباب من جلاليب الروح ظهرت به الروح فى الحياة الدنيا. وأن هناك ما لايعد من أنواع الحيوات والحياة الدنيا احدى هذة الحيوات فما المانع إذا بأن يكون سيدنا الخضر حي بيننا ولكن بجلباب أخر غير جلباب الدنيا وهكذا كل الصالحين والانبياء والمرسلين. الروح لاتموت الروح خالدة والذى يموت هو الجسد احد جلاليبها فالروح منذ الست بربكم إلى ماشاء الله خالدة وكيف تموت الروح وهى من روح الله.