أدلة شرعية على جواز التبرك بآثار الصالحين


هذه مجموعة من الأدلة الشرعية على جواز التبرك بآثار الصالحين وتحري الدعاء والصلاة عند قبورهم.
وهي في معظمها مجموعة من سلسلة مؤلفات فضيلة السيد الشريف الدكتور محمود صبيح
وما كان من غيرها سأذكر إن شاء الله مصدره.
أولا: أدلة من السنة:
1- عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل خطوها عند منتهى طرفها فركبت ومعي جبريل عليه السلام فسرت فقال انزل فصل ففعلت فقال أتدري أين صليت؟ صليت بطيبة وإليها المهاجر ثم قال انزل فصل فصليت فقال: أتدري أين صليت؟ صليت بطور سيناء حيث كلم الله عز وجل موسى عليه السلام ثم قال: انزل فصل , فنزلت فصليت فقال: أتدري أين صليت؟ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى عليه السلام " اهـ

هذا الحديث أخرجه النسائي في المجتبى (1 221 , 222) والطبراني في مسند الشاميين (1 / 194) وابن عساكر في تاريخ دمشق (65 / 281) قال الحافظ ابن حجر في الإصابة (4 / 764) : وأخرجه النسائي من حديث أنس مرفوعا بسند لا بأس به وله شاهد عند البيهقي من حديث شداد بن أوس وحسن إسناده ابن كثير بعدما أنكره في - تفسيره (3 / 15) - وقال ابن كثير في قوله الأخير في البداية والنهاية (2 / 66) رواه النسائي بإسناد لا بأس به عن أنس مرفوعا والبيهقي بإسناده وصححه , أما حديث شداد بن أوس فقد صححه البيهقي كما ذكر ابن كثير , قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1 / 73 , 74) : رواه البزار (8 / 409 , 410) والطبراني في الكبير (7 283) وفيه إسحاق بن إبراهيم بن العلاء وثقه يحيى بن معين وضعفه النسائي ووثقه أيضا ابن حبان (8 / 113) وقال أبو حاتم: شيخ لا بأس به (الجرح والتعديل 2 / 209) قال الحافظ في التقريب (1 / 99) صدوق يهم كثيرا.

2- عن محمد بن عمران الأنصاري عن أبيه أنه قال: عدل إلي عبد الله بن عمر وأنا نازل تحت سرحة - شجرة عظيمة - بطريق مكة فقال: ما أنزلك تحت هذه السرحة فقلت: أردت ظلها فقال: ذلك , فقلت: لا ما ذلك , فقال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كنت بين الأخشبين من منى - ونفخ بيده نحو المشرق - فإن هناك واديا يقال له السرر به شجرة سر تحتها سبعون نبيا " اهـ
وهذا نص قطعي وواضح للترغيب في زيارة أثار الأنبياء أشار به النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر رضي الله عنهما عندما يكون عند الأخشبين.
هذا الحديث رواه الإمام مالك في الموطأ (1 / 423) - وكما هو معلوم فإن كل ما في الموطأ صحيح - والإمام أحمد في مسنده (2 / 138) والحافظ النسائي في المجتبى (5 / 284) وابن حبان في صحيحه (14 / 137) والبيهقي في الكبرى (5 / 139 (

3- أخرج الإمام البخاري في صحيحه (1 / 189) من حديث يزيد بن أبي عبيد قال:" كنت آتي مع سلمة بن الأكوع فيصلي عند الأسطوانة التي عند المصحف فقلت: يا أبا مسلم أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأسطوانة قال: فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها. "اهـ

4- قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1 / 571) :
"وفي الترمذي من حديث عمرو بن عوف أن النبي صلي الله عليه وسلم صلى في وادي الروحاء , وقال " لقد صلى في هذا المسجد سبعون نبيا " , الثالث عرف من صنيع ابن عمر استحباب تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم , والتبرك بها وقد قال البغوي من الشافعية: إن المساجد التي ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى فيها لو نذر أحد الصلاة في شيء منها تعين كما تتعين المساجد الثلاثة " اهـ

ثانيا: أدلة من فعل الصحابة رضي الله عنهم
1- قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة رأيت أسامة قال ورأيته يصلي عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم , فخرج مروان بن الحكم فقال تصلي عند قبره , قال إني أحبه فقال له قولا قبيحا , ثم أدبر فانصرف أسامة فقال لمروان: إنك آذيتني وإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول " إن الله يبغض الفاحش المتفحش وإنك فاحش متفحش " اهـ
رواه ابن حبان في صحيحه (12 / 506 برقم 5694) والطبراني في الكبير (1 / 166 برقم 504) وابن عساكر في تاريخ دمشق (57 / 248 , 249) والضياء في المختارة (4 / 106 , 107 برقم 1317 , 1318) واللفظ له وهذا الحديث صححه ابن حبان والحافظ المقدسي وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8 / 64 , 65) رواه الطبراني ورجاله ثقات , وقد ذكر هذه القصة الحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب (1 76 , 77) والذهبي في سير أعلام النبلاء (2 / 502 , 4 / 483) والحافظ ابن حجر في فتح الباري (10 / 453) وقال: صححه بن حبان. والمناوي في فيض القدير (2 / 285) ونقل توثيق الهيثمي

2- عن أم علقمة " أن امرأة دخلت بيت عائشة فصلت عند بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهي صحيحة فسجدت فلم ترفع رأسها حتى ماتت فقالت عائشة: الحمد لله الذي يحيي ويميت إن في هذه لعبرة في عبد الرحمن بن أبي بكر رقد في مقيل له قاله فذهبوا يوقظونه فوجدوه وقد مات فدخل نفس عائشة تهمة أن يكون صنع به شرا وعجل عليه فدفن وهو حي فرأت أنه عبرة لها وذهب ما كان في نفسها من ذلك " اهـ
رواه الحاكم (3 / 541) برقم 6011) ووافقه الذهبي , ورواه البيهقي في شعب الإيمان (7 / 256) برقم 10222) .

3- كان أبو هريرة يحدث ويقول:" اسمعي يا ربة الحجرة اسمعي يا ربة الحجرة وعائشة تصلي فلما قضت صلاتها قالت لعروة ألا تسمع إلى هذا ومقالته آنفا؟ إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث حديثا لو عده العاد لأحصاه" اهـ
رواه الإمام البخاري (3 / 1307) ومسلم (4 / 2298) واللفظ له وأبو داود (3 / 320 , برقم 3654) وأبو يعلى (8 / 136) قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6 / 578) تعليقا على رواية البخاري سبحتي بمعنى صلاتي - كما تقول سبحة الضحى أي صلاة الضحى - وانظر إلى صلاة السيدة عائشة رضي الله عنها في بيتها سبحة الضحى عند ابن أبي شيبة في مصنفه (2 / 175

4- قال الإمام النووي في ترجمة عقبة بن عامر الصحابي
(تهذيب الأسماء " 1 / 308 , 309 ") ما نصه:
" عقبة بن عامر الصحابي رضي الله عنه كان البريد إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بفتح دمشق ووصل المدينة في سبعة أيام ورجع منها إلي الشام في يومين ونصف بدعائه عند قبر رسول الله صلي الله عليه وسلم وتشفعه به في تقريب طريقه " اهـ

5- ورد في الأثر الصحيح:
الذي رواه ابن شيبة والبيهقي وابن عساكر " عن مالك الدار قال: وكان خازن عمر على الطعام قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتى الرجل في المنام فقيل له: ائت عمر فأقرئه وأخبره أنكم مسقون وقل له عليك الكيس عليك الكيس فأتى عمر فأخبره فبكى عمر ثم قال: يارب لا آلو إلا ما عجزت عنه " اهـ
رواه ابن أبى شيبة (6 / 356 برقم 32002) والبيهقي في دلائل النبوة وابن عساكر في تاريخ دمشق (44 / 345) , (56 / 489) وهو حديث صحيح صححه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2 / 495 - 496) وابن كثير في البداية والنهاية (7 / 91 - 92) والحافظ الغماري (الرد المحكم ص 52 ,53) وقد أورد هذه القصة أيضا بدون نكير ابن جرير الطبري في تاريخه (2 / 509) (ولكن بإسناد آخر) والحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب (3 / 1149) وأبو يعلى القزويني في الإرشاد (1 / 314) . اهـ

6- ففي الاستيعاب لابن عبد البر (4 / 1807 - 1808)
وتاريخ دمشق لابن عساكر (25 /96) :
" وروى ابن عيينة عن إسماعيل بن خالد قال خطب عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت أبى بكر إلى عائشة فأطمعته وقالت: أين المذهب بها عنك؟ فلما ذهبت قالت الجارية: تزوجينني عمر وقد عرفت غيرته وخشونة عيشه والله لئن فعلت لأخرجن إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصيحن به إنما أريد فتى من قريش يصب على الدنيا صبا قال: فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص فأخبرته الخبر فقال عمرو: وأنا أكفيك فقال: يا أمير المؤمنين لو جمعت إليك امرأة فقال: عسى أن يكون ذلك في أيامك هذه , قال: ومن ذكر أمير المؤمنين قال: أم كلثوم بنت أبى بكر قال مالك ولجارية تنعى إليك أباها بكرة وعشيا قال عمر: أعائشة أمرتك بذلك؟ قال نعم فتركها: قال فتزوجها طلحة بن عبيد الله وقال على: لقد تزوجها أفتى أصحاب محمد صلى الله عليه.

وقد استدل ابن قدامه الحنبلي في المغنى (7 / 33) على صحة تزويج البنت قبل بلوغها بهذه الحادثة." اهـ
7- عن عبد الله بن دينار أنه قال: ثم رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو ,ثم يدعو لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. " اهـ رواه البيهقي في السنن الكبرى (5 / 245)

8- عن عبد الله بن منيب بن عبد الله بن أبي أمامة عن أبيه قال: رأيت أنس بن مالك أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فوقف فرفع يديه حتى ظننت أنه افتتح على النبي صلى الله عليه وسلم ثم انصرف " اهـ رواه البيهقي في شعب الإيمان (3 / 491) وإسناده حسن

9- عن عبد الرحمن بن صفوان قال:
"لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قلت: لألبسن ثيابي فكانت داري على الطريق فذكر الحديث إلى أن قال: فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت من كان معه , أين صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ركعتين عند السارية الوسطى عن يمينها , قال الهيثمي في المجمع (3 / 295) رواه البزار وفيه حديث عمر بن الخطاب أنه صلى ركعتين ورجاله رجال الصحيح

10- وفي مسند الإمام أحمد (2 / 75) :
" عن عبد الله بن أبي مليكة أن معاوية قدم مكة فدخل الكعبة فبعث إلي ابن عمر ثم قال أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صلى بين الساريتين بحيال الباب , فجاء ابن الزبير فرج الباب رجا شديدا ففتح له فقال لمعاوية: أما أنك قد علمت أني كنت أعلم مثل الذي يعلم ولكنك حسدتني " اهـ

11- ففي تاريخ دمشق لابن عساكر (7 / 137)
والغساني في أخباره (1 / 45 -46) برقم (75) :
[أن بلالا - مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم - رأى في منامه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: ما هذه الجفوة يا بلال أما آن لك أن تزورني يا بلال فانتبه حزينا وجلا خائفا فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه وأقبل الحسن والحسين فجعل يضمهما ويقبلهما، فقالا له: يا بلال نشتهي نسمع آذانك الذي كنت تؤذنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في السحر، ففعل فعلا سطح المسجد فوقف موقفه الذي كان يقف فيه فلما أن قال: الله أكبر الله أكبر ارتجت المدينة فلما أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله، زاد تعاجيجها فلما أن قال: أشهد أن محمدا رسول الله خرج العواتق من خدورهن فقالوا: أبعث رسول الله، فما رئي يوم أكثر باكيا ولا باكية بعد رسول الله من ذلك اليوم.] اهـ
وهذه الحادثة قال عنها الشوكاني في نيل الأوطار (5 / 180) : وقد رويت زيارته صلى الله عليه وآله وسلم عن جماعة من الصحابة منهم بلال عند ابن عساكر بسند جيد وحسنه غير واحد من العلماء وإن قال عنها الذهبي في السير (1 / 358) إسناده لين. اهـ
وقد ذكر هذه القصة دون نكير الحافظ المزي صاحب ابن تيمية في كتابه تهذيب الكمال، والإمام النووي في تهذيب الأسماء وغيرهما. اهـ
قلت:
وقد جود إسناد هذه الرواية: الإمام السبكي في شفاء السقام (صـ 55) وقال: (روينا ذلك بإسناد جيد إليه وهو نص في الباب) اهـ. وقال في (صـ 57) : [وليس اعتمادنا في الاستدلال بهذا الحديث على رؤيا المنام فقط، بل على فعل بلال، وهو صحابي، لاسيما في خلافة عمر رضي الله عنه والصحابة متوافرون، ولا يخفى عنهم هذه القصة، ومنام بلال ورؤياه للنبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتمثل به الشيطان، وليس فيه ما يخالف ما ثبت في اليقظة فيتأكد به فعل الصحابي.
وجود إسنادها أيضا الإمام ابن حجر الهيتمي في الجوهر المنظم (صـ 65) .

المصدر: منتدى موقع د. محمود صبيح