فتوى: دار الأفتاء المصرية الرقم المسلسل 5179
الموضوع مظاهر الاحتفال بالمولد والحركة في الذكر. التاريخ 02/04/2007
السؤال: اطلعنا على الطلب المقيد برقم 489 لسنة 2007م المتضمن:
ادعى بعض خطباء الجمع ببلدتنا أن:
1- الاحتفال بالمولد النبوي غير مشروع.
2- السير بالموكب وحمل الأعلام والضرب بالدفِّ من أجل المولد غير مشروع.
3- عمل ليلة احتفالية بالمولد غير مشروع.
4- شراء الحلوى وإهدائها لمناسبة المولد غير مشروع.
5- الوقوف في حلقات الذكر والتمايل فيها غير مشروع.
6- إطلاق لقب "سيدي" على الأولياء غير مشروع. فما حكم ذلك؟
الجواب: أمانة الفتوى:
الاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعد من أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنه تعبير عن الفرح والحب له صلى الله عليه وآله وسلم، ومحبته أصل من أصول الإيمان، وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ". رواه البخاري.
والمراد من الاحتفال المشروع بذكرى المولد النبوي هو تجمع الناس على الذِّكْر، والإنشاد في مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وإطعام الطعام صدقة لله، إعلانًا لمحبة سيد الخلائق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإعلانًا بالفرح بيوم مجيئه الكريم إلى دنيانا صلى الله عليه وآله وسلم. والاحتفال بمولده صلى الله عليه وآله وسلم هو من قبيل الاحتفاء به، والاحتفاء به صلى الله عليه وآله وسلم أمر مقطوع بمشروعيته؛ فهو النعمة الكبرى على العالم، وشكر النعم مطلوب محمود لا يلام فاعله بل يحمد ويشكر. وقد سن لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه الشريفة جنس الشكر لله تعالى على ميلاده الشريف، فقد صح أنه كان يصوم يوم الاثنين ويقول: "ذَلِكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ" رواه مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه، فهو شكر منه عليه الصلاة والسلام على منة الله تعالى عليه وعلى الأمة بذاته الشريفة، فالأولى بالأمة الائتساء به صلى الله عليه وآله وسلم بشكر الله تعالى على منته ومنحته المصطفوية بكل أنواع الشكر. والاحتفال بيوم المولد بما ذكرنا مما درج عليه سلفنا الصالح منذ القرن الرابع والخامس،
ونص على مشروعيته غير واحد من الأئمة والعلماء في مصنفات مستقلة أو ثنايا كتبهم، منهم: أبو شامة المقدسي شيخ الإمام النووي، وابن الحاج في المدخل، والحافظ ابن حجر شارح البخاري، والجلال السيوطي في رسالة مستقلة سماها "حسن المقصد في عمل المولد".
وقد نقل الصالحي في ديوانه الحافل في السيرة النبوية "سبل الهدى والرشاد في هدْي خير العباد" عن بعض الصالحين: أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منامه، فشكى إليه أن بعض الناس يقول ببدعية الاحتفال بالمولد الشريف، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من فرِح بنا فَرِحْنا به"، والرؤيا وإن كان لا يثبت بها حكم شرعي إلا أنها يُسْتَشهَد بها فيما وافق أصول الشرع الشريف.
وما اعتاده الناس من شراء الحلوى والتهادي بها، فهو أمر مباح في ذاته، لم يقم دليل على المنع منه أو إباحته في وقت دون وقت، لا سيما إذا انضم إلى ذلك مقصد صالح كإدخال السرور على أهل البيت أو صلة الأرحام، فإنه يكون حينئذ أمرًا مستحبًا ومطلوبًا يثيب الشرع على مثله، والقول بتحريمه أو المنع منه ضرب من التنطع المذموم. وأما ما جرى عليه العمل في بعض الأنحاء من عمل موكب يسير فيه المحتفلون بالمولد حاملين رايات التي يُنْتَقَش عليها بعض الشعارات الدينية، ويتغنون فيها بالمدائح النبوية والقصائد الزهدية فلا حرج فيه طالما خلا عما ينافي الشرع من الاختلاط المذموم ونحوه.
وإذا كان الضرب بالدف فى إعلان النكاح أمر أجازه الشرع من باب إظهار الفرح بالنكاح، وفيه حديث الترمذي: "أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاح، واِجْعَلُوه في المَسَاجِد، واِضْرِبُوا عَلَيْه بالدَُفُوف"، فاستعمال الدف لإظهار الفرح بمولد خير الأنام أولى وأحرى، وجواز ذلك كله مشروط بمراعاة الأدب المطلوب شرعًا في مثل هذا المقام. وأما بخصوص الوقوف في حلقات الذكر والتمايل في أثنائه، فنقول: إن الله تعالى طلب الذكر من المسلمين مطلقًا فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] ، وقال مادحًا عباده المؤمنين: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191] ، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت" رواه البخاري، وروى الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه أن رجلا قال: "يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله"، فالحث على الذكر جاء على لسان الشرع الشريف مطلقًا، فالأصل أنه لا يقيد بحال دون حال أو بوقت دون وقت. ولما كان الشرع لم ينه عن الوقوف أو الحركة أثناء الذكر، كان ذلك على الأصل من الإباحة، طالما التزم الذاكر السكينة والوقار أثناء الحركة، ولم يأت بما يتنافى والأدب المطلوب مع حضرة الله تعالى أثناء الذكر، وكان على مدَّعي المنع أوالتحريم إقامة الدليل على دعواه التي تخالف الأصل.
ويتأكد الجواز إذا كانت الحركة قد صدرت عن الذاكر قهرًا وغلبة، كأن يندمج في الذكر فيصيبه حال من الوجد، فتصدر منه الحركة دون قصد لها، كما قال الشاعر:
وإني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض العصفور بلله القطر
وقد روى الحافظ أبو نعيم في الحلية عن الإمام علي رضي الله عنه أنه قال في وصف الصحابة رضي الله عنهم: "إذا ذكر الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم ريح فانهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم يومًا"، وهذا الأثر صريح في أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتحركون حركة شديدة في الذكر.
وقال العلامة ابن كمال باشا من علماء الحنفية لمَّا استفتي عن هذه المسألة:
ما في التواجد إن حققتَ من حرج ولا التمايل إن أخلصتَ من باس
فقمتَ تسعى على رِجْلٍ وَحُقَّ لمن دعاه مولاه أن يسعى على الراس
والخلاصة أنه طالما انضبط الذكر بالأدب، وعدم تحريف ألفاظ الذكر بما يفسد معناها فلا يظهر معنى في المنع. أما بخصوص إطلاق السيادة فإن كان المسوَّد هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن ذلك مشروع مطلوب بإجماع المسلمين، وقد أخبر عن نفسه الشريفة بذلك فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ» وفي رواية «أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ» متفق عليه، وأمرنا الله سبحانه وتعالى بتوقيره وتعظيمه فقال: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفتح: 9] ومن توقيره تسويدُه، كما قال قتادةُ والسُّدِّيُ: "وتوقروه": وتُسَوِّدُوهُ. وأما إطلاق السيادة على غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المخلوقين فهو كذلك أمر مشروع بنص الكتاب والسنة وفعل الأمة خلفًا عن سلفٍ من غير نكير. قال تعالى عن سيدنا يحيى عليه السلام: {فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى فِى المِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًا مِّنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 39] قال الإمام القرطبي: "ففيه دلالة على جواز تسمية الإنسان سيدًا، كما يجوز أن يُسمَّى عزيزًا أو كريمًا" اهـ.
وأما السنة: فقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شأن الحسن والحسين عليهما السلام: "الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ" أخرجه الترمذي والحاكم وصححاه. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه البخاري في شأن الحسن بن علي عليهما السلام: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ". وقوله صلى الله عليه وآله وسلم عن سعد بن معاذ رضي الله عنه -مخاطبًا الصحابة الكرام-: "قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ" أخرجه البخاري. وأما فعل الأمة: فمنه قول عمر رضي الله عنه عن أبي بكر الصديق وبلال رضي الله عنهما: "أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا" أخرجه البخاري. والنقول في مثل هذا كثيرة سمعها الصحابة من غير نكير ولا معارضة، فكان ذلك بمثابة الإجماع السكوتي منهم على مشروعيتها، وهو حجة كما تقرر في الأصول. وعليه فإن إطلاق السيادة على أهل البيت وأولياء الله الصالحين أمر مشروع، بل هو مطلوب شرعًا لما فيه من حسن الأدب معهم والتوقير والإجلال لهم، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ" رواه أحمد والحاكم وصححه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه. والله تعالى أعلم.
تمت الإجابة بتاريخ 12/4/2007
الموضوع مظاهر الاحتفال بالمولد والحركة في الذكر. التاريخ 02/04/2007
السؤال: اطلعنا على الطلب المقيد برقم 489 لسنة 2007م المتضمن:
ادعى بعض خطباء الجمع ببلدتنا أن:
1- الاحتفال بالمولد النبوي غير مشروع.
2- السير بالموكب وحمل الأعلام والضرب بالدفِّ من أجل المولد غير مشروع.
3- عمل ليلة احتفالية بالمولد غير مشروع.
4- شراء الحلوى وإهدائها لمناسبة المولد غير مشروع.
5- الوقوف في حلقات الذكر والتمايل فيها غير مشروع.
6- إطلاق لقب "سيدي" على الأولياء غير مشروع. فما حكم ذلك؟
الجواب: أمانة الفتوى:
الاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعد من أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنه تعبير عن الفرح والحب له صلى الله عليه وآله وسلم، ومحبته أصل من أصول الإيمان، وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ". رواه البخاري.
والمراد من الاحتفال المشروع بذكرى المولد النبوي هو تجمع الناس على الذِّكْر، والإنشاد في مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وإطعام الطعام صدقة لله، إعلانًا لمحبة سيد الخلائق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإعلانًا بالفرح بيوم مجيئه الكريم إلى دنيانا صلى الله عليه وآله وسلم. والاحتفال بمولده صلى الله عليه وآله وسلم هو من قبيل الاحتفاء به، والاحتفاء به صلى الله عليه وآله وسلم أمر مقطوع بمشروعيته؛ فهو النعمة الكبرى على العالم، وشكر النعم مطلوب محمود لا يلام فاعله بل يحمد ويشكر. وقد سن لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه الشريفة جنس الشكر لله تعالى على ميلاده الشريف، فقد صح أنه كان يصوم يوم الاثنين ويقول: "ذَلِكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ" رواه مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه، فهو شكر منه عليه الصلاة والسلام على منة الله تعالى عليه وعلى الأمة بذاته الشريفة، فالأولى بالأمة الائتساء به صلى الله عليه وآله وسلم بشكر الله تعالى على منته ومنحته المصطفوية بكل أنواع الشكر. والاحتفال بيوم المولد بما ذكرنا مما درج عليه سلفنا الصالح منذ القرن الرابع والخامس،
ونص على مشروعيته غير واحد من الأئمة والعلماء في مصنفات مستقلة أو ثنايا كتبهم، منهم: أبو شامة المقدسي شيخ الإمام النووي، وابن الحاج في المدخل، والحافظ ابن حجر شارح البخاري، والجلال السيوطي في رسالة مستقلة سماها "حسن المقصد في عمل المولد".
وقد نقل الصالحي في ديوانه الحافل في السيرة النبوية "سبل الهدى والرشاد في هدْي خير العباد" عن بعض الصالحين: أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منامه، فشكى إليه أن بعض الناس يقول ببدعية الاحتفال بالمولد الشريف، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من فرِح بنا فَرِحْنا به"، والرؤيا وإن كان لا يثبت بها حكم شرعي إلا أنها يُسْتَشهَد بها فيما وافق أصول الشرع الشريف.
وما اعتاده الناس من شراء الحلوى والتهادي بها، فهو أمر مباح في ذاته، لم يقم دليل على المنع منه أو إباحته في وقت دون وقت، لا سيما إذا انضم إلى ذلك مقصد صالح كإدخال السرور على أهل البيت أو صلة الأرحام، فإنه يكون حينئذ أمرًا مستحبًا ومطلوبًا يثيب الشرع على مثله، والقول بتحريمه أو المنع منه ضرب من التنطع المذموم. وأما ما جرى عليه العمل في بعض الأنحاء من عمل موكب يسير فيه المحتفلون بالمولد حاملين رايات التي يُنْتَقَش عليها بعض الشعارات الدينية، ويتغنون فيها بالمدائح النبوية والقصائد الزهدية فلا حرج فيه طالما خلا عما ينافي الشرع من الاختلاط المذموم ونحوه.
وإذا كان الضرب بالدف فى إعلان النكاح أمر أجازه الشرع من باب إظهار الفرح بالنكاح، وفيه حديث الترمذي: "أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاح، واِجْعَلُوه في المَسَاجِد، واِضْرِبُوا عَلَيْه بالدَُفُوف"، فاستعمال الدف لإظهار الفرح بمولد خير الأنام أولى وأحرى، وجواز ذلك كله مشروط بمراعاة الأدب المطلوب شرعًا في مثل هذا المقام. وأما بخصوص الوقوف في حلقات الذكر والتمايل في أثنائه، فنقول: إن الله تعالى طلب الذكر من المسلمين مطلقًا فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] ، وقال مادحًا عباده المؤمنين: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191] ، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت" رواه البخاري، وروى الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه أن رجلا قال: "يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله"، فالحث على الذكر جاء على لسان الشرع الشريف مطلقًا، فالأصل أنه لا يقيد بحال دون حال أو بوقت دون وقت. ولما كان الشرع لم ينه عن الوقوف أو الحركة أثناء الذكر، كان ذلك على الأصل من الإباحة، طالما التزم الذاكر السكينة والوقار أثناء الحركة، ولم يأت بما يتنافى والأدب المطلوب مع حضرة الله تعالى أثناء الذكر، وكان على مدَّعي المنع أوالتحريم إقامة الدليل على دعواه التي تخالف الأصل.
ويتأكد الجواز إذا كانت الحركة قد صدرت عن الذاكر قهرًا وغلبة، كأن يندمج في الذكر فيصيبه حال من الوجد، فتصدر منه الحركة دون قصد لها، كما قال الشاعر:
وإني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض العصفور بلله القطر
وقد روى الحافظ أبو نعيم في الحلية عن الإمام علي رضي الله عنه أنه قال في وصف الصحابة رضي الله عنهم: "إذا ذكر الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم ريح فانهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم يومًا"، وهذا الأثر صريح في أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتحركون حركة شديدة في الذكر.
وقال العلامة ابن كمال باشا من علماء الحنفية لمَّا استفتي عن هذه المسألة:
ما في التواجد إن حققتَ من حرج ولا التمايل إن أخلصتَ من باس
فقمتَ تسعى على رِجْلٍ وَحُقَّ لمن دعاه مولاه أن يسعى على الراس
والخلاصة أنه طالما انضبط الذكر بالأدب، وعدم تحريف ألفاظ الذكر بما يفسد معناها فلا يظهر معنى في المنع. أما بخصوص إطلاق السيادة فإن كان المسوَّد هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن ذلك مشروع مطلوب بإجماع المسلمين، وقد أخبر عن نفسه الشريفة بذلك فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ» وفي رواية «أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ» متفق عليه، وأمرنا الله سبحانه وتعالى بتوقيره وتعظيمه فقال: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفتح: 9] ومن توقيره تسويدُه، كما قال قتادةُ والسُّدِّيُ: "وتوقروه": وتُسَوِّدُوهُ. وأما إطلاق السيادة على غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المخلوقين فهو كذلك أمر مشروع بنص الكتاب والسنة وفعل الأمة خلفًا عن سلفٍ من غير نكير. قال تعالى عن سيدنا يحيى عليه السلام: {فَنَادَتْهُ المَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى فِى المِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًا مِّنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 39] قال الإمام القرطبي: "ففيه دلالة على جواز تسمية الإنسان سيدًا، كما يجوز أن يُسمَّى عزيزًا أو كريمًا" اهـ.
وأما السنة: فقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شأن الحسن والحسين عليهما السلام: "الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ" أخرجه الترمذي والحاكم وصححاه. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه البخاري في شأن الحسن بن علي عليهما السلام: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ". وقوله صلى الله عليه وآله وسلم عن سعد بن معاذ رضي الله عنه -مخاطبًا الصحابة الكرام-: "قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ" أخرجه البخاري. وأما فعل الأمة: فمنه قول عمر رضي الله عنه عن أبي بكر الصديق وبلال رضي الله عنهما: "أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا" أخرجه البخاري. والنقول في مثل هذا كثيرة سمعها الصحابة من غير نكير ولا معارضة، فكان ذلك بمثابة الإجماع السكوتي منهم على مشروعيتها، وهو حجة كما تقرر في الأصول. وعليه فإن إطلاق السيادة على أهل البيت وأولياء الله الصالحين أمر مشروع، بل هو مطلوب شرعًا لما فيه من حسن الأدب معهم والتوقير والإجلال لهم، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ" رواه أحمد والحاكم وصححه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه. والله تعالى أعلم.
تمت الإجابة بتاريخ 12/4/2007