فهم العلماء للنهي الوارد في حديث لا تشد الرحال

فهم العلماء للنهي الوارد في الحديث هل هو للتحريم أم لبيان الأفضلية ؟
قد ثبت بفضل الله ما ملخصه :
- زيارة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من أعظم القربات ومما أجمعت عليه الأمة.
- حديث " لا تشد الرحال " لا علاقة ولا دخل له بموضوع الزيارة النبوية.
هذا وقد ورد في حديث " لا تشد الرحال " نهي عن شد الرحال لمسجد سوى المساجد الثلاثة، فهل هذا النهي للتحريم أو لبيان أفضلية المساجد الثلاثة على غيرها من المساجد؟
للإجابة عن هذا السؤال تابع معي أخي القاريء أقوال العلماء في فهمهم للنهي الوارد في الحديث.
قال ابن بطال: [هذا الحديث، إنما هو عند العلماء فيمن نذر على نفسه الصلاة في مسجد من سائر المساجد غير المساجد الثلاثة.] اهـ. [1]

وقال الإمام أبو سليمان الخطابي في معالم السنن (2/ 443) :
[هذا " أي حديث لا تشد الرحال... " في النذر، ينذر الإنسان أن يصلي في بعض المساجد فإن شاء وفَّى به، وإن شاء صلى في غيره إلا أن يكون نذر الصلاة في واحد من هذه المساجد، فإن الوفاء يلزمه بما نذره فيها. وإنما خصَ هذه المساجد بذلك لأنها مساجد الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وقد أمرنا بالإقتداء بهم. اهـ
ومن المقرر أن النذر لا يجب إلا في طاعة، فمعنى الحديث يجب الوفاء لمن نذر إتيان أحد المساجد الثلاثة للصلاة فيها، فمن نذر إتيان غير هذه المساجد لا يجب عليه الوفاء بالنذر.
قال الإمام النووي في المجموع (8 / 377) :
[لا خلاف في ذلك إلا ما روي عن الليث أنه قال: يجب الوفاء به، وعن الحنابلة رواية: يلزمه كفارة يمين، ولا ينعقد نذره، وعن المالكية رواية: إذا تعلقت به عبادة تختص به كرباط لزمه، وإلا فلا، وذكر عن محمد بن مسلمة المالكي في مسجد قباء لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه كل سبت. اهـ
قال ابن بطال: [وأما من أراد الصلاة في مساجد الصالحين والتبرك بها متطوعً بلك فمباح إن قصدها بإعمال المطي وغيره ولا يتوجه إليه الذي في هذا الحديث.]
وقال النووي رحمه الله تعالى في شرح صحيح مسلم (9 / 106) :
[والصحيح عند أصحابنا وهو الذي اختاره إمام الحرمين والمحققون أنه لا يحرم ولا يكره. قالوا: والمراد أن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى هذه الثلاثة خاصة والله أعلم.] اهـ

وقال أبو محمد ابن قدامة المقدسي الحنبلي في المغني (2/103 - 104) :
[فإن سافر لزيارة القبور والمشاهد، فقال ابن عقيل: لا يباح له الترخص لأنه منهي عن السفر إليها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) متفق عليه والصحيح إباحته وجواز القصر فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء راكباً وماشياً وكان يزور القبور وقال: (زوروها تذكركم الآخرة) ، وأما قوله عليه السلام " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد " فيحمل على نفي التفضيل لا على التحريم وليست الفضيلة شرطاً في إباحة القصر، فلا يضر انتفاؤها، ".] اهـ ومثله لأبي الفرج ابن قدامة في الشرح الكبير (2 / 93) .
وقال إمام الحرمين: [والظاهر أنه ليس فيه تحريم، ولا كراهة، وبه قال الشيخ أبو علي: ومقصود الحديث تخصيص القربة بقصد المساجد الثلاثة) . اهـ (الروضة: 3/324) ، و (المجموع: 8/375) .] اهـ
وصفوة ما سبق:
أن الصلاة في هذه المساجد تختص بطاعة زائدة على ما سواها من المساجد، ولما كان الأمر كذلك فلا يصح الوفاء بالنذر إلا إليها، أما غيرها من المساجد فيستوي ثواب الصلاة فيها، والسفر إليها سفر مباح يجوز قصر الصلاة فيه.
ولعله خير ختام لهذا المبحث ما نسوقه الآن مما قاله الإمام الحافظ الحليمي في كتابه:" المنهاج في شعب الإيمان " (1/ 320) : [الباب الخامس عشر من شعب الإيمان ,وهو باب في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وإجلاله وتوقيره , وبعد أن ذكر ما جاء في التنزيل من وجوب إجلاله ,وما روي عن الصحابة من تعظيمهم وتوقيرهم له. قال: فهذا كان من الذين ورثوا مشاهدته وصحبته , فأما اليوم فمن تعظيمه زيارته صلى الله عليه وآله وسلم , فقد جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:" من زارني بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي ".] اهـ
هامش.
[1] رفع المنارة للدكتور محمود سعيد ممدوح (108، 109)

المصدر: منتدى موقع د. محمود صبيح