عن سيدنا أنس رضي الله عنه أن سيدتنا ام سليم رضي الله عنها (كانت تبسط للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قطعا فيقيل عندها على ذلك النطع قال فإذا نام النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة ثم جمعته في سك وهو نائم قال فلما حضر أنس بن مالك الوفاة أوصى إلى أن يجعل في حنوطه من المسك قال: فجعل في حنوطه) (1).
وفي رواية: دخل علينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال عندنا فجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ فقال: أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك تجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب (2) .
وفي رواية: عرق فاستنقع عرقه على قطعة أديم عتيدة فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصره في قواريرها فأفاق فقال: ما تصنعين؟ قالت: نرجوا بركته لصبياننا فقال: أصبت (3).
وفي رواية أبي قلابة: فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب والقوارير فقال: ما هذا؟ قالت: عرقك أدوف به طيبي (4).
ويستفاد من هذه الروايات إطلاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فعل أم سليم وتصويبه ولا معارضة بين قولها إنها كانت تجمعه لأجل طيبه وبين قولها للبركة بل يحتمل على أنها كانت تفعل ذلك للأمرين معا (5).
__________
(1) أخرجه البخاري (6281) .
(2) أخرجه مسلم (6009) وأحمد (3/136) وعبد بن حميد (1268) .
(3) أخرجه مسلم (6010) وأحمد (3/221) .
(4) أخرجه مسلم (6011) وأحمد (6/276) وأدوف بمعنى أبل به طيبي.
(5) فتح الباري الجزء الحادي عشر ص 72.
************************************************
التبرك بجلده الشريف صلى الله عليه وآله وسلم :
عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: كان أسيد بن حضير رضي الله عنه رجلا صالحا ضاحكا مليحا فبينما هو عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحدث القوم ويضحكهم فطعنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خاصرته فقال: أوجعتني قال صلى الله عليه وآله وسلم اقتص قال: يا رسول الله إن عليك قميصا ولم يكن علي قميص قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قميصه فجعل يقبل كشحه فقال: يأبي أنت وأمي يا رسول الله! أردت هذا (1).
وعن حبان بن واسع عن أشياخ من قومه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر وفي يده قدح يعدل به القوم فمر بسواد بن غزية رضي الله عنه حليف بني عدي بن النجار وهو مستنصل من الصف أي خارج فطعنه في بطنه بالقدح وقال: استوى يا سواد فقال يا رسول الله! أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني فكشف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بدنه فقال: استقد فاعتنقه فقبل بطنه فقال: ما حملك على هذا يا سواد؟ قال: يا رسول الله! حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخير (2).
__________
(1) أخرجه أبو داود (5224) والحاكم (2/288) وصححه ووافقه الذهبي وأخرجه الطبراني في الكبير (557) .
(2) أخرجه ابن إسحاق كذا في البداية (3/271) .
وعن الحسن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقي رجلا مختضبا بصفرة وفي يد النبي صلى الله عليه وآله وسلم جريدة: فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم خط ورس فطعن بالجريدة بطن الرجل وقال: ألم أنهك عن هذا؟ فأثر في بطنه دما أدماه، فقال: القود يا رسول الله! فقال الناس: أمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقتص؟ فقال: ما لبشرة أحد فضل على بشرتي فكشف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بطنه ثم قال: اقتص فقبل الرجل بطن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: أدعها (1)
لك أن تشفع لي يوم القيامة (2) .
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «زاهر باديتنا ونحن حاضرته وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحبه فمشى صلى الله عليه وآله وسلم يوما إلى السوق فوجده قائما فجاء من قبل ظهره وضمه بيده إلى صدره فأحس زاهر بأنه رسول الله قال: فجعلت أمسح ظهري في صدره رجاء بركته.
وفي رواية: فاحتضنه من خلفه ولا يبصره فقال: أرسلني من هذا؟ فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعل لا يألوما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينه عرفه – فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من يشتري العبد فقال له زاهر: يا رسول الله! إذا تجدني كاسدا. فقال صلى الله عليه وآله وسلم " «أنت عند الله غال» .
وفي رواية أخرى: لكن عند الله لست بكاسد أو قال أنت عند الله غال (3). (4)
__________
(1) وقوله – أدعها لك: أي أترك المقاصصة.
(2) أخرجه عبدالرزاق (9/466) وكذا في الكنز (15/91) .
(3) أخرجه أحمد (3/161) والترمذي في الشمائل (239) وأبو يعلى (3456) والبزار (2735) والبيهقي (6/169) والبغوي (3604) وعبدالرزاق في المصنف (19688) وابن حبان (5790) والهيثمي في المجمع (9/368 -369) وصححه الحافظ في الإصابة (1/523) .
(4) المواهب اللدنية (1/297) .
***************************************************
التبرك بلباسه أو بجبته صلى الله عليه وآله وسلم :
عن سيدنا سهل بن سعد رضي الله عنه في البردة التي استوهبها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلامه الصحابة على طلبها فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي أكفن فيها (1).
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت عند عائشة حتى قبضت فلما قبضت قبضتها وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها (2).
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه على الصحيح (14/44) وفي هذا الحديث دليل على استحباب التبرك بآثار الصالحين وثيابهم.
وفي شرح الإحياء للحافظ الزبيدي (3) ما نصه: عن الشعبي قال: حضرت عائشة رضي الله عنها: وهي تقول (إني قد أحدثت حدثا ولا أدري ما حالي عنده فلا تدفنوني معه فإني أكره أن أجاور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أدري ما حالي عنده ثم دعت بخرقة من قميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: ضعوا هذا على صدري وادفنوها معي لعلي أنجو من عذاب القبر) .
وقال الحافظ الزبيدي في الإتحاف (4) ما نصه : ويروى أن آخر خطبة خطبها معاوية إذ قال: أيها الناس إن من زرع قد استحصد وإني قد وليتكم ولن يليكم أحد من بعدي إلا وهو شر مني كما كان من قبلي خيرا مني ويا يزيد – يعني ولده – إذا وفى أجلي فول غسلي رجلا لبيبا فإن اللبيب من الله بمكان فلينعم الغسل وليجهر بالتكبير ثم اعمد – أي أقصد – إلى منديل في الخزانة فيه ثوب من ثياب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقراضة من شعره وأظفاره فاستودع القراظة أنفي وعيني واجعل الثوب على جلدي دون اكفاني.
_________
(1) أخرجه البخاري (6036) .
(2) أخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة (3/145) .
(3) إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين (10/333) .
(4) إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين (10/321) .***************************************
التبرك بموضع فمه صلى الله عليه وآله وسلم :
عن سيدنا أبي بردة قال: قدمت المدينة فلقيني عبدالله بن سلام فقال لي: (انطلق إلى المنزل فأسقيك في قدح شرب فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتصلي في مسجده) (1).
وعن سيدنا أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل إلى ام سليم وفي البيت قربة معلقة فشرب من فيها – أي من فم القربة – وهو قائم قال أنس: فقطعت أم سليم فم القربة فهو عندنا (2).
والمعنى: أن أم سليم قطعت فم القربة الذي هو موضع شربه صلى الله عليه وآله وسلم واحتفظت به في بيتها للتبرك بأثر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(1)أخرجه البخاري (7342) . (2)أخرجه أحمد (22/70)
**************************************************
التبرك بيده وبموضعها صلى الله عليه وآله وسلم :
عن محمد بن عبدالملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله علمني سنة الأذان قال: فمسح مقدم رأسه قال: «تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ترفع بها صوتك..» (3) الحديث.
وفي رواية: فكان أبو محذورة يجز ناصيته لا يفرقها لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسح عليها (4) .
__________
(3) أخرجه أحمد (3/408، 409) وبو داود (500) والنسائي (632) وابن حبان (1682) والبيهقي في السنن (1/394) والبغوي في شرح السنة (408) وابن خزيمة في صحيحه (378) .
(4) رواه ابو داود (501) .
وعن صفية بنت مجرأة: (أن أبا محذورة كانت له قصة في مقدمة رأسه إذا قعد أرسلها فتبلغ الأرض فقالوا له ألا تحلقها؟ -فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسح عليها بيده فلم اكن لأحلقها حتى أموت) .
وعن موسى بن عقبة قال: رأيت سالم بن عبدالله يتحرى أماكن من الطريق فيصلي فيها ويحدث أن أباه كان يصلي فيها وأنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي في تلك الأمكنة قال موسى: وحدثني نافع أن ابن عمر كان يصلي في تلك الأمكنة (1)
وعن يزيد بن الأسود في حديث حجة الوداع قال: فلما صلى الصبح انحرف جالسا فاستقبل الناس بوجهه وذكر قصة الرجلين الذين لم يصليا قال ونهض الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونهضت معهم وأنا يومئذ أشب الرجال وأجلدهم قال: فما زلت أزاحم الناس حتى وصلت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذت بيده فوضعها إما على وجهي أو على صدري قال: فما وجدت شيئا أطيب ولا أبرد من يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: وهو يومئذ بمسجد الخيف.
وفي رواية: ثم ثار الناس يأخذون بيده ويمسحون بها وجوههم (2).
وعن سيدنا أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء فما يؤتى بإناء إلا وغمس يده فيها فربما جاؤوا في الغداة الباردة فيغمس يده فيها (3).
__________
(1) أخرجه البخاري (483) . (2) أخرجه أحمد (4/161) . (3) أخرجه مسلم (5996)